على عكس أهل المشرق العربي الذين يتابعون التلفزيون ومسلسلاته الكوميدية والعادية في رمضان، يُقْبل أهل المغرب العربي في هذا الشهر المبارك على القراءة المكثفة للكتب الدينية وخاصة على قراءة الصحف والمجلات، التي تفرد صفحات وملاحق دينية رمضانية تستحضر التاريخ وعِبَرَه وبعض مفاصله ذات الأثر المباشر على حياة المسلمين في سالف الأزمان.
وفي تجارب كثير من الناس فإن شهر رمضان يُعد، كما هو شهر الصوم، شهر القراءة، نظراً لما يكتنف نهاره من هدوء وسكينة. ولكونه يوفِّر للشخص أوقات فراغ جيدة تعطيه أمداً للتدبر والإطالة في قراءاته التي غالباً ما تكون مؤجلة خلال العام لحساب زحمة الأعمال ومطاردة شؤون الحياة التي تعدَّدت وتنوعت ولم تعد محصورة، كالسابق، بين الحقل والبيت والأحاديث العابرة عن هموم المعيشة.
لقد سرق التلفزيون من المشرقيين العرب خاصة لذة (القراءة الرمضانية) بعد أن استشرت حالة ارتباط الموسم الرمضاني، الكوميدي والدرامي، بالشهر الفضيل. وبات التنافس على أشده بين مؤسسات الإنتاج التي تستهدف شهر رمضان في أعمالها سعياً وراء حشد المشاهدين لهذه الأعمال والتكسُّب من وراء هذا الحشد بيعاً وإعلاناً.
وما حدث، نتيجة هذا السباق، أننا خسرنا القراءة ولم نكسب التلفزيون. والسبب هو أن الحشد التلفزيوني الرمضاني لم يأت في معظمه على المستوى المطلوب من حيث دسامة الأعمال وإتقانها وتأثيرها في أفكار الناس وثقافتهم ووجدانهم وأذواقهم. كل ما هنالك، عبر السنوات الماضية، هو محض (سلق) لأعمال تلفزيونية مستعجلة أو مكررة لا تترك أي أثر بعد أن يمضي الموسم، ما يعني أن المسألة تحوَّلت شيئاً فشيئاً إلى بضائع تلفزيونية رديئة، الغرض منها التربح المادي فقط للمنتجين والعارضين.
وما يثير الاستغراب، على سبيل المثال، أنه إلى الآن لا توجد قناة عربية واحدة قادرة على الصمود في عرض مسلسل تاريخي سنوي في رمضان على الالرغم من ثراء المادة التاريخية العربية وتنوع موادها ومصادرها. ومرد ذلك في نظري أن المسلسل التاريخي الجيد والجاذب للمشاهدين يتطلب ميزانيات إنتاج ضخمة لا تملكها القنوات العربية أو لا تريد صرفها على مثل هذه الأعمال المكلفة.
وأعتقد أننا سنبقى إلى حين مع هذا الاسترخاص في أعمالنا التلفزيونية الرمضانية إلى أن تفهم القنوات أن المشاهد العربي، المشرقي بالذات، بدأ يملها وينصرف عنها. وحينذاك ربما تحسِّن من إنتاجها أو ربما، وهذا من وجهة نظري أفضل بكثير، نعود إلى القراءة المفيدة والممتعة، خاصة وأننا نحن من يتخير ما نقرأ ونتأثر أونتفاعل معه بطريقتنا الخاصة. ولذلك فإنني أوصي القارئ المغاربي بأن يحافظ على عادة القراءة الرمضانية التي لا يزال محتفظاً بها إلى الآن.