ذوبان كل الجليد المتجمع في القطبين الشمالي والجنوبي هو احتمال منخفض جداً. وقد حلّت آخر فترة من عمر كوكبنا بلا جليد قبل 34 مليون سنة، فيما يعرف بعصر «الإيوسين». ولكن مع التزايد المستمر لمستويات ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي، وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة لذلك، فإن فكرة ذوبان بعض الجليد القطبي تستحق الطرح. وبحسب بعض التقارير، فإن مستوى سطح البحر قد ارتفع فعلاً بمعدل 15 إلى 20 سنتيمتراً في المئة عام الأخيرة. وقد يكون مرد ذلك تسارع وتيرة ذوبان الجليد القطبي.
والآن إلى التفاصيل، فالقطب الشمالي والقطب الجنوبي مختلفان عن بعضهما من ناحية التركيب. القطب الشمالي عبارة عن محيط ذي سطح متجمد. أما القطب الجنوبي فقارة يابسة، اسمها انتاركتيكا، تكسوها طبقات وطبقات من الثلج. هذا الفرق مهم في تفسير ما قد يحدث.
الجليد فوق القارة المتجمدة الجنوبية يصل سمكه إلى أكثر من كيلومترين في بعض المناطق. ومعدل درجة الحرارة هناك هو 37 درجة مئوية تحت الصفر. درجة الحرارة في معظم أنحاء القارة لا تتجاوز درجة الذوبان عموماً. وعلى أية حال، فإذا ذاب جليد انتاركتيكا فسيرتفع مستوى البحر حول الكوكب بمعدل 61 متراً، وهذا معدل كافٍ لإغراق كثير من المدن الساحلية مثل سان فرانسيسكو، لندن، كوبنهاغن ونيويورك. بل إن ذلك كافٍ لابتلاع مساحات كبيرة من اليابسة، مثل ولاية فلوريدا الأمريكية بأسرها. كما وأن جزءاً كبيراً من شرق الصين، يسكن به نحو 600 مليون إنسان، سيختفي تماماً تحت الماء. وعلى المستوى العربي ستغرق مدن ساحلية عدة مثل الإسكندرية، جدة، دبي، إضافة للقاهرة وبغداد بسبب فيضان النيل ودجلة على التوالي.
من ناحية أخرى، فإن ذوبان جليد القطب الشمالي سيعود بالنفع على شركات الملاحة البحرية، ذلك أن تفكك المحيط المتجمد الشمالي سيفتح طرقاً بحرية أقصر بين أوروبا وأمريكا لأول مرة في التاريخ الحديث، ما سيحدث ثورة في عالم النقل البحري وفي التجارة وسيؤدي لازدهار موانئ جديدة واندثار أخرى في تأثير تاريخي مشابه لاكتشاف (رأس الرجاء الصالح) على خارطة العالم.
الأهم من ذلك طبعاً أن مستوى سطح البحر لن يرتفع فيما لو ذاب الجليد الشمالي. فالجليد الطافي على المحيط سيتحول حينذاك من الحالة الصلبة إلى السالبة. ووفقاً لمبدأ (أرخميدس)، فإن الجليد يزيح ما يعادل حجمه من ماء المحيط. وبالتالي لن يؤثر ذوبانه على مستوى سطح البحر. إلا أن ذوبان الجليد المتراكم فوق جزيرة جرينلند تحديداً قد يرفع من مستوى سطح البحر بمعدل 7 أمتار أخرى.
أكثر التقارير تشاؤماً تتوقع ارتفاع مستوى البحر 95 سنتيمتراً بحلول العام 2100م. أما أقلها تشاؤماً فتكتفي بارتفاع قدره 15 سنتيمتراً. نحن نتعامل إذاً مع معدل ارتفاع يبلغ نحو 50 سنتيمتراً بنهاية القرن. هذا الارتفاع سيكون له تأثير كبير على المدن الساحلية بالذات في وقت العواصف.. والتي ستغدو حتى ذلك الحين أكثر ضراوة وإغراقاً.