قصة مبتكر
قصة ابتكار
ستانفورد أوفشينسكي
إشارة المرور
كلمة «أوفيونكس» (ovonics)، هي أحدى الكلمات الجديدة التي أضيفت إلى قاموس اللغة الإنجليزية وهي معروفة لكل من هو متخصص في التقنيات الحديثة والأجهزة المتطورة. وهذه الكلمة هي مزيج بين اسم أوفشينسكي وإلكترونيكس. هكذا فضّل المبتكر الكبير ستانفورد أوفشينسكي أن يخلِّد اسمه عندما قدَّم إسهاماته الضخمة لعالم التقنيات العالية بابتكاره لأجهزة التلفاز ذات الشاشة المسطحة (فلات سكرين) وأجهزة الكمبيوتر المحمول (اللابتوب)، إضافة إلى تطويره لما كان يسميه بمصادر الطاقة التي لا تنضب وغير الملوثة. وكان هدفه من وراء ذلك أن يقلل اعتماد العالم على الوقود الأحفوري باستعمال الطاقة الشمسية والهيدروجين. وفي عام 1999م، أدرجت مجلة التايم العريقة أوفشينسكي كواحد من أهم «أبطال كوكب الأرض». توفي أوفشينسكي في أكتوبر عام 2012م عن عمر يناهز 89 عاماً. وكان قد بدأ مشواره التقني كميكانيكي واشتهر عندما أصبح أول من فكر بتصميم الصفائح الشمسية وخلايا الوقود الهيدروجيني، وأشباه الموصلات، والأقراص المضغوطة التي يمكن الكتابة عليها قبل فترة طويلة جداً من دخولها إلى السوق. كان عبقرياً من الناحية العلمية فله أكثر من 200 براءة اختراع، ولكنه فاشل تجارياً، فقد مُنيت شركته المتخصصة بأجهزة الطاقة بخسائر مادية فادحة، لأنه أخفق في ترجمة أفكاره العبقرية ونقلها من مرحلة الاختبار إلى السوق. ولد عام 1922م في ولاية أوهايو الأمريكية وحصل على أول شهادة اختراع وهو لا يزال في الـ 24 من عمره عن ابتكاره لمخرطة آلية. ومن ثم انتقل إلى ديترويت عام 1952م ليعمل مديراً بحثياً لشركة سيارات قبل أن يؤسس شركته الخاصة مع زوجته آيريس ديبنير، وهي متخصصة في الكيمياء الحياتية. في الخمسينيات من القرن الماضي، استطاع أوفشينسكي أن يقدِّم خلايا وقود تعتمد على الهيدروجين كبديل لماكنة الاحتراق الداخلي، وصمم أول بطارية هيدريد من النيكل وهي تستعمل اليوم في السيارات التي تعمل بالهيدريد (وهو مركب مكوَّن من الهيدروجين وعنصر آخر). كما طوّر عمليات معقدة جداً أسهمت في إنتاج أقراص الكمبيوتر التي تسمح بالكتابة وأقراص الفيديو الرقمية أو (DVD). الغريب في الأمر أن أوفشينسكي لم يلتحق بأية جامعة أو مؤسسة أكاديمية في حياته قط لذلك لم يأخذه العالم على محمل الجد في البداية، حتى أن معظم ابتكاراته لاقت استحساناً كبيراً في اليابان قبل بلده، الولايات المتحدة الأمريكية. كان أوفشينسكي يرى أن شركات الطاقة والسيارات الأمريكية قد وجدته تهديداً كبيراً لتقنياتها آنذاك، وقال ذات مرة: «من الطبيعي ألاَّ تشعر الشركات النفطية بالغبطة مما أفعله، وشركات السيارات تريد أن تؤجل اليوم الذي سيحصل فيه التغيير الكبير لأطول فترة ممكنة، ولكنني لا أدعي العلم والمعرفة بل أرى نفسي أحد الأوصياء على حركة التغيير وهذا التغيير عملية في منتهى الصعوبة!».
هل تعلم أن إشارة المرور ظهرت قبل اختراع السيارات والكهرباء؟ ظهرت أول نسخة بدائية من إشارات المرور في العالم في عام 1868م، عندما رُكِّبت أمام مبنى البرلمان البريطاني وصممها المهندس جون بيك نايت لتنظيم حركة العربات التي تجرها الخيول. وكانت الإشارة عبارة عن مصباح دوّار يعمل بالغاز ومزود بمصباح أحمر (للوقوف) وأخضر (للانتباه). وكانت الإشارة مزوَّدة بعتلة تتحرك إلى الأعلى والأسفل وكان يجب على الشرطي الوقوف دائماً إلى جانبها لتشغيلها. وفي يناير من عام 1889م، انفجر المصباح الغازي وأصابت الشرطي الذي كان يُشغِّلها وتوقف استعمالها على الفور ولمدة 40 عاماً. أما سبب اختيار الأحمر والأخضر فهو سبب نفسي تماماً، فالأحمر دلالة على الخطر أو الحذر، والأخضر في معظم الثقافات يدل على النمو والانسجام والخصوبة والطبيعة، كما له دلالة عاطفية تتعلق بالسلامة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً عام 1912م ابتكر الشرطي ليستر واير من ديترويت إشارة المرور باللونين الأحمر والأخضر فقط، وفي عام 1920م، قرر شرطي آخر وهو وليم بوت من ولاية مشيجان الأمريكية إيجاد حل لمشكلة تزايد أعداد السيارات في الشوارع، وكانت إشارات القطارات هي مصدر إلهامه الذي أوصله إلى ابتكار إشارة المرور التي نراها اليوم. واستخدم بوت مصابيح حمراء وخضراء وصفراء وسلكاً كهربائياً بسيطاً وبخس الثمن لصناعة أول إشارة مرور في العالم تتحكم بأربع اتجاهات. ورُكِّبت عام 1920م على زاوية تقاطع الشارعين وودورد ومشيجان في مدينة ديترويت. وخلال عام واحد كانت ديترويت قد نصّبت 15 إشارة مرور آلية جديدة. وخلال الفترة الزمنية نفسها، أدرك المبتكر جاريت مورجان من كليفلاند في ولاية أوهايو، الحاجة الماسة إلى التحكم بتدفق المرور وخاصة عندما كثرت الحوادث التي تصطدم فيها السيارات والعربات التي تجرها الخيول التي كانت تجول في شوارع تلك الحقبة الزمنية، إذ كان المشاة والمركبات والحيوانات يتشاطرون الشوارع الضيقة للمدينة. وكان جاريت أول مبتكر موهوب أسود يمتلك سيارة في أوهايو آنذاك، فقاده إلهامه وإبداعه إلى ابتكار إشارة مرور آلية تعمل بالكهرباء وكانت تشبه إلى حد بعيد إشارة مرور القاطرات الحديثة. فبادرت شركة جنرال إلكتريك إلى شراء ابتكار مورجان ووفرت الحماية اللازمة لفرض احتكار على صناعة إشارات المرور المنخفضة التكلفة. كما نجح جاريت في الحصول على رخصة اختراعه في كندا وبريطانيا عام 1923م. وقال جاريت عن ابتكاره لإشارة المرور: «هذا الابتكار يتضمن تركيب إشارات مرورية تتحكم بتقاطعات الطرق الرئيسة والشوارع، وهي تعمل يدوياً من أجل تنظيم التدفقات المرورية. وابتكاري هذا يكمّل الإشارة الضوئية ذات التكلفة التصنيعية المنخفضة». كانت الإشارة عبارة عن عمود بشكل حرف T مزوَّد بثلاثة مصابيح للوقوف التام والسير والانتباه والتي كانت تستخدم لإيقاف المرور في كل الاتجاهات من أجل عبور المشاة بسلامة. بيد أن هذه الإشارة البسيطة خضعت لمدة قرن تقريباً العديد من التغييرات فأصبحت تعمل اليوم بأجهزة تحسس الحركة، وبتقنيات حديثة جداً كالمصابيح الدايود وأجهزة التوقيت الأوتوماتيكية.