حياتنا اليوم

وحدة مع العالم

  • 55a

هل من يمضي ساعات المساء خلف شاشة الكمبيوتر سابحاً في فضاءات الإنترنت، آخذاً أقساطاً من الراحة ليرد على البريد الإلكتروني، ملتفتاً إلى شبكات الأخبار ليقرأ صحف اليوم.. هل يعيش هذا الإنسان في حالة وحدة أم عكسها؟ هل هذه الساعات هي انطواء عن العالم، أم ساعات تواصل؟
إلى أي حد ينطبق على هذا الإنسان القول الذي يتكرر: «لا يرى أحداً»؟ يأتي من العمل.. يفتح الإنترنت، ويستمر كذلك حتى تحين ساعة النوم. وهل عبارة «لا يرى أحداً» هي فعل عزلة أم هي يا ترى «اجتماعية» من نوع آخر؟
كان هذا الوصف يُنسب إلى من يرافق الكتاب والتلفزيون، إلا أن العيش مع الإنترنت حقَّق بلا شك مرتبةً أعلى من الاستغراق، خاصة وأن الكثيرين يكرِّسون له فترات إضافية بدءاً بساعات الصباح الأولى وانتهاءً بآخر النهار. والإنترنت، مثل كثير من الممارسات المتكررة، تخلق في النفس نوعاً من التعود. حيث يبدأ اللجوء إليها بشكل محدود وبهدف محدد في البداية، إلى أن تغريك السباحة الهادئة في فضائها في تمضية أوقات تطول وتطول.
ورغم مقاومة البعض لها، إلا أنهم يكتشفون مع الوقت تعلقهم بها، واستغراقهم في استخدامها.. لا رغبةً في الوحدة، بل هروباً من وحدة من نوعٍ آخر، لها صلة بعلاقتهم بمحيطهم.
وإن كان هناك بيننا أناس يشعرون بحاجة إلى «الهروب» أكثر من غيرهم، إلا أن أياً منا في لحظة أو أخرى شعر بمثل هذه الرغبة مهما كانت ضئيلة، وفي الإنترنت نافذة ذهنية لتحقيقها. وكلما زاد الاستغراق في هذه «الإنترنت»، شكَّلت نوعاً من الشرنقة الخاصة التي تلف الفرد. أما الفرد نفسه فكأنه -عبر استسلامه لتكوّن هذه الشرنقة من حوله- يعكس ميلاً نفسياً كونته لديه تحولات العصر الحديث بكل تنوعاتها وتناقضاتها، وبكل ما أمنته من آفاق تعرف على عالم أصبحت ملايين نوافذه مشرعة لمن يرغب في أن يسترق النظر. لدرجة يتهيأ لنا أحياناً أن الإنسان في الإنترنت مستغرق في غيبوبة يفيق من بعدها ليواجه الحياة الحقيقية من حوله ويتلمسها من جديد. أو حتى كأنه «أليس في بلاد العجائب». سرحت ومرحت، ثم استفاقت من حلمها.
أنت في الإنترنت.

وحيد في العالم، أم وحيد مع العالم؟

أضف تعليق

التعليقات