أسهم التقدم العلمي والتقني في فتح المجال واسعاً أمام العلماء ليكتشفوا فوائد جمة للكائنات البحرية في مجال الطب، فاستخلصوا منها مستحضرات علاجية بلغ عددها 14 ألف دواء حتى عام 2007م، وهذا ما استنفر شركات الدواء للإفادة من هذه المركبات وتوزيعها على مستوى تجاري. محمد بن صالح سنبل يلقي الضوء على ما خلصت إليه تلك التجارب، مستعرضاً منافع بعض الكائنات البحرية في المجال الطبي.
ركّزت البشرية منذ القدم، جُلَّ اهتمامها على استخراج الأحياء البحرية لاستخدامها في الغذاء والكساء والمأوى، وبالتالي تعددت فوائدها باختلاف أنواعها وأجناسها.
ومع التقدم العلمي والتقني الذي شهده العالم، تكشّف للعلماء ما تزخر به البحار والمحيطات من كنوز لا تحصى يمكن أن تخدم الإنسان حتى في علاج الأمراض المستعصية وتحسين الوضع الصحي لسكان العالم، إذ برزت الفوائد الطبية للأحياء البحرية من حيوانات ونباتات بما تزخر به من مستخلصات ومركبات كيميائية، توصل إليها العلماء بعد بحث طويل.
وهذه الاكتشافات استنفرت شركات طبية وكل ذي شأن، للإفادة منها واستخلاصها وتوزيعها على مستوى تجاري. كما أجري مزيد من الأبحاث والدراسات لكشف فوائد إضافية، على الرغم من أن العلماء حصروا عدد المركَّبات الكيميائية ذات الاستخدامات الطبية الدوائية المفيدة للبشرية المكتشفة من الأحياء البحرية النباتية والحيوانية، بنحو 14 ألف مركَّب دوائي حتى عام 2007م. والمدهش أن 961 مركَّباً منها اكتشف في عام واحد هو 2007م. إلا أن الاكتشافات الحديثة لا تعني أن الأولين كانوا غافلين عن منافع الكائنات البحرية ولم يستخدموها في العلاج والطب. فالأقدمون عرفوا فوائد اللافقاريات البحرية وهي ذات أهمية طبية، واستخدموها في الطب منذ نحو 4 آلاف سنة، خصوصاً الحلزونات وقناديل البحر والأخطبوط والمرجان ونجم البحر وغيرها.
حلزونات أصداف
لحلزونات الأصداف (Alabones) أشكال مختلفة وهي تنتمي إلى عائلة (Haliotidae). أما أصدافها فذات أهمية طبية واسعة لاحتوائها على الكالسيوم، وهي تستخدم في علاج نقص الكالسيوم وأمراض العين بعد أن يتم طحنها على هيئة مسحوق، وتباع إلى جانب الأعشاب الطبية في هونغ كونغ وكثير من دول جنوب شرقي آسيا. وفي كاليفورنيا عكف علماء على دراسة بعض الحلزونات (Sea Slug) فوجدوا أن لها فوائد في تحليل آلية نقل الإشارات العصبية في الحيوان والإنسان وإصلاح قواعد المادة الوراثية (RNA) للمصابين بالأمراض الوراثية.
المحار
يستخدم المحار (Oyster) لعلاج حموضة المعدة والحساسية والجروح، وذلك بعد طحن الصدفة وتحويلها إلى مسحوق يتم تناوله أو يوضع على العضو المصاب, وهو يستخدم في دول جنوب شرقي آسيا مثل فيتنام. وهناك أيضاً مسحوق اللؤلؤ الذي يستخدم في الطب الشعبي، فيما يستخدم في اليابان لعلاج أمراض العين.
المرجان الناعم
اكتشف العلماء أن بعض أنواع المرجان الناعم (Soft Corals)، مثل مرجان (gorgonian) قادر على إنتاج مركبات كيميائية ذات خواص مضادة للالتهابات المختلفة التي تصيب جسم الإنسان, وأجروا بحوثاً ودراسات كثيرة على هذه المركبات فأثبتت فعاليتها.
المرجانيات ذات اللوامس (Bryozoan)
استخلص من هذا الحيوان المرجاني الذي له لوامس (tentacles)، مادة فعالة ضد السرطان، ولا تزال الأبحاث عليها جارية. كما أن الشعاب المرجانية وقواقع الرخويات بشكل عام، استخدمت بكثرة في العمليات الجراحية التجميلية وزراعة الأعضاء، وأثبتت نجاحاً كبيراً.
سرطان حدوة الحصان
تستخلص من سرطان حدوة الحصان (Horseshoe crab) وهو حيوان لافقاري، مادة كيميائية تحارب التلوث البكتيري، كما استفاد منه الأطباء في دراسة العصب البصري (optic nerve) للإنسان.
نجم البحر
لنجم البحر (Sea star) الحيوان الجميل، فوائد طبية يستفاد منها في علاج متلازمة الإدمان على الكحول (Alcholoism) ومرض الربو، كما يستفاد من قطع نجم البحر في عمليات زراعة الأعضاء والمفاصل.
القشريات
استفاد العلماء من القشريات (Crustacean) في تحضير عقاقير مفيدة للتحكم في نسبة كولسترول الدم، إذ استخلصت من الطبقة الخارجية للقشريات مركبات شيتين (Chitin) وشيتوسان (Chitosan) وهي مواد سكرية متعددة (Polysaccharides)، كما استفاد العلماء من إحدى القشريات (Daphina) في دراسة التداخل المرضي للطفيليات في جسم الإنسان، إضافة إلى اكتشاف قدرات علاجية في إصلاح قواعد المادة الوراثية في الحيوانات والإنسان.
الأخطبوط
استفاد العلماء من الأخطبوط (Octopus) والحبار في دراسات وأبحاث بيولوجيا الأعصاب نظراً إلى كبر حجم الخلايا العصبية لديها. فالعلماء تمكنوا من تربية أحد أنواع الأخطبوط «يوكاتان» (Ocatan Octopus)، وأفادهم في دراسات وأبحاث الفسيولوجيا المقارنة وبيولوجيا الأعصاب وحاسة الإبصار، إضافة إلى دراسة فسيولوجيا النقل العصبي الكهربي (neural electrophysiology) وفسيولوجيا كيمياء الأعصاب (neurochemistry) وإفرازات الخلايا العصبية (neurosecretion).
قنديل البحر
استفاد علماء الوراثة من حيوان قنديل البحر (Jellyfish) في دراسة تعبير المورثات (Gene expression) لدى الحيوانات الثديية. واستخلص العلماء من قنديل البحر مادة كيميائية تساعد في تعقب مسببات السرطان عند الإنسان.
الأسفنج
يعدّ الأسفنج (Sponge) من أشهر الحيوانات اللافقارية الواسعة الانتشار في البحار والمحيطات، واكتشف العلماء مركبات كيميائية دوائية مستخلصة وفعالة هي مركبات الإندول (Bis indole) ومركب (tris indole)، ولهذه المركبات خواص بيولوجية فعالة ضد الميكروبات (البكتيرية، والفيروسية، والفطرية) ولها خواص مكافحة للسرطان والالتهابات.
تمت الاستعانة بمادة سبونجيكان (Spongecan) لدراسة تفاعلات المركبات المضادة للالتهاب وتثبيط تكاثر فيروس الإيدز (HIV) ومرض الزهايمر، وبالتالي ستصنع أدوية وعقاقير جديدة هدفها تقليص نسبة الإصابة بعديد من الأمراض الخطرة. كما اكتشف العلماء في الإسفنج مادة فعالة هي بروتين السبونجين (Spongen) المكون لهيكل الأسفنج وهو ذو أهمية طبية كبيرة في علاج أمراض العظام والمفاصل والأسنان.
حصان البحر
يُعد حصان البحر (Sea horse) من الأسماك، واستفاد منه العلماء كثيراً. فإلى جانب استخدامه في الغذاء، استفاد منه الأطباء في بعض الدول، في علاج الصرع وكسور العظام وأمراض القلب وحالات إدمان الكحول وأمراض الغدة الدرقية. واستخدم الطب الشعبي الصيني أحد أنواع أحصنة البحر المسمى (Syngnthus acus) في علاج السرطان والإرهاق وتحسين مناعة الجسم، نظراً لما يحتويه من أحماض دهنية غير مشبعة وبروتينات عالية.
الأنقليس الكهربائي
يتميز الأنقليس الكهربائي (Electric eel) بأنه يشبه ثعبان البحر في شكله المتطاول، إلا أنه من الأسماك، ويستفاد من بعض أنسجة جسمه بعد تجفيفها وطحنها في علاج الصداع المزمن والجروح وإزالة بقع الجلد وبثوره.
الأعشاب البحرية البنية
سميت هذه الأعشاب بالبنية (Brown Seaweeds) نظراً لاحتوائها على صبغة الفوكوزانثين التي تمنحها لوناً بنياً, وهي تحتوي على عنصر فعال اسمه فوكويدان (Fucoidan) وله خواص فعالة ضد الالتهابات والجروح وتمزق العضلات. وتستخلص هذه المادة بغلي الأعشاب على نار هادئة لمدة تتفاوت بين 20 و40 دقيقة. وينصح بعض الجرَّاحين مرضاهم بتناول ما بين جرامين و3 جرامات من هذه الأعشاب يومياً قبل أسبوع أو أسبوعين من إجراء العملية الجراحية لأنها تساعد على خفض كمية الدم المفقودة، إضافة إلى تحسين صحة المريض بشكل عام.
الأعشاب البحرية الحمراء
تتميَّز الأعشاب البحرية الحمراء (Red Seaweeds) بصبغة الفيكوسيانين التي تمنحها لوناً أحمر، وهي تشتهر بأهميتها الطبية لاحتوائها على مادة كاراجينان (Carrageenan) التي يمكن الحصول عليها عند غلي هذه الأعشاب لمدة ساعة أو أكثر. وغدت هذه الأعشاب تستخدم في عشرات آلاف التطبيقات الصناعية والغذائية والصحية والتجميلية. واكتشف العلماء أن هذه الأعشاب تعالج تقرحات الفم (mouth sore)، كما أن بعض الشعوب يتناولونها في طعامهم كحساء أو تضاف إلى الحبوب والأغذية البحرية.
الزواحف البحرية
يستفاد من الزواحف البحرية (Marine Reptile) في تطبيقات طبية على الإنسان والحيوان، فزيت السلاحف (Turtle Oil) يُحسِّن صحة الرئتين والدورة الدموية لدى الحيوانات الثدية, إلا أنه لم يتم اختبارها على الإنسان.
واكتشف العلماء أن دم التماسيح له قدرة على تدمير فيروس مرض نقص المناعة المكتسب (الأيدز) نظراً لقوة جهازه المناعي، كما أن زيت التمساح الذي يحتوي على أوميغا – 3 و6 و9, وأحماض دهنية، في بلدان وحضارات عدة منذ سنوات، خصوصاً وأن فوائده لجلد الإنسان واضحة حيث يعالج الحروق والالتهابات والجروح والحروق الناتجة عن ضربات الشمس والأكزيما.
ويتميز عالم الأحياء البحرية بأنه يزخر بكثير من الكنوز المتحركة تحت أعماق البحار والتي أفادت البشرية في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والغذائية والطبية، ولم يعد اصطياد هذه الحيوانات لطعمها اللذيذ أو لشكلها الفريد فحسب، إنما ليُستخرج منها علاج شافٍ ودواء ناجع لم يخطر على بال أحد من قبل.