أكثر من رسالة

فانوس رمضان

أكثر من رسالةالفانوس الذي ارتبط منذ زمن طويل بشهر رمضان المبارك، حتى أصبح من الرموز الشعبية الدالة على الشهر الفضيل، لا يزال اليوم كما كان بالأمس، لا بل إن شعبيته في ازدياد، واتسعت مجالات حضوره وتنوعت أشكاله ما بين أزقة المدن الصغيرة وزينة الجادات العريضة وصولاً إلى الفواصل بين البرامج التلفزيونية. وفي مصر، التي يُقال إنها منشأ عادة اعتماد الفانوس رمزاً رمضانياً، نوقشت أكثر من رسالة جامعية حول تاريخ الفانوس ودلالاته، كأحد مظاهر شهر رمضان وجزء لا يتجزَّأ من احتفالاته ولياليه.

أصل الفانوس
استخدم الفانوس في صدر الإسلام في الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب. أما كلمة الفانوس فهي إغريقية تشير إلى إحدى وسائل الإضاءة، وفي بعض اللغات السامية يقال للفانوس «فناس». ويذكر الفيروز أبادي مؤلف القاموس المحيط، أن المعني الأصلي للفانوس هو «النمام»، ويرجع صاحب القاموس تسميته بهذا الاسم إلى أنه يظهر حامله وسط الظلام والكلمة بهذا المعنى معروفه.
أول من عرف فانوس رمضان هم المصريون.. وذلك يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادماً من الغرب .. وكان ذلك في يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية.. وخرج المصريون في موكب كبير جداً اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذي وصل ليلاً.. وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة وذلك لإضاءة الطريق إليه.. وهكذا بقيت الفوانيس تضئ الشوارع حتى آخر شهر رمضان.. لتصبح عادة يلتزم بها كل سنة.. ويتحول الفانوس رمزاً للفرحة وتقليداً محبباً في شهر رمضان.
وانتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزءاً من تقاليد شهر رمضان في كافة أرجاء البلاد العربية والإسلامية. وصار يظهر بأشكال لا عهدة لنا بها سابقاً، مثل رسمه بالوسائل الرقمية لشاشات التلفزيون، وصناعة مجسمات عملاقة لفوانيس مؤلفة من مئات المصابيح الكهربائية الصغيرة وغير ذلك.

صناعة الفانوس
صناعة الفوانيس ليست صناعة موسمية، ولكنها مستمرة طوال العام حيث يتفنن صنَّاعها ابتكار أشكال ونماذج مختلفة، وتخزينها ليتم عرضها للبيع في رمضان الذي يعد موسم رواج هذه الصناعة. وتعد مدينة القاهرة المصرية من أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها هذه الصناعة. وهناك مناطق معينة مثل منطقة تحت الربع القريبة من حي الأزهر.. والغورية.. ومنطقة بركة الفيل بالسيدة زينب من أهم المناطق التي تخصصت في صناعة الفوانيس. وقبل حلول رمضان بأربعة أيام تقريباً، يبدأ الأولاد في مصر بالتحضير لشراء الفوانيس الخاصة بهم.
وفى جولة على منطقة «تحت الربع»، تجد أشهر ورش الصناعة، وكذلك أشهر العائلات التي تتوارثها جيلاً بعد جيل. وتُعد الفوانيس المصرية ذات عمر طويل، وقد شهدت تطوراً كبيراً في الآونة الأخيرة. فبعد أن كان الفانوس عبارة عن علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة، تم تركيب الزجاج مع الصفيح مع عمل بعض الفتحات التي تجعل الشمعة تستمر في الاشتعال. ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال. وكان ذلك يتم يدوياً وتستخدم فيه المخلفات الزجاجية والمعدنية، وكان الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة ويستغرق وقتاً طويلاً.

أنواع الفوانيس
توجد بعض الفوانيس المعقدة من ناحية تصميمها مثل الفانوس المعروف «بالبرلمان» والذي سمِّي بذلك نسبة إلى فانوس مشابه كان معلقاً في قاعة البرلمان المصري في ثلاثينيات القرن الماضي. وكذلك الفانوس المسمى «فاروق» الذي يحمل اسم ملك مصر السابق والذي كان قد صُمِّم خصيصاً لاحتفال القصر الملكي بيوم ميلاده، وتم شراء ما يزيد على 500 فانوس من هذا النوع يومها لتزيين القصر الملكي.
وظلت صناعة الفانوس تتطور عبر الأزمان حتى ظهر الفانوس الكهربائى الذي يعتمد في إضاءته على البطارية واللمبة بدلاً من الشمعة. ولم يقف التطور عند هذا الحد بل غزت الصين مصر ودول العالم الإسلامي بصناعة الفانوس الصينى الذي يضيء ويتكلم ويتحرك، وتطور الأمر إلى ظهور أشكال أخرى غير الفانوس، ولكنها لا تباع إلا في رمضان تحت اسم «الفانوس». فقد تغير الفانوس وتبدل، وأصبح نادراً ما ترى طفلاً يمسك بالفانوس الزجاجى الملون المحتضن للشمعة المضيئة.

أسامة محمد علي (أسامة الزقزوق)
مصر، سوهاج، طهطا عنيبس

أضف تعليق

التعليقات

ايمن عبدالسميع حسن

موضوع(( فانوس رمضان)) للأديب الرائع الماتع اسامة الزقزوق.. بحق جميل وخفيف ويحمل في بوتقته عبق التاريخ.. والله ولي التوفيق، ولادارة المجلة الكريمة (( القافلة )) ألف شكر وتحية..أيمن عبد السميع حسن