ماذا لو؟

ماذا لو صار الضوء أبطأ؟

shutterstock_143084152تعتمد النظرية النسبية الخاصة بشكل أساسي على مُسلَّمَتين. تنص الثانية منهما على أن سرعة الضوء في الفراغ هي سقف السرعات في الكون. لكن ماذا سيحدث للكون لو نقصت سرعة الضوء عن الواقع؟ إن سرعة الضوء (أقل قليلاً من 300 مليون متر في الثانية) هي أحد الثوابت المؤثرة في كثير من قوانين الفيزياء، وهي أحد المكونات المهمة لتركيبة الكون.

ما قد يحدث في كون ذي سرعة ضوء أقل يعتمد على مدى تأثّر باقي مكونات الكون بذلك. على أساس أن المسلمة الثانية تنطبق في كل الظروف، أصبح العلماء يعرِّفون طول المتر بأنه المسافة التي يقطعها الضوء في الفراغ في مدة واحد من 300 مليون جزء من الثانية. سيختلف تفسيرنا للجواب فيما لو أبقينا هذا التعريف بنفس المدة المذكورة أو أبقينا طول المتر على حالته في كوننا الحالي – بمعنى آخر سنسمح للضوء أن يأخذ وقتاً أطول لقطع مسافة المتر.

في باقي هذا المقال سنفترض أن ثوابت الكون تتغيَّر مع تغييرنا لسرعة الضوء. لنفترض أننا قللنا سرعة الضوء إلى النصف. قد تكون أهم نتائج هذا التغيير هو أن أحجام الذرات (وبالتالي الجزيئات) سيتناسب مع اختلاف السرعة. وذلك لأن المسافة التي يقطعها الضوء في الثانية الواحدة (متر) ستظهر لنا كبشر كالمسافة التي يقطعها الضوء في ثانيتين في كوننا الحالي. وبالتالي سيصبح كل شيء صغيراً جدّاً ليتناسب مع السرعة الجديدة. والمدهش هو أننا كبشر لن نلاحظ هذا الفرق لأن السرعة كمية معتبرة من تناسب المسافة والزمن. وكل ما سيؤدي إليه هذا الاختلاف هو إعادة تعريفنا لهاتين القيمتين. بمعنى آخر، إنّ الثانية الضوئية لن تختلف في منظورنا.

ولتوضيح الفكرة، نأخذ مثلاً، سيارة تمشي بسرعة 100 كلم/س. ستظهر لنا كأنها تمشي بسرعة 50 كلم/س. لكنها ستكون هي نفسها بنصف حجمها العادي وستقطع نصف المسافة (لأننا أعدنا تعريف المتر). وبالتالي لن يلاحظ أي منا هذا الفرق. ولن تختلف أي من مشاهدات أي أحد داخل هذا الكون. هذا كله يعني أن سرعة الضوء التي سنقيسها فيما لو قسمنا سرعة الضوء إلى النصف، ستظل حوالي 300 مليون متر في الثانية.

على صعيد آخر، إن أحد أهم نتائج كون الضوء سقف السرعات في الكون، هو أن المعلومات لا يمكنها أن تكون أسرع من الضوء. وعلى هذه القاعدة نبني عدة نتائج. أهمها أن سرعة الاتصالات الحديثة ستكون أبطأ كثيراً، هذا لأن الإشارات في الأسلاك لا يمكنها اختراق سرعة الضوء. لن تكون الشكوى من شركات الاتصالات سرعة الإنترنت فقط. وبالطبع ستصبح صناعة الطائرات والصواريخ عملية شبه مستحيلة لاستحالة صناعة تقنيات اتصالات سريعة ذات كفاءة.

نتيجة أخرى هي أن مشاهداتنا لعالمنا اليومي ستختلف. لنفترض أن سرعة الضوء أصبحت أسرع قليلاً من سرعة الصوت. في حال قيادتك للسيارة سيظهر كل ما هو أمامك بلون أزرق وكل ما هو خلفك بلون أحمر، وذلك نتيجة لظاهرة «دوبلر» الضوئية. وستظهر سيارتك (وكل الأشياء السريعة) للمشاة أقصر مما هي عليه نتيجة لتقلص الأطوال الناتج عن النظرية النسبية الخاصة.

وستكون تركيبة كل الكائنات الحية مختلفة تماماً. كما ستكون كفاءة معظم الكائنات الصوتية أعلى بينما كفاءتها الضوئية أقل. إذا اقتربت سرعة الضوء من سرعة الصوت كثيراً، من المرجح أن يكون البشر مثل الخفافيش يتعاملون أكثر بالأصوات ولن يكون باستطاعتهم التواصل عبر الكتابة. لأن تركيبات العين لن تصبح قادرة على تمييز كثير من الظواهر الضوئية.

على القياسات الكونية، ستكون هناك عدة نتائج لتثبيت الثوابت الكونية مع تقليل ثابت سرعة الضوء. تصدر الشمس طاقتها عن طريق الاندماج النووي، وتعتمد كمية الطاقة الصادرة على معادلة أينشتاين المشهورة (e=mc2) حيث الحرف c هو سرعة الضوء في الفراغ. ولذا سيقلل تخفيض هذه السرعة من الطاقة الصادرة من الشمس ويصبح لون الشمس مائلاً للحمرة دائماً. ومن المرجح أيضاً أن البشر لن يعرفوا أي شيء في هذا الكون خارج المنظومة الشمسية، لأن الضوء الصادر من النجوم عنده طاقة وسرعة أقل. طاقة أقل يعني أن الضوء الصادر سيكون أقل سطوعاً، أما سرعة أقل فتعني أنه سيأخذ وقتاً أكثر لقطع المسافات الهائلة.

أضف تعليق

التعليقات