علوم

السيارة الكهربائية…

محاولة عمرها قرنان

shutterstock_173261168هل تحل السيارة الكهربائية جزءاً من مشكلة البيئة والاحتباس الحراري في العالم؟
هل تستطيع السيارة الكهربائية أن تصل يوماً إلى الأداء الذي تؤديه السيارة العاملة بالوقود الأحفوري؟
لقد أحاطت آمال كبيرة بالسيارة الكهربائية، لا سيما في العقود الأخيرة من القرن الميلادي الماضي، حين بدأ الوعي بمشكلات البيئة ينتشر في العالم. لكن سرعان ما بدا أن الحلم ليس وردياً تماماً. فما هو تاريخ السيارة الكهربائية؟ ولم لا تمثل بعد بديلاً مقنعاً للسيارة الحاليّة؟

f6e260d3e5289c6c2f77c08ce0610853النماذج الأولى
لا نعرف بالضبط  لمن يُنسب «اختراع» السيارة الكهربائية! والحق أن عدداً من المخترَعات المتفرقة أسهمت في ظهور هذه المركبة. ففي سنة 1828م، صمم المجري أنيوس يدليك، نموذجاً مصغراً لسيارة يحرِّكها محرك كهربائي صممه بنفسه. وفي ثلاثينيّات القرن التاسع عشر صنع الأسكتلندي روبرت أندرسون عربة تتحرَّك بالكهرباء. وفي سنة 1835م ظهر نموذج مصغر آخر من العربة الكهربائية، صممه البروفيسور ستراتينغ أوف خروننغن، في هولندا، وصنَّعه له مساعده كريستوفر بيكر. وكذلك في 1835م، صنع توماس ديفنبورت من براندون بولاية فيرمونت الأمريكية سيارة كهربائية صغيرة. واخترع ديفنبورت أول محرك كهربائي يعمل بالتيار المتحوِّل.

في سنة 1842م، حسّن كل من ديفنبورت والأسكتلندي روبرت دافيدسون صناعة العربات الكهربائية، باستخدام البطاريات الكهربائية، التي كانت قد ظهرت حديثاً، لكنها لم تكن بعد قابلة لإعادة الشحن. واخترع الفرنسي غاستون بلانت بطارية أفضل في تخزين الطاقة سنة 1865م، ثم واصل مواطنه كميل فور تحسين البطارية سنة 1881م. ولقد ظهر منذ البدء أن تحسين قدرة البطاريات على خزن الطاقة هو المفتاح الأهم لصنع سيارة كهربائية عملية.

في أواخر القرن الميلادي التاسع عشر، كانت فرنسا وبريطانيا أولى الدول التي ساندت فكرة تصميم وتطوير السيارة الكهربائية. وفي سنة 1899م، حطمت سيارة سباق كهربائية سميت «الحانقة أبداً» (La Jamais Contente) رقم السرعة على اليابسة في العالم، وهو 68 ميلاً في الساعة (نحو 110 كيلومترات في الساعة). وقد صممها كميل جناتزي.

edinburgh_transport_carsلم يعاود الأمريكيون الاهتمام فعلاً بالسيارة الكهربائية، إلا سنة 1895م، بعدما صنع أ. ل. رايكر سيارة كهربائية بثلاثة دواليب، وصنع وليام موريسون عربة تتسع لستة ركّاب، ظهرتا كلاهما في سنة 1891م. وتلت ذلك سلسلة تطورات تمثلت في ازدياد اهتمام العامة بالسيارة ذات المحرك «التي لا تجرها الجياد»، واعتُمدت سيارة موريسون على أنها أول سيارة كهربائية عملية، في تاريخ الصناعة.

سنوات الازدهار
مع انقلاب القرنين التاسع عشر والعشرين، كانت أمريكا في حال ازدهار، فراحت تنتشر فيها السيارات العاملة بمحركات، سواء بالكهرباء أو الغازولين. وكانت السنتان 1899 و1900م سنتي الذروة للسيارة الكهربائية، إذ فاقت مبيعاتها كل الأنواع الأخرى. ومن الطرز التي شاعت سيارة فايتون «Phaeton»، التي صنعتها شركة وودز موتور كومباني في شيكاغو. وبلغ مجالها- قبل إعادة شحن البطارية- نحو 29 كيلومتراً، أما سرعتها القصوى فكانت 22,5 كيلومتراً في الساعة، وثمنها 2000 دولار أمريكي. وفيما بعد، سنة 1916م، صنع وودز سيارة هجينة تعمل بالغازولين والكهرباء معاً.

Untitled-1كانت للسيارة الكهربائية ميزات عديدة على سيارة الغازولين، في أوائل القرن العشرين. إذ لم تكن تشكو الارتجاج والرائحة والضجيج. وكان أصعب ما في قيادة سيارة الغازولين تغيير مبدّل السرعة، أما السيارة الكهربائية فلم تكن تحتاج إلى مبدل سرعة. وكانت السيارة العاملة بالبخار أيضاً بغنى عن مبدل السرعة، لكنها كانت تحتاج إلى وقت طويل لإدارة المحرك، قد يبلغ 45 دقيقة في صباح أيام البرد. وكان مجال سيارة البخار أقصر من مجال السيارة الكهربائية، إذ تحتاج إلى ملء خزان الماء من جديد. وكانت الطرق الوحيدة الجيدة في تلك السنوات، هي طرق المدن، أي إن السيارة الكهربائية كانت مثالية لهذه المسافات القصيرة، بسبب قصر مجالها. وكان معظم الناس يفضلون السيارة الكهربائية لأنها لم تكن تحتاج إلى جهد يدوي من إجل إدارة المحرك. وكان على سائق سيارة الغازولين أن يبذل جهداً كبيراً بالمرفق (ذراع التدوير)، ليدير محركه.

وفيما كانت السيارة الكهربائية البسيطة تساوي نحو 1000 دولار، كان معظم السيارات الكهربائية فخمة، وذات متن كبير ومصنوعة لاستخدام الطبقة الثرية من الناس. كان داخلها مفروشاً فرشاً فاخراً، ولذا كان معدل سعرها سنة 1910م، يساوي 3000 دولار أمريكي. وظلت السيارات الكهربائية مطلوبة حتى العشرينيّات من القرن العشرين، متخطّية ذروة إنتاجها سنة 1912م.

autos3954أفول نجم السيارة الكهربائية
على الرغم من تعدد مزايا السيارة العاملة بالطاقة الكهربائية، إلا أن مصيرها كان إلى أفول، لعدد من الأسباب، منها:
• في سنة 1920م كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد شرعت في إطلاق مشروع جبار لربط مدنها البعيدة بشبكة كبيرة من الطرق العابرة للولايات، وهي طرق طويلة وبعيدة المدى، وتحتاج إلى سيارة مجالها أطول من مجال سيارة الكهرباء.
• كان اكتشاف النفط في ولاية تكساس على الخصوص، سبباً لرخص ثمن وقود الغازولين، حتى صار في متناول المستهلك المتوسط العادي.
• تمكن تشارلز كترنغ سنة 1912م من اختراع مشغّل كهربائي لمحرك سيارة الغازولين، فلم تعد بحاجة إلى مرفق للتدوير.
• اعتمد رائد الأعمال الشهير هنري فورد صناعة المحركات العاملة بالغازولين بالجملة عبر ما يعرف بـ «خط التجميع» الذي أدى إلى انخفاض درامي في سعر السيارة حتى صارت في متناول المستهلك بسعر معدله 750 دولاراً. وفي المقابل ظل سعر السيارات الكهربائية يرتفع حتى وصل إلى 1750 دولاراً.
بذلك اختفت السيارة الكهربائية تماماً في سنة 1935م. وظل موضوعها معلقاً حتى الستينيات فلم تطوّر خلال تلك السنوات.

IMG_1045العودة الخجولة
شهدت الستينيّات والسبعينيّات من القرن العشرين تعاظم الحاجة في بعض البلدان إلى سيّارة تعمل بوقود بديل للغازولين، وذلك لدوافع بيئية واقتصادية متعلقة بغازات العوادم وبمشكلة استيراد النفط مع الارتفاع المطّرد في سعره.

ففي أوائل الستينيّات، شكلت شركة «بويرتاون أوتو بادي ووركس» شراكة مع «بَترونيك تراك»، و«سميث دلفري فيهيكلز» الإنجليزية، وقِسم «إكزايد» في شركة «إلكتريك باتري»، وصنعوا معاً أول شاحنة عاملة بالكهرباء، وسلموها إلى شركة «بوتوماك إدسون كومباني»، سنة 1964م. كانت تلك الشاحنة تستطيع السير بسرعة 40 كيلومتراً في الساعة، مسافة 100 كيلومتر، بحمولة 1130 كيلوغراماً.

ثم عملت «بترونيك» مع «جنرال إلكتريك» من 1973 حتى 1983م، في إنتاج 175 عربة نقل، للاستخدام في الأغراض الصناعية، ولإثبات قدرة العربات العاملة بالبطاريات. وأنتجت «بترونيك» أيضاً 20 حافلة ركاب، في أواسط السبعينيّات.

وكانت شركتان تتقدّمان الصفوف في تلك الحقبة، في مجال تطوير السيارة الكهربائية: «سبرينغ فانغارد» التي صنعت أكثر من 2000 سيارة لشوارع المدن «سيتي كار». وبلغت سرعتها القصوى نحو 71 كيلومتراً في الساعة، أما سرعتها المتوسطة فبلغت 38 ميلاً (نحو 61 كيلومتراً) في الساعة، ومجالها 90 كيلومتراً تقريباً.

وكانت الشركة الثانية هي «إلكار كوربوريشن»، وكانت سرعة سيارتها القصوى 72 كيلومتراً في الساعة، ومجالها 96 كيلومتراً تقريباً. وراوح ثمنها بين 4000 و4500 دولار، بأسعار تلك الحقبة بالطبع.

وفي سنة 1975م، اشترت شركة البريد الأمريكية 350 سيارة توزيع كهربائية، من شركة «أميركان موتور كومباني»، على سبيل تجربتها. وكانت سرعة هذه السيارات القصوى 80 كيلومتراً في الساعة. أما مجالها فبلغ نحو 64 كيلومتراً. وكان من ميزاتها التدفئة وتذويب الجليد بواسطة سخّان على البخار، ووقت إعادة الشحن 10 ساعات.

ويلاحظ أن جميع تلك المحاولات تظل متواضعة النتائج من حيث معايير الأداء (السرعة والمدى) إضافة إلى عدد إنتاجها البسيط إذا قورن بسيارات محرك الغازولين التي كانت الملايين منها تغزو الشوارع والطرق.

التشريعات البيئية
من منظور تسويقي بحت، لم تكن لدى السيارة الكهربائية أي فرصة للمنافسة. لكن ظهور عديد من التشريعات البيئية الحديثة، لا سيما في الولايات المتحدة، أسهم في إحياء الأبحاث الجادة لتطوير السيارة الكهربائية. وكان من أهم هذه التشريعات، التعديل القانوني الأمريكي لسنة 1990: قانون الهواء النقي، والقانون الأمريكي 1992: سياسة الطاقة، والنظم التي صدرت عن مجلس ولاية كالفورنيا لمصادر الهواء (CARB). وإضافة إلى هذا، أصدر عدد من الولايات نظماً لخفض بعث الغازات من عوادم السيارات وتقليص استخدام الغازولين وقوداً.

وهكذا نشطت «الشركات الثلاث الكبرى» في صناعة السيارات (جنرال موتورز وفورد وكرايسلر)، وكذلك وزارة الطاقة الأمريكية، في بذل الجهود ومحاولات تطوير السيارة الكهربائية، من خلال مشروع: الشراكة من أجل جيل سيارات جديد (Partnership for a New Generation of Vehicles).

ولكن العامل البيئي هذا، وإن كان لا يزال قائماً، فإنه فقد بعض زخمه في هذا المجال بالذات خلال العِقدين الماضيين. فقد عملت شركات النفط من جهتها على تحسين نوعية المشتقات النفطية، وما إنتاج البنزين الخالي من الرصاص إلا واحداً من هذه التحسينات، وفي الوقت نفسه عملت صناعة السيارات على تحسين نوعية الاحتراق، بحيث تحسّن أداء المحركات بكميات الوقود ذاتها عما كانت عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي على سبيل المثال.

electrfication 01محاولات مستمرة وعقبات ثابتة
من نافلة القول إن تسعينيّات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الميلادي الجاري قد شهدت تواصلاً في محاولات إنتاج سيارة كهربائية أفضل (أسرع وأقوى وأبعد مدى) مع حدوث اختراق لافت في هذا الصدد. ففي العام 1996م صممت شركة «جنرال موتورز» وطوّرت سيارة كهربائية جديدة تماماً، بدلاً من تعديل أي من طرزها الموجودة. وسمّت هذه السيارة (EV1). وهي سيارة رياضية براكبين، يحركها محرك يبرَّد بالسائل، ويعمل بالتيار المتناوب وبطارية رصاص وأسيد. وبلغت سرعتها القصوى نحو 129 كيلومتراً في الساعة، ومجالها نحو 129 كيلومتراً، وتستطيع التسارع إلى 80 كيلومتراً في الساعة في أقل من سبع ثوان. نذكر أيضاً سيارة «BMW 18» الرياضية، وهي خفيفة الوزن، وقد عُرضت أول مرة سنة 2009م في معرض فرانكفورت للسيارات، مع وعد بأن تُطرح في السوق سنة 2015م. وهي صديقة للبيئة، وتنطلق من حال الوقوف إلى سرعة 100 كيلومتر في الساعة في خمس ثوان فقط.

لكن الحدث الأبرز في قصة السيارة الكهربائية حتى الآن تجسدّه سيارة «تسلا رودستر» (Tesla Roadster) التي ظهرت في العام 2008م فكانت أول سيارة ذات بطارية كهربائية مخصصة للخطوط السريعة. ظهرت سيارة «تسلا» من رحم شركة تحمل الاسم نفسه، مقرها ولاية كالفورنيا الأمريكية، متخصصة في إنتاج السيارات الكهربائية. وقد شكل طراز «رودستر» بالذات هزة في المشهد فكان أحد أكثر محاولات السيارة الكهربائية شعبية للآن.

مع ذلك، فإن فكرة السيارة الكهربائية، بالرغم من كل أبعادها البيئية، تبقى غير مقنعة اقتصادياً. فسيارة «تسلا رودستر» السالفة الذكر التي تعد مثالاً ساطع النجاح، استمرت دورة إنتاجها سنوات خمس فقط (حتى العام 2012م) أنتجت خلالها أقل من 2500 سيارة (أنتجت شركة تويوتا اليابانية خلال العام 2012م وحده ثمانية ملايين سيارة). وتحتاج درّة تاج السيارات الكهربائية تلك، إلى إعادة شحن بطارياتها مدة 48 ساعة كل 90 كيلومتراً، فضلاً عن كونها مصممة لراكبين فقط ومن دون التركيز على سعرها الذي يتجاوز المئة ألف دولار!

هكذا يتضح أن السيارة الكهربائية يلزمها الكثير -تقنياً ومن ناحية البنية التحتية- كي تحتل مكانة سيارة الغازولين. وحتى نصل إلى وقت تنتشر فيه محطات إعادة الشحن الكهربائي في الشوارع وتصير البطاريات بكفاءة وقوة محرك الديزل، فإننا سنستمر  في الإفادة من سيارة وقود النفط.

أضف تعليق

التعليقات