طاقة واقتصاد

آسيا تنمو
كيف تلبي حاجتها من النفط؟

  • 15b
  • 10a
  • 13a
  • 13b
  • 14a
  • 15a

يعد النمو الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادي من العوامل الرئيسة المؤثرة في أسواق الطاقة واشتداد الطلب عليها حالياً.
وتُجمع المؤشرات على استمرار الزيادة في الطلب على المدى البعيد، الأمر الذي يطرح سؤالاً مهماً: من أين ستأتي الإمدادات الملبية لهذه الاحتياجات المتعاظمة؟
تيد بروكيش وقريق نوكس يعرضان دور أرامكو السعودية في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في أسواق الشرق الأقصى حاضراً ومستقبلاً.
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الطلب على الزيت الخام في الصين من 5 ملايين برميل حالياً إلى 12 مليوناً بحلول العام 2030م، فيما سيزيد الطلب في دول شرق آسيا خلال ربع القرن القادم لأكثر من ضعفين ليصل إلى 9.4 مليون برميل في اليوم. فكيف سيتم تأمين هذه الاحتياجات؟ ومن أين؟

يقول الأستاذ عبد العزيز الخيال، نائب الرئيس الأعلى للتكرير والتسويق والأعمال الدولية في أرامكو السعودية: إن الطلب يتزايد في آسيا، وستبقى الدول الآسيوية معتمدة على الطاقة المستوردة، وخصوصاً الزيت، من منطقة الشرق الأوسط. وستكون معدلات الزيادة في الطلب كبيرة ومطردة. فبالنظر إلى الصين ومعدل استهلاكها للسلع والبضائع المصنعة، نجد الكثير من المؤشرات على زيادة هذه المعدلات لتواكب نظيراتها في العالم المتقدم. وعليه، فهم في حاجة للحصول على المواد الخام والطاقة الضرورية لذلك .

ويضيف الخيال الذي زار مؤخراً عدداً من الشركات العائدة لأرامكو السعودية ومشروعاتها المشتركة في آسيا: سنعمل من جانبنا على الوفاء بهذا الطلب المتزايد. فنحن نعلم أننا لا نستطيع أن نكون المصدر الوحيد للطاقة، لكننا نريد أن نكون المصدر الأفضل، ولسوف يتحقق لنا ذلك بإذن الله .

وكان الأستاذ أحمد الصاحب، نائب الرئيس الإقليمي لمنطقة الصين في شركة البترول السعودي المحدودة، من الذين شهدوا على الأرض القفزة التنموية الهائلة للصين، بالإضافة إلى تغير الأفكار والمفاهيم الناتج عنها. ويتذكر الصاحب البداية بقوله: عندما وصلت هنا في عام 1998م، كانت واردات الصين محدودة جداً، ولم تكن فكرة تأمين الإمدادات منتشرة بين شركات الزيت التي قمنا بزيارتها. وما شهدناه هو نقلة نوعية، لا في المتطلبات التي فرضتها التنمية الاقتصادية الهائلة فحسب، بل في طريقة التفكير كذلك. هناك اعتماد حالياً على منطقة الشرق الأوسط، والمملكة بالذات، كمصدر موثوق للإمدادات. وقد تطلبت هذه النقلة النوعية في التفكير جهداً كبيراً من الجانبين حيث تم عقد الكثير من جلسات المشاورة وتبادل الأفكار .

زيادة الطاقة الإنتاجية
يعني ذلك، بالنسبة لأرامكو السعودية، زيادة التركيز على آسيا بوصفها المنطقة التي تتميز بمجموعة من أسواق الطاقة سريعة النمو في الصين والهند والدول ذات الاقتصاديات الأكثر تقدماً مثل اليابان التي تواصل اعتمادها بشدة على الخام السعودي.

وفي الوقت ذاته، تقوم الشركة بإطلاق مشروعات من شأنها زيادة الطاقة الإنتاجية اليومية في الشركة، مما يساعد في تلبية الطلب المتزايد مع استمرار عمل الشركة على الحفاظ على طاقة إنتاجية احتياطية تساعد على استقرار الأسواق العالمية. وتشمل هذه المشروعات زيادة الإنتاج في حقل حرض بمقدار 300,000 برميل في اليوم من الزيت العربي الخفيف بدءاً من عام 2006م. أما في عام 2007م، فستتم إضافة 500,000 برميل في اليوم من الزيت العربي الخفيف عن طريق مشروع حقل الخرسانية. وفي عام 2008م، سيتم إنتاج 300,000 برميل في اليوم من الزيوت الأخف عن طريق توسعة الطاقة الإنتاجية في حقل الشيبة وفي المنطقة الوسطى. أما في عام 2009م فمن المخطط أن تتم إضافة زيادة ضخمة مقدارها 1.2 مليون برميل في اليوم من الزيت العربي الخفيف في حقل خريص.

تمتين العلاقات
ويأتي بناء العلاقات القوية والمحافظة عليها كعنصر مهم آخر لأعمال الشركة في آسيا. وفي هذا الإطار، التقى الخيال في جولته الأخيرة مسؤولين رفيعي المستوى في الصين مثل جيا زي تاي، نائب مدير البرلمان الشعبي لمقاطعة فوجيان ووانق جيمنق نائب رئيس سينوبك، أكبر الشركات الصينية في مجال البترول والكيميائيات.

كما التقى الخيال في طوكيو كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة رويال دتش/شل، وشوا شل، ونيبون أويل، وجابان إنرجي، وسوميتومو كيميكال.

وأخيراً، حضر الخيال الاجتماعات المعتادة لمجلس الإدارة واللجنة التنفيذية لإس – أويل كوربوريشن في كوريا، ثم ترأس حفل إطلاق اسم النصل ستار على إحدى ناقلات المنتجات الجديدة العائدة لشركة فيلا البحرية العالمية المحدودة.

ويرى الخيال من واقع الزيارات التي قام بها أن أعمال أرامكو السعودية في آسيا تمثل عنصراً أساساً في وفائها بالتزاماتها كمورد موثوق للطاقة الهيدروكربونية وتلبية الأساس الاستراتيجي للشركة المتمثل في زيادة الإيرادات إلى أقصى درجة.

ويقول: لقد كانت الأسواق الآسيوية وستظل من بين الأسواق الأعلى ربحية في العالم، كما أننا حريصون على التواجد في مناطق الأسواق الرئيسة الثلاث في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية لما لهذه الأسواق من أهمية استراتيجية، مع زيادة نسبة صادراتنا إلى الأسواق الآسيوية لتلبية الطلب المتزايد هناك .

ويؤكد الأستاذ يحيى الزيد، نائب الرئيس للتسويق وتخطيط الإمدادات، على الدرجة الكبيرة لالتزام أرامكو السعودية، حيث يقول: ستحافظ أرامكو السعودية على موقعها كمورد عالمي موثوق يقوم بتلبية الطلب على الطاقة حول العالم. والشرق الأقصى، بالطبع، هو أحد أسواقنا الطبيعية نظراً لقربه الجغرافي منا وللنمو الاقتصادي المطرد في الصين والهند .

وحسب الخيال، فإن سياسة الشركة تجاه هذه المنطقة الحيوية تتعدى الاعتبارات قصيرة المدى، فيقول: لقد شرعنا في إقامة مجموعة من المشروعات المشتركة في آسيا للحصول على منافذ بيع مكرسة لإنتاجنا من الزيت الخام لضمان تسويقه على المدى البعيد .

دخول مبكر
وكانت أرامكو السعودية قد بدأت تتجه صوب القارة الآسيوية في عام 1991م، عندما قامت بشراء حصة قدرها 35 في المئة في سانق يونق أويل ريفايننق كومباني، المعروفة حالياً باسم إس – أويل في كوريا. ثم تبع ذلك شراء حصة قدرها 40 في المئة في شركة بترون في الفلبين. وتسعى الشركة حالياً لإقامة مشروع مشترك للتكرير والبتروكيميائيات في مقاطعة فوجيان في الصين مع شركات تابعة لسينوبك وإكسون موبيل.

وفي هذا الصدد، يقول الأستاذ عبدالله السبيل، الممثل الأعلى في هونج كونج لشركة أرامكو فيما وراء البحار: يمثل مشروع فوجيان نقلة استراتيجية إلى سوق مربح ومنطقة ذات طلب مرتفع. يعد توقيتنا جيداً نظراً لأننا حزنا قصب السبق في الصين لمثل هذه المشروعات، وهو ما قاد إلى علاقات قوية مع شركة سينوبك .

ويوافق الصاحب على أهمية الدخول المبكر في الصين، حيث يقول: كوننا إحدى أوائل شركات الزيت الأجنبية الرئيسة في الصين، وفي تركيزنا بالأخص على مجالات التكرير والتوزيع، فقد تمكنا من تأسيس علاقات وثيقة مع جميع الشركات الصينية .

كما قامت الشركة في العام الماضي أيضاً بتأسيس شراكة جديدة في أحد الأسواق الآسيوية الرئيسة بشراء حصة قدرها 10 في المئة في شركة شوا شل سيكيو ك. ك اليابانية، وعقد اتفاقية لتوريد نحو 300,000 برميل في اليوم من الزيت الخام السعودي لهذه الشركة. ومن المتوقع زيادة حصة أرامكو السعودية في شوا شل لتصل إلى نحو 15 في المئة خلال هذا العام.

وفي عام 2004م، قامت أرامكو السعودية بالتوقيع على اتفاقية مع سوميتومو كيميكال، إحدى شركات التصنيع البتروكيميائي الرئيسة في اليابان، لدراسة إمكانية تحويل مصفاة القطف في رابغ إلى مجمع عالمي للبتروكيميائيات.

وحسبما صرح الخيال، تجري أرامكو السعودية حالياً مفاوضات بشأن مشروع مشترك آخر مع سينوبك لبناء مصفاة جديدة بطاقة 200 ألف برميل في اليوم في قينقداو الواقعة في شرق الصين على البحر الأصفر. كما إن سينوبك قد دخلت في شراكة مع أرامكو السعودية للتنقيب عن الغاز غير المرافق وإنتاجه في منطقة الربع الخالي بالمملكة.

وقد كان لهذه الاتفاقيات أثرها العميق على وضع الشركة في المنطقة، طبقاً للأستاذ أحمد السبيعي مدير عام مكتب شركة البترول السعودي المحدودة في طوكيو. الذي يضيف: نتيجة للشراكات التي عقدناها مع شركتي شوا شل وسوميتومو كيميكال، بالإضافة إلى علاقاتنا المستمرة مع الشركات الرائدة الأخرى في اليابان وغيرها من دول الشرق الأقصى، فقد أوجدنا ثقة غير مسبوقة في هذا السوق. وقد مكننا ذلك من تحقيق معدلات مبيعات غير مسبوقة في هذه المنطقة. وبالإضافة إلى كوننا المورد الرئيس لكل من الصين وكوريا وتايوان، فإننا الآن المورد الرئيس للزيت الخام إلى اليابان أيضاً .

بين شمال آسيا وجنوبها
وعلى الرغم من أن الحديث ينصبُّ حول النمو الاقتصادي في آسيا إلا أن اختلافات كبيرة في معدلات هذا النمو وأنماط الاستهلاك ومراحل التطور في المنطقة تبدو ظاهرة. وهو ما يؤكده الأستاذ عادل الطبيب، المدير التنفيذي لتطوير وتنسيق المشروعات المشتركة، الذي يقول: تنقسم آسيا، في رأيي، إلى منطقتين مختلفتين هما الشمال والجنوب. حيث يبلغ استهلاك الزيت الخام في الشمال 12 مليون برميل في اليوم، بينما يبلغ في الجنوب، شاملاً الهند، حوالي 8 ملايين برميل في اليوم. فقد انصب تركيزنا حتى الآن على منطقة الشمال، حيث لدينا مشروعات مشتركة في كوريا واليابان، ونسعى الآن لعقد مشروعين مشتركين في الصين. وتعد أرامكو السعودية المورد الأول للزيت الخام إلى هذه الأسواق الثلاثة، ولكن إلى جانب كونها المورد المفضل، فإن أرامكو السعودية تعد المستثمر الأفضل أيضاً . ويضيف الطبيب: أما في الجنوب، فإن المشروع المشترك الوحيد حتى الآن هو مع شركة بترون في الفلبين. لكننا مستمرون في مراقبة التطورات في هذه المنطقة من آسيا، بالإضافة إلى الشمال التي تستحوذ على غالبية الاستهلاك في الوقت الحاضر .

وطبقاً للأستاذ علي بخش، نائب الرئيس الإقليمي لشركة البترول السعودي المحدودة في سنغافورة، فإن الإمكانية التنموية في منطقة الجنوب من آسيا هي التي تدعو للاهتمام. ويقول في هذا الصدد: إن عدداً من هذه الدول هو في عداد النمور الآسيوية ، التي يتوقع ازدياد طلبها على الطاقة. فمعظم هذه الدول تكون أساساً ذات طلب منخفض على الطاقة، إلا أنها مع استمرار التنمية الاقتصادية لديها ستمثل أسواقاً تنموية كبيرة بالنسبة لنا .

وبالطبع، تعد الهند إحدى هذه الأسواق النامية، لذلك يقول بخش: نركز على الهند كسوق مليء بالفرص الكبيرة سواء بزيادة نسبة الصادرات إليها أو بإقامة علاقات ومشروعات مشتركة فيها. إنها سوق استراتيجية بالنسبة لنا نظراً لقربها الجغرافي وأوجه التشابه من حيث الثقافة والعلاقات المتميزة جداً بين المملكة والهند، حيث ترى الهند في المملكة مصدراً رئيساً للبترول نظراً للقرب الجغرافي بين الدولتين .

استراتيجية بعيدة المدى
ويؤكد الخيال على أن اهتمام الشركة بتأسيس مشروعات مشتركة في آسيا ينطوي على طبيعة استراتيجية بعيدة المدى. ويقول: إننا نريد أن نجعل هذه الشراكات أحد مرتكزاتنا الاستراتيجية على المدى البعيد، ولذا فقد أسسنا هذه المشروعات المشتركة ونبحث بشكل دائم عن فرص جيدة في الأسواق الواعدة مثل الصين والهند. كما توفر هذه المشروعات المشتركة الطاقة واللقيم اللازمين لصناعة البتروكيميائيات.

والجدير بالذكر أن هذه المشروعات تعود بالعديد من الفوائد على الاقتصاد المحلي في المملكة إلى جانب دعم إيرادات المملكة وتوفير المزيد من أمن الطاقة للمستهلكين الآسيويين. فمن المتوقع، على سبيل المثال، أن يبلغ إنتاج مشروع البتروكيميائيات مع سوميتومو في رابغ 2.2 مليون طن من الأوليفنات إلى جانب إنتاج كميات كبيرة من البنزين والمنتجات المكررة الأخرى، وما ينطوي على ذلك من فرص استثمارية لأطراف أخرى في مشاريع المنافع والبنية الأساسية ذات الصلة.

وتعد سوميتومو مثالاً جيداً لنوعية المستثمر الذي نتطلع إليه ونأمل في مواصلة العمل معه .

ويشير الخيال كذلك إلى أن المشروعات المحلية تولي اهتماماً كبيراً لآسيا، فقد دعيت بعض الشركات الآسيوية للمشاركة في هذه المشروعات. كما أجرت دائرة تطوير الأعمال الجديدة في أرامكو السعودية مفاوضات مشجعة مع المستثمرين الواعدين في الشرق الأقصى لمعرفة قدرتهم على الوفاء بالأهداف التجارية والاستراتيجية لهذه المشروعات، ويوجد من بين هؤلاء المستثمرين من هو قادر على الوفاء بذلك. ويضيف أن جولته قد أكدت من جديد على أن أرامكو السعودية تحظى بتقدير كبير في دوائر الطاقة الآسيوية، حيث لم يسمع أثناء رحلته إلا كل إطراء وثناء على الشركة وموظفيها.

ولربما كان لهذا المديح والإطراء تبعاته في بعض الأحيان، لأنه يدفعنا للبحث عن وسائل متابعة التحسين والارتقاء. وتجيء سمعتنا الطيبة تلك ثمرة لسنوات عديدة من العمل الجاد والإخلاص. فقد دأبنا على التعامل مع بعض هذه الشركات لعقود عديدة وقد توارثت الأجيال العاملة هناك من رؤسائها احترامها وتقديرها لأرامكو السعودية. كما كان لكثير من موظفي الشركة الفضل في اكتساب هذه السمعة الطيبة. ولا تنظر هذه الشركات إلى علاقتها مع أرامكو السعودية على أنها علاقات مفيدة من الناحية التجارية فحسب بل تعتبرها مهمة من الناحية الاستراتيجية كذلك، وهو ما يدعونا إلى الفخر .

وعلى صعيد آخر، فإن قطاع التكرير والتسويق والأعمال الدولية يرعى 25 طالباً من الدارسين في الصين و12 في كوريا وأربعة في اليابان. ويؤكد السبيعي على ترقبه الكبير للأثر الذي سيتركه هؤلاء الطلاب في المستقبل. ويقول في هذا الشأن: إن دور هؤلاء الطلاب في المنطقة أساس لمد الجسور الثقافية والاجتماعية والتقنية بين حضارتنا والحضارة الآسيوية، مما سيمكننا من تأسيس علاقات أكثر قوة ومتانة في المستقبل. وبغض النظر عن مدى ضخامة إمداداتنا، فإن كوننا مورداً رئيساً للطاقة لا يكفي في حد ذاته لتحقيق أهدافنا بعيدة المدى في آسيا، وإنما يأتي ذلك عن طريق الاستثمار الدائم والمستمر في قوتنا العاملة وشراكاتنا في المنطقة .

فمع تزايد الطلب الآسيوي على الطاقة، تزداد أهمية الدور الذي تقوم به أرامكو السعودية كمورد موثوق للطاقة. كما لا تعتمد الشركة في أدائها لهذا الدور على قاعدتها الضخمة من الاحتياطات والبنية الأساسية المتطورة فحسب، بل وعلى التزامها التام والعلاقات الوثيقة المتبادلة التي أرستها أرامكو السعودية في هذه المنطقة.

أضف تعليق

التعليقات