مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو - أغسطس | 2019

الشحن اللاسلكي للطاقة الكهربائية


د. أمجد قاسم

مكبرة الإرسال، المعروفة أيضاً باسم برج Wardenclyffe

الشحن اللاسلكي للطاقة الكهربائية حُلم قديم، تعود محاولة تحقيقه إلى 130 سنة مضت. ومن المثير للدهشة في هذا المجال، أن مهندساً صربياً أمريكياً توصَّل في القرن التاسع عشر إلى إضاءة 200 مصباح كهربائي عن بُعد 41 متراً من دون أسلاك، وكاد أن ينجح في إضاءة مدينة نيويورك لاسلكياً، بينما الآن، في نهاية العقد الثاني من الألفية، تجاهد وتتنافس شركات عملاقة لشحن أجهزة صغيرة عن بُعد أمتار، بل سنتيمترات قليلة.
ففي ظل التنافس الحالي الحاد بين الشركات العالمية المصنعة للأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية وغيرها، ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية تقنية الشحن اللاسلكي هذه كميزة مهمة يسعى كثيرون إلى توفيرها في منتجاتهم، فما هي أهميتها؟ وهل تستحق كل هذا الاهتمام المتزايد؟

مع الانتشار الهائل للأجهزة الرقمية الحديثة كالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والساعات الرقمية وسماعات البلوتوث وأجهزة التسلية المتنوِّعة وغيرها من الأجهزة التي تحيط بنا حالياً وتلازمنا في كل لحظة، برزت مشكلة تزويد تلك الأجهزة بحاجتها من الطاقة الكهربائية بشكل متكرِّر لشحن بطارياتها رفيعة الهيكل ذات السعات العالية لديمومة عملها. وقد استلزم ذلك إيصال تلك المعدات الرقمية بالتيار الكهربائي بواسطة أسلاك وشواحن خاصة لعدة ساعات لإعادة تزويد تلك البطاريات الفارغة بالكهرباء.

شجَّعت عملية توصيل تلك الأجهزة بقوابس الكهرباء المتكرِّرة يومياً وضرورة توفر شواحن خاصة لبعض الأجهزة وأسلاك، بعض الشركات على تطوير تقنية الشحن اللاسلكي.

إلا أن عملية توصيل تلك الأجهزة بقوابس الكهرباء المتكرّرة يومياً، وضرورة توفر شواحن خاصة لبعض الأجهزة وأسلاك توصيل بمقاسات معيَّنة، شجعت بعض الشركات على تطوير تقنية الشحن اللاسلكي، التي هي عملية نقل للطاقة الكهربائية من مصدر طاقة خارجي إلى الجهاز من دون الحاجة إلى توصيله بالأسلاك، حيث يستلزم وضع الجهاز المزوَّد بهذه التقنية والمراد شحنه على أداة خاصة تسمى لوحة الشحن أو منصة الشحن Charging Pad متصلة بالتيار الكهربائي لتتم عملية الشحن بشكل تلقائي وبسهولة بالغة.

التقنية ليست حديثة جداً
تعود فكرة نقل التيار الكهربائي لاسلكياً إلى القرن التاسع عشر، حيث أجرى المهندس الكهربائي الأمريكي – الصربي نيكولاس تيسلا (1856 – 1943م) تجارب عدة لنقل التيار الكهربائي من دون أسلاك، وقد نجح في بعض تلك التجارب، حيث أضاء مصباحي غاز مفرغين غير موصولين بأسلاك معتمداً على الحقل المغناطيسي الخاص بتيار متردّد ناتج عن تيار له فرق جهد وتردّد عاليين.
ويعتمد المبدأ العام لتقنية نقل التيار الكهربائي لاسلكياً على ملف كهرومغناطيسي أولي موجود في الشاحن، وملف آخر في المصباح أو الجهاز المراد إيصال التيار له. ومن المعروف فيزيائياً، أنه عند مرور التيار الكهربائي في الملف الأول، فإن ذلك يتسبب في نشوء تيار كهربائي حثي في الملف الثاني، أي في المستقبِل للتيار.
وفي عام 1898م استطاع تيسلا أن يخترع قارباً صغيراً يتم التحكم به عن بُعد مستخدماً الموجات الكهرومغناطيسية، وقد سعى في عام 1899م إلى إنشاء معمل خاص في مدينة كولورادو سبرينغز لإجراء تجاربه على التيار الكهربائي عالي الجهد والتردد، وتمكن من إطلاق أول شحنة كهرومغناطيسية ناقلاً الكهرباء لاسلكياً. ومع توالي تجاربه تمكن من نقل الشحنات الكهربائية مسافة 135 قدماً كما استطاع إضاءة 200 مصباح كهربائي وتشغيل محرك كهربائي عن بُعد. وسعى بعد ذلك إلى بناء برج ضخم لتزويد مدينة نيويورك بالطاقة الكهربائية لاسلكياً عن بُعد خمسين ميلاً.
لكن هذه التجارب الرائدة توقفت بسبب قلة الدعم المالي وظهور منافس لتيسلا، وهو العالم توماس أديسون، الذي استطاع إقناع منتجي وموزِّعي الطاقة التقليدية بعدم جدوى تجارب تيسلا وأنها سوف تقودهم إلى الإفلاس.

استخدمت “سامسونج” الشحن بطاقة 15 واط في عدد من هواتفها الذكية الحديثة، وقد عرف باسم الشحن اللاسلكي السريع، حيث يستطيع أن يشحن بطارية الهاتف سعة 3300 ملي أمبير / ساعة في نحو ساعتين ونصف الساعة.

تطوير عدة أنماط من الشحن اللاسلكي
أدت الأبحاث التي أجريت على تقنية الشحن اللاسلكي إلى تطوير عدة أنواع، وهي:

01
الشحن الحثي (Inductive Charging)، وهو كما أسلفنا يعتمد على استخدام ملفين أحدهما في لوحة الشحن يولِّد مجالاً كهرومغناطيسياً ناتجاً عن مرور التيار الكهربائي فيه. ولدى ملامسة الجهاز المراد شحنه لها يتكوَّن تيار كهربائي في الجهاز، يعمل على شحن البطارية، ويعد هذا النوع من الشحن الأكثر استخداماً، حيث يستخدم في الهواتف الجوِّالة الذكية والأجهزة اللوحية والأجهزة الأخرى متوسطة الحجم.

02
الشحن بالرنين (Resonance Charging)، ويعتمد هذا النوع من الشحن على وجود ملفين كبيرين من النحاس، أحدهما في نظام الشحن اللاسلكي، والآخر في الجهاز المراد شحنه. وتحدث عملية الشحن عندما يكون كل من الملفين على التردّد الكهرومغناطيسي نفسه، فالشحن يحدث عندما يقترب الجهاز الذي يتم شحنه من لوحة الشحن ولا يجب حدوث تلامس بينهما، وهذه التقنية تستخدم في الأجهزة والمعدات التي تتطلب كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية، كالسيارات الكهربائية والمكانس الكهربائية وأجهزة الحاسوب الكبيرة ودرَّاجات الأطفال الكهربائية المتحركة وغيرها.

03
الشحن بموجات الراديو (Radio Charging)، تعتمد هذه التقنية على توليد موجات راديو من جهاز موصول بالتيار الكهربائي، وعندما يقترب الجهاز المراد شحنه ويكون على التردّد نفسه، تتم عملية شحن البطارية. وهذا النوع من الشحن يستخدم لشحن الأجهزة التي تحتاج إلى مقادير قليلة من الطاقة كسمَّاعات البلوتوث والساعات الرقمية ولوحات مفاتيح الحاسوب والفأرة اللاسلكية وبعض المعدات الطبية، وتعدّ هذه التقنية الأقل استخداماً نظراً لمخاطر موجات الراديو على الإنسان.

معايير الشحن
تتعدَّد المعايير التي تضبط تقنية الشحن اللاسلكية، ومن أهمها معيار (Qi) ويلفظ “تشي”، ومعيار (Powermat) بدرجة أقل.
تم تطوير معيـار “تشي” من قبل اتحـاد الطاقـة اللاسلكية (Wireless Power Consortium ) وهو خاص بالشحن الحثي لمسافة تبلغ 4 سنتيمترات.

تكون سرعة الشواحن اللاسلكية أبطأ من سرعة الشواحن التقليدية ذات الأسلاك حتى مع الشواحن اللاسلكية الحديثة سريعة الشحن.

ولمعيار تشي ثلاث مواصفات خاصة بعملية الشحن اللاسلكية، الأولى خاصة بالطاقة المنخفضة التي تتراوح من 5 واط إلى 15 واط، وهذه خاصة بشحن الهواتف الذكية والساعات الرقمية الذكية والأجهزة اللوحية، وقد اعتمدت من قبل عـدد من الشركـات العالمية المصنعة للهواتف الذكية والمعدات الرقمية مثل “سامسونج” و”آبل” و”سوني” و”إل جي” و”أتش تي سي” وعدد آخر من الشركات العالمية.
المواصفة الثانية خاصة بعملية الشحن بطاقة متوسطة تصل إلى 120 واط، وتستخدم لشحن أجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة المراقبة والشاشات الكبيرة. وأخيراً المواصفة ذات الطاقة العالية، التي تصل إلى 1 كيلو واط وتستخدم لشحن الغسّالات والمكانس الكهربائية والثلاجات وغيرها.
واستخدمت كل من شركتي “سامسونج” و”إل جي” الشحن اللاسلكي البطيء بطاقة 5 واط في بعض هواتفها، كما استخدمت شركة “آبل” الشحن اللاسلكي بطاقة 7.5 واط، وأعقب ذلك استخدام “سامسونج” الشحن بطاقة 15 واط في عدد من هواتفها الذكية الحديثة وقد عرف باسم الشحن اللاسلكي السريع، حيث يستطيع أن يشحن بطارية الهاتف سعة 3300 ملّي أمبير/ساعة في نحو ساعتين ونصف الساعة.

اهتمام متزايد بها في صناعة الهواتف الذكية
تعاظم اهتمام معظم الشركات العالمية المتخصصة بتصنيع الهواتف الذكية والمعدات الرقمية بتقنية الشحن اللاسلكي بشكل سريع في الآونة الأخيرة. وحالياً، يُعد قطاع الهواتف الذكية الأكثر استخداماً لهذه التكنولوجيا. وتتنافس الشركات المصنعة لها في تطوير هذه الميزة ودمجها في أجهزتها الحديثة، فنجد شركات عملاقة كشركة “آبل” تعلن أن هواتفها الجديدة ستتضمن ميزة الشحن اللاسلكي، وكذلك شركة “سامسونج” و”أل جي” و”هواوي” التي غَدَت كثير من أجهزتها تتضمَّن ميزة الشحن اللاسلكي.

وفي صناعة السيارات أيضاً
وفي سياق متصل اهتمت شركات صناعة السيارات الكهربائية بتقنية الشحن اللاسلكي، حيث نجد شركتي “بي إم دبليو” و”أودي” قد ضمنتا بعض سياراتهما الكهربائية لوحة شحن لاسلكية في الجزء السفلي الأمامي من السيارة أو الجزء السفلي الخلفي منها، بحيث يتم شحن بطارية السيارة لدى توقفها فوق لوح الشحن.
من جانب آخر، استغلت بعض المحال التجارية والمقاهي والمطاعم تقنية الشحن اللاسلكي لجذب الزبائن، فأصبحنا نجد بعض المقاهي العالمية مثل “ستاربكس” وبعض المطاعم مثل “ماكدونالدز” وغيرهما تتضمَّن طاولات للزبائن مزوَّدة بمنصات لاسلكية، لشحن هواتفهم وأجهزتهم اللوحية وغيرها من المعدات الرقمية. كذلك زوّدت بعض شركات صنع الأثاث المنزلي كشركة “آيكيا” منتجاتها بلوحات للشحن اللاسلكي لتمكين مشتري أثاثها ومستخدميها من شحن هواتفهم الذكية من دون عناء، فصنّعت أرائك مزوَّدة بمنصات شحن لاسلكية في الذراع الجانبية لشحن الهاتف الذكي بسهولة ويسر.

ستجد تقنية الشحن اللاسلكي من يرحِّب بها ومن ينتقدها، لكن كافة المؤشرات تؤكد أنها في طريقها للانتشار بعد أن اعتمدتها كبريات الشركات العالمية المتخصصة في مجال الهواتف الذكية.

ميزات واعدة
لا شك أن تقنية الشحن اللاسلكي تمتلك فوائد متعدِّدة جعلت أهم الشركات العالمية المتخصصة بتصنيع الأجهزة الرقمية تتنافس في تطويرها، وتعلن عن وجودها ضمن حملات الترويج لمنتجاتها، فهي توفر الراحة لمن يستخدمون الهواتف الذكية التي يستلزم شحنها بشكل دائم، كما أن الشواحن اللاسلكية تقلل من فوضى وجود الشواحن التقليدية وأسلاك التوصيل المعرضة للتلف. كما أنه يمكن لهذه الأسلاك أن تلحق ضرراً بالغاً بالهاتف من جرّاء تكرار وصلها وفصلها عن مدخل الشحن في الهاتف. أما عند استخدام شاحن لاسلكي، فكل ما هو مطلوب من المستخدم أن يضع جهازه فوق لوح الشحن بكل بساطة، ولذلك فإن الشواحن اللاسلكية تدوم لفترات زمنية أطول من الشواحن التقليدية.
كذلك فإن هذه الشواحن اللاسلكية تقدِّم حلاً لمشكلة عدم تطابق مقاسات بعض أسلاك الشحن التقليدية مع مداخل الشحن في الهواتف، إذ يستلزم حالياً استخدام أنواع محدَّدة من الشواحن التقليدية ذات أسلاك توصيل محدّدة لشحن الهواتف النقالة، ومع تقنية الشحن اللاسلكي سيكون ممكناً شحن أنواع مختلفة من الهواتف الذكية على منصة شحن واحدة.

هل من سلبيات؟
على الرغم من النفع الكبير لعملية الشحن اللاسلكي، إلا أن لها بعض العيوب. ولعل من أهمها التكلفة الإضافية التي ستترتب على سعر الجهاز المزوَّد بهذه الميزة، كما أنه خلال إجراء عملية الشحن، لا يمكنك استخدام الهاتف بشكل مناسب إذ إن عملية الشحن ستتوقف فوراً لدى رفع الجهاز عن منصة الشحن.
إضافة إلى ذلك، فإن سرعة الشواحن اللاسلكية تكون أبطأ من سرعة الشواحن التقليدية ذات الأسلاك حتى مع الشواحن اللاسلكية الحديثة سريعة الشحن. فالفرق بين النوعين موجود، فمثلاً عند شحن هاتف “غالاكسي إس 9” الخاص بشركة سامسونج فإن شحنه بقدرة 10 واط يستغرق ضعف المدة الزمنية مقارنة عند شحنه بشاحن سلكي تقليدي.
ومن عيوب الشواحن اللاسلكية أنها تتسبب في رفع درجة حرارة جهاز الهاتف خلال عملية الشحن، وهذا قد يكون غير مناسب لبعض الهواتف التي تتسبب الحرارة الزائدة في التأثير على أدائها. كما أن الشاحن اللاسلكي يكون في العادة أكبر حجماً وأثقل من الشاحن التقليدي، فمن غير العملي حمل الشاحن اللاسلكي كما هو الحال مع الشاحن التقليدي صغير الحجم خفيف الوزن، وبالتالي فإن الشاحن اللاسلكي يكون مناسباً كمنصـة شحن ثابتة في المنزل أو المكتب.
ويذكر أن أسعار الشواحن اللاسلكية أغلى من نظيراتها التقليدية، وهي تتفاوت بشكل كبير. واستناداً إلى موقع أمازون، فإن بعض الشواحن الرخيصة منها يبلغ سعرها 15 دولاراً وقد يصل سعر بعضها 140 دولاراً.
إن تقنية الشحن اللاسلكي شأنها شأن أي تقنية جديدة، ستجد من يرحِّب بها ومن ينتقدها، لكن كافة المؤشرات تؤكد أنها في طريقها للانتشار بعد أن اعتمدتها كبريات الشركات العالمية المتخصصة في مجال المعدات الرقمية وسيكون وجودها في معظم الأجهزة الذكية المحيطة بنا حالياً مسألة وقت فقط.


مقالات ذات صلة

في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.

نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]

حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]


0 تعليقات على “الشحن اللاسلكي للطاقة الكهربائية”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *