لا شك بأننا نحن، المقيمون في بيئات صحراوية قاحلة، ممتنون كثيراً لهذا الابتكار وصاحبه، الذي مكَّننا من تحويل أجزاء شاسعة من أحيائنا لمسطحات خضراء. ويبقى السؤال مطروحاً بخصوص أهمية صرف الماء على شأن كهذا ومناقشة الأهمية البيئية والجمالية للمسطحات الخضراء مقابل الأهمية الحيوية للثروة المائية النادرة في منطقتنا.
قصة ابتكار «المرشّة الآلية» بدأت بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مدفوعة بالتأثير الذي جلبه المهاجرون الأوروبيون معهم إلى القارة الأمريكية. فالأثرياء الجدد في أمريكا يمَّموا أنظارهم شطر قصور أوروبا التاريخية الفارهة، التي تحيط بها مساحات خضراء ليس لها حدّ، وسعوا إلى تقليدها حتى في الولايات الأمريكية الأكثر جفافاً والأقل حظاً بالمطر.
تلك المساحات الخضراء المزروعة بالنجيلة البديعة انتعشت في فرنسا خلال القرن السابع عشر، وتطلبت -في عصر ما قبل الآلة- جيوشاً من البستانيين والخدم لضمان أقصى درجات الدقة في السقاية والجزّ والتنسيق. كانت تلك هواية مكلفة خاصة بالأثرياء الذين يملكون المال واليد العاملة ويملكون المساحة كذلك. وفي أمريكا لم تكن هناك مشكلة مع المال ولا المساحة، لكن الماء لم يكن متاحاً -عبر كامل القارة الأمريكية- بالوفرة التي هي في أحواض الأنهر الأوروبية مثل السين والراين. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر جاءت التقنية بحل مدهش هو «الخرطوم المطاطي» الذي سيستخدم لاحقاً كسلاح أساسي عند الإطفائيين. لكن بالنسبة للسيد جوزيف لسلر من بافلو بولاية نيويورك، فقد ألهمه ذلك لابتكار رأس مرشّة ميكانيكي يتحرك بفعل ضغط المياه مخصص لأجل سقاية المساحات الخضراء، ويمكن نقله وتثبيته مؤقتاً ببساطة لتغطية أية مساحة بأقل تكلفة ممكنة من ناحية اليد العاملة.
هكذا تم تسجيل هذا الابتكار باسم السيد ليسلر بتاريخ 19 ديسمبر 1871م تحت البراءة رقم 121,949. ليثبت وجوده أكثر خلال القرن التالي بفضل انتشار شبكات نقل المياه العمومية، ويسمح بنقلة نوعية في تصميم الأحياء والبيوت التي بات بوسع أصحابها أن يستمتعوا ببساتينهم الشخصية.. بقدر ما تسمح به ذات اليد.