أصبحت الطباعة الثلاثية الأبعاد تستخدم في صناعة مختلف المنتجات من المجوهرات إلى الألعاب إلى الأدوات الطبية إلى قطع السيارات والطائرات. وإنمّا أكثر ما تطوّرت فيه وازداد استخدامها في حقل تصميم الأثاث المنزلي. تعتمد الطباعة الثلاثية الأبعاد، المعروفة بالتصنيع الإضافي، على استخدام صورة رقمية لجسم معيَّن ومن ثمّ تقوم المطبعة بتقطيع تلك الصورة إلى آلاف الطبقات، وبعد ذلك تترجم المطبعة هذه الطبقات من خلال إنتاج أجسام متكاملة مؤلفة من طبقات البلاستيك أو المعادن أو الرمل أو مواد أخرى.
لقد أسهمت هذه التقنية بإحداث ثورة في الطريقة التي يعمل بها مصممو ومنتجو الأثاث المنزلي. وذلك لأنّها استطاعت توفير مروحة واسعة من قطع الأثاث المختلفة ومكنت المصممين من إطلاق العنان لمخيلاتهم ووضعها قيد التنفيذ.
ليست الطباعة الثلاثية الأبعاد بالاكتشاف الجديد، فمنذ حوالي 30 عاماً عمد العاملون في تصميم الأثاث المنزلي الى هذه التقنية لتصنيع قوالب ونماذج سريعة. ولكن التطوّر الذي حصل في عالم الإلكترونيات سمح للمصممين باستخدام المطابع الثلاثية الأبعاد لصناعة المنتجات بشكلها النهائي من الكراسي إلى الطاولات إلى الثريات وغيرها. وفق التقرير الصادر عن مؤسسة ووليرز(Wohlers)، وهي المؤسسة الاستشارية التي تعنى بأمور إنتاج المفروشات المنزلية، إنّ السوق العالمي للطباعة الثلاثية الأبعاد وصل إلى 2.2 مليار دولار في 2012م، أي بزيادة 28,6 بالمائة عن السنة السابقة.
مزايا الطباعة الثلاثية الأبعاد:
يشير بول ليباغ، وهو مصمم أميركي خبير في صناعة قطع الأثاث الخشبية التقليدية، أنّ التصنيع الإضافي، أو الطباعة الثلاثية الأبعاد، تسمح بطرق جديدة لتخيل قطع الأثاث المختلفة. ويقول إنَّ: «تقنيات التصنيع التي تعود إلى المدرسة القديمة، في النحت والصب والصهر، تحمل معها مجموعة من القيود أسهمت في تحديد قطع الأثاث المتعارف عليها حتى يومنا هذا».
فالطباعة الثلاثية الأبعاد تفتح طرقاً جديدة للتصنيع، حيث لم يَعد من المهم الأخذ بالحسبان سماكة المواد المستخدمة وقطع الأساس والأدوات المستعملة في التصنيع، مما يوفر حرية أوسع لعمل المصممين. يعطي ليباغ مثالاً على ذلك الشمعدانات الغريبة الشكل التي عُرف بتصنيعها والتي تبدو كأنها أذيبت على أثر الحرارة، ويقول إنه لم يكن بالإمكان الحصول على هذه الأشكال الجميلة دون استخدام برنامج ثلاثي الأبعاد ووضعه في المطبعة التي أنتجت القالب ومن ثمّ هذه الشمعدانات الرائعة.
الطباعة الثلاثية الأبعاد والتميّز
قد يكون الأمر الأكثر إثارة في الطباعة الثلاثية الأبعاد هي القدرة على جعل كلّ قطعة من قطع الأثاث فريدة ومميزة. يقول مارك نيوسن، القيّم على معرض تصميم المفروشات في متحف لندن للتصميم، إنه «إذا كان المطلوب صناعة مئات الآلاف من النسخ من منتج واحد، لن يكون هناك أية حاجة لاستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد، لأنها ستكون مكلفة وغير مستحبة للإنتاج بهذه الطريقة. أمّا إذا كانت الأولوية لعنصر التخصيص والتميّز فسيكون التصنيع الإضافي أمراً مفيداً».
فالطباعة الثلاثية الأبعاد أحدثت نقلة نوعية في عالم التصميم وأدّت إلى تخصيص كلّ شيء من قطع الأثاث إلى الأكسسوارات المنزلية، ونقلت السوق من وجود قلة قليلة تصنع التصاميم لعامة الشعب إلى الملايين الذين سيطلبون القطع المميزة ذات التصاميم الفريدة وفق ذوقهم الشخصي. ويعتقد فيليب ستارك، المصمم الفرنسي الشهير بأنّ هذا الأمر يعتمد على التكلفة ويضيف بأنّ انخفاض تكلفة إنتاج المفروشات باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد لن يكون بعيداً. وعندها سيحدّد الأشخاص الطريقة التي يختارونها لفرش منازلهم ولن تقتصر مشترياتهم على ما هو متوافر في الصالات التجارية. وهذا الأمر سيحارب اتجاهات الموضة المعتمدة في الأسواق وسيكون الاتجاه المقبول هو اتجاه التميّز.
مدى توّفر المطابع الثلاثية الأبعاد
في الوقت الحالي، لا تقوم المطابع الثلاثية الأبعاد الصغيرة المستخدمة في المنازل إلّا بإنتاج قطع صغيرة مثل الجواهر والألعاب وتراوح أسعارها ما بين 750 و 3000 جنيه استرليني. بينما يتم اللجوء إلى المطابع الثلاثية الأبعاد الصناعية من خلال استخدام الراتنج، وهي مادة صمغية سائلة، أو مسحوق المعادن أو النايلون أو الخزف أو البلاستيك وتستطيع أن تنتج قطع ذات حجم أكبر مثل أثاث المنازل وقطع السيارات، وتتراوح أسعارها بين 30000 و500000 جنيه إسترليني.
كما أصبحت هناك مواقع إلكترونية مثل موقع كيوبيفاي (Cubify)، على سبيل المثال، التي تسهل إنتاج القطع الثلاثية الأبعاد، إذ يمكن من هذه المواقع تحميل البرامج التي تسمح بتعديل وإنتاج النماذج الثلاثية الأبعاد. ولكنّ هناك من يتخيل مستقبل، حيث يمكن للزبون أن يقوم، وببساطة، بتحميل ملف رقمي وإنتاج الجسم المطلوب من المنزل. بقول جان كيتانن، أحد مؤسسي مركز التصميم الهولندي المعروف «بحرية الإبداع» بأنّه «قريباً جداً سنتمكن من إرسال الفاكس الثلاثي الأبعاد من مكان إلى آخر. ومن خلال هذا الفاكس سيتمكن الأشخاص من تبادل الملفات الرقمية المختلفة القابلة للطباعة مثل الطاولات الصغيرة والكراسي وغيرها».
وقد أصبحت توقعات كيتانن في طور الحقيقة إذ قامت هناك مؤسسات تجارية مثل مؤسسة iMaker في لندن وراحت تقّدم خدمات للطباعة الثلاثية الأبعاد، حيث يمكن للزبائن أن يحملوا ملفاتهم الرقمية على آلات الطبع المتوافرة هناك والحصول على الجسم المطلوب. كما أنّ حضور الزبائن شخصياً إلى تلك المؤسسات ليس ضرورياً، حيث يمكن إرسال ملفاتهم الرقمية عبر البريد الإلكتروني ومن ثمّ يُعمد إلى طبعها من قبل المختصين الموجودين في مثل هذه المؤسسات وإرسالها وشحنها إلى الجهة المطلوبة.
سلبيات هذه الطباعة
بينما يرحب كثيرون بقدوم الطباعة الثلاثية الأبعاد، هناك قلق من قبل البعض من أنّ هذه الطباعة ستجعل تقنيات النحت والتصنيع التقليدية أمر نادر الوجود. يشير المصمم الهولندي الشهير، كويجKooij، بأنّ أي قطعة قد تفقد كثيراً من قيمتها إذا ما لجأنا إلى المطابع الثلاثية الأبعاد دون إضافة اللمسة البشرية عليها. ويقول إن «الأمر نفسه ينطبق على اللوحات الفنية إذ حتى لو اشترينا صورة طبق الأصل عن اللوحة نفسها لن تكون بجمال القطعة الأصلية ولن تكون قيمتها المادية والمعنوية مثل القطعة الأصلية». ولكن على الرغم من اعتراضاته على استخدام المطابع الثلاثية الأبعاد، فقد استخدم كويج هذه التقنيات من أجل إنتاج أعمال رائعة. ومن أهم هذه الأعمال سلسلة الكراسي التشابي المعروضة في المتحف الإغريقي في لندن. وقد استخدم في إنتاجها مطبعة ثلاثية الأبعاد مبرمجة لتستخدم قطع بلاستيكية مذابة من قطع برادات قديمة. وتشبه عمليات تصنيع هذه الكراسي تصنيع النقانق، حيث توضع صفائح البلاستيك الذي أعيد تدويرها ومن ثمّ تُقولب في المطبعة في شكل مادة معجون الأسنان ومن ثمّ تأخذ شكل الكراسي النهائية.
ولكن هناك من لديه نظرة مختلفة عن نظرة كويج إذ إنه على الرغم من أنّ العالم يشهد زيادة في الطلب على السلع الصناعية، ولكنّ الطباعة الثلاثية الأبعاد لن تحلّ مكان عمليات التصنيع التقليدية المعتمدة حالياً، بشكل كامل. وإنما سوف تعّززها وتكون بمنزلة مكمل لها. وكانت مجموعة الطاولات والرفوف التي ابتكرها المصممان كرام وفيسهار(Kram&Weisshaar) هي أكبر مثال على ذلك،حيث وضع هذان المصممان برامج كمبيوتر صممت لإصلاح عيوب بنائية في قطع مصصمة من قبل. تحتمل البرامج التي وضعاها عدة سيناريوهات قاما من خلالها بتغيير أشكال المفاصل المعدنية لتلك الكراسي والطاولات لتقويتها وتغيير استخداماتها. سميت تلك التقنية التي لجأ إليها بالتذويب الانتقائي الذي يمكنه صهر المساحيق المعدنية بطرق مختلفة ساعدت في تغيير شكل ووظائف المفاصل وتحركاتها. ومن خلال هذه العملية يرى عديد من المختصين مستقبل التصاميم الثلاثية الأبعاد، حيث تبتعد عن إنتاج قطع خيالية وفريدة وتتجه نحو القطع العملية التي تكون في متناول الجميع. وكما يقول ليباغ: «سيبتعد التصنيع عن مجّرد إنتاج قطع تظهر التصاميم الفريدة فقط إلى قطع للاستخدام اليومي مما يسمح بالتوفير في استخدام المواد الخام وإنتاج مفروشات صديقة للبيئة».