مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو - أغسطس | 2019

تسوندوكو
شراء الكتب وتكديسها حتى لو لم نقرأها


ثوماس ديبدين وكتابه “بيبليومانيا”

هناك بعض الكلمات في لغات معيَّنة تتصف بالذكاء والبراعة، مما يجعلها عصية على الترجمة إلى لغات أخرى. ففي اللغة الإندونيسية، هناك كلمة “جيوس” (Jayus) التي تعني مزحة سيئة للغاية وغير موفقة، بحيث لا يسع للمرء إلا الضحك لدى سماعها، وفي الألمانية هناك كلمة “تورشلوسبانيك” (Torschlusspanik) التي تعني حرفياً “ذعر إغلاق البوابة” والتي تستخدم لوصف الخوف من تقلص الفرص مع التقدُّم في العمر لا سيما لدى النساء اللواتي يتسابقن مع “ساعتهن البيولوجية” للإسراع في الزواج وإنجاب الأطفال. ثم هناك الكلمة اليابانية “تسوندوكو” (tsundoku)، التي تصف الأشخاص الذين يشترون الكتب ويتركونها تتراكم بما يتجاوز قدرتهم على قراءتها.
وتنقسم “تسوندوكو” إلى “دوكو” التي تعني القراءة، و”تسن” التي تعني مراكمة الأشياء. ويقول البروفيسور أندرو جيرستل، أستاذ النصوص اليابانية ما قبل الحداثة في جامعة لندن، إن عبارة “تسوندوكو سنسي” أول ما ظهرت في أحد النصوص من القرن التاسع عشر في اليابــان، واستخدمت بطريقـة ساخـرة لوصف مدرس كان يقتني كثيراً من الكتب ولكنه لم يكن يقرأهـا. ومع ذلك، يضيـف جيرستـل، لم يعد هذا المصطلح يستخـدم حاليـاً بأي طريقة ساخرة على الإطلاق.
هناك في اللغة الإنجليزية تعبير مشابه وهو الـ “بيبليومانيا” (Bibliomania) التي تعني “هوس الكتب” والتي كانت في الأساس عنواناً لرواية للكاتب “ثوماس فروغنال ديبدين”، من القرن التاسع عشر، تحدث فيها عن “هوس الكتب” أو هاجس اقتناء الكتب وعدم القدرة على التوقف عن تجميعها بطريقة مرضية. وعلى الرغم من أن استخدام كلمة “بيبليومانيا” اليوم لم يعد يتعلق بالهوس على الإطلاق، بل أصبح يشير إلى “الحماسة العاطفية” تجاه تجميع الكتب، وعلى الرغم أيضاً، من وجود تشابه كبير في المعنى بين مصطلحي “بيبليومانيا” و”تسوندوكو”، هناك اختلاف أساسي بينهما، إذ بينما تشير “البيبليومانيا” إلى نيّة اقتناء مجموعة كبيرة من الكتب، تنطوي “تسوندوكو” على نيّة قراءة الكتب، وبالتالي تتجمع وتتكدَّس بشكل عرضي في نهاية المطاف.
قد يكون في الفجوة التي تسدها كلمة “تسوندوكو” من حيث معناها المتفرد في لغات العالم هي “سعي الروح إلى بلوغ اللانهاية”، وذلك حسب قول المؤلف والناشر أ. إدوارد نيوتن الذي جمع أكثر من 10,000 كتاب، حين قال إنه: “حتى عندما تكون القراءة مستحيلة، فإن الاستحواذ على الكتب يخلق حالة من النشوة، إذ إن شراء كتبٍ أكثر مما يستطيع المرء قراءته لا يقلّ عن سعي الروح إلى بلوغ اللانهاية”. أو قد يكون فيما يعتقده الكاتب والباحث الابستمولوجي نسيم نقولا طالب بأن إحاطة أنفسنا بالكتب غير المقروءة يثري حياتنا لأنها تذكرنا بكل ما لا نعرفه. ولكل هذه الأسباب لا بد من دخول كلمة “تسوندوكو” في الاستخدام العام، تماماً كما دخلت كلمات يابانية غيرها مثل “تسونامي” التي تعني مجموعة من الأمواج العاتية، أو كلمة “كارايوكي” التي تعني غناء الهواة بمصاحبة الموسيقى بينما تظهر كلمات الأغنية على شاشة أمامهم.


مقالات ذات صلة

على الرغم من وجود العديد من التساؤلات حول مستقبل الكتب المادية، فقد أطلقت الفنانة الإسكتلندية المفاهيمية “كاتي باترسون” في عام 2014م فكرة إنشاء “مكتبة المستقبل” كمشروع فني تطلعي يجمع بين كونه كبسولة زمنية أدبية ومشروعًا بيئيًا. كرّست “باترسون” جلّ اهتمامها بما ستتركه البشرية للأجيال القادمة؛ لذلك ابتكرت فكرة إنشاء هذه المكتبة في مدينة أوسلو النرويجية. […]

استطاعت الدول الناطقة باللغة الألمانية (ألمانيا، والنمسا، وسويسرا) أن تخلق نموذجاً في النهضة والتفوّق بالاعتماد على الأيدي العاملة المؤهلة مهنياً، وقد حقَّق هذا النموذج نجاحاً باهراً على مستوى العالم، فيما تسعى دول كثيرة داخل أوروبا وخارجها للاستفادة منه، ففي هذا البلد المزدهر اقتصادياً، يُعدُّ التدريب المهنيّ سرّاً من أسرار نجاحه، بل وربما ريادته عالمياً، فبفضله […]

من المؤكد أن للعلوم والتكنولوجيا تأثيراً عميقاً على المجتمع، لكن العكس صحيحٌ أيضاً، بحيث يشكِّل المجتمع، بصورة كبيرة، الطرق التي تتطوَّر بها العلوم والتكنولوجيا. ومع ذلك، تُظهر التجربة أنه لا يمكن دائماً للعلماء، من ناحية، وعامة الناس والحكومات والشركات، من ناحية أخرى، فهم بعضهم بعضاً بوضوح، لهذا السبب كان لا بدَّ من وجود خبراء ذوي […]


0 تعليقات على “تسوندوكو”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *