قصة مبتكر
قصة ابتكار
هارفي بول
الأسلاك الشائكة
ولد هارفي روس بول في العاشر من يوليو 1921م في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، وبدأ اهتمامه بالرسم والتصميم عندما عمل متدرباً لدى خطاط للافتات أثناء دراسته الثانوية. وحالما تخرج منها، التحق بقسم الفنون الجميلة في الجامعة. وعندما قامت الحرب العالمية الثانية عمل بول في الحرس الوطني الأمريكي، ثم عاد ليعمل سنوات قليلة في شركة إعلانات محلية قبل أن يفتتح شركته الخاصة عام 1959م. عندما أمسك بول بقلمه الأسود في صبيحة أحد أيام العام 1963م، لم يدر بخلده أن الرسم الذي خطه قلمه بعد عشر دقائق فقط من المحاولات سيصبح رمزاً عالمياً يتخطى اللغات والحدود، ويفتح الأبواب أمام الجميع، ويعلن النية الطيبة حيثما وجد. لم يخطر بباله شيءٌ من هذا، كل ما كان يهم، هو أن يقدِّم لعميل وكالة الدعاية والإعلان التي يعمل بها، شركة وورسيستر للتأمين وممثلها السيد جوي ينج، تصاميم لحملة داخلية تنظمها الشركة وتهدف إلى تشجيع موظفيها على التعامل الودود مع الزبائن. على الورقة، خطَّ بول دائرة تمثِّل وجه الإنسان، ووضع مكان العينين نقطتين، وبدلاً من الفم قوساً يتجه طرفاه إلى الأعلى ليمثل فماً مبتسماً. شركة التأمين قبلت بالرسم على الفور، ودفعت أتعاب بول خمسة وأربعين دولاراً، وطلبت كدفعة أولى مئة نسخة من الوجه المبتسم مطبوعة على شكل مشبك (button) من المشابك الرائجة في تلك الفترة، والتي تحمل شعارات دارجة وتعلق على القمصان. بعد أسابيع قليلة، عادت الشركة إلى الوكالة، وطلبت إضافة إلى المئة نسخة، عشرة آلاف نسخة أخرى! الوجه المبتسم، أو (سمايلي) كما شاعت تسميته، بعد ذلك وجد نجاحاً فورياً أينما حل. مع ذلك، لم يحاول بول ترويج ابتكاره تجارياً بشكل جدي، أو تسجيل حقوق ملكيته الفكرية باسمه، بل فضَّل تركه حراً لاستخدام العامة، ولم يحصل على ربح عدا أتعابه الأولية من شركة التأمين. التقط الأخوان برنارد وموراي برنارد سباين في فلاديلفيا الفكرة، وكانا يمتلكان محلاً للهدايا. في سبعينيات القرن الماضي كان السعي نحو السعادة اتجاهاً سائداً يسير فيه الجميع، فقام الأخوان باستغلال سمايلي، وأضافا إليه عبارة «ليكن يومك سعيداً» أو «Have a happy day» التي كتبتها جيولا بوجار. ومن هنا انتقل استخدام سمايلي للعالم أجمع، وفي أكثر من مئة دولة، سجَّلت شركات ومصانع مختلفة حقوق استخدام الوجه المبتسم تجارياً. ماذا عن بول؟ لم يستمر الرسام في حقل الدعاية والإعلان فترة طويلة، بل عاد إلى الجيش الأمريكي ليمضي فيه أكثر من ثلاثين سنة حتى تقاعد برتبة كولونيل، وقرر إنشاء مؤسسة «ابتسامة العالم» الخيرية، وبدأ في إعطاء التراخيص باستخدام سمايلي باعتباره مبتكره، ولكن المداخيل التي تحصل عليها مؤسسته تذهب للأعمال الخيرية ولدعم اليوم العالمي للابتسامة، الذي أعلنته المؤسسة في نفس العام، وهو أول يوم جمعة من أكتوبر كل سنة. وتوفي بول عام 2001م، بعد حياة حافلة اختصرت عظمتها في عشر دقائق من صباح مشرق عام 1963م.
مع تقدم الاستيطان الأمريكي نحو الغرب في القرن التاسع عشر، احتاج المستوطنون الجدد إلى أسيجة وجدران تحميهم في حربهم مع المواطنين الأصليين. وكان الخشب ومواد البناء الأخرى قد ندرت وغلا ثمنها خلال هذا التقدم. فبدأ التفكير في جعل الأسلاك المانعة للتقدم، أسلاكاً مؤذية لمن يلمسها أو يحاول المرور من فوقها. وتعدَّدت المساعي من دون نجاح في البداية. وفي سنة 1873م، ابتكر جوزف فيرويل غليدن سلكاً مجهَّزاً بمسامير حادة جارحة، متباعدة قليلاً، سرعان ما صار يُستخدم في حجر القطعان في أرض مسيّجة. وسجَّل غليدن ابتكاره هذا في السنة التالية. وباع زميلاً كان يعمل في هذا الأمر اسمه أيزاك إيلوود، حصة من حقوق ابتكاره بمبلغ 265 دولاراً. وفيما بعد، أسسا معاً شركة سمياها: شركة السياج الشائك (Barbed Fence Company) ثم باع غليدن حصته الباقية، وهي النصف، لشركة واشبورن ومون الصناعية. لكن المحاكم ثبتت اسمه على أنه مبتكر الأسلاك الشائكة. ويتكون السلك الشائك في الحقيقة من سلكين توأمين من الصلب المطلي بالزنك، يُلَوَيان معاً ويُزَوَّدان أشواكاً معدنية موزَّعة على أبعاد متساوية. وقد خطرت الفكرة لغليدن حين كان يحضر معرضاً للمواشي في ديكالب، بولاية إيلينوي. وقد رأى هناك أخشاباً بها مسامير، معلَّقة بأسلاك، لمنع المواشي من مغادرة أرض المعرض. ففكَّر في الاستغناء عن الخشب في تثبيت المسامير، وكان الغرض من لَيّ سلكين أحدهما مع الآخر في البداية، تثبيت الأشواك أو المسامير بين السلكين. وحين كانت الفكرة لا تزال تراود غليدن، لم تولد بعد، شجعته زوجته على صنع سلك شائك لتسييج حديقة منزلها. فكان الابتكار. وعند بيعه اختراعه لشركة واشبورن ومون الصناعية حصل على 60 ألف دولار، ونسبة من أرباح الشركة. فلما مات غليدن سنة 1906م، كان قد صار من أغنى أغنياء الولايات المتحدة. وقد صارت الأسلاك الشائكة الحل الأمثل لأصحاب المزارع الذين
لا يملكون المال لإقامة أسيجة غالية الثمن، فسياج الأسلاك الشائكة لا يحتاج إلاَّ إلى أوتاد خشبية، تثبَّت عليها الأسلاك، في أربعة صفوف أو أكثر، متقاربة إلى الحد الذي يحول دون مرور البشر، أو يردع الماشية عن الاقتراب. فكل من يحاول تخطي السياج يصاب بخدوش مؤلمة، أو حتى بجروح. ويمد بعض أصحاب المزارع أسلاكاً شائكة فوق حافة السياج المشيد من الحجارة، حتى يمنعوا المتسلقين من اجتياز السياج. ومثلما حدث مع ألفرد نوبل الذي اخترع تركيبة البارود من أجل الأعمال الهندسية، فحوّل آخرون اختراعه لأغراض الحروب، هكذا تحوَّلت الأسلاك الشائكة بسرعة لتصبح أداة في الحرب مع السكان الأصليين، ثم شاع استخدامها في كل الحروب، بل في أغراض الأمن عموماً.