بيئة وعلوم

ماذا يخطط العلماء للفضاء الخارجي؟

  • 42a

ماذا يخبيء لنا القائمون على برامج الفضاء حول العالم في جعباتهم؟ ولماذا لم نعد نسمع منذ أيام (أبوللو) أخباراً أكثر إثارة من مجرد إطلاق مركبة مأهولة بالروَّاد في مدار حول الأرض؟ ماذا حلَّ بمحطة الفضاء الدولية وبمشروع غزو المريخ، وما مستقبل استكشاف الفضاء.. إن كان ثمة واحد؟! أشــرف إحســــان فقيه* يعـــرض لأبـــــرز مشاريع استكشاف الفضاء المخطّط لها في المستقبل المنظور، على ضوء الواقع القائم اليوم، الذي يبدو للكثيرين تخبطاً يراوح مكانه منذ توقف الرحلات القمرية قبل ثلث قرن تقريباً. مع أن مسيرة استكشاف الفضاء تحظى باهتمام كبير من الجمهور المتشوق لمعرفة كل تفاصيلها وأبطالها من الروّاد والعلماء والزعماء السياسيين، مدفوعاً في ذلك بالزخم الذي يصنعه الإعلام ويسوّق به لكل هؤلاء، وبالرغم من ذلك كله إلا أنّ هناك شريحة متنامية من المتلقين والباحثين الذين يَعدون كل ما يُعلن عنه تحت بند برامج الفضاء الحكومية محض تضليل سياسي، وعبثاً يجدر وقفه!. تُعد رواية «أصل الخديعة» (Deception Point) للكاتب دان براون عملاً أدبياً يصوِّر بدقة طبيعة المأزق الذي يعيشه برنامج الفضاء الأمريكي تحديداً، والذي يعتال على أمجاد الستينيات الميلادية، في حين لا يوجد ما يبرر أمام الشعب كم الإنفاق الحكومي المهول عليه حتى اليوم. فمؤسسة مثل «ناسا» لا تفتأ تعلن بين فينة وأخرى عن خطط طموحة وتطلعات توازي ما وعدت به قصص الخيال العلمي منذ عشرات السنين. ومع ذلك فإن ما نشاهده على أرض الواقع يكاد لا يتجاوز بضع مهام سنوية للمكوك الفضائي لإطلاق أقمار الاتصال والطقس الصناعية، وعمليات صيانة وترقية دورية لمحطة الفضاء الدولية (ISS).. مع انتكاسات متكررة تلاحق كل هذه المشاريع. فبالنسبة للجمهور فإن ذروة المنجز الفضائي البشري قد تحقّقت عام 1969م بهبوط الإنسان على سطح القمر. لكن حتى هذا الإنجاز الأبرز على صعيد الحضارة البشرية يلقى تشكيكاً بل وتكذيباً من أكثر من جهة رسمية وشعبية وفي داخل أمريكا نفسها. بالنسبة لهؤلاء المشككين، فإن سلسلة رحلات «أبوللو» القمرية لم تكن سوى «تمثيلية» صُوِّرَت على الأرض بهدف تحقيق انتصار مزيَّف على الاتحاد السوفياتي الذي أحرز السبق الفضائي تلو الآخر على الولايات المتحدة في أوج الحرب الباردة بإرساله أول قمر صناعي: (سبوتنيك – 1) في عام 1957م، ثم أول رائد فضاء: يوري غاغارين في عام 1961م. تلك الإنجازات أصابت الكبرياء الأمريكية في مقتل، ما حدا بالرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي إلى إطلاق وعده الشهير لشعبه بوضع رجل أمريكي على القمر قبل حلول عام 1970م. وبالرغم من أن كينيدي لم يعش ليرى الوعد وقد تحقَّق -كما يفترض-، إلاَّ أن هبوط مركبة (أبوللو – 11) على سطح القمر عام 1969م قبل خمسة أشهر فقط من الموعد الذي حدده، وخطو نيل آرمسترونغ على التربة القمرية قد أعاد فعلاً هيبة أمريكا الدولية. لكن عناصر مجد المنجز الأمريكي تلك هي ذاتها التي يطعنه بها المشككون في خاصرته. وهناك لائحة طويلة من الحجج والأدلة التي يفنِّد بها المعتقدون بنظرية المؤامرة ومكذبو هبوط الإنسان على القمر هذا «الزعم»، ليثبتوا نظريتهم في كون الأمر فلماً هوليوودياً أعد بعناية لحفظ ماء وجه أمريكا. لائحة تعتمد على تحليلات فنية للقطات الفيديو والصور الثابتة لروَّاد الفضاء على القمر – كما وزعتها وكالة «ناسا»- واستنتاجات مبنية على وقائع تاريخية وسياسية عدة. وبغض النظر عن دقة استنتاجاتهم تلك، فإن الرافضين لقصة وصول الإنسان إلى القمر يواجهوننا بسؤال حقيقي: لماذا لم يواصل الإنسان غزوه لباقي الكواكب منذ ذلك الوقت؟ بل لماذا جُمِّد برنامج القمر أصلاً عام 1972م بعد سنوات ثلاث، وست عمليات هبوط فقط على سطح القمر.. وتزامناً مع وصول الحرب الباردة لمنحنى ظهرت معه بوادر حسم الصراع لصالح أمريكا ضد الاتحاد السوفياتي؟ برنامج الفضاء والبعث من جديد توقَّف برنامج القمر لعدم توافر الميزانية اللازمة لتطوير (المكّوك الفضائي)، وكل العراقيل التي تواجهها أحلام البشرية في استكشاف الفضاء راجعة لأسباب تقنية ومالية وسياسية.. هكذا يدافع المؤمنون بوصول الإنسان إلى القمر وبحتمية استمرار برامج الفضاء. والواقع أنه لا يمكن قراءة تاريخ غزو الفضاء بمعزل عن تطورات الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق. بل إن أمريكا بتفوّق برنامجها الفضائي المطلق حالياً تكاد تتحكم في تاريخ استكشاف الفضاء بأسره. وبالتالي فإن البشرية هي إلى حدٍ ما مرتهنة بالمزاج الأمريكي في هذا الصدد، الأمر الذي يرتبط بدوره بظروف هذه الدولة الداخلية: الاقتصاد وأجندات الساسة وأولويات المؤسسة العسكرية، والتي تحدد مجتمعة الخطوط العريضة لتقدّم «ناسا». إلا أن هناك جملة تطورات حصلت في السنوات الأخيرة تبشِّر بانبعاث جديد لبرامج الفضاء عبر العالم. وقبل أن نتكلم عن الجهود الدولية المتراكمة لغزو الفضاء، علينا أن ندرك أولاً كم هو عظيم وجبَّار الإنجاز الفضائي. فالمهام الفضائية سواء اقترنت بإطلاق مركبات مأهولة بالبشر، أو مجرد توابع صناعية فإنها تظل تحديات هندسية وتنموية غير عادية، تتطلَّب استثمارات طائلة على الصعيد البشري أولاً وقبل كل شيء، وسنوات طوال من التخطيط قبل الإقدام على خطوة عملية واحدة. من هذا المنطلق، وبغض النظر عن المكتسبات العلمية والاستراتيجية المرجوة من غزو الفضاء، فإنه يمكننا القول إن «العِزَّة الوطنية» تمثَّل الدافع الأول والمحرك الأساسي لنجاحات الدول التي وصلت إلى الفضاء حتى الآن ولتلك التي تسعى لأن تصل. فالوصول إلى الفضاء الخارجي هو مؤشر حاسم لمقدار التنظيم والتقدم والقوة الذي يسعى أي بلد إلى تحقيقه. لكن هذا الدافع القومي قد لا يصمد مع الأسف أمام عوائق حقيقية شتى. فقصور التكنولوجيا ونقص التمويل والانشغال بالهموم الأرضية الأكثر إلحاحاً، كلها قد تدفع باستكشاف الفضاء إلى أواخر أولويات الحكومات المعنية أساساً بهذا الهم. وكما رأينا مع الحالة الأمريكية فقد عُد الوصول إلى القمر شبه إشارة نهاية للسباق الفضائي مع السوفييت وذروة انحدر الإنجاز الفضائي بعدها. إلا أن هناك دولاً أخرى تسعى لتحقيق مكانة العَظَمة وتكرار الإنجاز الأمريكي. ويمكن القول إن المرحلة القادمة من استكشاف الفضاء ستتشكَّل في خطين متوازيين، هناك أولاً خط البرامج المشتركة حيث تتعاون الدول مع بعضها البعض لتتغلب على مشكلات نقص الكفاءات وقصور التمويل. والمثال الأبرز هنا هو لمحطة الفضاء الدولية ISS والتي يتم تجميعها في مدار حول الأرض منذ العام 1998م بمشاركة وكالات فضاء كل من أمريكا وروسيا واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي وتعاوُن البرازيل. وللمفارقة فإن هذا المشروع بالذات هو مثال نموذجي للتخبط والتأخير وتجاوز الميزانية المقررة. ومع أن فكرته ظهرت في الثمانينيات بدعم من الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، إلاَّ أنه شهد لاحقاً رفضاً شرساً من صناع القرار بواشنطن الذين عَدوه إرثاً ثقيلاً من أيام الحرب الباردة. غير أن المشروع مضى بشكل أو بآخر وتم تركيب %75 من أجزائه في يوليو من عام 2008م، ويتوقع أن تكتمل أعمال تشييد المحطة التي تسبح فوق الأرض في مدار ارتفاعه 350 كلم بحلول العام 2010م، لتوفر تواجداً دائماً للبشر في الفضاء الخارجي وتستقبل مهام المركبات الفضائية منذ العام 2000م. هناك أيضاً وكالة الفضاء الأوروبية «ESA» التي تأسست سنة 1975م وتنضوي تحت عضويتها اليوم 17 دولة. وتشتهر الوكالة الأوروبية بمركبتها الصاروخية «Ariane» والمستخدمة على نطاق تجاري واسع لإطلاق الأقمار الصناعية. كما تشمل لائحة إنجازاتها تطوير نظام الملاحة «غاليليو». إلا أن هناك حالة من عدم الرضا لدى فرنسا تحديداً بخصوص دور الوكالة مقارنة بالمنافسين. إذ لا تمتلك أية دولة أوروبية وسيلة لإرسال روَّادها إلى الفضاء مثلاً، بالرغم من أن 3 مليارات دولار و8 سنوات من الدراسات قد استثمرت لتطوير ثمة مركبة. إلا أن صيف 2008م شهد نبرة حماسية متصاعدة أكدت ضرورة تطوير دور وكالة الفضاء الأوروبية في المنافسة الدولية وإقحامها في مشاريع طليعية من قبيل غزو المريخ. أما الخط الثاني الذي سيحدِّد ملامح الزمن الفضائي القادم فستمثله المشاريع القومية للدول الطامحة لصنع التاريخ وحجز مكانة سيادية بين الأمم مثل الصين والبرازيل والهند. ويشير المراقبون عموماً إلى ما بات يعرف بـ «سباق الفضاء الآسيوي»، بل ويعتقدون أنها مجرد مسألة وقت قبل أن تتصدَّر الدول الآسيوية هذا المجال! كانت اليابان أول دولة آسيوية تطلق مسباراً للقمر في العام 1990م. ومع أن اليابان تخطِّط لإطلاق مركبة مأهولة بالروَّاد منذ ثمانينيات القرن العشرين وبدت متقدِّمة على نظيراتها الآسيوية بأشواط، إلاَّ أن الصين قد فاجأت العالم عام 2003م حين صارت أول دولة آسيوية والثالثة على مستوى العالم التي تحقِّق هذا الإنجاز، وأتبعتها برحلة ثانية عام 2005م. وفي سبتمبر 2008م قام رائد فضاء صيني بممارسة السباحة الحرة في الفضاء الخارجي لأول مرة. وتأمل الصين في أن تصل لسطح القمر في 2010م. الهند على صعيد آخر لها تجارب مع الصواريخ منذ الستينيات. وعلى غرار كينيدي فقد اعتبر رئيس الوزراء الهندي السابق فاجبايي الوصول إلى القمر مهمة وطنية ينبغي تكريس موارد البلاد لها. مع أنباء عن إطلاق مسبارهم الخاص إليه في خريف 2008م. ويذكر أن الأميركية (كالبانا تشاولا) التي قضت في حادث تحطم المكوك (كولومبيا) عام 2003م كانت كذلك أول رائد فضاء وُلد في الهند. أما كوريا الجنوبية فقد دخلت عصر الفضاء كدولة غازية في صيف 2006م حين أطلقت قمراً صناعياً عسكرياً بغرض التجسس على جارتها الشمالية ، ورداً على التقدم الذي تحرزه جارتها في المجال الصاروخي. ثم جاءت يي سو- يون عام 2008م لتصبح أول رائدة فضاء كورية. لكن هذا الإنجاز لا يقارن بما حققته الصين مثلاً. فرائد الفضاء الصيني كان على متن مركبة صينية وضمن برنامج وطني بحت. أما الكوريون فإنهم قد استعانوا بخدمات الروس الذين أقلوا الرائدة الكورية على إحدى مركبات «سويوز» الخاصة بهم. وعلى نفس الخطى سارت ماليزيا حين استعانت بالروس وبمركبتهم «سويوز» لتدريب وإرسال رائد فضائها الأول شيخ مظفر شكور إلى المحطة الدولية كثالث رائد فضاء مسلم بعد الأمير سلطان بن سلمان عام 1985م، والسوري محمد فارس في 1987م. وفي أمريكا اللاتينية يبرز برنامج الفضاء البرازيلي. وكانت البرازيل قد أرسلت مجموعة من أقمار الاتصالات محلية الصنع بين 1993 و2007م. ويشكل موقع الإطلاق البرازيلي بقربه من خط الاستواء – كما هو موقع ESA بمستعمرة غويانا الفرنسية- إغراءً لأصحاب الأقمار الصناعية ثابتة الموقع (Geostationary) الذين سيوفرون %25 من الوقود اللازم لإيصالها فوق المدار الاستوائي مقارنة بإطلاقها من قاعدة (فلوريدا) الأمريكية على سبيل المثال. ولا يبدو الأمريكيون بمعزل عن كل هذه المحاولات لسحب بساط ريادة استكشاف الفضاء من تحتهم، بالرغم من أن أمريكا تحمل وزر تعطيل التقدم الفضائي عبر ضبابية خطط وكالتها «ناسا» التي بلغت ميزانيتها عام 2004م حوالي 86 مليار دولار. في نفس العام أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش عن مسار جديد لسياسة الفضاء الأمريكية يرتكز على تطوير مركبات فضائية جديدة تعود بالرواد إلى القمر بحلول العام 2020م، مع التطلع بجدية للوصول إلى المريخ بعد ذلك. وبالرغم من أن المراقبين قد تلقوا هذا الإعلان بالشك، إلا أن وكالة «ناسا» منشغلة بالفعل في تطوير وسيلة مواصلات فضائية جديدة لتحل محل أسطول المكّوكات الذي قد يحال للتقاعد بحلول العام 2010م. أي «فضاء» هو المعني بالاستكشاف؟ هناك نوعان من العمليات الفضائية: عمليات مأهولة (Manned)، وأخرى غير مأهولة (Unmanned) تُرسل فيها المسابر والمراقب والمعدات الفضائية إلى أجواء يتعذر وصول البشر إليها لأسباب تقنية أو طبيعية. يمثّل القمر الذي لا يبعد عن الأرض أكثر من 407700 كلم الحدود القصوى للتواجد البشري بالفضاء. وهي مسافة لا تعني شيئاً بالنسبة لأبعاد الكون. وهكذا يمكننا أن نتصور كم المصاعب الطبيعية الذي تجابه مستكشفي الفضاء. فباستخدام تقنيات الدفع الحالية فإن رحلة روَّاد الفضاء من الأرض إلى المريخ فقط ستستغرق 260 يوماً. وحتى العمليات غير المأهولة لا تقل تعقيداً، فالإشارة اللاسلكية تستغرق 20 دقيقة كاملة لتنتقل بين المريخ والأرض. مع ذلك فإن جهوداً جبَّارة قد بذلت منذ بدايات سباق الفضاء وحتى الآن، لجمع المعلومات والصور عن كواكب المجموعة الشمسية ومجاهل الفضاء الأخرى. بالنسبة لكوكب عطارد الأقرب للشمس، فإن أقرب عمليات دراسة له قد قام بها المسباران (Mariner-10) و(MESSENGER) في يناير 2008م. وحظي كوكب الزُهرة بأكبر عدد من عمليات هبوط المعدات الفضائية، معظمها سوفيتي، مقارنة بباقي كواكب المجموعة الشمسية. أما المريخ فبقدر ما يحمل من مكانة عند محبي الفضاء، فإنه حظي بأكبر عدد من عمليات الاستكشاف الفاشلة. وعلى كل فإن هبوط مركبة «Path Finder» على سطحه عام 1996م وإرسالها للقطات من هناك قد أثار موجة من الحماس حول العالم.. وإن كانت عمليتا الهبوط اللاحقتان في عامي 1998 و1999م قد فشلتا! وطارت فوق كوكب المشتري، وهو أكبر كواكب المجموعة، خمسة مسابر بين عامي 1973 و2006م. منها المسبار «غاليليو» الذي أكمل سبع دورات حوله. أما كوكب زحل فقد دخل مسبار Cassini في مدار حوله في عام 2004م. وبالنسبة للكوكبين أورانوس ونبتون فقد مرَّت بهما مركبة «فوياجير 2» التي أطلقت من الأرض عام 1977م، لتصل إلى الأول في عام 1986م، وإلى الثاني في عام 1989م، ما يعطينا فكرة عن هول المسافة التي تفصلنا في الفضاء وعن مدى قلة حيلة مستكشفي الفضاء الذين قد يدمر خلل تقني خارج عن الإرادة صبر سنوات وملايين الدولارات التي أنفقوها. ويبقى الجُرم الأخير المعروف والأبعد إطلاقاً بالمنظومة الشمسية وهو بلوتو الذي وافق المشرِّعون الأمريكيون عام 2003م وبعد مقاومة شرسة على تمويل برنامج «نيو هورايزون» لاستكشافه. لتنطلق العملية عام 2006م على أمل أن تصل إلى هدفها عام 2015م. بالنسبة لما وراء مجموعتنا الشمسية، فإن أبرز جهود اكتشافه كانت عبر المرقاب «هابل» الذي يدور حول الأرض منذ عام 1990م موجهاً عدساته المتطوِّرة نحو الفضاء وملتقطاً صوراً نادرة للغاية. ويتوقع أن تنتهي خدمة هذا المرقاب عام 2013م ليحل محله آخر سمي على اسم مدير «ناسا» الراحل جيمس ويب. لماذا كل هذا الاهتمام؟ ماهي المبررات الاستراتيجية والإنسانية لغزو الفضاء الخارجي؟ وهل تبرِّر مشاعر الفخر الوطني وغريزة حب الاستكشاف التي جُبل عليها البشر بالإضافة إلى المصاريف الفلكية لتأهيل روَّاد الفضاء وتطوير منشآت ومعدات السفر عبر الفضاء، ناهيك عن ضحايا حوادث الرحلات الفضائية؟ الحقيقة أن عمليات استكشاف الفضاء التي تمَّت حتى تاريخه، بكل نجاحاتها ومظاهر تأخرها كذلك، إنما هي مرتبطة بمنظومة سياسية وعسكرية بالمقام الأول. ولولا هذه الدوافع السيادية لما خاضت أمريكا وروسيا والصين تحدي إرسال مواطنيها إلى الفضاء. فمبرر «العزة الوطنية» الذي ذكرناه أعلاه يمكن ترجمته إلى الرغبة في تحقيق التفوق العسكري. الفضاء الخارجي هو في النهاية ساحة معركة مستقبلية ووَسط للمراقبة. وقد يبدو هذا القول صادماً ومحطماً لنظرة شاعرية يحملها الكثيرون منا تجاه السماء المكللة بالنجوم والكواكب. لكن سيناريوهات «حرب النجوم» التي اشتهرت إبان الحرب الباردة لم تكن كلها خيالاً محضاً. والدول الكبرى تفهم تماماً أن من يثبِّت موطئ قدم في الفضاء اليوم سيكون له السبق في أي صراع عسكري غداً. الصين مثلاً فاجأت المؤسسات العسكرية حول العالم حين استخدمت صواريخ مضادة للتوابع الفضائية كي تنسف أحد أقمارها الصناعية منتهية الصلاحية على سبيل التجربة عام 2007م. وبالرغم من أن الأمريكيين يمارسون تجارب كهذه ويعزِّزون الفضاء بأقمار تجسسهم منذ عقود، إلا أن الصين فتحت الباب مجدداً لاحتمالات سباق التسلح الفضائي. الكلام نفسه يمكن أن يقال حول استعمار القمر وحتى المريخ. فمع أن القمر قد أُعلن من قبل الأمم المتحدة كملكية دولية، إلا أن قيام دولة ما بالتمركز في قاعدة تنشئها هناك هو تطور عسكري ذو أبعاد خطرة جداً. هناك مبررات أخرى مقترنة بالمال. فثمة ما يعرف بـ «اقتصاد الفضاء» الذي يشكِّل سوقاً قدرت تداولاتها في عام 2006م بحوالي 180 مليار دولار. تشمل هذه السوق الخدمات والبضائع الفضائية، وتعاقدات بناء المركبات والتوابع التي تستخدمها وكالات الفضاء حول العالم. ثلثا الأقمار الصناعية التي تحوط الأرض اليوم هي لأغراض تجارية. كما وأن (السياحة الفضائية) تمثل قطاعاً واعداً جداً من السوق ومربحاً أيضاً كما سنرى لاحقاً. هناك كلام كثير أيضاً حول الاستثمار في الفضاء عبر إقامة منتجعات سياحية على القمر مثلاً أو تصنيع العقاقير والمركبات المعقدة في ظروف انعدام الجاذبية، أو استخراج عناصر مثل (الهيليوم- 3) المطلوب في محطات التفاعل النووي والنادر على الأرض بينما يُعتقد تواجده بوفرة على القمر. وبالرغم من أن كلفة السفر والنقل عبر الفضاء لا تزال خيالية حالياً وغير ذات جدوى اقتصادية، إلا أن قيام تلك الفرص يُبقي باب المخاطرة الاستثمارية مفتوحاً ويبرِّر التسابق على التواجد في الفضاء. بصفة عامة، وبعيداً عن تقديرات الساسة ومُلاك رأس المال، فإن رجل الشارع يبدو مرحِّباً بجهود استكشاف الفضاء. ففي أمريكا على الأقل، كشف استطلاع للرأي أجري عام 2003م أن %71 من الناس يعتقدون بأن برنامج الفضاء يمثل «استثماراً جيداً» على مستوى الدولة. وهذه نتيجة متوقعة؛ فالإنسان العادي سيظل شغوفاً بالتعرف إلى المجهول الذي يمثله الفضاء، مثلما كان أجدادنا شغوفين بالتطلع إلى الكواكب والتساؤل حول حقيقتها. إن التقدم التكنولوجي الذي نعيشه اليوم يضعنا أمام معضلة فلسفية وأخلاقية. فمن جهة نحن مطالبون بتسخير تقدمنا كي نستزيد من العلم ونعرف الكثير، وهذا مجال لا نهاية له ولا حد. ومن جهة أخرى فإننا مطالبون بتحديد أولويات فضولنا العلمي: هل ننشغل بالفضاء فيما الأرض وسكانها غارقون في مشكلاتهم الأزلية؟ وهذا تساؤل ليس له جواب، خاصة والباحثون في علوم الفضاء يؤكدون أن التعمق في فهم الكون سيؤدي إلى فهم أعمق لكوكبنا.. كما قال يوجين سيرنان قائد آخر مهمة فضائية حطت على القمر، حين خفق قلبه لروعة منظر كوكبه الأم ككرة زرقاء متلألئة: «لقد ذهبنا لاستكشاف القمر، لكننا في الواقع اكتشفنا الأرض». لكن ومع أن غالبية الناس تؤيد المضي قدماً في برامج الفضاء كما يظهر، إلا أن العقول العلمية الكبرى ليست على ذاك القدر من الاتفاق حول المسألة، أو أنها تقبل أن تتناولها على ضوء ظروف استثنائية. فالفيزيائي الراحل ريتشارد فاينمان الحائز جائزة نوبل عام 1965م رفض أن يكون السفر عبر الفضاء قد حقّق أي اختراق علمي كبير! وبالنسبة لقامات من قبيل الفيزيائي ستيفن هاوكنغ وكاتب الخيال العلمي آرثر سي كلارك، فإن السعي إلى استعمار الكواكب الأخرى هو خيار منطقي تمليه ضرورة حفظ النوع بالنظر إلى استحالة استمرار الحياة لألف سنة أخرى على هذه الأرض التي قد يقصفها نيزك ضال أو تحرقها حرب مجنونة يوماً ما… مشاريع فضائية واعدة وفيما يلي استعراض لمجموعة من الأفكار والمشاريع، بعضها دخل حيز التنفيذ وبعضها ينتظر، تحدد ملامح مستقبلنا مع استكشاف الفضاء الخارجي. • السياحة الفضائية كان انهيار الاتحاد السوفياتي ووقوف مؤسسته الفضائية على شفير الإفلاس ضارة نافعة في هذا السياق تحديداً. ففي العام 1990م، عرضت محطة التلفزة اليابانية TBS على الروس مبلغ 28 مليون دولار مقابل إرسال أحد مراسليها لمحطة «مير» البائدة. وهكذا قضى تويوهيرو آكياما أسبوعاً في الفضاء بث خلاله تقريراً تلفزيونياً يومياً. ولأن نفقات رحلة آكياما قد تكفلت بها جهة عمله، فإنه تقنياً لم يُعَد سائح الفضاء الأول، وإنما اعتبر في رحلة عمل! لكن تلك المغامرة اليابانية فتحت أنظار العالم إلى واقع فضائي جديد: فقد صار بوسع المواطن العادي أن يدفع مالاً مقابل السفر إلى الفضاء الخارجي.. وهذه معلومة غير دقيقة تماماً.. لأن فاتورة رحلة الأسبوع إلى الفضاء تراوح بين 20 و25 مليون دولار. أول سائح فضائي وفق هذا التعريف كان الأمريكي دينيس تيتو والذي أقلته مركبة «سويوز» إلى المحطة الدولية عام 2001م. ليتبعه خمسة سيّاح آخرون آخرهم أسطورة برمجة الألعاب الإلكترونية (ريتشارد غاريوت) في أكتوبر 2008م. وهذا النمط من الترحال الفضائي يشهد إقبالاً شديداً لدرجة أن المقاعد محجوزة تماماً حتى 2009م. وبالرغم من أن التكلفة الخيالية للرحلة تبعث على الاستهجان، إلا أنها تبقى مبررة بالنظر لمتطلباتها. كما أن ثمة أبعاداً فلسفية وعلمية عدة وراء هذه السفرات. ذلك أن السفر عبر أجواء السماء، والتطلع إلى كوكب الأرض من علٍ هي تجربة روحية في المقام الأول وذات تأثير استثنائي على النفس والعقل سيكون عائدها مجزياً على البشرية. على صعيد آخر، وكبديل أقل كلفة وأسرع، تعِد شركة «Virgin Galactic» برحلات فضائية خاطفة عبر حدود الغلاف الجوي للأرض بحلول العام 2009م. وكان مجتمع الطيران والفضاء قد شهد منافسة حامية على ما عرف بالجائزة «X» التي بلغت قيمتها 10 ملايين دولار، ورُصدت لأول من ينجح في إطلاق رحلتين متتاليتين خلال أسبوعين تقل كل منهما ثلاثة ركاب لارتفاع لا يقل عن الثلاثمائة وثلاثين ألف قدم – منطقة انعدام جاذبية- قبل حلول العام 2005م. وحقق هذا الإنجاز الطيار والمغامر الأمريكي بورت روتان بتصميمه مركبة «سفينة الفضاء واحد» في أكتوبر 2004م. وستستخدم «Virgin Galactic» الجيل الثاني لهذه المركبة. ويتوقع أن تكلِّف هذه الرحلة حوالي 200 ألف دولار وألا يتجاوز برنامج إعداد ركابها الأيام الثلاثة. الجدير بالذكر أن آفاقاً رحبة تنتظر مستقبل السياحة الفضائية على هذا النمط، لا سيما وأن فترة إدارة الحكومات لمحطة الفضاء الدولية لن تتجاوز العام 2017م على أبعد تقدير بالنظر لتكاليف تشغيلها العالية. وينتظر أن يتم استغلال هيكل المحطة وتجهيزاتها بعد ذلك في مجال أكثر إدراراً للربح.. كأن يتم تأجيرها لمجموعة فندقية كبرى تستغلها كمنتجع فضائي لقضاء إجازات لا يجرؤ عليها سوى أصحاب الملايين. • المصعد الفضائي إن أحد أهم عوائق تطوير مشاريع الفضاء تمثله الكلفة العالية لعمليات إطلاق المركبات. فمكوك الفضاء مثلاً يحرق خلال عملية إطلاقه التي لا تستغرق أكثر من 9 دقائق، 1500 طن من الوقود السائل، أو ما يوازي 289 غالوناً من الأكسجين كل ثانية. كما وأن معظم أجزائه، مثل خزان الوقود الأساسي بالإضافة إلى صاروخي الدفع الجانبيين، يُلقى بها بعد الإطلاق ولا يعاد استخدامها. وهذه حلول غير هندسية تدفعنا للبحث عن بدائل أفضل للوصول للفضاء. واحدة من الأفكار القديمة التي لا تزال مطروحة يمثلها «المصعد الفضائي». وهو مشروع جبَّار سيمثل أعظم ما بنته البشرية لو نفّذ، وتقوم فكرته على إبقاء كابل بالغ الطول مشدوداً بين سطح الأرض ونقطة ثابتة في الفضاء على ارتفاع 35 ألف كلم (ما يوازي 11457600 طابق). وسيثبت الطرف الفضائي للكابل عبر ثقل سابح بوزن 12 طناً. وهذا الثقل الفضائي قد تمثله محطة فضائية يتم إنشاؤها بالوسائل التقليدية. هذا المشروع سيغيِّر وجه السفر الفضائي. فتكلفة النقل العالية التي توازي الاثنين والعشرين ألف دولار لكل كيلوغرام من المادة المنقولة ستختفي ليكلِّف نقل الإنسان العادي عبر المصعد الفضائي 250 دولاراً وحسب! إذ إن طاقة الإطلاق ستولد كهربائياً عند القاعدة، لأن الأجسام المنقولة على طول الكابل ستستفيد من انعدام الجاذبية ومن قوى الطرد المركزية التي يولدها ثقل التوازن لتنطلق بسرعات تقارب أحد عشر كيلومتراً في الثانية من دون إحراق قطرة وقود. لكن يتوقع أن يستغرق تنفيذ ثمة مشروع حوالي الخمسين عاماً. • البحث عن حياة أخرى وهذا موضوع الناس منه على طرفي نقيض. فهناك من يؤمن بشدة بأننا لسنا وحدنا في هذا الكون الفسيح، وهناك من يعتقد بعبثية هذا الطرح. لكن وكالات الفضاء تنظر إلى المسألة بطريقة علمية وتدرجها ضمن خططها. فناسا على سبيل المثال تستخدم مصفوفتها من الهوائيات العملاقة للتصنت على الفضاء والتقاط ما يشتبه أنه إشارة من مصدر صناعي. كما وأن المسبار «Pioneer 10» الذي أطلق لدراسة كوكب المشتري عام 1972م قد زوِّد بلوح معدني عليه رسوم ورموز تعرف بالجنس البشري لمن «قد يعثر عليه يوماً». وكانت آخر إشارة التقطت من هذا المسبار عام 2003م وهو على بعد 12 مليار كلم من الأرض. غير أن الحياة الذكية ليست هي الاحتمال الأوحد الذي يبحث عنه العلماء. فقد بات معلوماً أن البكتيريا تنتعش في أقصى الظروف تطرفاً على الأرض نفسها.. في جليد القطبين وداخل البراكين والمفاعلات النووية، بل لقد ثبت أنها تتشبث بالحياة في الفضاء الخارجي. كما وأن أسطح الكواكب الأخرى مفعمة بالعناصر الأولية. المريخ عرف الماء يوماً. وبخار الماء موجود في الغلاف الجوي للزهرة. وبعيداً عن أي تطرف، فالكون يحتوى – إحصائياً- على ملايين الكواكب المطابقة لأرضنا في الظروف والأحوال.. من يدري؟!

أضف تعليق

التعليقات