أظن أن القافلة وفِّقت في هذا العدد في اختيار عنوان موضوعها عن الاتجار في الأسهم. ففريقها اعتبر ما يحدث بمثابة هجوم شعبي غير مسبوق، تدل عليه الأرقام التي كان من بينها أن عدد المتداولين في هذا السوق تجاوز بضعة آلاف إلى ما يقرب أو يتجاوز المليون تاجر، مع التحفظ البالغ في وصف كل داخل إلى هذا السوق بالتاجر؛ لأن هناك فرقاً بين من يضارب على خمسة أسهم ومن يوظف خمسة ملايين أو خمسين مليوناً، إلا أن الاثنين، صاحب الخمسة أسهم ومن يوظف الخمسين مليوناً، كلاهما مسمّر إلى شاشات التداول.
لقد أصبح لدينا فجأة قاموس يومي شعبي جديد مداره سوق الأسهم ومصطلحاته: صالة التداول، الشاشات، المضاربة، أمر إدخال، أوامر قائمة، منفذ، معلق … إلى آخره مما أصبح حديث المجالس والمكاتب والأرصفة. وبينما كانت جهات العمل تتذمر من كثرة مطالعة موظفيها لمواقع الإنترنت لأغراض مختلفة أصبحت أمام مشكلة أشد خطراً وأكثر فتكاً بأوقات موظفيها. تلك المشكلة هي التعامل إلكترونياً في بيع وشراء الأسهم، الأمر الذي تسابقت إليه البنوك لكي لا تفوتها المزايا المالية لهذا الهجوم الشعبي الكاسح لسوق الأسهم.
هناك، بالطبع، جملة أسئلة يمكن أن تُطرح لنفهم ما يدور من حولنا داخل هذا السوق الجديد، الذي يفتح فمه كأوسع ما يكون ليلتهم السيولة المتوافرة لدى الناس، بغض النظر عن صغر وكبر هذه السيولة عند هذا وذاك. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن بعض الناس سيلوا ما لديهم من أصول أو عقار ليلحقوا بقطار الأسهم المنطلق بسرعة لا تخلوا من خطر حسب بعض المحللين.
ولعل السؤال الأهم من بين مجموعة الأسئلة التي يمكن أن تطرح هو كيف تشكل هذا الحضور الشعبي العارم في سوق الأسهم؟ هل نشأ صدفة أم أن له مقدمات منطقية؟ بالنسبة لمراقب بعيد مثلي فإن الأمر لا يخلو من صدفة كما هي في الغالب العديد من ممارساتنا الاستثمارية. فأنا وأنتم نذكر ما حدث قبل فترة وجيزة من هجوم على الاستثمار في المساهمات العقارية عبر جهات المملكة الأربع، ثم فجأة انطفأت هذه الإسهامات وعلقت من جانب أموالٍ كثيرة لحسابها بينما تحول بعض هذه الأموال، من جهة أخرى، إلى المضاربات في سوق الأسهم. وليس من المستبعد أن تخف حركة قطار سوق الأسهم لحساب قطار آخر لا نعرف بعد ما هو.
أما إذا أردتم رأي خبير فإن المستشار المالي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية مطشر المرشد، يعتبر في المقال الذي كتبه للقافلة أن شرارة البداية لهذا الهجوم الشعبي على الأسهم كانت عندما طرحت الدولة 30 في المائة من حصتها في شركة الاتصالات السعودية للاكتتاب العام بسعر تشجيعي قدره 170 ريالاً للسهم الواحد.
وفي رأي الكاتب والمصرفي خضر المرهون فإن هناك ستة عوامل مباشرة أسهمت في التحول الاجتماعي الخطير المتمثل فيما اعتبره انجراف المجتمع السعودي نحو الاستثمار في الأسهم. وبالرغم من أن كل هذه العوامل مهمة إلا أن ما لفت نظري من بينها إشارته إلى قلة أو انعدام النافذة الاستثمارية البديلة، حيث لا تخرج هذه المنافذ عن اثنين هما: منفذ العقار، ومنفذ الأسهم. وإذا كان الأول يتطلب رءوس أموال ضخمة فإن الثاني قابل لابتلاع أي قدر من السيولة، مما يؤدي إلى خلق حالة وردية من الأحلام لدى المستثمر الصغير قبل الكبير.
ولكي لا أفوت عليكم فرصة الاطلاع المفصل على المفارقات الواردة فيما كتبه الخبيران اللذان استضفناهما لتحليل ظاهرة الهجوم الشعبي على الاستثمار في الأسهم، أدعوكم فقط إلى قراءة تحليليهما أكثر من مرة لتستوعبوا هذه المفارقات كما حاولت أن أستوعبها. وإذا كان لديكم بعد ذلك رأي تجاه هذا الموضوع فأرجو ألا تبخلوا به علينا لتعم الفوائد التي تنتج عن تجاربنا الناجحة أو الفاشلة في هذا السوق.