لأول مرة، وقبل أيام معدودة فقط، طالعنا كلمةً تشير إلى رقم لم نسمع له سابقاً: «أوكتيليون»، وذلك في مقال علمي يقارن قوة انفجار السديم بقوة انفجار قنبلة ذرية. وعند البحث عن معنى هذا الرقم اكتشفنا أنه يساوي عشرة مرفوعةً إلى القوة السابعة والعشرين (1027)، أي واحد وبعده سبعة وعشرون صفراً، أي أنه يساوي بليون بليون بليون، أو ألف ترليون ترليون.
لو عاد شخص -يستطيع العودة- بذاكرته إلى ثلاثة عقود خلت، لتذكر أن الأرقام الكبرى كانت تقف عند حدود الملايين في معظم المجالات، ولا تتجاوزها إلى البلايين إلا في مجالات محددة مثل عدد سكان العالم وموازنات الدول الكبرى وما شابه ذلك.
فكان يشار إلى أكبر الأثرياء بكلمة «مليونير»، أي الذي يملك مليوناً وما فوق، ولكن لأن المليون أصبح رقماً عادياً، خرجت كلمة «مليونير» من التداول لصالح «البليونير»، أي بات على الشخص أن يمتلك أكثر من «بليون» لكي يُعد من كبار الأثرياء. صحيح أن الأمر مرتبط بتضخم الثروات (والتضخم النقدي أيضاً ) الذي جعلنا في السنوات الأخيرة نتداول رقماً جديداً هو «تريليون»، أي ألف بليون.. وهذا التبدل ما هو إلا جزء صغير يكاد يكون رمزاً لاتساع المقاييس من حولنا، وخاصة في مجال العلوم. واتساع المقاييس لا يتم في اتجاه التضخم فقط، بل أيضاً في اتجاه متناهي الصغر.
ففي المقاييس المترية على سبيل المثال، سمع الكثيرون خلال سنوات الدراسة بـ «الميكرون» الذي يساوي واحد على ألف من الملليمتر، وبعدها، كان هذا المقياس يخرج من التداول الفعلي. ولكن، قبل سنوات سبع فقط، أطلت «تقنية النانو» لتجبر كل متحدث عنها على التعريف بمعنى «النانو» أو «النانومتر» الذي يساوي واحد على مليون من الملليمتر، والمفارقة أن هذا المقياس لم يخرج من التداول، بل صار يطالعنا يومياً، حتى على اللوحات الإعلانية في الشوارع.
فما الذي يمكننا أن نقرأه بين «الأوكتيليون» كرقم مجرد، وبين «النانومتر» كمقياس، غير تمدد المساحة التي صارت العلوم والمعارف الإنسانية تجول ما بينها، مساحة تضاعفت ربما أكثر من «كوادريليون» مرة.
عند بحثنا في القواميس عن الحدود القصوى الموضوعة للأرقام والمقاييس، اكتشفنا أن هناك خمس وحدات قياس متري أصغر من النانومتر، وأصغرها على الإطلاق هو «اليوكتومتر» الذي يساوي جزءاً واحداً من الملليمتر المقسَّم إلى ألف بليون بليون جزء، كما اكتشفنا أن «الأوكتيليون» يحتل المرتبة الثانية عشرة فقط ضمن النظام العشري، وفوقه هناك ثلاثة عشر اسماً للأرقام، أكبرها على الإطلاق حتى الآن هو «السنتيليون» الذي يتألف من الرقم 1 يتبعه 303 أصفار!
أمام هذه الأرقام، فإن المجال الذي تجول فيه العلوم والمعارف الإنسانية ويثير دهشتنا اليوم، لا يبدو أنه يستحق الدهشة فعلاً، رغم أن هذه المساحة اتسعت بضعة أصفار قبل الفاصلة، وازدادت دقة عدة أصفار بعدها، لا بل يبدو هذا المجال قزماً لا يستحق الذكر بالمقارنة، نظرياً على الأقل، مع أرقام ومقاسات
لا تزال بعيدة جداً عن التناول بأي شكل.. وتنتظر!