بارتفاع أسعار النفط الذي شهده العالم العام الماضي، برز الحديث عن مصافي الزيت ومحدودية قدراتها مقارنة مع الطلب العالمي المتنامي، من ضمن أبرز الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار. مصافي الزيت وأعمال التكرير، هذه الحلقة التي لا بد منها بين البئر والمستهلك يستعرضها ريك سنيدكر ويتناول إضافة إليها المنشآت القائمة ومشروعات أرامكو السعودية محلياً وعالمياً وشبكة الشراكات التي نسجتها لتطوير وتنمية قطاع التكرير.
مع تنامي الطلب بشدة على المنتجات المكررة بسبب تصاعد معدلات التنمية الصناعية في أنحاء العالم، وخاصة في الدولتين الأكثر تعداداً في العالم وهما الصين والهند، لا تكاد الطاقة التكريرية في العالم أجمع تفي بالطلب.
وحتى لو وجد الزيت الخام والغاز بوفرة من دون أن تكون هناك طاقة تكرير كافية، فسيظل هناك نقص في المنتجات النهائية. وقد بلغت طاقة استغلال المصافي في الوقت الراهن 90 في المئة أو أكثر، ما يعني أنه لا يوجد الكثير مما يمكن التعويل عليه من هذه الناحية. وعليه، فإن طاقة التكرير العالمية تبرز فجأة كموضوع ساخن.
استشراف المستقبل تلافياً للمأزق
في هذا المجال، قال الأستاذ عبدالله صالح جمعة, رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين, في كلمة ألقاها قبل فترة أمام مؤتمر جمعية كمبريدج لأبحاث الطاقة بهيوستن، تكساس تحت عنوان الارتفاع إلى مستوى التحدي: تأمين مستقبل الطاقة ، إن التحدي أمامنا لا ينتهي بمجرد خروج الزيت من الأرض، فمع أنه يتعين زيادة إنتاج الزيت الخام بحوالي 40 مليون برميل في اليوم على مدى العقدين المقبلين لمواجهة الطلب، يتعين في المقابل التوسع في طاقة التكرير العالمية. وبالنظر إلى طبيعة الكثير من هذه الزيادة الإنتاجية، فإن جزءاً كبيراً من طاقة التكرير يجب أن يصمم بحيث يستوعب الزيت الثقيل وأنواع الزيت المرة مع تزايد الطلب على المنتجات الأخف وتشدد المواصفات الخاصة بهذه المنتجات .
وفي كلمته في شهر مايو، حذر ألن جريسبان، رئيس مجلس إدارة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قائلاً إلى جانب المخاوف من نقص الطاقة الإنتاجية للزيت الخام، نجد أن الوضع بالنسبة لطاقة العالم التكريرية يدعو للقلق كذلك .
وفي مقابلة معه مؤخراً، قال معالي الأستاذ علي إبراهيم النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي إن هناك نقصاً في الطاقة التكريرية العالمية، وأشار إلى أنه ما لم يتم سد هذا النقص، فسوف يستمر الطلب على المنتجات المكررة يمثل ضغطاً باتجاه زيادة أسعار الزيت.
أما الأستاذ خالد جاسم البوعينين، نائب رئيس أرامكو السعودية للتكرير فقال في كلمة له أمام مؤتمر التكرير المنعقد في دبي بدولة الإمارات المتحدة في شهر إبريل إنه لو تحققت جميع المشروعات المعلنة لزيادة الطاقة التكريرية مع استمرار الطلب على الزيت في الارتفاع بمعدل 2 في المئة سنوياً، كما هو متوقع، فسوف نشهد نقصاً في الطاقة التكريرية يقدر بنحو 10 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2015م. وسوف يتم تعويض هذا النقص جزئياً من خلال زيادة إنتاج الزيوت الثقيلة والمرة، ولكن سيكون على مرافق التكرير الجديدة استيعاب هذه الأنواع من الزيت .
ومع أن المملكة العربية السعودية ودولاً أخرى تقوم ببناء المزيد من المصافي، فسوف يستغرق الأمر سنوات لزيادة الطاقة التكريرية الحالية، كما سيحتاج وقتاً أطول لبناء مصافٍ جديدة. وعليه يتوقع المسؤولون والمحللون في أوبك أن يؤدي نقص الطاقة التكريرية إلى مواصلة ارتفاع أسعار المنتجات حتى عام 2008م على أقل تقدير.
ويؤكد الأستاذ عبدالله جمعة إن موقع المصافي المستقبلية سيكون بأهمية مواصفاتها، فحتى اليوم، كان بناء المصافي يتم بصورة أساسية في الدول المستهلكة، وإن كنت أعتقد أننا سنشهد بناء بعض المصافي الجديدة في الدول المنتجة. ويعود ذلك إلى حد ما إلى القيود المفروضة على الترخيص بإنشاء مصافٍ جديدة أو توسعة المصافي القديمة في الدول المستهلكة. غير أن زيادة المصافي في الدول المنتجة سوف يدفع إليه بصورة أساسية قرب هذه المصافي من احتياطات الزيت، والمرونة التي تأتي من تصدير المنتجات إلى أسواق عديدة من موقع مركزي، والرغبة في إضافة القيمة إلى إمدادات الزيت قبل تصديرها. كما أن مثل هذه المصافي والمجمّعات التصنيعية الكبيرة المندمجة مع المصافي ومرافق البتروكيميائيات والصناعات التحويلية وصناعة الخدمات تسهم أيضاً في دعم وتنويع الاقتصاديات مع دعم الزيادة في الوظائف.
وانطلاقاً من التزامها الطويل بعمل كل ما هو ممكن للمساعدة في توافر كميات كافية من إمدادات المنتجات الهيدروكربونية للعالم، لا تألو أرامكو السعودية جهداً في السعي إلى ضمان كفاية الطاقة التكريرية لإنتاج المنتجات النهائية القيمة التي يحتاج إليها الاقتصاد العالمي. ولذا، فقد بدأت الشركة برنامجاً شاملاً وطموحاً لزيادة الطاقة التكريرية داخل البلاد وخارجها. ويشمل البرنامج إنشاء مصافٍ جديد وتوسعة المصافي القائمة في المملكة مع الاستثمار في امتلاك حصص جديدة في مصافي ومرافق تكرير في الخارج، والدخول في مشروعات مشتركة جديدة في مجال التكرير، وخاصة في آسيا .
المشروعات المخططة
وفيما يلي موجز بالمشروعات التي تخطط لها الشركة في مجال التكرير، بدءاً بما هو محلي منها:
• مصفاة رابغ: وقَّعت أرامكو السعودية مذكرة تفاهم مع سوميتومو كيمكال كومباني اليابانية لتحويل مصفاة القطف الحالية في رابغ على ساحل البحر الأحمر إلى مصفاة متكاملة للزيت الخام ومجمع للبتروكيميائيات. وسوف يتم من خلال المشروع تحويل المصفاة الحالية إلى مصفاة للتجزئة بطاقة 400 ألف برميل في اليوم، قادرة على إنتاج الأوليفينات بطاقة قدرها 2.2 مليون طن سنوياً تقريباً. وقد بدئت الأعمال الأولية لتنفيذ المشروع بالكامل.
• مصفاة ينبع الثانية: تخطط الشركة لإنشاء مصفاة تصديرية جديدة في ينبع بطاقة قدرها 400 ألف برميل في اليوم. وتبحث الشركة عن مستثمرين لإقامة المشروع الذي يهدف إلى تزويد الأسواق الرئيسة في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأقصى بمنتجات عالية الجودة.
• دمج معمل التكرير في رأس تنورة مع معمل الغاز في الجعيمة: تدرس الشركة الجدوى الاقتصادية لدمج وحدات وخطوط إنتاج مختلفة من معمل التكرير في رأس تنورة ومعمل الغاز في الجعيمة، وكلاهما في المنطقة الشرقية، لإنشاء مصفاة متكاملة ومجمع للبتروكيميائيات. وتجري الدراسات حالياً لتحديد أفضل المواصفات.
المشروعات الدولية
• مشروع فوجيان في الصين: تدخل أرامكو السعودية في مشروع مشترك مع إكسون موبيل وتشينا بتروليم آند كيمكال كوربوريشن (سينوبك)، وحكومة مقاطعة فوجيان لتوسعة المصفاة الحالية وإنشاء مجمع متكامل للبتروكيميائيات. وقد تم توقيع عقد الأعمال الأولية للمشروع الذي يهدف إلى زيادة الطاقة التكريرية للمصفاة الحالية من 80 ألف برميل في اليوم إلى 240 ألف برميل في اليوم مع تحسين جودة المنتجات.
• مشروع مقاطعة قينقداو في الصين: تجري أرامكو السعودية مباحثات للمشاركة في إنشاء مصفاة تحويلية جديدة في هذه المقاطعة.
إلى ذلك، تدرس أرامكو السعودية إمكانية الدخول في مشروعات مشتركة مع الهند لإنشاء مصافٍ جديدة، مع إمكانية الاستثمار لإقامة مرافق تخزين تجارية للزيت الخام في الهند. كما تدرس أرامكو السعودية إمكانية زيادة الطاقة التكريرية في الولايات المتحدة من أجل تخفيف اختناقات الطاقة التكريرية في هذا البلد. وتملك أرامكو السعودية حالياً حصصاً جزئية أو كاملة في العديد من المصافي المحلية والدولية القائمة تبلغ طاقتها التكريرية الإجمالية نحو 4.2 مليون برميل في اليوم.
المشروعات المشتركة الدولية
• إس- أويل: في كوريا الجنوبية وهو مشروع مشترك بنسبة 28 في المئة لكوريا الجنوبية، و35 في المئة لأرامكو السعودية و37 في المئة للجمهور، وتبلغ طاقتها التكريرية 565 ألف برميل في اليوم.
• بترون في الفلبين: شركة الزيت الوطنية الفلبينية، وهي مملوكة لحكومة الفلبين بنسبة 40 في المئة، ولأرامكو السعودية بنسبة 40 في المئة، ولمستثمرين آخرين بنسبة 20 في المئة، وتبلغ طاقتها التكريرية 180 ألف برميل في اليوم.
• موتور أويل (هيلاس): وهو مشروع مشترك بين عائلة رئيس مجلس الإدارة فارديس فاردينويانيس اليونانية بنسبة 58.1 في المئة، وأرامكو السعودية بنسبة 41.9 في المئة، وتبلغ طاقتها التكريرية 100 ألف برميل في اليوم.
• موتيفا إنتربرايزز ل.ل.سي: وهو مشروع مشترك بين شل الأمريكية وشركة التكرير السعودية بنسبة 50 في المئة لكل منهما، وتبلغ طاقتها التكريرية 725 ألف برميل في اليوم.
• شوا شل سكيو ك. ك: وهو مشروع مشترك بين مساهمين يابانيين عديدين، وتبلغ حصة أرامكو فيها 9.96 في المئة، مع إمكانية زيادة هذه الحصة، وتبلغ طاقتها التكريرية 515 ألف برميل في اليوم.
المشروعات المشتركة المحلية
• شركة مصفاة أرامكو السعودية موبيل المحدودة (سامرف) في ينبع: وهو مشروع مشترك بين أرامكو السعودية وإكسون موبيل بنسبة 50 في المئة لكل منهما، وتبلغ طاقتها التكريرية 400 ألف برميل في اليوم.
• شركة مصفاة أرامكو السعودية شل المحدودة (ساسرف) في الجبيل: وهو مشروع مشترك بين أرامكو السعودية وشل بنسبة 50 في المئة لكل منهما، وتبلغ طاقتها التكريرية 320 ألف برميل في اليوم.
حصص الملكية لأرامكو السعودية في المصافي المحلية:
• معمل التكرير في رأس تنورة: مملوك بالكامل لأرامكو السعودية، وتبلغ طاقته التكريرية 550 ألف برميل في اليوم.
• مصفاة الرياض: مملوكة بالكامل لأرامكو السعودية، وتبلغ طاقتها التكريرية 120 ألف برميل في اليوم.
• مصفاة رابغ: مملوكة بالكامل لأرامكو السعودية، وتبلغ طاقتها التكريرية 400 ألف برميل في اليوم.
• مصفاة جدة: مملوكة لأرامكو السعودية بنسبة 75 في المئة، وتبلغ طاقتها التكريرية 85 ألف برميل في اليوم.
• مصفاة ينبع: امتلكتها أرامكو السعودية بالكامل من الشركة العربية السعودية للتسويق والتكرير (سمارك)، وتبلغ طاقتها التكريرية 235 ألف برميل في اليوم.
كما تمتلك أرامكو السعودية مصفاتين لزيوت التشحيم في المملكة العربية السعودية، وهما:
• شركة أرامكو السعودية لتكرير زيوت التشحيم (لوبريف): وقد أنشئت في عام 1968م كمشروع مشترك بين بترومين، المؤسسة العربية السعودية للبترول والمعادن، بنسبة 70 في المئة وإكسون (حالياً إكسون موبيل) بنسبة 30 في المئة. وقد امتلكت أرامكو السعودية حصة بترومين في عام 1996م. وتعالج لوبريف – 1 الواقعة بجانب مصفاة جدة، 1.8 مليون برميل في اليوم من الزيت الخام وتنتج أربعة أنواع من زيوت الأساس من لقيم زيت الوقود القادم من مصفاة جدة حيث يتم مزجه وتحويله إلى زيوت تشحيم. كما أنشئت لوبريف – 2 في ينبع عام 1997م، ويمكنها معالجة مليوني برميل في اليوم، وهي تكتفي ذاتياً من زيوت الأساس.
• الشركة العربية السعودية لزيوت التشحيم (بترولوب): أنشئت في عام 1968م كمشروع مشترك بين بترومين بنسبة 71 في المئة وإكسون بنسبة 29 في المئة. وقد امتلكت أرامكو السعودية حصة بترومين في وقت لاحق. وتنتج بترولوب 130 نوعاً من زيوت التشحيم ولديها معامل مزج في جدة والرياض والجبيل بطاقة إجمالية قدرها 6 ملايين برميل في اليوم. كما تملك مصنعاً لتصنيع الشحوم في الجبيل.
وقت التحديات الكبرى
وقد صرح نائب الرئيس للتكرير في أرامكو السعودية، الأستاذ خالد البوعينين في مؤتمر دبي قائلاً إننا نعيش وقت التحديات الكبرى في صناعة التكرير، ونحن عازمون على مواجهة هذه التحديات. وندعو المستثمرين على الصعيدين الدولي والمحلي للانضمام إلينا في هذه المرحلة، حيث الفرص الواعدة التي تعود بالنفع على الجميع .
وأضاف البوعينين إن قوة الاقتصاد العالمي وتباطؤ إنشاء مصافٍ جديدة أدَّيا إلى استهلاك الطاقة الاحتياطية الحالية بشكل كبير، وإلى زيادة معدلات الاستهلاك إلى مستويات تربو على 90 في المئة مما ساعد على زيادة أرباح التكرير بشكل عام. كما أن الأنظمة البيئية العالمية الأكثر تشدداً ستكون أحد العوامل الرئيسة في تشكيل صناعة التكرير. ومع توقع المزيد من هذه الأنظمة في المستقبل، يتوقع أن تطرأ تغييرات في أنماط الإنتاج، وقد لا يكون بوسع بعض المنتجين التقليديين توفير الجودة المطلوبة. ونتيجة لذلك ستنكمش الحصة السوقية لشركات المصافي المصدرة إذا لم تقم ببذل الاستثمارات المطلوبة في هذا المجال .
ويتوقع البوعينين أن يزيد الطلب على الوقود في المملكة بنحو 10 في المئة سنوياً في السنوات الخمس القادمة، ليتعدى بذلك حاجز الأربعة ملايين برميل في اليوم في عام 2010م. وسيكون الدافعان الرئيسان لهذا النمو هما التوسع المستمر في صناعة البتروكيميائيات والكثافة السكانية المتزايدة. لذلك ستظل أعمال التكرير جزءً من الاستراتيجية الشاملة لأرامكو السعودية. وتخطط أرامكو السعودية لإجراء تغييرات كبرى في مرافقها الحالية للوفاء بالطلب المحلي وإنتاج منتجات أنظف تتماشى مع القوانين البيئية الأكثر تشدداً في المملكة والخارج. وذكر البوعينين أن التركيز سينصب على الحصول على قيمة أكبر من الأصول الحالية، وذلك عن طريق زيادة القدرة الإنتاجية للمرافق التحويلية ذات القيمة المضافة العالية وزيادة طاقة التقطير وتطبيق تقنيات متقدمة وتحسين أداء الوسائط الكيميائية ودمج المصافي مع المرافق القريبة منها. كما يمتد التركيز على المدى البعيد إلى قطاعي التكرير والتسويق. فعلى سبيل المثال، تتوقع الشركة أن يكون مشروع توسعة رابغ نواة لمنطقة صناعية جديدة تجذب الصناعات التحويلية البتروكيميائية ذات القيمة المضافة للتكرير والتسويق. كما يزداد زخم الفرص الاستثمارية مع وجود خارطة طريق شاملة للتوسع. وبالإضافة إلى المشروعات الرئيسة، فإن البنية التحتية المرتبطة بالمتطلبات المتعلقة بهذه المشروعات كتوليد الكهرباء وتوافر الخدمات ومد خطوط الأنابيب تمثل أيضاً فرصاً استثمارية مربحة للمستثمرين.
وقد أبدى الأستاذ عبدالله جمعة تفاؤله إزاء إمكانيات التكرير والتسويق حيث أعرب عن اعتقاده بأن الطريقة الجديدة للتكرير والتسويق تمثل فرصة جديدة للمستثمرين الدوليين الراغبين في إعادة النظر في نماذج استثماراتهم وتوحيدها بشكل أفضل مع حاجات البلاد المضيفة. فلدى كثير من الدول المنتجة إمكانيات تكرير وتسويق عالية إلا أنه بإمكانها الاستفادة من عمل شراكات في أنشطة التكرير والتسويق وفي قطاعات الهندسة والتقنية وفي بعض مجالات الخدمات.
كما ذكر أن الاستثمار الدولي في المملكة قد عاد بالفائدة على المملكة العربية السعودية وعلى الشركاء المستثمرين، وأن للتعاون المتبادل وجهين مشرقين، مشيراً إلى أهمية المشروعات المشتركة في مجال التكرير والتسويق في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وفي منطقة المحيط الهادي. كما أعرب عن تطلعه إلى توطيد العلاقات مع القطاع البترولي في كل من الهند والصين والمساعدة في تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة في أسواقهما.
عمل المصافي ومهمتها
صالح با جحلان وصلاح المقيم
تعمل المصافي بشكل رئيس على تحويل النفط إلى منتجات أخرى متنوعة، إذ تفرز معامل التكرير الزيت إلى مجموعات، أو مكونات مختلفة من الهيدروكربونات. ثم تغير المكونات كيميائياً، حيث تعالج بمواد أخرى إضافية. ويمكن القول إن البحث في طرق وكيفية تكرير هذا النفط ما زال مستمراً، فما زال باب المعرفة والبحث والاختراع مفتوحاً على مصراعيه للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الاستفادة منه في تكرير الذهب الأسود.
أقدم مصفاة للزيت الخام
يعود الفضل في استكشاف عملية فرز الغاز من الزيت إلى العالم الكيميائي الإنجليزي جيمس يونق الذي قام عام 1850م بأول عملية فرز بتسخين الفحم إلى درجة معينة في وعاء مغلق ليحصل على أول إنتاج من الزيت. وفي عام 1859م استطاع الأمريكي صموئيل كير بناء برج تقطير (فرز) بطاقة خمسة براميل من الزيت الخام، والذي يعد بمثابة أول مصفاة بترولية في العالم. وقد تمت المحافظة على هذه المصفاة إلى اليوم ونقلت إلى صالة عرض عالمية. ثم توالت مراحل تطور تكرير البترول عبر ثلاث مراحل أساسية هي: الفرز، ثم التحويل، ثم المعالجة الكيميائية.
المرحلة الأولى:
فرز مكونات الزيت الخام
يعد الفرز أول مرحلة في تكرير الزيت حيث يتم في البداية إجراء التقطير الجزئي له، وهو عملية فرز الزيت الخام إلى بعض مكوناته. ويمكن فرز مواد إضافية من هذه المكونات لاحقاً. ويعتمد التقطير الجزئي على مبدأ تبخير المكونات المختلفة للزيت عند درجات حرارة مختلفة. فيتبخر البنزين مثلاً عند نحو 50 درجة مئوية، بينما تتبخر بعض أنواع الزيت الأخرى كزيوت الوقود الثقيلة عند درجات غليان أعلى من 400 درجة مئوية. كما تتكثف مثل هذه المكونات وهي أبخرة، عند درجات حرارة مختلفة، حتى تبرد وتصبح سائلة. ويضخ الزيت في برج التقطير الجزئي من المعمل عبر أنابيب داخل فرن ليسخن إلى درجات حرارة قد تبلغ 400 درجة مئوية. بعد ذلك، يدخل الخليط الناتج والمكونات من غازات وسوائل حارة في أسطوانة فولاذية رأسية تدعى برج أو عمود التجزئة. وأثناء صعود المكونات المبخرة داخل البرج تتكثف عند ارتفاعات مختلفة. فتتكثف زيوت الوقود الثقيلة في القسم السفلي من البرج، بينما تتكثف المكونات الخفيفة كالبنزين والكيروسين في الأقسام الوسطى والعليا. وتتجمع السوائل في أماكن خاصة داخل البرج ومن ثم تنساب إلى الخارج عبر أنابيب على جوانب البرج. ولا تبرد بعض المنتجات بصورة كافية. لذا تمر عبر قمة برج التجزئة إلى وحدة استرداد الأبخرة. وبالمقابل، تبقى منتجات أخرى أسفل البرج، تتبخر عند درجات حرارة أعلى من تلك التي في الفرن. وتسترد هذه البقايا من قاع البرج وتكرر إلى منتجات مثل الأسفلت وزيوت التشحيم. والجدير بالذكر أن جميع هذه المكونات تقريباً الناتجة عن التقطير التجزيئي يجب أن تخضع إلى التحويل والمعالجة الكيميائية قبل استخدامها لتطابق المواصفات العالمية.
المرحلة الثانية:
تحويل المكونات الثقيلة إلى مكونات أقل كثافة وأكثر فائدة
وعلى الرغم من أن إمكانية تكرير كل النفط تقريباً إلى منتجات مفيدة، إلا أن لبعض المكونات قيمة أكبر من بعضها الآخر. ويشكل البترول، الذي يشمل مختلف أشكال الوقود كالبنزين والديزل والكيروسين وغير ذلك، نصف المنتجات النفطية المستخدمة في معظم البلدان تقريباً، ويمثل نحو 50 في المئة من المنتجات الخارجة من عمود التجزئة. أما النصف الآخر المتبقي من عمود التجزئة وهو عبارة عن مكونات نفطية قليلة الطلب والقيمة، فتخضع إلى عمليات كيميائية لتحويلها إلى منتجات أخرى ذات فائدة اقتصادية، وتندرج هذه الطرق تحت مجموعتين رئيستين، هما: عمليات التكسير والدمج. ونتيجة لهاتين العمليتين يمكن إنتاج 25 في المئة من المنتجات عالية القيمة من النصف المتبقي، وبذلك يمكن القول إن كل برميل من الزيت الخام ينتج 75 في المئة من المواد عالية القيمة.
التكسير إحدى طرق التحويل
تحول عمليات التكسير المكونات الثقيلة للزيت الخام إلى منتجات أقل كثافة، مثل البنزين بصورة رئيسة، وذلك بعد خروجها من برج التجزئة. ولا تزيد هذه العمليات كمية البنزين الناتج من الزيت فحسب، وإنما تحسن نوعيته أيضاً. فالبنزين الخارج من برج التجزئة والمعالج بعد ذلك بالتكسير يحتوي على عدد أوكتان أكبر من البنزين المكتفى بمعالجته في برج التجزئة فقط. و عدد الأوكتان هو مقياس لمدى سلاسة احتراق الوقود داخل المحرك.
إنتاج البوليمرات لاستخدامها في مصانع البلاستيك ووقود الطيران والعطريات
تخضع الغازات الناتجة عن عملية تقطير الزيت الخام في عمود التجزئة إلى عملية تكثيف وضغط وإضافة بعض المواد الكيميائية إليها، لإنتاج البوليمرات التي تستخدم في صناعة البلاستيك. كما يتم من خلال تكثيف الغازات مع خلطها بمواد كيميائية محفزة إنتاج أنواع الوقود عالية الأوكتان إضافة إلى العطريات، وهي مواد كيميائية تستخدم في إنتاج المطاط الصناعي، وحافظات الطعام، ومنتجات أخرى كثيرة.
المرحلة الثالثة: إزالة الكبريت وتحسين مواصفات زيوت التشحيم
تعالج جميع المنتجات تقريباً كيميائياً قبل أن ترسل إلى المستهلكين. كما يعالج كثير من المنتجات لإزالة الشوائب. وأكثر الشوائب شيوعاً هي مركبات الكبريت التي تلحق الضرر بالمعدات وتلوث الهواء عند حرقها. والمعالجة بالهيدروجين طريقة شائعة الاستعمال لإزالة مركبات الكبريت، حيث تخلط المكونات بالهيدروجين، وتسخن ثم تعرّض لعامل محفز، حيث يتحد الكبريت بالهيدروجين مكوناً كبريتيد الهيدروجين. ويُزال كبريتيد الهيدروجين بتحويله إلى الكبريت السائل. ويتحسن أداء بعض الأجزاء عند مزجها أو دمجها مع مواد أخرى. فتمزج المصافي مثلاً زيوت تشحيم متنوعة للحصول على درجات مختلفة من اللزوجة. ويُمزج البترول بكيميائيات تُدعى المضافات تساعده على الاحتراق بسلاسة أكثر، كما تعطيه مواصفات خاصة أخرى يراعى فيها المقاييس الدولية.