الثقافة والأدب

الرواية
والعمل الدرامي المأخوذ عنها..

  • yakobian
  • 86
  • da vinci code film
  • The director
  • eat-pray-love-poster-artwork-julia-roberts-james-franco-richard-jenkins

مؤلف النَّص: أب شرعي يتبرأ ومُخرج العرض: يتبنى!

عندما يكون للمنتج الإبداعي قالبان أحدهما مقروء وهو الأصل عادة، والآخر عمل سينمائي أو تلفزيوني مقتبس.. يتمسك بعضنا بمواصفات العمل الروائي الفنية المفتوحة ومؤثراته البلاغية المتوهجة، في حين يميل آخرون إلى مشاهدة العمل مصوَّراً بتقنيات بصرية سمعية فائقة لا تلتزم بالضرورة بمضامين السياق الروائي مراعاة لحبكة درامية أو لرؤية إخراجية. تعقد الكاتبة هيا صالح هنا المقارنات بين أعمال روائية خالدة كسبت تحيُّز قرّائها، وبين أعمال تلفزيونية أو سينمائية منبثقة عنها استطاعت جذب جماهير عريضة..

القارئ يبتكر فِلمه الخاص
منذ بداياتها، شهدت صناعة الدراما؛ في السينما والتلفزيون والإذاعة، ولا تزال، أعمالاً عديدة تستند إلى نصوص روائية عربية وعالمية..

وبموازاة ذلك استمر الجدل بخصوص العلاقة بين الطرفين: الدراما، والرواية، بخاصة حين ينبري صاحبُ رواية ما، لإعلان براءته من العمل المأخوذ عن روايته، متهماً المخرج أو كاتب السيناريو بـ «التلاعُب» في نصه، إضافةً أو حذفاً أو تغييراً مؤثّراً في مضمون النص أو فكرته أو ثيمته، بينما يدافع المخرج أو كاتب السيناريو، عن عمله انطلاقاً من أن النص في عملية تحويله إلى دراما، يتطلب معالجةً تجعله مختلفاً عن هيئته الورقية، فللمشهد البصري عناصره، وللموسيقى احتياجاتها وللصورة المرئية اشتراطاتها، وكذلك لرؤية فريق العمل ومدى استيعابه لمضمون الرواية..

لكل ذلك، تنطوي عملية تحويل الرواية إلى عمل درامي مُصَوّر، على أكثر من مجازفة، ففي الوقت الذي تترك فيه الروايةُ للمرء حرية تخيل الشخصيات مستهدياً بصفات يقدِّمها الكاتب، يمارس العملُ الدرامي، بشكل أو بآخر، سيطرة على هذا الخيال وفق الرؤية البصرية للمخرج، ولعل هذا ما دفع ناقداً مثل السعودي حامد بن عقيل، لأن يقول إن التلفزيون «صانع بَلادة من نوع خاص لمدمني التلقي عن طريقه»، لأنه ينوب عنهم في رسم كل شيء، ولهذا لا يمكن أن يزيد من مساحة قدرات المشاهد على التخيل أو التفاعل الإيجابي مع ما يبثه.

في سياق متصل، كان الروائي باولو كويلو قد قال في إحدى مقالاته: «كل قارئ يبتكر فِلمه الخاص في ذهنه، يجسّد شخصياته، يبنيه مشهداً مشهداً، يسمع الأصوات، يستنشق العطور، لذلك كلما ذهبت إلى السينما لمشاهدة فِلم مقتبس عن رواية تروق لي، انصرفتُ خائبَ الأمل». وهو بذلك يشير إلى ما يمكن أن يعتري النص الروائي من «خلل» عندما يتحول إلى عمل درامي، بخاصة إذا كان المشاهد المتشبع مسبقاً بروح الرواية أو أجوائها، ذاهباً لرؤية عملٍ درامي بعين الباحث عن مَشاهد عاشت في ذهنه أثناء القراءة، ليفاجأ إما بحذفها، أو جريانها بصورة تفارق تلك التي رسمها في خياله وعايشها أثناء فعل القراءة، وهنا ربما يحدث ما يشبه «الصدمة» والإحساس بـ«خيبة الأمل».

ومردّ ذلك أن هذا التلقي الورقي، على خلاف العمل الدرامي، يُبقي الباب مشرعاً على التأويل والتفكّر. وهذا ما يؤكده استطلاع لآراء مشاهدي فِلم «طعام، صلاة، حب» المأخوذ عن رواية الأمريكية إليزابيث جيلبرت التي تحمل العنوان نفسه، إذ لفت معظمهم إلى «البرود» الذي انتاب الفِلم، والأداء المُصْمَت للنجمة الهوليوودية جوليا روبرتس الذي لم يتشبَّع بروح النص الروائي وحرارة الحياة الجارية فيه.

عزوف وخلل
كثيرةٌ هي الأمثلة على الأعمال الدرامية التي قدمت الرواية الورقية مفرَغةً من حسها الوجداني، ومن محمولها الفكري؛ ففي حين تتشعب الرواية لتقدِّم رؤى عدّة، فإن العمل الدرامي يبدأ بتركيز السيناريست على أبرز الأحداث في الرواية، بالاعتماد على رأيه الخاص ورؤيته الشخصية، وقد يضيف مشاهد من لدنه ويحذف أخرى من المتن الروائي، ليأتي بعد ذلك دور المخرج الذي يفرض رؤيته الخاصة على مجريات الأحداث، لتحقيق الاستجابة مع «ما يطلبه الجمهور».

هذا ما يفسِّر عزوف عدد من الروائيين عن قبول تحويل كتاباتهم إلى أعمال درامية، ومثال ذلك الروائي عبده خال الذي صرَّح غير مرة عن موقفه من عروض شركات الإنتاج التي ترى في أعماله الروائية مادة درامية خصبة. ويرى خال أن القارئ الجيد لا يفضِّل مشاهدة العمل الجيد وقد تحوَّل إلى الدراما، لأنه يدرك أن الدهشة والمتعة داخل العمل يتم تحجيمهما إذا تحولت إلى دراما، وأنه لو تم التطرق إلى الكثير من الروايات التي تحولت إلى دراما، فإن الحكم الجمالي سيكون لصالح الرواية.

وما ذهب إليه خال، تدلّل عليه سلسلة الأفلام التي لم ترتقِ لمستوى الروايات التي نسجت خيوطها منها، مثل فِلم «شيفرة دافنشي» المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه، حيث حققت الرواية التي كتبها دان براون مبيعات عالية، وطُبع منها أكثر من 50 طبعة، وتُرجمت إلى زهاء 40 لغة، إلا أن الفِلم المأخوذ عنها (من إخراج رون هاويرد) كان محبِطاً لمشاهديه بسبب حذف بعض المشاهد، وسوء أداء الممثلين، وضعف الرؤية الإخراجية، حسبما اتفق عليه نقاد سينمائيون.

هذا ما حدث أيضاً لـ«عمارة يعقوبيان». فالرواية التي كتبها علاء الأسواني، حققت نجاحاً كبيراً فور صدورها، لكن الفِلم الذي استند إليها من إخراج مروان حامد، والذي شارك في بطولته أبرز الفنانين المصريين، شكّل إحباطاً للجمهور، بخاصة أولئك الذين عايشوا أجواء النص الورقي، حيث جرى اختزال كثير من المشاهد وتفاصيل حياة الشخصيات التي تعكس تنوعها وثراءها، فبدا الفِلم باهتَ المعالم مشتتَ الرؤية. وهو ما تكرر أيضاً في المسلسل الذي حمل الاسم نفسه، من إخراج أحمد صقر.

وعندما حُولت رائعة ميلان كونديرا «خفّة الكائن التي لا تُحتمل» إلى فِلم سينمائي، خبا ذلك التوهج الذي توافرت عليه الرواية، بعد أن عمد المخرج فيليب كاوفمان إلى تقديم الشخصيات بطريقة مشتتة وفجائية لا تربط النتيجة بالسبب، ولا تمنح الشخصية فرصة النمو بأفكارها وهواجسها وعلاقاتها بشكل طبيعي. وهو ما دفع كونديرا إلى التصريح القاطع بأنه لن يوافق مطلقاً على تحويل أيٍّ من رواياته الأخرى إلى عمل درامي.

الصورة تنتصر أحياناً
من جهة أخرى، هناك روايات شكّلت الأعمالُ الدرامية المأخوذة عنها، إضافةً إليها، وحققت شهرةً أكثر من تلك التي حظيت بها هذه الروايات. مثال ذلك رواية «أبو شلاخ البرمائي» للكاتب السعودي غازي القصيبي التي لم تنل حظها من الشهرة إلاّ بعد تحويلها إلى عمل تلفزيوني.

ويُذكر في هذا السياق أن جمهور السينما عندما شاهد أفلاماً مأخوذة عن روايات مثل: «غادة الكاميليا»، «هاملت»، «دكتور زيفاجو»، و«الحرب والسلام»، بدأوا البحث عن الأصول الروائية لها، ما زاد مبيعاتها أضعافاً، وقد حققت سلسلة روايات «هاري بوتر» أرقامَ مبيعاتٍ خيالية بعد تحويلها إلى سلسلة أفلام سينمائية.

وفي الوقت الذي يُرجع فيه بعضهم النجاحَ «المبهر» لأعمال درامية مأخوذة عن نصوص روائية، إلى طبيعة النص السردي وواقعيته ومعالجته ظواهرَ فكرية وإنسانية واجتماعية تستحق التوقف، يؤكد آخرون أن النجاح يستند أساساً -إلى جانب جمال النص الورقي- إلى نباهة كاتب السيناريو، وذكاء المخرج، إضافة إلى قدرة الممثلين على تقمص أدوارهم وأدائها بحرفية وصدقية عالية.

يشار هنا إلى ما قام به داود عبد السيد كاتب ومخرج «الكيت كات»، الفِلم الذي يعدّ من روائع السينما المصرية، والمستوحى من رواية «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان، حيث ركز داود على الشخصيات لا على الأحداث، لأن السرد الروائي لم يكن غزيراً، فنسج من وحي شخصية بطل أصلان أحداثاً من إبداعه الخاص، بما يؤكد دور السيناريست في هضم الرواية وإعادة إنتاجها، وقد كان الممثل المصري محمود عبدالعزيز الذي أدّى دور الشيخ الأعمى، قال في حوارات أجريت معه بعد النجاح الكبير الذي حققه الفِلم، إنه عاش شهوراً مع أشخاص فقدوا البصر، وكان يسجِّل حركاتهم ويقلِّد أصواتهم ليتمكن من أداء الدور المسنَد إليه.

في عمل داود عبدالسيد سابق الذكر، ما يرد على الآراء التي أدلى بها نقاد حول مسلسل «ذاكرة الجسد» المأخوذ عن رواية أحلام مستغانمي التي تحمل الاسم نفسه، رابطين بين فشل المسلسل وطبيعة الرواية المبنية على الخواطر والأحلام والمونولوجات الداخلية، والتي لا تصلح باعتقادهم كأرضية صلبة يمكن لكاتب السيناريو والمخرج الارتكان إليها، فيما أكد نقَّاد ومتخصصون أن سقوط المسلسل يعود إلى ضعف في بنية الرواية نفسها، حيث يقارب السرد فيها تخوم الشعر، فارضاً التكرار واعتماد الحدث الذهني وتداعياته.

على صعيد آخر، حققت أعمال درامية نجاحاً يوازي النجاح المتحقق من الأصل الروائي لها، من مثل أعمال الروائي الراحل الأكثر إنتاجاً للدراما العربية نجيب محفوظ، التي نالت بنسختيها الورقية، والدرامية (السينمائية والتلفزيونية والإذاعية)، نجاحاً كبيراً، فقرأ المتلقي العربي وشاهد بالمتعة نفسها: «الثلاثية»، «ثرثرة فوق النيل»، «الكرنك»، «زقاق المدق»، و«الحرافيش».. وكان محفوظ شارك في إعداد سيناريوهات بعض أعماله الروائية، مراعياً اختلاف بعض التفاصيل بين النسختين، لكن بما لا يخلّ بالنص الأصلي، بوعي يأخذ في الحسبان حساسية التلقي البصري وارتباطه بظروف تصوير العمل وشخصيات الممثلين ومهنية المخرج والقائمين على التصوير.

كذلك من الروايات التي حُولت بنجاح إلى أفلام سينمائية، رواية «الظامئون» للعراقي عبدالرزاق المطلب، وأخرج الفِلم المقتبس منها محمد شكري، ورواية «خمسة أصوات» للعراقي غائب طعمة فرمان التي حولت إلى فِلم تحت اسم «المنعطف» من إخراج جعفر علي، أما الكويتي خالد الصديق فأخرج فِلمه «عرس الزين» بالاعتماد على رواية بالاسم نفسه للسوداني الطيب صالح.

السينما قالب أكبر
وإذا كانت الأعمال الروائية قد أغنت عالم صناعة السينما ورفدته بأفلام خالدة، فإن السينما أيضاً أسهمت في تطوير التجربة الروائية لعدد من الكتَّاب وأثَّرت بشكل مباشر على تقنيات الكاتب وأدواته، وربما خير ما يدلل على ذلك ما قاله ماركيز عن تأثره بعمله كاتباً للسيناريو لفترة طويلة: «أعتقد أن السينما بإمكاناتها البصرية الهائلة، أداة التعبير المثلى، ولعل كل مؤلفاتي السابقة (عدا «مائة عام من العزلة») منحدرة من هذا اليقين، فهي مطبوعة بتطرف الاندفاع نحو تصوير المشاهد والأشخاص، والصلة المليمترية بين وقت الحوار والفعل، وهاجس التشديد على وجهات نظري وأفكاري، ولم يجعلني عملي في السينما أدرك ما يمكن أن يقوم به الكاتب فحسب، بل ما يجب ألا يقوم به كذلك، وبدا لي أن سيطرة الصورة على عناصر روائية أخرى، ليست ميزة وحسب، وإنما هي تحديد لها، وقد بهرني هذا الاكتشاف، وأدركت أن الإمكانية الروائية غير محدودة، من هنا أقول إن تجربتي في السينما ضخمت إمكاناتي الروائية».

وبعد، فإنه وعلى الرغم من أن العديد من الأعمال الروائية حُوّلت، وستحوّل إلى أعمال درامية، فسيظل لكل من هذين الفنين المنفصلين والمتصلين في آن، نكهته الخاصة، وعشاقه الذين لا يبغون عنه تبديلاً.

أضف تعليق

التعليقات