حياتنا اليوم

ألعاب الفيديو والكمبيوتر..
لها مثل ما عليها..!

الإنسان عدوّ ما يجهله. لذلك ترى معظم الأهالي الذين ينتمون إلى جيل أكبر من الجيل الحالي يميلون إلى انتقاد أكثر ما تقدمه التكنولوجيا الحديثة لأولادهم من ألعاب فيديو وألعاب كومبيوتر وحتى برامج تلفزيونية معينة بينما نرى أطفال هذا الجيل منجذبين إليها بشكل قويّ.

مما لا شك فيه أن الانتقادات المبنية على القواعد الأخلاقية التي يحكم من خلالها الأهل على الكثير مما تقدّمه التكنولوجيا الحديثة قد أصبحت معممة أكثر مما يجب. فكل ما علينا فعله هو محاولة اكتشاف تلك الألعاب والبرامج المختلفة لنرى أسباب نجاحها عند أطفالنا وإمكانية إفادتهم منها لكي يكون حكمنا عليها بشكل أصح.

يقول الكاتب الأمريكي ستيفن جونسون صاحب كتاب: “ليس كل ما هو سيّء غير جيد لك: كيف تسهم التكنولوجيا الحديثة في تطوير ذكائنا”. إنّ مجمل ألعاب الفيديو والكومبيوتر ليست للبسطاء، بل إنها تتطلّب مهارات معينة، وفي الوقت نفسه تطور التناسق الحركي البصري الذي يُقرّ به حتّى النقاد.

هنالك الكثير من التفاعل ما بين اللاعب وهذا النوع من الألعاب، إذ تمارس علينا تلك الألعاب مجموعة معينة من التمارين العقلية. هذه التمارين متعلّقة بالتعامل مع عدّة أهداف في الوقت نفسه. ولا يجب خلط ذلك مع محاولة القيام بمهام مختلفة متزامنة كما يحصل في حياتنا اليومية، لأنّ الأمر الأخير يتعلّق بالقدرة على التعامل مع سيل فوضوي من الأمور التي لا علاقة في ما بينها. أما ألعاب الفيديو والكومبيوتر فتتعلّق بترتيب المهمات بشكل تراتبي صحيح، والتنقل بين تلك المهمات بالتسلسل السليم.

إنّ النتيجة التعليمية لاستخدام تلك الألعاب هي تطوير القدرة على اتخاذ القرارات وهو أمر يختلف عن الميل إلى الاسترخاء وتلقي المعلومات وتعلّم الدروس من الكتب أو أجهزة التلفزيون. وهنا يمكننا القول أنه بينما تُعلّم ألعاب الفيديو قدرة حلّ المسائل، تساعد الكتب على توسيع المخيّلة. إلا أنّه يجب التوقّف عند نقطة مهمة هنا، وهي أنني عندما سألت ابني ذي السنوات العشر عمّا يحبّه ويستهويه في ألعاب الكومبيوتر، كان جوابه على الشكل التالي: “هل يمكنكِ اللعب مع شخصيات سوبرمان والرجل الوطواط في الحياة العاديّة؟” قال إنه يستطيع القيام بذلك من خلال الاندماج بتلك الألعاب بالذات. لذا، لا يمكننا التقليل من أهمية مساهمة تلك الألعاب في تحريك مخيّلة أطفالنا وإغنائها. رغم أنّه من الإنصاف القول إن الشخصيات التي تعرضها تلك الألعاب تفتقد إلى البعد السيكولوجي الموجود في شخصيات النصوص الأدبية.

يمكن القول إنّ التكنولوجيا بما فيها ألعاب الفيديو والكومبيوتر وحتى البرامج التلفزيونية، أسهمت في زيادة نسبة الذكاء إذا ما قارنّا هذه النسبة مع ما كانت عليه في العقود الماضية. لقد قام الأمريكي جيمس فلين بتحليل معدّلات الذكاء (I.Q.) على فترة عدّة عقود ليجد أنّ معدّل الذكاء زاد بنسبة 13.8 نقطة عبر 46 سنة. أي أن شخصاً كان ضمن العشرة الأوائل في المئة بالولايات المتحدة في عام 1920م أصبح في الثلث الأخير لمعدّلات الذكاء في يومنا هذا. ويعتقد فلين أنّ السبب في ذلك هو التعقيد، والتحدّيات التي تفرضها الثقافة الحديثة على عقولنا. إنّ التقنيات الجديدة تقدّم طريقة جديدة للقيام بالأمور، وتدقّ أبواب مهارات جديدة لم يسبق لنا استخدامها من قبل. لذلك لا يجب علينا الخوف من الطرق الجديدة للقيام بأي نشاط. وبينما يُجْبَر الأولاد على التفكير مثل الراشدين، يجب على الرّاشدين التعلّم من الأولاد وحلّ رموز كلّ موجة تكنولوجية جديدة واكتشاف المكافآت الفكرية التي تقدّمها لنا تلك الألعاب.

وهنا لا بد من لفت النظر إلى أنّ الموقف السليم من هذه الألعاب يكمن في الموازنة بين الوقت الذي يمضيه الأطفال بين اللعب بها وبين القراءة وممارسة الرياضة. إذ أنّ لكلّ من تلك النشاطات فوائدها المختلفة التي تكمل الأخرى. فمن غير المقبول، على سبيل المثال، أن يمضي الطفل ساعات على لعبة كومبيوتر يمارس من خلالها كرة القدم نظرياً تبعده عن الممارسة الحقيقية لتلك اللعبة.

أضف تعليق

التعليقات