قصة مبتكر
قصة ابتكار
لوك هاوارد
المسامير الليلية
يعرف ما كانت عليه تعليقات العلماء الذين اجتمعوا في لندن ذات يوم من شهر ديسمبر 1802م، للاستماع إلى شاب في الثلاثين من عمره يدعى لوك هاوارد يقرأ على مسامعهم ما توصّل إليه في مجال دراسة الغيوم وتصنيفها علمياً. ولكن المؤكد ألاَّ أحد منهم أدرك آنذاك أنه أمام الحدث الذي سيؤسس لعلم الأرصاد الجوية الحديث، وأن الأسماء المستحدثة في أوراق هاوارد ستبقى نفسها حتى عصرنا هذا. ولد لوك هاوارد في سنة 1772م، وبعد أن عمل لبعض الوقت في مشغل للحدادة يملكه والده، انتقل وهو في الثانية والعشرين من عمره إلى لندن للعمل في إحدى صيدلياتها. وكان من المتوقع أن يمضي حياته في هذا الميدان، غير أن هناك ما حوله عن الصيدلية إلى الغيوم.. فقد شهدت سنة 1783م طقساً سيئاً جداً، أو قل كارثياً في أوروبا بأسرها. إذ اجتاحتها عواصف وأعاصير مدمرة، وضربتها الزلازل في أكثر من مكان، وثارت البراكين.. وفي منتصف شهر يونيه حجب الضباب الكثيف الضوء عن لندن وكان ذا رائحة كبريتية قوية، ففسدت اللحوم في المتاجر وتساقطت أوراق الشجر، وأصيب عشرات الآلاف بالغثيان والصداع الشديد. كان هاوارد آنذاك في الحادية عشرة من عمره. وبقيت أحداث تلك السنة في ذاكرته، وطبعت مزاجه الشخصي بطابعها، حتى أنه كتب عنها لاحقاً في مذكراته. أمضى هاوارد سنوات وهو يراقب الغيوم ويدرس أشكالها ومدى ارتفاعها عن سطح الأرض، وما إذا كانت ممطرة أم لا.. وتوصل في النهاية إلى تصنيف الغيوم في ثلاث فئات رئيسة، أطلق على كل منها اسماً لاتينياً: سيروس (وتعني الخيوط) للغيوم شاهقة الارتفاع، كومولوس (وتعني الممتدة) لمتوسطة الارتفاع، وستراتوس (أي المتكتلة) للغيوم الأقرب إلى الأرض. ولأن الغيوم تتحرك وتتبدل أشكالها وتنتقل من مستوى إلى آخر، وضع هاوارد تصنيفات لأربع طبقات أخرى، أطلق عليها أسماء مركبة مثل سيروكومولوس، وكومولوستراتوس، وما شابه.. مستفيداً بذلك من منهاج تسمية الأشياء بكلمتين الذي أسسه السويدي كارل فون لينه سنة 1735م، وراج لاحقاً في كافة الحقول العلمية. توفي هاوارد سنة 1864م، وعدد طبقات الغيوم التي صنفها سبع. ولم يعتمد هذا التصنيف ولا الأسماء المستحدثة رسمياً إلا في العام 1891م. وعلى مدى قرنين من الزمن لم يضف علماء الأرصاد الجوية في العالم بأسره، سوى اسمين لطبقتين انتقاليتين من الغيوم، ليستقر العدد النهائي على التسع.
كانت واحدة من الليالي المظلمة والضبابية في العام 1933م، حين كان العامل البريطاني بيرسي شو يقود مركبته إلى برادفورد ويشق طريقه بصعوبة إلى أن تفادى وفي اللحظة الأخيرة السقوط في جرف، حين انعكست أضواء المركبة في عيني قطة كانت جالسة على سور إلى جانب الطريق ما جنبه الموت. تلك الحادثة أوحت لشو بفكرة جعلته مشهوراً، وقدمت للإنسانية وسيلة للأمان على الطرق. إذ اعتبر أن ثمة حاجة ملحة لشيء على الطرقات لمساعدة السائقين على القيادة في الظلام. كان سائقو المركبات في ذلك الوقت يهتدون ليلاً داخل المدن البريطانية بالضوء المنعكس من خطوط الترام. وعندما استبدل الترام بالباصات فقد السائقون دليلهم، وتذكر شو ما كان أخبره به صديق يعمل في حقل العلوم بأن عيون القطط تعكس جزءاً من الضوء المسلط عليها. فالقطط لديها ما يشبه المرآة خلف عيونها، وهي عبارة عن عدسة ومرآة معكوسة تعيد الضوء المسلط عليها إلى مصدره. هذه المعلومة الصغيرة وحادثة تلك الليلة دفعت بشو إلى ابتكار شكل جديد في ترشيد الطرق. عدسات محدبة على خلفية مرآة من الألمنيوم مطمورة في لبادة مطاطية ومزروعة ضمن قالب حديدى في الطريق. وكما عيون القطط، فإن العدسة والمرآة ثبتتا بطريقة تعكس الضوء المسلط عليها من مصابيح السيارات المقبلة وترده إلى السائق. وفي العام 1935م أنشئ أول مصنع لإنتاج المسامير الليلية أو عيون القطط ، وانتشر هذا الابتكار في العالم وراج أثناء الحرب العالمية الثانية عندما دعت الحاجة إلى استخدامه في المطارات. ومع تطور التكنولوجيا بات لـ عيون القطط وظائف أخرى، منها مراقبة السائقين. فقد طورت شركة بريطانية عيون قطط ذكية تستطيع أن تلتقط صور السيارات العابرة، وأن تراقب سرعة السائقين وحتى تحذيرهم إذا كانت قيادتهم تشكل خطراً على سلامة السير، وذلك من خلال ربط هذه العيون بأجهزة كومبيوتر مركزية تحوّل الإشارات الملتقطة إلى نظام الكومبيوتر ما يساعد الشرطة على مراقبة حركة السير والحوادث التي تقع. وثمة عيون قطط ذكية تتضمن لواقط حساسة جداً لأوضاع الطقس، وتسجل سرعة حركة السير. وعندما تلتقط هذه الوحدات خطراً ما مثل الضباب فإنها تطلق ضوءاً أبيض يسلط على السيارات المقبلة ما يمنح السائق رؤية واضحة أمامه على خلاف عيون القطط التقليدية، وإذا انخفضت الحرارة وصار هناك احتمال تكوّن طبقة من الجليد على الطريق فإن عيون القطط الذكية تطلق ضوءاً أزرق وتتابع إطلاقه إلى أن يذوب الجليد.