قصة مبتكر
قصة ابتكار
زريـــاب
النظــارة
هو أبو الحسن، علي بن نافع، من أصل فارسي، وكان مولى المهدي، الخليفة العباسي، لقب بزرياب تشبيهاً له بطائر أسود اللون وحسن الصوت. ولد زرياب في بغداد، ونشأ وترعرع فيها، حيث كان تلميذاً لإسحاق الموصلي بصورة سرية إلى أن حفظ أساليب الغناء وأسرار التلحين. ولما ذاع صيت زرياب استقدمه الخليفة هارون الرشيد إلى بلاطه ليستمع إليه، وقد أعجب به الرشيد كثيراً لما سمعه وطلب من أستاذه إسحق أن يعتز به، إلا أن إسحاق داخله الحسد والحقد، فقام بتهديد زرياب بالقتل أو الخروج من بغداد، فاختار زرياب الخروج من بغداد والتوجه إلى الأندلس حيث كان يحكمها آنذاك الخليفة عبدالرحمن الثاني، فكتب زرياب إلى الخليفة يستأذنه بالدخول إلى بلاطه فأذن له. وقد أعجب به الخليفة بعد أن سمع غناءه، وقربه إليه لدرجة أنه أسكنه بيتاً متصلاً بقصره لكي يستدعيه إلى مجلسه وقتما يشاء. أسس زرياب مدرسة كانت الأولى من نوعها في ذلك الوقت، لتعليم الشباب والفتيات أصول العزف ومبادئ الغناء. وقد أدخل على فن الغناء والموسيقى في الأندلس تحسينات كثيرة أهمها أنه أضاف وتراً خامساً على عود إسحق، وجعل أوتار العود من الأمعاء. كما استحدث مضراباً من قوادم النسور للضرب على الأوتار بدلاً من الخشب، وأصلح الدفوف والمزامير وأحكم صنعها. وقد أدخل إلى الموسيقى مقامات كثيرة لم تكن معروفة في الأندلس من قبل، ساعده على ذلك حفظه للآلاف من المقطوعات الموسيقية مع ألحانها. لم يكتف زرياب بإغناء العلوم الموسيقية فحسب، بل قدم العديد من الإضافات في عدة ميادين أهمها شغفه الكبير بالمظهر الخارجي والأناقة، والذي قاده إلى تعليم الأندلسيين كيفية ارتداء الملابس التي تتناسب وفصول العام، كما عدّل زرياب من هيئات الثياب فقصرها، وضيق الأكمام وأعطاها هيئة جميلة كانت موضة العصر. تفنن زرياب في ابتكار قصات الشعر، كتقصيره جداً عند الجانبين وإرساله خلف الأذنين، وابتكر للنساء تصفيفات جديدة عرفت باسمه، ومنها طريقة حلاقة الصف الأمامي وذلك بإسدال الشعر على الجبين مع قصه في موازاة الحاجبين. وإضافة إلى كل ما ذكر، أدخل زرياب تقاليد المشرق الإسلامي في الطعام، فوضع لهم طرقاً لإعداد أطباق وأصناف جديدة عرفت باسمه، وابتعد بها عن الأصناف التقليدية كالعصائد والثريد إلى الأشكال والألوان التي عرفها أهل الشرق، الذين علمهم صناعة الحلويات ومنها (الزلابية). وإلى جانب هذا التأثير في فن الطبخ، تميز بأسلوبه الذي قلده الناس في كيفية تقديم الطعام في الحفلات. فعلّمهم فرش المناضد واستخدامها أثناء الطعام، إضافة إلى استخدام الملاعق والسكاكين بدلاً من الأصابع. كما ونجح زرياب بتحضير أرقى أنواع العطور من الزهور مباشرة مبتعداً عن الدهانات وعطورها. وغدت أساليب زرياب نموذجاً يتبعه كبار القوم، وتسارع الناس إلى تقليد أساليبه وموضاته المتعددة. لاشك أن زرياب الذي توفي في قرطبة سنة 230هـ (845م)، يعتبر رائد الغناء العربي، وأبرز من ظهر خلال الحضارة العباسية في بغداد والأموية في قرطبة في هذا المجال، وقد أرسى أبو الحسن قواعد للغناء ظلت تدرس في المعاهد والمدارس الموسيقية إلى يومنا الحاضر.
بشكل عام، وبدءاً من سن الخامسة والأربعين، تبدأ عدسة العين بفقد قدرتها تدريجياً على الانقباض والانبساط، فتبدأ متاعب النظر. المعمّرون من الكتّاب والشعراء والفلاسفة القدماء عبّروا بمرارة عن هذه المشكلة التي اضطرتهم إلى الاستعانة بالخدم كي يقرأوا على مسامعهم ما يريدون قراءته، إلى أن ظهر ابن الهيثم. كان العالم العربي أبو علي ابن الحسن ابن الهيثم (996 - 1038م) أول من بدأ بدراسة النظر والضوء وقوانين انعكاساته على المرايا ومن خلال الزجاج، مستنتجاً أول مجموعة من الحقائق العلمية في هذا المجال، ومنها دور شريحة من كرة زجاجية في تكبير صورة شيء صغير موضوع خلفها. وشجعته ملاحظته العلمية هذه على تصنيع أول مكبّر مساعد للرؤية. في العام 1240م، ترجم أحد الأوروبيين ويدعى إيزام غوليك فيتاللو مؤلفات ابن الهيثم من العربية إلى اللاتينية، ليسهم بنشر ملاحظات العالم العربي وقوانينه العلمية على أوسع نطاق، فتلقف الأوروبيون أفكاره ومبتكراته بسرعة. في البدء تم استعمال بعض الحجارة الكريمة الشفافة مثل الكوارتز والبيريل، فكان يتم صقل إحدى جهتي الحجر بشكل مسطح تماماً، والجهة الثانية على شكل قبة صغيرة ويوضع الحجر من جهته المسطحة فوق الكتاب فتبدو الحروف من قبته أكبر وتسهل قراءتها. ومن ثم ظهر تأطير هذه الحجارة الكريمة بإطارات من خشب أو من عظم حيواني، وزوّد الإطار بمقبض. وبسرعة، ونتيجة التجارب العديدة، راحت هذه العدسات ترق أكثر فأكثر، وظهرت منها أنواع محدبة من الجهتين. في بداية القرن الرابع عشر الميلادي، روّج أحد الإيطاليين ويدعى أليساندرو دي سبينا لابتكار جديد يجمع عدستين من خلال قوس يربط إطارين ببعضهما، ويمكن الإمساك بهما أمام العينين، أو وضعهما بشكل مستقر فوق الأنف. وعلى الرغم من أن النظارة بقيت على هذا الشكل لنحو أربعة قرون قبل ابتكار الشكل الذي يجمعها إلى خلف الأذنين لمنعها من السقوط، فقد أدت دوراً بالغ الأهمية خلال عصر النهضة الأوروبية وما تلاها. لأنها، وبكل بساطة، أطالت عمر العطاء الثقافي والأدبي والفكري الذي كان يتعثر أو يتوقف قبل اختراعها عند الخمسينيات من العمر، وصار بعدها يمتد حتى المراحل المتأخرة من الشيخوخة.