الوعي بالتعامل الإنساني في كافة ضروب الحياة وإدراك سلبيات التسلط والعنجهية والتعالي، غدا مفهوماً متنامياً في صفوف الشباب السعودي. الأمر الذي دفع ثلاثة منهم، هم: كامل زين، ياسين كامل ومؤيد النفيعي، لكتابة قصة وسيناريو الفِلم السعودي القصير «حسن وحسنين» الذي قام ببطولته الممثل الموهوب «مؤيد النفيعي» وأخرجه المخرج الواعد «كامل زين» بكثير من الاحترافية، وكأنه متمرس في الإخراج الدرامي على الرغم من أن تجربته ما زالت في بداياتها.. فقدَّم في 18 دقيقة فِلماً قصيراً، وجعله صفعة نقدية للسلوك السلبي، ولكنها صفعة فنية عبر السخرية اللاذعة والفنتازيا الباعثة على التأمل والكوميديا السوداء المرحة.
خفّة ومشاهد طريفة
في الدقائق الخمس الأولى من الفلم نتعرف إلى «حسن» الذي يُجسِّد شخصية شاب سعودي يعمل مديراً في شركة والده الثري. ولكنَّ حسن يدير الشركة بفوقية وفظاظة شديدة، ولا يحترم مواعيد عمله ولا يكترث للاجتماعات المهمة في الشركة. كما أنه لا يبدي أدنى احترام للموظفين وزملائه العاملين تحت إدارته في الشركة…
تدور المشاهد الأولى في الفلم بخفة وبقدرة عالية في التمثيل والأداء الطبيعي للممثلين: براء حسن، صالح الخلافي، عبدالخالق عاطف، آلاء تمّار وهبة شرقاوي، لينقلوا للمشاهد في إيقاع لا تشوبه الرتابة أو الملل، عالم الشركة التي يدير أحد أقسامها حسن.. تستمر الأحداث، ويحدث أن يراجع أحد الموظفين من الجنسية المصرية واسمه «محمود» مديره حسن، حيث مرض والده وجاء يطلب إجازة اضطرارية لمدة خمسة أيام لكي يسافر ويطمئن على والده. ولكن «حسن» يرفض منح «محمود» الإجازة ويعنفه بكل قسوة. وهنا نشاهد الموظف المصري وقد رفع يديه ليدعو على حسن.
وتبدأ الفنتازيا ..
يذهب حسن إلى منزله وينام نوماً قلقاً. وعندما استيقظ، وجد أن شكله تغير وأصبح بدون شارب أو لحية. وحينما أراد التفوه بالكلام، وجد أنه ينطق الكلام باللهجة المصرية (أجاد ممثل «الاستاند كوميدي» مؤيد النفيعي اللهجة والأداء)، وينسى أنه على موعد مع زوجته التي ذهبت للتسوق وكان وعدها بأنه سيأتي لإحضارها بعدما تفرغ من التسوق.
صعقه هذا التغيير الذي اعتراه فجأة. لقد وجد نفسه يرتدي بنطالاً وقميصاً ويذهب إلى العمل، ويبدأ في البحث عن الموظف المصري «محمود»، فقد أدرك أن دعاءه هو الذي أدى به إلى هذا الحال.
تحوَّل حسن إلى شخص مصري اسمه «حسنين».. وهنا تتجلى المفارقة والكوميديا الباعثة على الضحك.. ويواجه حسن/حسنين والده صاحب الشركة، فينهره ويطرده من العمل لأن الجميع بدأ يشكو منه ومن تصرفاته وعنجهيته… يهيم حسنين على نفسه وينخرط في عالم الموظفين المصريين الذين يلتقون في مقهى، فيسخرون منه لأنه يدعي أنه سعودي بينما شكله وحديثه يشير إلى أنه مصري.. بعد حوار طريف مع الزبائن المصريين في المقهى يقول له النادل، بعدما استمع إلى حكايته: «بص يا باشا، كلنا أولاد تسعة، يعني قيمة الإنسان في أخلاقه مش في جنسيته».
يغادر حسنين المقهى وعند قيادته لسيارته يشتبك مع شرطي شك في أنه ينتحل شخصية كفيله السعودي، ولا يحمل تصريحاً بالإقامة ويقود السيارة الخاصة بالسعودي حسن.. يتم توقيف حسن/حسنين، وفي السجن يلتقي برجل اسمه «خلاص» يقوم بازدرائه وتوبيخه فيصرخ حسنين: خلاص.. خلاص ..خلاص.
رسالة واصلة ..بغير مباشرة فجة
في الدقيقتين الأخيرتين من الفلم نشاهد حسنين وقد عاد إلى منزله ولكنه لم يكف عن تعاليه وغلظته مع حارس المنزل الهندي الذي وقف مكسوراً مطأطئ الرأس.. يدخل حسنين إلى بيته ويحاول النوم بمزيد من الأرق.. وعندما يستيقظ يجد نفسه مرتدياً ملابس هندية ويتكلم بلغة الأوردو الخاصة بالهنود.
مثل هذه القضايا الإنسانية التي كانت مغيبة عن المناقشة والانتقاد، بدأت تطرح مع فئات كثيرة من الشباب في شتى حقول وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. وأخذت تتفاعل في النشاطات الكتابية على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن يبقى دائماً أثر الدراما عبر الأفلام السينمائية سواء القصيرة أو الطويلة فعالاً ونافذاً. فتصل رسالتها إلى متلقيها بحميمية أعمق، مغلفة بروح الفن الذي لا يقدم الوعظ والوصاية والخطابة، بل اللفتة النابهة والهمسة المؤثرة.. وهذا ما تنبه له فريق العمل في فلم «حسن وحسنين». وهو في كل حال اتجاه محمود يراقبه الجمهور بعين التقدير لهؤلاء الشباب الذين قدموه. ولا غرابة إذ ارتفع عدد مشاهدي الفلم إلى ما يزيد على 800 ألف مشاهد من خلال قناة اليوتيوب التي عرضته في الأسبوع الأول من يونيو 2014م. وحملته مواقع أخرى ليتجاوز الرقم المليون مشاهد.