قول آخر

الملكية الفكرية في الإسلام

جوجل أمام القضاء !
هذا الصديق القريب إلى قلوبنا كما عقولنا، قد بات موضع مساءلة، لأجل تودده لنا، وعطاءاته الكثيرة، وموضوع المساءلة يتعلق بحقوق نشر بعض ما ينشر. فهل من زاوية يُلجأ إليها في رحاب الفكر الإسلامي المنبثق من النصوص الدينية؟

في أفق واسع المدى، يسير المتأمل لحقوق الملكية الفكرية في الإسلام، فالنصوص تقدم للعقل مساحات مفتوحة تستوعب اختلاف نمط الحياة، وأحوال الناس. لكن، هناك قدراً مشتركاً يجمع بين مختلف الرؤى في هذه المساحات، وهو حق المؤلف في نسبة مؤلفه إليه، وما عدا ذلك فتتقاطع وجهات النظر وتتباين في صورة متألقة، جمالها في فيض ألوانها!

السؤال البسيط الحتمي في عصرٍ ينادى فيه بمجتمع المعرفة هو: أيحق لأيٍ كان، أن يحرم أخاه الإنسان من شغفٍ لا ترويه إلا المعرفة ؟

في ظلال الإسلام نجد تواصلاً يتجاوب مع هذا الشغف، إذ يذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى أن المؤلف ليس له أن يأخذ مقابلاً مادياً على تأليفه، فضلاً عن أن يكون له حقاً خاصاً في النشر يمتنع معه حق غيره في الاستفادة من إنتاجه الفكري إلا بإذنه. إذ أن في منع الاستفادة من المصنف إلا بأجر أو إذن، كتمان للعلم، وهو منهي عنه في القرآن والسنة.

أما عامة علماء الشريعة فلا يقرون الرأي السابق. فالسؤال أغفل حتمية نصفه الآخر فإن كنا نتحدث عن حقوقٍ إنسانية فالأمر إذن يحمل زاوية تبادلية. إذ ماذا عن حق المؤلف في أخذ مقابل مادي عن ابتكاره؟

وإذا كان المؤلِّف يعرض تصنيفه مقابل عوض مالي، فإنه لا يكون كاتماً للعلم الذي يتضمنه بل باذلاً له بعوض، هو سبيل ليتفرغ لمزيد من البحث، والتصنيف، ونفع الناس.

حق النشر، بين الاستقلال والتبعية
في المساحة الواسعة التي تثبت الحق المالي للتأليف أو الابتكار نجد نهجين:
النهج الأول: يعتمد كون حق النشر حقاً معنوياً مستقلاً عن حق التأليف، وأنه لا يقابل بمال.
النهج الثاني: حق النشر ثابت للمؤلف، فلا يجوز الاستفادة من المصنَف إلا بإذن مؤلفه.

والنهج الثاني هو الذي استقر عليه قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في رجب 1406هـ. وتضمن قرار المجلس إثبات الوراثة في هذا الحق، وأنه يتقيد بما تقيده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة، والتي تنظم هذا الحق وتحدده بعد وفاة صاحبه تنظيماً وجمعاً بين حقه الخاص والحق العام، لأن كل مؤلف أو مخترع يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه.

نقطة تقاطع!
نقطة التقاطع بين الإثبات والنفي لحق النشر تتضمن ثلاثة اجتهادات لا يكون حق النشر فيها محفوظا للمؤلف:
أحدها: ما ذهب إليه الدكتور يوسف القرضاوي من أن حق النشر إنما يثبت للمؤلف إذا ما أريد الاستفادة من مصنفه مادياً أما إذا كان هناك جمعية خيرية أو إنسان يريد أن يتبرع بطبع كتاب ونشره، فلا يجوز لإنسان أن يأخذ حقاً عليه في هذه الحالة. وكلام الدكتور القرضاوي جاء في سياق الحديث عن الكتب التي تتضمن العلوم الشرعية.
الثانية: حال انقطاع النسخ المعدة للبيع من الأسواق.
الثالثة: عند مطالبة دور النشر بأثمان باهظة للمصنف، وبغبن كبير إذ يُحرّم على المؤلف استغلال حاجة الناس إلى المصنف بزيادة ثمن الكتاب زيادة كبيرة عوضاً عن التأليف مراعاة لمبدأ مقاربة التساوي بين منفعة التأليف وحق المؤلف المالي في مصنفه.

وهذه الاجتهادات الثلاثة قد تقابل باعتراضات من حيث التأصيل والتكييف، وليست هذه السطور في معرض الانتصار لهذا الرأي أو ذاك، بل هي إطلالة على تنوع الآراء وتشعبها كشاهد على عمق النصوص ودلالاتها.

أضف تعليق

التعليقات