بين الفضاء والبشر علاقة تسير على خطّين. فالإنسان الذي نظر طويلاً إلى السماء ليراقب ظواهر الكون المدهشة، تعاظم طموحه، فبات يريد السفر في الفضاء، وأرسل روَّاداً إلى القمر، وهو يهمّ بإرسال رواد إلى المرّيخ، وطاولت مركباته الآلية جوار الأقمار المحيطة بزحل، وأخيراً هبطت مركبة على مذنّب صغير فيما شكّل الإنجاز الأكبر في استكشاف الفضاء خلال العام الماضي.
وفي الاتجاه الآخر، يأتينا من الفضاء نور الشمس وشعاع القمر كل يوم، ولكن تزورنا من وقت لآخر شُهُبٌ ونيازك، وتطلّ علينا بين حين وآخر المذنّبات لتخط في سمائنا سطوراً مضيئة تحيي المخيّلة البشرية بكل خيال، تشاؤماً وتفاؤلاً.
فمن هم زوارنا الآتون من الفضاء، وما هو تاريخ النيازك والمعتقدات التي راودت عقول البشر بشأنها، وأين حصتها من الفنون والآداب. وما هي قصة هذا الهبوط المثير على المذنّب. في هذا الملف، من إعداد أسرة القافلة، نلقي الضوء على هذه الأجرام الفضائية الصغيرة في حجمها، وبعض قصتها معنا.
عندما يسقط نيزك تكون السماء مسرحاً بديعاً باللون والحركة، ولكن ذلك العرض المسرحي لا يدوم طويلاً، ثواني وربما دقائق، وبالنسبة للمذنب أياماً، ثم يعود الكون إلى حالته ويستأثر الظلام بالمشهد من جديد. هذه الطبيعة الوقتية للنيزك جعلت منه مادة مهمة في تشكيل الصورة الذهنية عنه لدى الإنسان عبر العصور. لقد ظلت النيازك، ولا تزال، مصدراً لا ينضب من الإبهار بالنسبة للكثيرين. وفي الوقت نفسه، طالما كانت أيضاً مصدر رعب وهلع.
النيزك ومعناه في المعتقدات القديمة
رصدت الشعوب القديمة المذنّبات والنيازك والشُهُب، فدخلت هذه في معتقداتها الشعبية والوثنية، على أن لها صفة روحانية أو معنوية ما لعلاقتها بالسماء التي جاءت منها.
وكان قدماء الإغريق يبجّلون النيازك، فحوت كثير من معابد الإغريق والرومان، حجارة كانوا يرون أنها مقدّسة لسقوطها من السماء.
غير أن معتقدات الشعوب عامة، ربطت النيازك بالتفاؤل والتشاؤم، ومحاولة تفسير ظهورها وهبوطها على الأرض، ونصحت بسلوك معيّن حين رؤية النيزك. فالسوابيون الألمان كانوا يؤمنون بأن النيزك بشير سنة خير، لكن إذا ما رأى أحدهم 3 نيازك في ليلة واحدة فمصيره الموت. وفي تشيلي كان على المرء أن يلتقط حجراً حالما يرى النيزك. وفي الفلبين، كان على من يشاهد النيزك أن يعقد عقدة في منديل قبل اختفائه. حتى سكان هاواي المعاصرين لا يزالون يعتقدون أن على من يرى النيزك متجهاً صوبه، أن يفتح صدر ثوبه الكيمونو ليتلقف الحظ الآتي إليه.
وفي بلاد البلطيق ووسط أوروبا، كان الناس يعتقدون أن لكل إنسان نجماً في السماء، يسقط حين موته، لذا يسارعون حين يرون نيزكاً يسقط، إلى التمتمة بعبارة: فلترقد روحه في سلام.
وكان لا بد من تجنّب بعض السلوك عند رؤية النيزك، كما ظنت شعوب أخرى. فالدلالة بالإصبع إلى النيزك، أو الكلام عنه في أثناء سقوطه، كان يجلب الحظ العاثر، كما اعتقد بعض سكان أمريكا. وكانت الشعوب التي تؤمن بأن النيزك يجلب الحظ السيئ، ترى ضرورة التلفظ بعبارات مثل: «ربي، أبعده»، أو «ابتعد، ابتعد، اذهب في سبيلك».
وفي سنة 1492م، سقط نيزك كبير ومشهور هو نيزك «إنسِسهايم» في منطقة الألزاس (اليوم في شرق فرنسا). حينئذ جمع ماكسيميليان، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة مجمعه، من أجل إصدار رأي في معنى سقوط النيزك. وقرر المجمع أن السقوط كان فألاً حسناً في شأن حروب الإمبراطور مع فرنسا غرباً ومع الأتراك شرقاً.
وفي العالَمَين القديم والحديث هناك أكثر من ثلاثين حجراً نيزكياً يبجِّلها الناس في أنحاء المعمورة. وتأتي أمريكا الشمالية في مقدمة الأماكن التي توجد فيها مثل هذه الحجارة. تحتفظ قبائل السكان الأصليين في أمريكا الشمالية بإجلال خاص لعدد كبير من الكتل الضخمة للحديد النيزكي التي يَعُدها السكان غير قابلة للتحريك. أشهر تلك الكتل على الإطلاق واحدة في ولاية أوريجون الأمريكية تزن أربعة عشر طناً من الحديد النيزكي كان الناس يعتقدون أنها قوة سحرية هائلة. كانوا يغسلون وجوههم في الماء المتجمع عند حوضها الكهفي، كما كان المحاربون الشبان يغمسون سهامهم في مائها قبل خوض الحروب مع القبائل المجاورة.
ووجدت دلائل على أنه كانت هناك تجارة مبكرة في حجارة النيزك في أمريكا الشمالية. استمدت تلك الدلائل أهميتها من شواهد الخرز والتحف المصنوعة من حجر النيزك التي استخرجت من مدافن متعددة في أوهايو مطلع القرن التاسع عشر. أفاد باحثون كثر أن مصدر حجر النيزك ذاك يعود إلى منتصف كانساس على بعد ألف وأربعمئة كيلو متر إلى الجنوب الغربي. وأفادوا أيضاً بأنه قبل أكثر من ألفي سنة أقام هنود «هوبويل» طريقاً تجارياً على امتداد نهري ميزوري وكانساس لحمل شحنات ثمينة من الحديد النيزكي ضمن أشياء أخرى كثيرة. قبل أن يتمكن البشر من التمرس على الاستفادة التقنية من الحديد، كان اكتشاف الحديد النيزكي بالصدفة يعود بالخير الوفير. كثير من المكتشفات تم طرقها وتحويلها إلى أدوات وأسلحة كما حدث في الصين، التي شملت مشغولاتها من هذه المادة فؤوساً وخناجر تم تصنيعها من النيزك على رغم صعوبة عملية التصنيع فنياً.
ولادة علم
مع أن عديداً من النيازك تسقط باستمرار على الأرض منذ ملايين السنين، فقد ظلت خارج الدراسة العلمية حتى القرن الثامن عشر. إذ إن قليلاً من العلماء كان يمتلك الجرأة لأن يعتقد بأن النيازك قادمة من نقطة أبعد من كوكبنا. أولئك الذين قالوا بهذا القول إما اعتُبروا حمقى أو مهرطقين وكانوا عرضة للسخرية والازدراء. وكانت المشكلة تكمن في أن أياً من علماء الطبيعة لم يشاهد نيزكاً يسقط. ولذلك كان العلم متردداً في تصديق شهادات أناس عاديين والتسليم بها، علماً بأن بعضهم أعطى وصفاً دقيقاً ومفصَّلاً لتلك الحالات.
كان من ضمن التفسيرات الشعبية لظهور النيازك هو تشكّلها في الفضاء عن طريق البرق، أو تحجّرها من الغبار البركاني، بل وحتى فُسرت على أنها أعمال شيطانية. واعتمد التفسيران الأولان على الأصوات والأضواء المصاحبة لسقوط النيزك التي تشبه الرعد والبرق.
وخلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر رفضت مجموعة من العلماء ببساطة وجود النيازك، ربما من أجل المحافظة على سمعتهم. أدى هذا الرفض إلى تعطيل الوصول إلى فهم النيازك مدة من الوقت. وأسوأ من ذلك، أدى هذا الرفض إلى التخلص من بعض أحجار النيازك عبر أوروبا على أنه «قمامة». غير أن عالِمين بارزين، هما آبي ترويلي وإيرنست كلادني، استطاعا بعد دراسة أحجار نيزكية وجدت متفرقة في أوروبا وروسيا أن يشيرا إلى أن الأحجار النيزكية سقطت من السماء، لكنهما لم يكونا متأكدين مما إذا تكونت النيازك من مصدرها أو تشكَّلت في الغلاف الجوي.
بدءاً من عام 1790م بدأت نظرية مصدر النيزك في الانتقال من طور التنظير الخيالي إلى طور الحقيقة العلمية المؤسسة. ساعد هذا الانتقال سقوط مجموعة كبيرة من النيازك في إيطاليا وإنجلترا وروسيا وفرنسا والهند خلال العقد الأخير من القرن فقط. ولا يزال الجدل قائماً حتى اليوم حيال من يكون المسؤول عن ولادة علم النيازك، لكن البوصلة تشير إلى مساهمات كلادني في هذا الحقل. ففي 26 إبريل 1803م سقطت بضعة آلاف حجر نيزكي قرب مدينة ليل شمال فرنسا وشاهد هذا السقوط مجموعة من المسؤولين. أرسل وزير الداخلية الفرنسي عالِماً آخر وهو الفيزيائي جان باتيست بايوت للتحقق من مصداقية التقارير، وعاد الأخير بالتصديق على أن الحجارة الساقطة حجارة نيزكية. نتج عن هذه الحادثة شيئان: أولهما الاعتراف بمساهمة كلادني في علم الشهب أو النيازك، وثانيهما انتشار حجارة النيزك وحرص الأفراد والمتاحف على اقتنائها.
بقي السؤال عن مصدر النيزك عالقاً لمدة قرن ونصف القرن بعد حادثة ليل. توقع علماء أن يكون النيزك قادماً من القمر وظل هذا الاعتقاد سائداً حتى القرن العشرين. كما انضم إلى هذا الرأي رأي آخر يقول إن النيازك والكويكبات إنما هي قطع أو شظايا صغيرة من كوكب واحد. استدل هذا الرأي بالحزام الكوكبي الممتد بين المريخ والمشتري. طبعاً لم يزل الاعتقاد بأن النيازك تتشكَّل من الأرض قائماً، حتى إن توماس جيفرسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ردّ على تقارير أعدها علماء من جامعة ييل عن سقوط نيزك حجري في كونيكتيكت عام 1807م بقوله: «إن الاعتقاد بأن أستاذين جامعيين أمريكيين قد كذبا أسهل بكثير من الاعتقاد بأن حجارة سقطت من السماء».
في العام نفسه ألَّف العالِم الروسي آفاناسي ستويكوفيتش كتابه «عن الحجارة الجوية وأصلها» لخَّص فيه كل الآراء المتعلقة بأصل النيازك. وخلص إلى أن نظرية كون النيازك قطعاً من كويكبات لا تتعارض مع قوانين الفيزياء. واكتسب الاستنتاج أهمية كبيرة بتأكيده على أن النيازك أجسام قادمة من خارج كوكب الأرض، وأنها تتشكل ضمن النظام الشمسي، كما أن معظمها حجارة أو معادن منقسمة عن عدة كواكب في مدارات بيضاوية حول الشمس. ولم تتغيَّر النيازك رغم مرور ملايين السنين على تكوّنها حسب تقدير الدراسات الحديثة. هذه الفتوحات العلمية كان لها أثرها البالغ على التقدم العلمي في مجالات شتَّى كالفيزياء والكيمياء وعلم المعادن والجيولوجيا. ويمكن القول إنها مهَّدت الطريق لعصر الفضاء الذي بدأ في ستينيات القرن الماضي.
في تونغوسكا… ذات يوم من عام 1908م
صباح الثلاثين من شهر يونيو 1908م، ضرب كويكب أو نيزك ضخم منطقة غابات تونغوسكا، في أواسط شرق سيبيريا. لم يصل من النيزك الكثير إلى سطح الأرض، بل انفجر من شدة الحرارة على ارتفاع يراوح بين خمسة وعشرة كيلومترات. وقد صُنِّف الحدث الكبير، وهو أعظم ما شوهد في التاريخ المسجّل من نيازك، على أنه اصطدام بين الجرم الفضائي والأرض، على الرغم من أن العلماء يعتقدون أن النيزك انفجر في الجو قبل أن يصل إلى الأرض. وظل أمر هذه الحادثة شبه سر لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه لدراسته 29 عاماً، فكانت أول بعثة علمية أرسلت إليه، بعثة سوفياتية، سنة 1928م. وقد قدّرت البعثة قطر النيزك بما يراوح بين 60 و190 متراً. ومنذ ذلك التاريخ، كُتبت نحو ألف دراسة في الموضوع، لا سيما باللغة الروسية، تخللها بعض الفرضيات الخيالية. وظلت حقيقة الانفجار الرهيب محل أخذ ورد، حتى كانت دراسة الأوكراني فكتور كفاسنيتسيا، سنة 2013م، الذي رأس بعثة لدراسة الموضوع. وقد تفحصت البعثة عينات ميكروسكوبية من مواد حول مركز الانفجار، الذي يقال إنه اقتلع واكتسح أكثر من 80 مليون شجرة. فأكدت الدراسة نظرية النيزك. وقدّرت الدراسات قوة الانفجار بما يراوح بين 3 و30 ميغاطن من التي إن تي، والراجح أن القوة كانت بين 10 و15 ميغاطن، أي نحو 1000 مرة قوة القنبلة الأمريكية الذرية التي ألقيت على هيروشيما ودمّرتها، في أغسطس من سنة 1945م. وانتشرت آثار الانفجار، من أشجار مسوّاة بالأرض ومتفحّمة، على مساحة تبلغ 2150 كيلومتراً مربّعاً، فيما بلغت قوة الهزة الناجمة منه 5 درجات على سلّم ريختر. وهي قوة زلزال يمكنها أن تدمّر حياً في مدينة كبيرة. إلا أن حُسن طالع الروس، أن المنطقة التي حدث فيها انفجار تونغوسكا العظيم، كانت خالية من السكان تماماً، ولم يُصب أحد، سوى بالرعب الشديد الذي استبد بسكان المنطقة المجاورة، في أخطر حادثة فضائية تشهدها البشرية.
النيزك في العلم
النيزك، في العلم هو جسم فضائي قد يكون صخرياً أو معدنياً أو خليطاً من الصخر والمعادن، يراوح حجمه في معظم الحالات بين الحُبَيْبَة الصغيرة، ومتر طولاً. أما إذا زاد حجمه على هذا، فالعلماء يصنفونه: كويكباً، من غير أن يكون ثمة فارق في تركيبه بالضرورة. وللنيازك مصادر كونية متعدِّدة، فمنها ما يكون من حطام مذنب ما، أو من فتات كويكب هائم في حزام الكويكبات حول الشمس، اجتذبته الأرض. لكن ثمة مصدرين قريبين من الأرض، فحين يسقط كويكب أو نيزك على سطح القمر أو المريخ، فثمة احتمالات أن ينجم من الاصطدام، عدد من الصخور، تتناثر في الفضاء القريب، وقد يصيب بعضها غلاف الأرض الجوي، فتظهر الشهب أو تسقط النيازك، على سطح الأرض. وأعظم الحوادث التي شهدت سقوط جرم سماوي على الأرض، في تاريخها المعروف، هو النيزك الضخم، أو الكويكب الصغير، الذي سقط قبل 66 مليون عام، كما يقدّر العلماء، وكان من أثره إبادة جنس الديناصورات من على سطح الأرض. كان معروفاً أن الديناصورات انقرضت في زمن ما من تاريخ الكرة الأرضية، لكن العلماء لم يكونوا يرون سبباً مفهوماً لهذا الحدث. وحين ظهرت نظرية الاصطدام النيزكي الضخم، سنة 1980م، وقال بها العالم والتر ألفاريز وزملاؤه، استحوذت على اهتمام واسع، في المحافل العلمية وفي أوساط الرأي العام العالمي على السواء. قال ألفاريز، إن الانقراض حدث في نهاية العهد الطباشيري، بفعل سقوط نيزك ضخم على الأرض، منذ 66 مليون عام. ورأى فريق علماء هذه النظرية، أن الزيادة المفاجئة من معدن الإيريديوم الفلزي في العالم، في طبقات الأرض المترسبة، هو الدليل المؤكد لحدوث الاصطدام النيزكي. ويصف ألفاريز الحدث الهائل، بأن صخرة هائلة، يراوح طولها بين 5 كيلومترات و15 كيلومتراً سقطت على مقربة من شبه جزيرة يوكاتان (جنوب شرق مكسيكو)، فأحدث سقوطها فوهة تشيكسولوب وقطرها نحو 180 كيلومتراً، وأطلق المسار الذي أدى إلى انقراض الديناصورات من على سطح الكرة الأرضية. وليس العلماء على يقين، من أن الديناصورات كانت تعاني أو قابلة للفناء قبل هذا الحدث العظيم أم لا. ويرى بعضهم أن سقوط الصخرة الهائلة، سبّب هبوطاً طويلاً وغير اعتيادي في حرارة الجو، فيما يرى آخرون أنه على العكس، سبّب موجة حرارة عالية غير اعتيادية. لكن معظم العلماء يُجمعون على أن كلا الأمرين، أديا إلى الانقراض مباشرة (بالحرارة الشديدة من قوة الاصطدام)، ولا مباشرة (جرَّاء تجمد حرارة الأرض الذي نجم من أن المادة التي قذفها الانفجار من الفوهة حجبت نور الشمس). ومع أن سرعة الانقراض لا يمكن استنتاجها من العظام الباقية من الديناصورات، إلا أن النظريات المختلفة تشير إلى أن هذا الانقراض كان سريعاً جداً، حتى إنه حدث في غضون ساعات، لا سنين.
نيازك وشهب ومذنّبات!
كثير من الناس يخلطون بين أنواع الأجرام الفضائية التي تزور الأرض أو تدور حول الشمس. فما هو الفرق بين المذنّبات والنيازك والشهب والكويكبات. عند مولد النظام الشمسي، الذي يتكوَّن من أجرام تدور حول الشمس، كانت هناك كتلة هائلة من الغبار والصخور تدور حول نفسها بسرعة كبيرة. ومع مضي الوقت، ومن فعل قوة الجاذبية، أخذت تظهر كتل متراكمة من هذا الغبار، كان أكبرها الشمس، التي أدى حجمها الهائل، إلى إحداث تفاعلات نووية جعلتها تشتعل. ومن حول هذه الشمس الوليدة، أخذت تتكوَّن بعض الكتل الصغيرة نسبياً، واتخذت مدارات حول الشمس، الجاذب الأول لها.
روزيتا وفيلة: اسمان مصريان
روزيتا: الكلمة هي الترجمة الأوروبية لكلمة الرشيد في مصر. وسبب التسمية، هو أن حجر الرشيد الذي اكتشفته بعثة شامبليون التي رافقت حملة نابليون بونابرت على مصر سنة 1798م، كان يحتوي على نص مطوّل باللغة الإغريقية (اليونانية القديمة) وترجمته بالحروف الهيروغليفية، وباللغة الفرعونية القديمة. وبذلك تمكنت بعثة شامبليون من فك رموز الحروف الهيروغليفية واللغة الفرعونية القديمة.
فيلة: سمّيت كذلك اسماً مصرياً، هو اسم جزيرة فيلة، التي تقع في بحيرة ناصر، خلف سد أسوان على نهر النيل. وعلى الجزيرة آثار فرعونية نفيسة جداً، أُنقذت من الغرق في مياه البحيرة، عند إنشاء سد أسوان العالي، بجهد أشرفت عليه منظمة اليونيسكو. ومن هذه الآثار النفيسة، مسلّة عليها كتابة باللغتين المصرية القديمة والحرف الهيروغليفي، وباللغة الإغريقية. وقد ساعدت هذه الكتابة وكتابة حجر الرشيد في فك رموز اللغة المصرية القديمة. ويأمل العلماء أن يتمكنوا، بواسطة فيلة وروزيتا، أن يفكوا رموز المذنّبات، وتاريخ تطور العصور الأولى من عمر النظام الشمسي منذ 4.6 مليار سنة، ونشوء الكرة الأرضية والكواكب الأخرى في النظام الشمسي.
وتراوحت أحجام هذه الكتل، فظهرت الكواكب، وهي على صغرها بالمقارنة مع الشمس، تعد أكبر الأجرام الدائرة في فلكها. وعدد المعروف منها حتى الآن تسعة كواكب. لكن بقيت في جوار الكواكب أو في مدارات بعيدة جداً، أجسام فضائية أصغر حجماً، سمّيت كويكبات، تصغيراً. ومن هذه الكويكبات حزام بين مداري المريخ والمشتري، يضم عدداً هائلاً من هذه الكويكبات، قد ينحرف مدارها، عند اقترابها من كوكب كبير، وقد يصادف أن مدارها الجديد يلتقي مدار الأرض، وأن يسقط في جو الكرة الأرضية.
الكويكبات: أجرام فضائية تدور حول الشمس، في مدارات في جوار الكواكب التسعة المعروفة. وأحجامها متفاوتة، بين ذرة الغبار والصخور الضخمة التي قد يصل قطرها إلى عشرات الكيلومترات. سقط على الأرض منذ 66 مليون عام، في منطقة في المكسيك اليوم، كويكب يراوح قطره بين 5 و15 كيلومتراً، وأدى إلى إحداث حفرة قطرها 180 كيلومتراً وإلى انقراض عدد كبير من الكائنات الحية، ولا سيما الديناصورات، كما تقول النظرية.
المذنّبات: أجرام فضائية من بقايا ولادة النظام الشمسي، مكوَّنة من جليد وتراب وصخور، مداراتها قد تبتعد عن الشمس مليارات الكيلومترات، لكن مدارها غير المستدير إهليلجي الشكل، أي إنها تقترب من الشمس، في رحلتها حولها. وحين تقترب، ترتفع حرارتها، فيظهر خلفها ذنب من البخار والغبار، تضيئه الشمس، فيبدو في السماء للناظرين من الأرض. وقد تستمر رؤيته أسابيع. ويذكر أن مذنب «تشوريوموف – جيراسمنكو» الذي سيشاهده سكان الأرض في هذه السنة، كان حضيضه، أي أقرب مواقعه حول الشمس، على بعد 400 مليون كيلومتر منها، لكن في خمسينيّات القرن الميلادي الماضي اقترب المذنّب من كوكب المشتري، أكبر الكواكب الشمسية، فانحرف مساره، وصار حضيضه نحو 180 مليون كيلومتر عن الشمس.
الشهب: يصادف أن تلتقي مدارات بعض الصخور الفضائية الدائرة حول الشمس، أو المنفلتة من جاذبية القمر أو المريخ، أو أي كوكب آخر، مدار الأرض، فتسقط في الجو، بسرعة قد تصل إلى أربعين ميلاً في الثانية، وتحترق ويؤدي احتراقها إلى ظهور خط لامع من النور في السماء، لحظات قصيرة، ثم ينطفئ.
النيازك: هي الشهب التي لا تحترق تماماً في الجو، بل يحترق جزء منها، ويصل جزء باق إلى سطح الأرض، فيحدث حفرة تتناسب مع حجم النيزك. قيمة النيازك العلمية، أنها تفيدنا بالمادة التي تتكون منها الأجرام الفضائية، على النحو الذي قد يفضي إلى معرفة أفضل لأصل نشوء النظام الشمسي. وكثير من النيازك التي عُثر عليها، مصدرها القمر أو المريخ.
الشهب في الشعر
وردت الشهب في الشعر العربي القديم والحديث بمعانٍ مختلفة، منها العلو والحرية والبأس وحاملة الأخبار والشارة التي تدلل على حدث ما، والنور الذي يزيح العتمة، ووصفت بالزينة أيضاً بسبب ذيلها المضاء وكتلة النور التي تشعّ منها. والشهب كما استخدمها الشعراء العرب كناية عن كل ما يسقط من السماء أو ما يمرّ في صفحتها من مذنبات ونيازك وكويكبات يشاهدها الناس بعيونهم.وقد وردت الشهب في قصيدة المتنبي «يا أخت خير أخ يا بنت خير أب» وكأنها كائنات ثاقبة النظر يحسدها الناس على ما يمكنها رؤيته من السماء. وهنا يقول عن الموصوفة، بأنها كانت محجوبة عن الأعين بكل حجاب فأحبت الأرض أن تكون من حجبها فانضمت عليها، ويقول للأرض هل حسدت أعين الشهب على رؤيتها حتى حجبتها بنفسك فإن عيون الإنس كانت لا تدركها.
قَد كانَ كلّ حِجــابٍ دونَ رُؤيَتــها فَمَا قَنِعتِ لها يا أرْضُ بالحُجُبِ
وَلا رَأيْـتِ عُيُــونَ الإنْـسِ تُدْرِكُــها فَهَلْ حَسَدْتِ عَلَيها أعينَ الشُّهبِوقد أوردها أبو العلاء المعرّي في قصائده على أنها كائنات قديمة في السماء، وهذا ما يمنحها الحكمة لأنها رأت الكثير وأرسلت إشارات كثيرة:
“يا شُهْبُ، إنّكِ في السّماءِ قديمةٌ، وأشَرتِ للحكماءِ كلَّ مُشارِ
أخبرتِ عن موتٍ، يكـونُ مُنَـجِّـماً، أفتُخبرينَ بحادِثِ الإنشار؟”أبو تمام استخف بالشهب السبعة التي كان المنجمون يستعينون بها لقراءة الغيب معتبراً أن العلم بنتائج الحروب يُلتمس ويُطلب بالأسلحة التي يقاتل فيها المحاربون لا في الشهب السبعة التي اعتمد عليها المنجمون.
والعِلْـمُ في شُـهُبِ الأَرْمَـاحِ لاَمِعَةً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لا في السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَـةُ بَلْ أَيْـنَ النُّـجُومُ وَمَـا صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِوالسبعة الشهب نفسها وردت في سبيل المديح لدى مصطفى صادق الرافعي:
عرشٌ بطولِ مدارِ السبعَةِ الشهبِ والشمسُ في تاجِهِ لا حليةَ الذهبِ
حيّ الزمـــانَ بكـفِّ العـــزِّ مالكـهُ فصافحتْ منهُ كفَّ المجدِ والحسبِوبمعنى الناظر أو المشاهد استخدم الشاعر علي أحمد باكثير الشهب ومنحها عيوناً تشهد لحده:
أغرّك أنّ الأرض قد شـربت دمي؟ وأنّ عيون الشهب قد شهدت لحدي؟
رويدك قد خلدتُ في الشعر محضه ولم يبقَ منه للتراب سوى الدُرديوفي موشح لسان الدين بن الخطيب يصف الشهب وكأنها تحتفل للقائه حبيبته، وهذا يفيد معنى النظر والمراقبة أيضاً، وشبّه أو ساوى بين الشهب وعيون النرجس.
حــين لــذّ الأُنـس شـــيئاً أَو كمــا هجــم الصّبــحُ هجــومَ الحـرَسِ
غــــارت الشــهْـبُ بنـــا أَو ربّمــا أَثّـــرت فينــا عيـــون النرجــــسِإيليا أبو ماضي كان أكثر تفاؤلاً بالشهب، فقد طلب من مخاطبه المتشائم أن يستعير الضحك من الشهب التي تلوِّن العتمة فتجعلها جميلة.
يا صاح، لا خطر على شفتيك أن تتثلما، والوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى متلاطم، ولذا نحب الأنجما.الوصف نفسه لدى جبران خليل جبران حيث تنزاح العتمة بالشهب، بل وإن الدرر التي تمنحه الكأس هي نفسها كالشهب الساقطة من السماء إلى الكأس.
شـهب تبين فمــا تـأوب فكأنها حبب يذوب
أرأيـــت في كأس الطـــلا درراً وقد صعدت تصوب
هـو ذاك في لج الدجــى طفو الدراري والرسوبوالشهب نور وأشعة عند صفي الدين الحلي، ومن يشبهّهم بها من الناس هم أيضاً نور يهتكون بنورهم وأشعتهم الظلام.
أهلاً بشـهبٍ في سمــاءِ المجلسِ، هتكَتْ أشعّتُها حِجابَ الحِندسِ
زهرٌ إذا أرخــى الظـــلامُ ستــورة فعلتْ بها كصحيفةِ المتلمِّسِ
وفي مديح الشام يجعل سعيد عقل الشهب نوراً تضيء العتمة أيضاً، بل وقبل الشام كان التاريخ في ظلمة لولا أنه استولى على الشهب، التي أعادت النور إليه، والشهب هي نفسها السيف والمجد.
شـــامُ يا ذا السَّـــيفُ لم يِغــب يا كَـلامَ المجدِ في الكُتُبِ
قبـــلَـكِ التّـــاريــخُ في ظُــلمــــةٍ بعـدَكِ اســتولى على الشُّـــهُبِ
شاعر الحداثة بدر شاكر السياب وصف الشهب بأنها الحرية والانطلاق المضادة للتقوقع والظلام، وفي وصفه الشرق الغارق في الضباب رأى أن الشهب نفسها قد تغرق في هذا السأم الذي يلف الشرق.
الشــرق عُـــفر بالضـــبـاب فــما يبــدو فأيــن ســناك يا غـــرب؟
ما للنجـــوم غــرقــن، من ســأم في ضــوئــهن وكـادت الشـــهب؟
عمر أبو ريشة منح الشهب ذيولاً كما المذنبات، وهي في قصيدته للزينة، أي إن المجد لقوته وشدته يمكنه أن يجعل من ذيول الشهب العالية والبعيدة جزءاً من الكبرياء الذي يصنعه المجد.
يا عروس المجـد تيهـي واســحبي فـي مـغــانينا ذيـــول الـشــهب
لـن تــري حـفنــة رمــــل فوقــها لـم تـعــطر بِدِمَـــا حــــرّ أبـيّ
النيزك في الفن
إعجاب الناس بالمذنبات وخوفهم منها وجد طريقه إلى فن الإنسان وأدبه. ولا عجب في أن يصبح كثير من مشاهدي المذنبات عبر القرون مهووسين بالجمال الفائق للمذنبات وبالتجربة الفريدة التي يوفرها ظهور مذنب في عرض السماء.هذا الشيء ضمن لها مقعداً بين موضوعات الأدب والفن، صورت فيه على أنها أعجوبات أو طوالع أو رموز. ويمكن تتبع الأساطير الشعبية المتعلقة بالمذنبات والمواقف الثقافية تجاهها في الفنون البصرية.تختلف النيازك بطبيعة الحال عن المذنبات، فهي أجزاء صغيرة من مادة متعددة الكواكب مسافرة حول الشمس، قد يكون معظمها حطام مذنب لُفظ من قلوب مذنبات سابقة. عندما تدخل الغلاف الجوي للأرض بسرعة أربعين ميلاً في الثانية تشتعل لتبدو مثل شرائط من الضوء. وكل نيزك قد يكون بحجم ذرَّة رمل، ومع ذلك فإن مساره المضيء قد يُرى على بعد مئة وخمسين ميلاً.في العصور الوسطى أعطيت هذه القذائف القادمة من الفضاء أسماء خيالية مثل «التنينات الطائرة» و«الأفاعي» و«اللهب السماوي».أما المذنبات فكل مذنب يتسم بالفرادة، ويتذبذب مظهره على امتداد ظهوره في السماء. هذا الظهور يعتمد على عدة أشياء، من ضمنها حجم قلب المذنب وشكله، ومداره، وتأثير الشمس على المادة الهاربة، إضافة إلى الزاوية والمسافة التي نرى المذنب منها.ولأن عبور النيازك في السماء محدود زمنياً أمام العين المجردة، كان من الطبيعي أن يكون التوقيت جزءاً رئيساً من سحرها. كان الناس يتحيّنون فرصة رؤية شلالات ضوئية تعبر السماء منتقلة عبر مراحل من الفرجة الاستثنائية.حاول الفنانون منذ وقت مبكر، وعبر العصور، استخدام تلك العروض غير الطبيعية والمخيفة كوسيلة بصرية عبر محاولاتهم لتصوير فقرات من نص يوحنا المقدس تصف الكون في مرحلة معينة. أشهر تلك المحاولات لوحة الفنان الألماني ألبريخت دورر (1471-1528م) التي قام بحفرها على الخشب في القرن السادس عشر لتصوير مشهد مطر من النيازك استمر لفترة طويلة.
قبل ذلك كان رائد الحركة الطبيعية في الفن، الفنان الفلورنسي جيوتو دي بوندوني (1266-1337م)، قد رسم المذنب الذي عُرف فيما بعد باسم مذنب هالي. لقد خلَّد في إحدى لوحاته حادثة ظهور المذنب عام 1301م على نحو استثنائي. ويُصنَّف تصوير جيوتو لهذه الحادثة على أنه أول تصوير مقنع أو بورتريه لمذنب اتفقت الروايات على أنه احتل أكثر من ثلث السماء. إنه ببساطة نجح في توثيق الخصائص الفريدة التي يمكن تمييزها لذلك المذنب وكأنما هو يرسم إنساناً. ساعد في ذلك توثيق مظهر المذنب عبر ضربات الفرشاة التي نقلت بأمانة كبيرة الطاقة المتوهجة المنبعثة من ذؤابة المذنب ومركزه المكثف. لم يمكّن جيوتو من نجاحه في ذلك التوثيق سوى استخدامه لأصباغ الذهب والتمبرا على جدار الجص الذي رسم عليه لوحته. وكان من السهل جداً على مشاهدي اللوحة في القرن الرابع عشر أن يستعيدوا المشاعر القوية التي اعترتهم أثناء معاينتهم للمشهد السماوي الذي رفعوا إليه أبصارهم بافتتان. ولذلك كان من الطبيعي ظهور لوحات عديدة تقلِّد محاولة جيوتو على مستوى الموضوع والتكنيك الفني.وعلى الرغم من الوصول إلى ما يفيد أن النيازك والمذنبات جزء من العالم الفيزيائي وأنها تسافر في مدارات معينة، إلا أن الخرافة لم تزل موجودة في تصورات الناس عنها حتى القرن الثامن عشر. لم تفلح النتائج العلمية ولا المحاولات الفنية بعدُ في إقناع الناس بالتخلي عن تصوراتهم القديمة عن النيازك والمذنبات. إذ تكشف الوثائق أن الناس تعاملوا مع ظهور مذنب 1759م بأقل قدر من الاطمئنان العلمي وراقبوا المذنب وهم يتنبؤون بأحداث رهيبة. وقد صور الفنان الإنجليزي صاموئيل سكوت (1702-1772م) ذلك الحدث في مشهد ليلي يقترب كثيراً من الواقعية. في لوحة سكوت التي سمَّاها «مذنب هالي 1759 فوق نهر التايمز»، يبدو المذنب حائماً بشكل مخيف فوق النهر. تبدو كاثدرائية ويستمنستر في خلفية اللوحة بينما تظهر البارجة الملكية في المقدمة.وعلى الرغم من أن سكوت يصوِّر في لوحته مشهداً واقعياً، فإن المذنب يمكن اعتباره إحالة تقليدية إلى إحسان ملك إنجلترا. المفارقة في هذا الاعتبار هي أن المؤلف الموسيقي جورج فريدريك هاندل (1685-1759م) الذي عمل لصالح الملك جورج الأول وتم أداء معزوفته الشهيرة «موسيقى المطر» على متن بارجة الملك، مات في لندن على إثر الدرع الناري للمذنب نفسه. والجدير بالذكر فيما يتعلق بلوحة سكوت هو تصويره المذنب وهو ينتقل عبر السماء بصورة أفقية، وهذا غير مألوف وبخلاف ملاحظات كثيرين عن اتجاه حركة المذنب. إلا أن مؤرخي الفن يميلون إلى كون تصوير انتقال المذنب والنيازك بشكل أفقي تقليداً فنياً بريطانياً في القرن الثامن عشر، ويدعمون هذا الميل بلوحة أخرى صورت المذنب بهذه الطريقة وهي لوحة الفنان الإنجليزي الآخر توماس ساندباي (1721-1798م). ابتعدت لوحة ساندباي عن الواقعية أكثر، وصورت المذنب في ثلاث حالات متتابعة ملتقطة ببراعة خطوات تشكّل ذيل المذنب.
بحلول القرن التاسع عشر استفاد الفنانون أيما استفادة من الرسومات التي تركها علماء الفلك آنذاك من أمثال البريطاني جون هيرشل (1792-1871م) والألماني فريديك بيسل (1784-1846م) وغيرهما. وتميزت رسومات أولئك العلماء بموضوعية تسجيلها لظهور مذنب هالي تحديداً عام 1835م كما نقلت بدقةٍ التقلبات التي يمر بها تشكيل المذنب أثناء عبوره في السماء. الغريب أن التقدُّم العلمي لم يُفلح في محو تمسّك الناس بالخرافة في تفسير ظهور المذنبات والنيازك. ويمكن أن تعطينا مسرحية «هارولد» التي كتبها الشاعر والمسرحي ألفريد لورد تينيسون (1809-1892م) قبساً من سوء الطالع الذي لا يزال الرأي الشعبي يربطه بظهور هذه الظواهر الطبيعية.
يقول المقطع: «انظر! مرة أخرى – هذه الليلة السابعة / تتوهج متجهمة، بلاءَ إنجلترا بوعيدها الثلاثي / تتوهج في السماء، وتحترق فوق التايمز / الناس مزدحمون كالنحل في الأسفل / لهم طنين كطنين النحل، لا يستطيعون حديثاً من الهلع. / ألا تظن أيها اللورد ليودوينغ أن / قضبان النار الثلاثة هذه بحَمَار الدم في الأعلى تعني / قدر إنجلترا وغضب السماء؟».
استطاع التصوير الفوتوغرافي أخيراً، وفي عام 1910م على وجه التحديد، أن يلتقط أول صورة لمذنب هالي الذي تزامن مع وفاة ملك إنجلترا إدوارد السابع. ولم يكن هذا السبب الوحيد لأن يصاب الناس بالذعر حينها، فقد أعلن مجموعة من العلماء بعد الملاحظة والتحليل أن ذيل المذنب يحتوي على غاز سام.
ولأن هذا الذيل مجدول لأن يمر بالأرض أقدم بعضهم على الانتحار كما حاولت مجموعة من الناس في أوكلاهوما تقديم عذراءٍ أضحيةً لدفع البلاء القادم. أقل الناس احترازاً أولئك الذين كسوا منازلهم بألواح خشبية أو ختموا النوافذ بإحكام لدرء الأبخرة الضارة وشيكة الحدوث. كما انتشر بيع حبوب تدعى «حبوب المذنب» كتب على علبتها التحذير التالي: «قرر الطبيب العام أن القلق حيال المذنبات قد يشكِّل خطورة على صحتك». جدير بالذكر أنه على الرغم من أن مذنب عام 1910م كان الأول الذي يوثَّق فوتوغرافياً إلا أنه لم يكن مذهلاً على المستوى البصري ولم يقدِّم فرجة هائلة كما كان متوقعاً.
العكس تماماً حصل في المذنب التالي عام 1986م إذ كان متوقعاً أن يخيب ظهوره آمال الطامحين إلى فرجة استثنائية لثلاثة أسباب، هي: موقع الأرض في مدارها وانحراف محورها آنذاك، وتلوث الغلاف الجوي، والزيادة العريضة في الإضاءات الصناعية خصوصاً في المدن الكبرى. إلا أن ظهوره شكَّل تجربة بصرية لأولئك الذين شاهدوه، الأمر الذي جعل منه رمزاً دائماً للدهشة والجمال.
أشهر النيازك
عثرت بعثات المستكشفين في منطقة القطب الجنوبي، بين 1912 و1964م، على بعض النيازك. وفي سنة 1969م، عثرت بعثة يابانية على 9 نيازك بالقرب من جبال ياماتو. واكتشف العلماء، مع وجود هذه النيازك في مكان واحد، أن حركة الثلوج ربما تدفع هذه النيازك في اتجاه ما، لأسباب غير مفهومة. ثم عثر على نحو 10 نيازك أخرى في المكان نفسه، ولذا شُكّلت بعثة يابانية خاصة سنة 1974م، مهمتها البحث عن النيازك، فوجدت ما يقرب من 700 نيزك. عندئذ بادرت الولايات المتحدة وفرق أوروبية إلى نشاط مماثل، وشكل الأوروبيون مجموعة «يوروميت» سنة 1980م للعمل في منطقة القطب الجنوبي. وسرعان ما لحقتهم الصين وكوريا سنة 2000 و2007م على التوالي.
وكانت حصيلة كل هذه البعثات حتى الآن 23 ألف نيزك مصنّف، منذ العام 1974م. ولا تزال ألوف أخرى غير مصنّفة.
في المملكة العربية السعودية مواقع في الربع الخالي مناسبة للتنقيب عن النيازك. أما أشهر ما عُثر عليه فهو نيزك الوبر، الذي يقدّر زمن سقوطه على كوكب الأرض قبل نحو 400 سنة. وقد اكتشفه الرحّالة الإنجليزي عبد الله فلبي، سنة 1932م، خلال رحلته التاريخية عبر الربع الخالي. وهذا النيزك موجود الآن في المتحف الوطني في الرياض. ويقدّر وزنه بنحو 3.5 طن، وأما سرعة دخوله الجو الأرضي فتُقدّر بنحو 25 ألف كيلومتر في الساعة.
وقد أحدث النيزك في الأرض ثلاث فوهات تتراوح أقطارها بين 116 متراً و63 متراً و11 متراً، وهي فوهات ملأتها الرمال المتحرّكة في صحراء الرّبع الخالي.
مجوهرات الفراعنة
في عام 1911م اكتشف باحثون أركيولوجيون قبوراً للمصريين القدماء جنوب القاهرة تضم مجوهرات مصنوعة من الذهب والعقيق والحديد. وكان هذا فتحاً مهماً، لأن الذهب والعقيق وغيرهما من المعادن المستخدمة كمجوهرات لم تكن غير مألوفة بالنسبة للقبور الملكية الفرعونية قبل خمسة آلاف عام، لكن الخرز المصنوع من الحديد كان اكتشافاً ملهماً، لأنه أتى من عصر كان المصريون القدماء لا يزالون يستخدمون الأدوات الحجرية قبل أن يتمرسوا على استخراج الحديد من المعادن ويخترعوا الكتابة الهيروغليفية المميزة. وجد الباحثون أن الخرز الحديدي يحتوي على النيكل الموجود في الحديد النيزكي. وكان هذا المثال أول مثال عُرف عن تواصل البشر مع النيازك.على أية حال، لم يكن استخدام المصريين للحديد المأخوذ من النيازك فريداً بحال من الأحوال. فقد أظهرت نتائج البحث الأركيولوجي لاحقاً أن حضارات أخرى قامت بالشيء نفسه. ولعل أقدم الأمثلة التي عثر عليها تلك الكرات الحديدية النيزكية التي وجدت في إيران ويعود تاريخها إلى أكثر من ستة آلاف سنة. أيضاً عُثر على أجزاء حديدية ذات طبيعة نيزكية أثناء التنقيب في المقبرة الملكية للمدينة السومرية «أور» يُقدر تاريخها بأكثر من أربعة آلاف وخمسمئة عام.وبعد أن غابت أحجار النيازك طويلاً عن صناعة المجوهرات، يبدو أنها تعود إليها في عصرنا، إذ إن النيازك الصغيرة التي لا يزيد وزنها على بضعة غرامات، تباع أحياناً بجوار الأحجار الكريمة، وأدخلها المصممون إلى صناعة المجوهرات الحديثة.
والرّبع الخالي ليس خالياً أبداً من النيازك، ففي عُمان أيضاً اكتشف المنقبون على الأطراف الشرقية من الربع الخالي، سنة 1999م أن المنطقة بين ظفار والمنطقة الوسطى تزخر بالنيازك، وقد اكتُشف فيها منذ سنة 2009م، أكثر من 5000 نيزك بينها كثير من النيازك التي مصدرها القمر أو المريخ. وقد جعل هذا الأمر من عُمان مكاناً مهماً لجمع العينات، على الرغم من أن الإقبال الأول ضم كثيراً من ممتهني تجارة النيازك، من دون الاهتمام بالعلوم المتعلِّقة بها. وقد منع القانون الآن في عُمان جمع النيازك للتجارة، لكن ما عُثر عليه منها يعد «كنوزاً وطنية». وقد حدث عند إصدار قانون المنع، أن عدداً من المنقبين فوجئوا، وسُجنوا لعدم معرفتهم بالقانون الجديد، وكان منهم روس وأمريكيون وأوروبيون. وفي صحاري أستراليا، وهي أيضاً مناسبة للبحث عن النيازك، بسبب بُعدها عن آثار تدخل البشر، وجفاف المنطقة الذي لا يتيح تراكم الطين والظواهر المناخية الأخرى، عُثر على عشرات النيازك في غرب وجنوب أستراليا. وجمعت بعثات الاستكشاف التي بدأت عملها سنة 1971م حتى الآن نحو 500 نيزك مصنّف. وتظهر النيازك بوضوح وسط الرمال الحمراء، بفضل لونها المائل إلى السواد.
في الصحراء الليبية، في عامي 1986 و1987م، وفيما كانت فرق التنقيب عن النفط تستكشف المنطقة، عثرت على 65 نيزكاً في موقع منبسط، على مسافة نحو 100 كيلومتر جنوب شرق درج، وهي بلدة صغيرة في غرب البلاد. وفي عام 1989م، شاهد أحد الهواة صور النيازك المكتشفة في القطب الجنوبي، وتبيّن أنه شاهد مثلها، فعمل في جمع ما شاهده، فبلغت نحو 500 نيزك من ليبيا والجزائر، في مناطق صحراوية منبسطة تكسوها الرمال والحصى.
ومع أن النيازك تباع تجارياً للهواة منذ عقود، حتى ثمانينيات وتسعينيات القرن الميلادي الماضي، إلا أن معظم النيازك أودعت في المتاحف والمؤسسات العلمية. وقد أدى العثور على عدد كبير من النيازك في سنوات قليلة، إلى انتشار هواية اقتنائها، لا سيما بعد العثور في ليبيا سنة 1997م، على نيازك من القمر والمريخ.
وفي المغرب، ظهرت في التسعينيات حركة تجارة النيازك، مع ازدياد المكتشفات وتكاثر الذين امتهنوا هذه التجارة وعدد الهواة من جامعيها. وقد عمل البدو في هذا المجال، بفضل معرفتهم الممتازة للصحراء وما فيها من مواقع ومشاهد لا يصل إليها غيرهم من البشر.
وقد بلغت النيازك المجموعة بهذه الطريقة ألوفاً، لكن معظمها غير مصنّف، ولا يُعرف أين وُجد ومتى. لكن كثيراً من هذه النيازك مهم علمياً لأن مصدرها الأساسي القمر والمرّيخ. ومنها النيزك المسمّى «4 أي» شمال غرب إفريقيا رقم 7034 إذ إنه أول نيزك مريخي شوهد سقوطه منذ أكثر من خمسين عاماً، وفيه آثار ماء.
في الولايات المتحدة، لم يبدأ التنقيب عن النيازك عملياً إلا في تسعينيات القرن العشرين، حين نشط الهواة في البحث، لا سيما في صحاري جنوب غرب البلاد. ومن أشهر النيازك، نيزك «بلو إيغل»، ونيزك «لوس أنجلوس» المريخي المصدر. وفي الولايات المتحدة لجنة رسمية لتصنيف النيازك وتبويبها. لكن المنقبين الهواة كثيراً ما يمتنعون عن إعلان مكتشفاتهم أو المكان الذي عثروا فيه عليها، خوفاً من المصادرة أو من منافسة الهواة الآخرين على المواقع. ومع ذلك فإن مجموعة كبيرة من النيازك، تُعرض في مرصد غريفيث، في لوس أنجلوس.
قبل 4500 سنة تقريباً، سقط نيزك معدني ضخم فوق منطقة «كامبو ديل سيالو» في شمال الأرجنتين، وتفتَّت إلى آلاف القطع التي تتراوح أوزانها ما بين الغرام الواحد وعدة أطنان. وظلَّ موقع هذا النيزك مصدراً للحديد والنيكل للسكان الأصليين ومن ثم المستكشفين الإسبان لعدة قرون. إلى أن أعلنت حكومة الأرجنتين قبل سنوات موقعه محمية طبيعية. ولكن شظاياه الصغيرة التي يُعثر عليها خارج المحمية، أو التي تُهرَّب منها، تباع للهواة بأسعار الأحجار الكريمة.
نجاح فضائي مدهش: هبوط تاريخي على مذنّب
المهمة تدرس نشأة النظام الشمسي ونشوء الأرض
في الساعة 18:30 بتوقيت جدّة، يوم الأربعاء 12 نوفمبر 2014م، لامست مركبة فضائية من صناعة البشر «أرض» مذنّب، يدور حول الشمس. فقد أَسقَطت العربة الفضائية «روزيتا»، التي أطلقتها وكالة الفضاء الأوروبية سنة 2004م، المسبار الفضائي «فيلة»، على سطح المذنّب.
سقوط بالجاذبية
العربة «أسقطت» المركبة، لأن المركبة «فيلة» لا محرك لها، وقد لامست أرض المذنّب بعد «إسقاطها» بسبع ساعات، بفعل جاذبية المذنّب «67 بي / تشوريوموف – جيراسيمنكو»، وهي جاذبية ضعيفة جداً، لأن المذنّب جرم فضائي صغير جداً، لا يتجاوز حجمه حجم جبل فيجي.وقد أطلق العلماء الأوروبيون على الساعات السبع التي استغرقها «سقوط» المركبة «فيلة» على المذنّب: ساعات الرعب السبع. أما الرعب، فسببه أن السقوط بفعل الجاذبية وحدها، أمر صعب إلى درجة أن نجاح الهبوط مسألة حظ، واحتمال انقلاب المركبة على ظهرها في أرض وعرة أمر ممكن. والمركبة والعربة أطلقتا منذ مارس سنة 2004م، وناهيك بأن المشروع تكلَّف 1.7 مليار دولار أمريكي (1.3 مليار يورو)، فإن كل طموح العلماء في الوصول إلى نتيجة علمية ناجحة، كان على المحك في لحظات الهبوط بالجاذبية هذه.والمذنّب مكوّن من غبار وجليد وتراب، ولا تتيح جاذبيته الضعيفة للأجسام أن تلتصق بأرضه بواسطة وزن كبير. فالمركبة التي تزن نحو مئة كيلو غرام على سطح أرضنا، ويبلغ حجمها مثل حجم غسالة آلية منزلية عادية، لا يبلغ وزنها على سطح المذنّب غراماً واحداً. وقد حدث عند ملامسة العربة سطح المذنّب أمر أعاد الرعب إلى قلوب العلماء المتابعين. فالمركبة مزوّدة بنوع من السنانير، مهمتها فور الملامسة، أن تنغرس في أرض المذنّب، حتى تثبت المركبة على سطحه.لم تعمل السنانير! فقفزت المركبة فور الملامسة، وكان يمكن لها أن تضيع بقفزتها هذه في الفضاء، لكن ساعات الرعب لم تكن طويلة هذه المرة، فلامست المركبة أرض المذنّب «مرة ثانية».
ماذا قالوا عن الإنجاز؟
فور هبوط المركبة «فيلة» على سطح المذنّب، عقّب المدير العام في وكالة الفضاء الأوروبية جان جاك دوردان، بقوله: «لقد ضمنت مهمتنا الطموحة «روزيتا» مكانة لها في كتب التاريخ. فهي ليست فقط أول عربة فضائية تلتقي مذنباً وتدور حوله، بل إنها الآن صارت أول عربة فضائية ترسِل إلى المذنّب مسباراً يهبط على سطحه». وقال مات تيلور العالِم في مشروع روزيتا، في وكالة الفضاء الأوروبية: «إن روزيتا ستجيب عن أسئلة كبيرة جداً، عن تاريخ نظامنا الشمسي، وما هي الظروف التي مرَّ بها هذا النظام في طفولته قبل 4.6 مليار سنة، وكيف تطور فيما بعد. كذلك ستجيب المركبة والعربة عن السؤال: ما هي المهمة التي أدتها المذنّبات في هذا التطوّر في النظام الشمسي، وكيف تعمل المذنّبات». بل إن الكاتب أليستير رينولدز، وهو كاتب في ميدان الخيال العلمي، أبدى هو الآخر حماسته الشديدة للحدث العلمي الكبير، حين قال: «هذا خيال علمي (science fiction) وقد أصبح حقيقة واقعة، بفعل الإنجاز الذي حققته الرحلة. لكن مشروع روزيتا كذلك، سار بنا في خطوة كبيرة نحو الإجابة عن السؤال الأكبر في الخيال العلمي، وهو: هل نحن وحدنا في هذا الكون؟».لقد حملت «فيلة» معها إلى المذنّب تسعة أجهزة اختبار، من أجل تصوير التربة وفحصها، وكذلك من أجل معرفة ما الذي يحدث حين سيقترب المذنّب من الشمس، فترتفع حرارته ويبدأ في بث الغازات والغبار في الفضاء، مكوّناً الذنب الذي كان سبب تسميته.لقد صنعت مجموعة من الشركات الأوروبية المركبة، يقودها معهد أبحاث الفضاء الألماني. وتقول وكالة الفضاء الأوروبية إن الجسّاسات التي حملتها المركبة معها ستقيس كثافة سطح المذنّب وخصائصه الحرارية، وتحلل الغازات هناك، وتبحث عن أي أثر لمواد عضوية قد تكون موجودة. فهذه المواد لو وجدت فعلاً، لعززت النظريات القائلة إن أصل الخلايا الحية هو المذنّبات التي سقطت على الأرض، في الملايين الأولى من عمرها. كذلك ستقيس الأجهزة العلمية على المركبة قوة الحقل المغناطيسي في المذنّب، والتفاعل بين هذا المذنّب والرياح الشمسية. وعلى فيلة أيضاً حفّارة تستطيع أن تحفر إلى عمق 20 سنتمتراً في التربة، وتأخذ عينة منها إلى السطح لتحليلها. وستبقى المركبة، وكذلك العربة الفضائية، تعملان على سطح المذنّب وفي المدار حوله، أكثر من سنة، حتى شهر ديسمبر سنة 2015م، فالمذنّب سيقترب في 13 أغسطس من هذه السنة، إلى أقرب مسافة من الشمس، وهي 112 مليون ميل (180 مليون كيلومتر)، فيبلغ ما يسمى علمياً: الحضيض، في مداره الإهليلجي حول الشمس، عندئذ سيأخذ المذنّب في بث مئات الكيلوغرامات من الغازات والغبار في كل ثانية. ويُعتقَد أن المهمة ستتوقف عندئذ، جرَّاء هذا النشاط.
السينما «وخطره على مصير العالم»
زاد عدد الأفلام التي تتناول نهاية العالم خلال السنوات العشرين الماضية، وكان أكثرها جذباً للمشاهدين تلك التي تصوِّر نهاية العالم بواسطة نيزك يرتطم بالأرض، فتارة ينهي وجود الحياة فوقها، وتارة يتمكَّن البشر من تفجير هذا النيزك أو تغيير مساره قبل وصوله إلى الغلاف الجوي للأرض. وكأن سكان كوكب الأرض يحاولون توقّع ما قد يصيب كوكبهم وبالتالي ما سيصيبهم حين يصطدم كويكب بالغلاف الجوي، وهذا من الاحتمالات الممكنة ولو الضئيلة جداً. وكأن البشر يعيشون على كوكبهم في حال من الرعب والشعور بعدم الأمان، عدا عن الشعور بالوحدة في هذا
الكون اللامتناهي.في سنة 1998م ظهر فِلم «أرماغيدون» أو «نهاية العالم» الذي يتحدث عن محاولة تفجير نيزك قادم من الفضاء الخارجي باتجاه الأرض، من بطولة بروس ويليس وبن أفليك بميزانية 140 مليون دولار. وكانت التأثيرات البصرية في هذا الفِلم رائعة وقد قام أبطال الفِلم بالهبوط على سطح الكويكب وزرع قنبلة نووية فيه لتفجيره وحرف مساره عن الأرض. وفي السنة الماضية، سجل فِلم «سيكينغ فريند» (البحث عن صديق) رقماً قياسياً في الإقبال، وهو عن «ماتيلدا»، النيزك الذي يضرب الأرض.غير أن أكثر ما أثار ضجة هذا الصيف هو فِلم «استرويدز» (كويكب)، وقد تم اقتباسه عن لعبة إلكترونية يواجه فيها اللاعب الكويكبات الصغيرة وهي
تأتي من كل اتجاه في الفضاء، ويحاول إنقاذ الكرة الأرضية.وبالعودة إلى تاريخ السينما، يمكننا القول إنه منذ بدء عرض الأفلام أمام الجمهور تمت صناعة أفلام تتناول كويكباً يتوجه نحو الأرض، ففي العام 1901م،
صدر فِلم «الرجل الأخير» عن نيزك ضرب الأرض، وقتل كل البشر ما عدا رجل واحد.وفي العام 1933م، صدر فِلم صامت بالأبيض والأسود عن قصة «عندما تتصادم عوالم» بسبب «الكوكب المتمرد برونسون ألفا» الذي تمرد على كواكب أخرى، ثم اتجه نحو الأرض، فاصطدم بها وأباد ما عليها، بينما هرب عدد قليل من الناس في سفينة فضائية إلى كواكب بعيدة.ثم ظهرت سلسلة أفلام، مثل فِلم «لوسفاير هامر» عن مذنب ضرب الأرض، وترك عدداً قليلاً من الناس على شواطئ ولاية كاليفورنيا. ومثل فِلم «ريماينينغ» (بقايا)، إشارة إلى ما تبقى من الأرض بعد أن ضربها نيزك.