منتج

الناقل التسلسلي العام

shutterstock_146098022العنوان المخيف أعلاه ما هو إلا ترجمة حرفية للعبارة «Universal Serial Bus»، واختصارها «USB». نحن نتناول إذاً أحد أهم المنتجات التي لا يخلو بيت -وربما جيب- أحدنا من صورة له. يسعنا القول بثقة أن قابس الـ USB.. وما آل إليه بما يُعرف بـ «الفلاشة» كما في التعبير الشعبي الدارج، قد غيَّرت الطريقة التي نتعامل بها مع الحواسيب ابتداءً، ثم مع كل جهاز إلكتروني قابل للشحن أو التوصيل بحاسوب. والمستقبل يعد بمزيد لهذا المنتج البسيط بالغ الفعالية كما سنرى.

في العام 1997م، قدّم مهندس حاسوب أمريكي من أصل هندي اسمه أجاي بات الـ USB للعالم. غرض بات الأساسي كان أبسط مما آلت إليه الأمور: أن يكون هناك قابس موحد لإيصال عتاد الحاسوب بوحدة المعالجة المركزية. قابس من نوع (ركّب وشغّل – Plug and Play) لا يتطلب مصدر طاقة منفصلاً ولا ضبطاً مسبقاً من قبل أي فني. قبل الـ USB، كان للفأرة سلك ينتهي بقابس معياري مختلف عن قابس لوحة المفاتيح، وعن قابس السمّاعات، وعن قابس الطابعة وعن قابس مشغل الأقراص أو وحدة التخزين الخارجية. وفي هذا الزحام كان على المستخدم أن يعرف أي فتحة توصيل هي لقابس أي جهاز.. ناهيك عن أسلاك التوصيل الكهربائي الإضافية لكل من تلك الأجهزة، وعن البرمجيات (Drivers) التي يتطلبها كل واحد من تلك الأجهزة ويضحي بلا قيمة من دون تثبيتها على الحاسوب. الـ «USB» أريد منه أن يتجاوز تلك المعمعة بأسره، وقد فعل، ثم تطوّر متجاوزاً أحلام مبتكره الأولية فيما يبدو.

«فلاشة» التخزين
لم تلبث تقنية الـ USB أن أثبتت أهمية قصوى بالتضافر مع نوعية خاصة من العتاد: وسائط التخزين الخارجية. ويمكن القول إن التطور في تقنيات التخزين الرقمية قد أفادت كثيراً من وجود قابس الـ USB، والعكس بالعكس صحيح.

إن المتابع للتحسن الكبير في وسائط التخزين الرقمية خلال العقدين الأخيرين سيلحظ فوراً تصاعداً كبيراً في السعة وسرعة النقل من جهة، مقابل انخفاض محمود ومطلوب من جهة السعر وحجم الرقاقة الإلكترونية. في العام 2007م كان سعر ما سعة تخزينه تيرابايت واحد من البيانات يبلغ نحو 400 دولار ويأتي في هيئة صندوق أسود ثقيل بحاجة لمصدر كهربائي منفصل. أما اليوم، فإن مساحة التيرابايت يمكن شراؤها بأقل من 100 دولار ويمكن حملها على هيئة «فلاشة» صغيرة. هذه التسمية مشتقة من تقنية (الذاكرة الوميضية – Flash Memory) التي تطورت كثيراً عبر المسارات المذكورة وصارت أكثر شعبية بفضل السهولة التي توفرها الـ USB في الاتصال بمصادر البيانات المراد نسخها أو تثبيتها.

ولكي ندرك القيمة العظيمة لتحالف الـ USB والذاكرة الوميضية «الفلاش»، فما علينا إلا أن نحاول استرجاع الكيفية التي كان أحدنا يقوم بنسخ قرصه الصلب بها قبل زمن الـ USB. حينها كانت البدائل المتاحة هي عشرات الأقراص الممغنطة، أو بضع أسطوانات مضغوطة، أو قرص صلب ميكانيكي خارجي يتم توصيله بالحاسوب الرئيس عبر وصلة -ليست USB- قد لا تتواءم مع إمكانات الجهاز المراد نسخ بياناته! اليوم، ما عليك إلا أن تخرج الفلاشة الموجودة ضمن سلسلة المفاتيح في جيبك، تنسخ ما تريد، وتمضي في حال سبيلك.

الشاحن الكوني
القيمة المضافة للـ USB والتي ربما لم تكن في نية مبتكره بات، هي في كونه وسيلة شحن بالطاقة الكهربائية. لكن تقنية الـ USB، بفضل كونها ذاتية التغذية بالطاقة، قد أتاحت للمهندسين فرصة للغوص أكثر في هذا المجال. فاليوم يوجد حول العالم 10 بلايين جهاز إلكتروني يمكن أن يعاد شحنها بسلك ينتهي بقابس USB.. بما في ذلك الكاميرات والهواتف الذكية التي تمكننا وصلاتها الموحدة من الشحن والمواءمة وتبادل البيانات مع الحاسبات الدفترية في آن معاً. بل إن بإمكان أحدنا أن يوصل قابس الـ USB بموائم كهربائي كي يحصل على إمداد من التيار الرئيس للمنزل بقوة 10 واط لأي جهاز صغير.

لكن ماذا عن الأجهزة الكبيرة؟ هذا السؤال يمثل الأفق القادم لتقنية الـ USB عبر نظام معياري عالمي يجري التحضير له اسمه USB Power Delivery يراد منه أن يسمح بطاقة شحن تصل إلى 100 واط عبر ذات قابس الـ USB الدقيق. واعتماد هذا المعيار عالمياً يعتبره الكثيرون انتصاراً لتوماس إديسون (عرّاب التيار المستمر DC) على نيكولا تِسلا (عرّاب التيار المتحول AC) في المعركة التي قامت بين أولئك العملاقين قبل مئة عام وانتهت بانتصار مؤقت لتِسلا. ذلك أن تقنية الـ USB مؤهلة لحمل التيار المستمر، كما البيانات، وهي ذكية كفاية لتتوقف عن الشحن عند عدم الحاجة. ما يعني أنها ستكون أيضاً «خضراء» رفيقة بالبيئة وبالجيب.. وهذا ما يفسِّر الشعبية الكبرى التي يحظى بها هذا المعيار الكهربي منذ الآن.

واليوم، فيما يستقبل العالم معيار «USB 3.1» الذي يعد بنقل أسرع وأكفأ للبيانات والطاقة، فإن عدد الأجهزة التي تعتمد هذه التقنية يزداد أكثر. مقابس الـ USB باتت حاضرة في هواتفنا وسياراتنا وكاميراتنا وقريباً في جدران منازلنا وأجهزتنا الكهربائية الكبيرة. إنه منتج صغير لكنه رخيص وحاسم الأثر ويحمل جذوة تطور لا تنطفئ.. وتلك هي سمات المنتجات العظيمة دوماً.

أضف تعليق

التعليقات