غالباً ما نسمع خلال الأحاديث, خاصة عندما تدور بين بعض المطلعين نسبياً على ما تنشره المجلات حول توقعات المستقبل وما يقوله العلم بشأنها, أحكاماً مبرمة عن «حقائق» مرتقبة خلال مدة معينة. وتتعزز هذه الأحكام بسيل من «الدراسات» تؤكد أن تطوراً معيناً سينتهي إلى نتيجة معيَّنة خلال هذه المدة أو تلك.
أخيراً, نشرت مجلة «بوبيولارساينس» الأمريكية جملة توقعات تتعلَّق بالشأن البيئي، كان قد أطلقها المختبر التابع لوزارة الطاقة الأمريكية عام 1988م, وتوقع حصولها في غضون 10 سنوات. ولكن مع حلول العام 2008م, نجد أن عدداً كبيراً من هذه التوقعات لم يحصد غير الخيبة.
فقد توقَّع علماء المختبر المذكور أن تكتسح «المنتجات الخضر»، أي تلك التي تتحلَّل في الطبيعة من تلقاء نفسها, معظم ما ينتجه العالم. ولكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة لا تزال مضطرة إلى تدوير %32 من نفاياتها, ويمثل هذا الرقم ضعفي النفايات المدورة في تسعينيات القرن الماضي.
وتوقع العلماء المذكورون آنذاك أن نعيش اليوم في عالم خالٍ من الورق بسبب انتشار الكتابة الإلكترونية. ولكن انخفاض استهلاك الورق لم يتجاوز مليوني طن (من 14.7 مليون طن عام 1999م إلى 12.7 مليون طن عام 2006م) في الولايات المتحدة الأكثر اعتماداً على الكتابة الإلكترونية. أما في باقي دول العالم فالفارق بين اليوم والأمس لا يزال أقل من ذلك بكثير.
وتوقع العلماء أن يتحسن أداء السيارات في استهلاكها للوقود لتصبح قادرة على اجتياز 80 ميلاً بالغالون الواحد. أما الواقع, ورغم كل الجهود التي بذلت في هذا المجال، فإن المعدل لا يزال أعلى بقليل من 20 ميلاً بالغالون.
وتوقع العلماء أن تحظى زراعة الحبوب المعدَّلة وراثياً بانتشار عالمي. ولكن دولاً عديدة لا تزال تثير جدلاً في هذا الشأن, والكثير منها يتحفظ عن تبني هذه الزراعة.
لا مجال هنا للخوض في العوامل التي تؤدي إلى تبديد مثل هذه التوقعات. فقد تكون مغرقة في التفاؤل أصلاً, وقد يكون الحماس لابتكار أو لتطوير معين هو الذي دفع الخيال إلى وضع صورة معينة للمستقبل لا تتطابق مع الواقع الذي سيحمله هذا المستقبل. وقد تكون هناك دوافع سياسية وإعلامية وترويجية. ما يهمنا نحن هو في نمط إصغائنا إلى هذه التوقعات.
فالإصغاء إلى خبر معين بدقة كالقول إن المختبر الفلاني سينزل إلى الأسواق في شهر مارس المقبل دواءً جديداً لمعالجة مرضى السكري, يختلف عن إصغائنا إلى وصف حالة عامة غير محدودة بمعطيات مفصلة. فتطور المجتمعات وأنماط الحياة فيها أعقد من أن تكون مادة لتوقع جازم بمسارها في هذا الاتجاة أو ذاك. إذ إن الأسس التي تبنى عليها هذه الفرضيات والنظريات, متحركة ومتقلِّبة ومرتبطة بعوامل لا حصر لها، وعليه لابد للنتائج من أن تكون كذلك.
باختصار إن الإصغاء إلى «التوقعات العلمية» يجب أن يبقى مصحوباً بالقدرة على التحليل والمناقشة والشك.
الشك ..هو أساس الفكر العلمي.