يقصد بــ “التضاد اللغوي” أن تحمل المفردة الواحدة المعنى وضده في الوقت نفسه، ويبقى السياق هو الفيصل في تحديد المراد.
وتزخر لغة الضاد بكثيرٍ من هذه المفردات، وهي ليست بدعاً من بين اللغات الإنسانية في هذا الجانب، فكثير من اللغات الحيَّة تتضمَّن هذا الأمر ومنها الإنجليزية والإيطالية والفرنسية وغيرها.
وقد حظيت ظاهرة التضاد اللغوي باهتمام علماء العربية قديماً وحديثاً. فلأبي بكر الأنباري المتوفى سنة 328 للهجرة، كتاب شهير بعنوان “الأضداد”، وفيه أحصى فيه أكثر من أربعمئة كلمة تدل على التضاد، وهناك مصنفات أخرى كثيرةٌ في الموضوع نفسه
ومن الألفاظ التي تحمل المعنى وضده في اللغة العربية:
الصريم: يقال لليل والنهار، لأن كليهما ينصرم (يخرج) من الآخر.
الجون: للظلمة والنور، وللأبيض والأسود يقول الشاعر: “تَقُولُ خَلِيلَتِي لَمَّا رَأَتْنِي شَرِيحاً بَيْنَ مُبْيَضٍّ وَجَوْنِ …”.
السجود: للانحناء والانتصاب.
الرجاء: يستعمل بمعنى الشك، واليقين.
اشترى: أي أعطى الثمن وقبضه.
عسعس الليل: أي أقبـل وأدبـر.
فــزع: أي أغـاث، واستغاث.
قَسـَـطَ: أي عــدل وظــلم.
وَلـّـى: أي أدبــر، وأقبـل.
الشَـرْف: الارتـفاع والانحدار.
الصَّارِخ: المستغيث، والمغيث.
الشَعب: الافتراق، والاجتماع.
الناهل: العطشان وكذلك الذي قد شرب حتى ارتوى.
الظن: الشك واليقين.
بِعْتُهُ: اشتريته وبعته.
الجَلَل: تقال للأمر وللشيء الصغير، وتقال أيضاً للأمر والشيء العظيم.
الغَرِيم هو المطلـوب بالديـن، والغريــم هو الطالب دينه.
المأتم هو الاجتماع في فرح أو حزن.
الهاجد هو المصلي بالليل والهاجد هو النائم.
يورد الباحث والمحقق اللغوي أميل بديع يعقوب في كتابه “فقه اللغة العربية وخصائصها” فيضاً من الأمثلة الدالة على التضاد، ويقول:
“الأُزْر: القوّة أو الضعف، والبَسْلُ: الحلال أو الحرام، وبَلَق الباب: فتحهُ كلَّه أو أغلقَه بسرعة، ثَلَّ: دَكَّ أو رفع، الحميم: الماء البارد أو الحار، المولَى: العبد أو السيّد، الذوح: الجمع أو التفريق، الرسّ: الإصلاح أو الفساد، الرعيب: الشجاع أو الجبان، الرهوة: ما ارتفع من الأرضِ أو ما انخفضَ”.
ومن الأمثلة السابقة وغيرها، وكذلك من خلال ما كتبه علماء اللغة قديماً وحديثاً نرى حقيقة التضاد، أما أسبابه فهي متعدِّدة، وقد ذكرها وفصَّلها علماء اللغة؛ الأقدمون والمحدثون، ومنها:
- نزوع الإنسان نحو التفاؤل والبِشْرِ، فكما يقال للمبصر (البصير) فهي تقال أيضاً للأعمى تفاؤلاً وأملاً. ولفظة (شَوْهَاء) صفـةٌ للمرأة الجميلة، وتطلق على المرأة القبيحة أيضاً. (لعلَّها تصبح جميلةً ذات يوم)!
وكلمة (وَشَل) تقال للماء الكثير، ورغبةً في الاستبشار والفأل الحسن، فهي تقال أيضاً للماء القليل لعلَّه بأمر الله يصبح كثيراً. - الخوف من العين والحسد فمفردة (شَوْهَاء) تطلق على المرأة الجميلة، ولكيلا تحسد، أصبحت الكلمة تطلق على المرأة القبيحة أيضاً.
- تغير وتحوّل دلالة اللفظ من العموم إلى الخصوص مثل لفظة (طَرِبَ) التي تعني (الخِفَّة) تصيب الرجل لشدة الفرح أو الحزن، ثم خصصت بالفرح.
- التهكم: وهذا العامل يؤدي إلى قلب معنى اللفظة، وتغيير دلالاتها إلى ضدها، كقولنا للعاقل “الجاهل”.
والقرآن الكريم مصدر العربية الأول وكتابها الأساس يحتوي على بعض ألفاظ التضاد ومنها لفظة (قروء) التي تطلق على الحيض وكذلك على الطهر منه. قال تعالى: “والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء”(في الآية 228، سورة البقرة) .
وهناك مفردة (وراءهم) التي تعني أحياناً أمامهم في قوله تعالى: “وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كل سفينة غصباً” (في الآية 79، سورة الكهف).
وقد أنكر بعض علماء اللغة ظاهرة التضاد هذه جملةً وتفصيلاً، انطلاقاً من مفهومهم للتضاد. وممن أنكر هذه الأضداد إنكاراً قوياً، وحاول إلغاءها جملةً وتفصيلاً، العالم اللغوي دُرستويه (258-347 هـ)، وألَّفَ في هذا الصدد كتابه “إبطال الأضداد”، فيقول مثلاً: ” … وزعم قوم من اللغويين أنَّ (النوه) السقوط أيضاً، وأنَّه من الأضداد، وقد أوضحنا الحجة عليهم في ذلك في كتابنا: إبطال الأضداد”. وممن أنكر التضاد أيضاً (أبو علي القالي)؛ (288-356هـ) في سفره الشهير “أمالي القالي”.
اترك تعليقاً