الثقافة والأدب

المتاحف الإسلامية في بلاد الغرب

  • _mg_6712-c2a92012-musee-du-louvre-antoine-mongodin-1024x682
  • 000-Par7316975-jpg_123449
  • 15_5-51-2002-Firman-Selim-2-f
  • 38-2008_-Photo-Pernille-Klemp-f-white
  • 2006AB1962_jpg_l
  • 2006AB9566_jpg_l
  • 2006AB9572_jpg_l
  • 2006AE9769_jpg_l
  • 2006AE9787_jpg_l
  • 2006AF0217_jpg_l
  • 2006AF0219_jpg_l
  • 2006AF0250_jpg_l
  • 2006AF0275_jpg_l
  • 2006AF6973_jpg_l
  • 2006AF7175_jpg_l
  • 2006AJ7300_jpg_l
  • 2006AN7981_jpg_l
  • 2006AP5698_jpg_l
  • 2006AW3648_jpg_w
  • 2006AX4838_jpg_l
  • 2006BF8228_jpg_l
  • 2009CR6187_jpg_l
  • 1353906572-ajn-abu-dhabi-louvre-concept-view-1000x750
  • 1353906612-ajn-abu-dhabi-louvre-tra-dd-if-s1-paysage-1000x241
  • 5076190834_98d9c1e3d6_b
  • 7119881569_14c74766f3_b
  • 7846292310_8c8e7501ef_b
  • DSC00772
  • DSC00788
  • DSC00798
  • DSC00805
  • DSC00808
  • DSC00812
  • DSC00815
  • DSC00822
  • getImage2
  • Mschatta-Fassade (Pergamonmuseum)

حوار مع الدكتور شتيفان فيبر مدير متحف الفن الإسلامي في برلين

في كثير من العواصم الغربية، توجد متاحف إسلامية، ما أن يدخلها الزائر، حتى يشعر أنه انتقل إلى عالم مختلف تماماً، مخطوطات قرآنية، ومصابيح من مساجد القرون الغابرة، وتحف وجواهر ومشربيات ورسومات هندسية على الخشب. ورغم اختلاف اتجاهاتها الفنية، فبعضها من سمرقند، والآخر من قرطبة الأندلسية، والثالث من القاهرة، والرابع من تركيا، إضافة إلى القرون الكثيرة، التي تفصل بينها، فإن روح الشرق المسلم، تهيمن على المكان، كما تفرض عليه طريقة الإضاءة، الكثير من الوقار، وكأن الزائر في محراب تعبّد، الكل يتأمل في سكون وانبهار.
في الحوار التالي، الذي أجراه أسامة إبراهيم، مع الدكتور شتيفان فيبر، مدير متحف الفن الإسلامي في برلين، يتناول القيمة الفنية والحضارية للتراث الإسلامي في المتاحف الأوروبية، وما تضيفه لرصيد التواصل الإنساني بين الحضارات، ويجيب الحوار عن أسئلة تتعلق بالفهم الأوروبي للتراث الإسلامي، ودوره في ترسيخ الهوية لمجتمع متعدد، كما تبحث عن إجابة لمبرر وجود هذه الجزر الإسلامية في محيط غربي.

أقدم متحف للفنون الإسلامية في الغرب
يشير الدكتور شتيفان فيبر، مدير متحف الفن الإسلامي في برلين، إلى أن متحف البرجامون هو أول متحف في الغرب يضم قسماً للفنون الإسلامية، فقد تأسس عام 1904م، وبذلك لا يسبقه سوى المتحف الإسلامي في القاهرة، الذي افتتح في مقره الحالي عام 1903م، معتبراً أن تأسيس متحف للفن الإسلامي في الغرب في هذا الوقت، عملاً مبتكراً للغاية.
ويوضح أن الاهتمام الغربي كان مقتصراً في مطلع القرن العشرين على المكونات الثقافية الأوروبية، والمتوسطية، والتي كانت تعني آنذاك الحضارتين الرومانية واليونانية، أما القطع الفنية القادمة من الشرق، فكانت بالنسبة للغربيين آنذاك عبارة عن سلعة تجارية، تتحدد قيمتها تبعاً لما تحقق فيها من إتقان، وباعتبارها إنجازاً مادياً، ويمكن اعتبار هذه النظرة إثنية، لأنها تهتم بالأواني الفخارية مثلاً، كشاهد على طريقة حياة الشعوب الأخرى، ويمكن مقارنة ذلك بنسخ شارع من الأحياء العربية، في عاصمة أوروبية، حتى يتعرف الناس في الغرب، على نمط الحياة العربية، وهي نظرة استشراقية.

وينسب فيبر إلى مدير عام متاحف برلين فيلهلم فون بوده في مطلع القرن الماضي، المتوفى عام 1929م، الفضل في إدخال الفن الإسلامي في أرقى معاقل الفن الأوروبية، ورد الاعتبار إلى الثقافة الإسلامية، بعرض القطع الفنية القادمة من العالم الإسلامي، في نفس مكان عرض القطع الفنية الغربية واليونانية والرومانية.

وإضافة إلى تحول النظرة إلى العالم الإسلامي من المنظور الإثني إلى المنظور الثقافي، فإن العالِم الألماني ينبه إلى تطور مهم آخر، وهو التوصل إلى قناعة بأن العالم لا ينقسم إلى بيئات فنية منعزلة عن بعضها البعض، وأن البحث لا ينبغي أن يقتصر على الملامح المميزة لكل ثقافة، بل يجب أن يشمل أيضاً دراسة نقاط التلاقي بين الثقافات والاتجاهات الفنية المختلفة، والتأثير المتبادل فيما بينها.

ويذكر الدكتور فيبر أن وصول الواجهة الضخمة لقصر المشتى الواقع جنوب العاصمة الأردنية عمّان، إلى برلين عام 1903م، أصاب الخبراء الألمان بالحيرة حول أصل هذه الزخرفة المعمارية المتقنة، وفي حين كانت الغالبية تعتقد بأنها أحد الآثار المسيحية البيزنطية، رأى آخرون أنها من الآثار الفارسية القديمة، من عهد الإمبراطورية الساسانية، في حين توقعت القلة أن يكون أثراً إسلامياً، ثم ساد اعتقاد بأنه يجمع بين ثقافات متعددة، ويمزج بينها، وهذه الفكرة كانت جديدة على الاتجاهات الفكرية آنذاك، ثم عادت الحاجة اليوم للتأكيد من جديد على هذا التقارب، في ظل الدعاوى إلى التفرقة بين الثقافات.

التعددية في المتاحف الإسلامية
على الرغم من اختلاف المحاور التي تركز عليها المتاحف الإسلامية في العالم، من اهتمام بالعمارة، إلى المخطوطات والكتب، إلى المجوهرات والتحف، إلى الأبعاد الإثنية، إلى الاقتصار على كشف أثري واحد، مثل الغرفة التركية في مدينة دريسدن، التي تضم أكثر من 600 قطعة من قصور حكام سكسونيا في القرون 16 – 19، الذين كانوا يحاكون سلاطين الدولة العثمانية في لباسهم وزينتهم، فإن هناك كثيراً من العناصر المشتركة بينها، وهو ما يعده فيبر مؤشراً لهيمنة فكرة وجود ثقافة إسلامية واحدة، وفن إسلامي واحد، تندرج تحتهما كل الاتجاهات الفنية، وكل الإنجازات الثقافية، طالما أنها نشأت في دولة غالبية سكانها من المسلمين.

وفي هذا الإطار أشار مدير متحف الفن الإسلامي، إلى أن عرض المخطوطات والكتب في المتاحف بصورة دائمة، يتسبب في حدوث أضرار لها، لأن تعرضها للضوء يؤثر على ألوانها، ولذلك فإنه من المعتاد أن يستمر عرضها لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، الأمر الذي يبرِّر وجود كنوز من الكتب والمخطوطات الإسلامية مثلاً في مكتبة الدولة في برلين، التي تحتوي على قسم للشرق، تأسس عام 1919م، ويضم 42000 مجلد من المخطوطات، والمطبوعات الخشبية، كما يُعد جناح المخطوطات والكتب الإسلامية في مكتبة الدولة في ميونخ فريداً من نوعه في أوروبا.

كنوز الشرق في متاحف الغرب
عندما نجد نسخة نادرة من المصحف الشريف في فترينة متحف في الغرب، أو قبة مسجد أثري مثبتة مكان السقف تحت سماء أوروبا، أو محراب صلاة في ركن المتحف، لابد أن نتساءل عما إذا كان هذا هو مكانها الصحيح، ويصبح السؤال أشد إلحاحاً إذا تعلَّق الأمر بواجهة قصر، ففي برلين توجد أكبر قطعة فنية معروضة في متحف إسلامي في العالم كله، وهي عبارة عن واجهة قصر المشتى، الذي سبق ذكره، وهذه الواجهة التي تعود إلى القرن الثامن، والتي تُعد من أروع التحف المعمارية موجودة في متحف الفنون الإسلامية في برلين، فهل يبقى القصر بلا واجهة؟

يتحدث الدكتور فيبر كعالم آثار، فيقول: إن هذا السؤال لا يمكن التوصل إلى إجابة قاطعة عليه، فهناك مبررات لبقاء الآثار في المتاحف الغربية، كما أن هناك ما يؤيد عودتها إلى مكانها الأصلي، ثم يتحدث كمدير متحف الفن الإسلامي، فيقول إن كل مقتنيات المتحف، جاءت بطريقة قانونية بالاتفاق مع الدولة العثمانية، بعضها كنصيب ألمانيا في أعمال التنقيب عن الآثار، وبعضها كهدية، وبعضها حصلت عليها عن طريق الشراء بصورة قانونية، ولذلك فليس هناك أي مطالبات من الدول العربية، باسترداد أي من مقتنيات المتحف، والمطالبة الوحيدة تأتي من إسبانيا، التي تسعى لاسترداد قبة بديعة مصنوعة من خشب الأرز وخشب حور، تعود إلى أحد مباني مجمع قصر الحمراء، لكن المتحف يرفض هذه المطالبة، مبرراً ذلك، بأن هذا المبنى كان مملوكاً لمصرفي ألماني، قرَّر التبرع بالمبنى لإسبانيا، بشرط الاحتفاظ بهذه القبة، وقدَّمها الورثة من بعده إلى المتحف.

يعود عالم الآثار للتحدث عن إمكانية التوصل إلى حلول لهذه المعضلة، مثل تعزيز العلاقة بين المكان الأصلي للأثر التاريخي، ومكانه الجديد في المتحف، مثل المساهمة في أعمال الترميم والصيانة لما تبقى من قصر المشتى في الأردن، أو في مدينة قونيا التركية، التي توجد لها آثار أيضاً في المتحف، والتي يتعاون متحف الفن الإسلامي في برلين مع متحفها.

وأخيراً يتحدث الدكتور فيبر من منظور علم الاجتماع، فيشير إلى أن ملايين الأتراك الذين جاءوا إلى ألمانيا، قبل خمسين عاماً، وجدوا في ألمانيا وطناً جديداً لهم، ولم يعد ممكناً تخيل ألمانيا بدونهم، فقد أصبحوا جزءاً من مجتمعها، وأحد مكونات هذا الوطن الجديد، دون أن يقطعوا جذورهم بوطنهم الأصلي، وبدلاً من الحديث عن انتزاعهم من تركيا، يمكن الحديث عن قيامهم بدور الجسر، الذي يربط بين البلدين، وهكذا الآثار الإسلامية، أصبحت جزءاً من ألمانيا، مع احتفاظها بهويتها الإسلامية.

وإذا كان طبيعياً في وجهة نظر الأوروبيين أن تكون هذه الآثار قد وجدت وطناً جديداً، وحصلت على جنسيات غربية، فلماذا ثار الكثيرون من كبار مثقفي فرنسا عندما جرى الإعلان عن إنشاء فرع متحف اللوفر في أبو ظبي؟ مع العلم بأن جميع الأعمال الفنية القادمة من المتاحف الفرنسية، سيجري عرضها لفترات تتراوح بين ستة أشهر وعامين، ثم تعود إلى «وطنها» الأصلي.

من يتمعن في آراء المثقفين هناك، يرى أنهم لا يمانعون من حيث المبدأ، وجود مثل هذا التعاون الفني، أما ما يرفضونه تماماً فهو أن يتحول التراث الفني إلى سلعة تجارية، بحيث تحصل بلادهم على ملايين الدولارات من خلال استغلال اسم متحف اللوفر، ومحتوياته الثمينة، ويعزِّزون رفضهم بالإشارة إلى أن إقامة هذا المتحف في منطقة سياحية، على جزيرة السعديات، يثير الشكوك في المزاعم الحكومية الفرنسية، بأن الهدف من المشروع تقوية الروابط بين فرنسا والدول العربية، لأن مكان المتحف، لن يكون بالتأكيد متاحاً لملايين العرب، الذين لا يملكون السفر إلى هناك، علاوة على الطابع التجاري للمشروع الإماراتي، من وجهة نظر المثقفين الفرنسيين، ويشاركهم في ذلك الرأي مثقفون ألمان، مثل ميشائيل شيندلهلم، الذي عمل مديراً للثقافة في هيئة دبي للثقافة والفنون، وزعم في مقال نشره العام الماضي، أن النظرة السائدة هناك للمشروعات الثقافية، تنطلق من اعتبارها مشاريع تجارية، يجب أن تحقق الأرباح في وقت قصير.

المتاحف وتقبل الغرب للإسلام
تحدث فيبر بسعادة بالغة عن زيادة عدد زوار المتحف خلال الأعوام الثلاثة الماضية بنسبة 48 في المائة، ليصلوا إلى 730000 زائر سنوياً، وأن الإقبال على متحف الفن الإسلامي، يفوق الإقبال على متحف البرجامون، الذي يقع المتحف الإسلامي داخله، ولا ينسب الفضل في ذلك لإدارته للمتحف، لأن أوجه النشاط التي يقوم بها لاجتذاب الزوار، تحقق بعض النجاح، لكن النسبة العظمى من الزائرين، تأتي من خارج برلين، أي من أشخاص لم تصلهم حملات الترويج للمتحف.

يأتيه سؤالي مفاجئاً عما إذا كان الخوف من الإسلام، هو الدافع وراء هذا الإقبال، ويفكر برهة، ثم يسعى لوصف الدافع بطريقة إيجابية، ويقول: ربما أطلقنا عليه الفضول، والرغبة في المعرفة، ونظراً لما يتمتع به متحف البرجامون من سمعة طيبة، فإن الزائر يتوقع أن يجد هنا صورة صادقة، ومعلومات موضوعية، فيتقبلها ويقتنع بمحتواها.

يتحدث فيبر بمرارة عن النظرة السلبية للثقافة الإسلامية في المجتمعات الغربية، ويرى أن عرض الجوانب المشرقة في الثقافة الإسلامية، هو أحد مهام متحف الفن الإسلامي في برلين، ويضرب على ذلك مثلاً بألمانيا، ويقول: إن وجود النازيين في ألمانيا، لا يلغي أنها بلد رائع، وأنه لا يجوز تعميم الحكم على الشعب الألماني، وعلى هذه الدولة بسببهم، وكذلك فإن وجود بعض المتطرفين المسلمين المستعدين لارتكاب أعمال عنف بين المسلمين، لا يجوز بأي حال أن يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام وأتباعه، فكما أن ألمانيا رائعة، فإن الثقافة الإسلامية رائعة أيضاً، وهذا ما يسعى المتحف لفتح عيون الزوار عليه.

ومع العلم بأن أهل الثقافة لا يحبون الخوض في السياسة، جاء السؤال عن سبب اعتراض الرئيس الألماني يواخيم جاوك على ما قاله سلفه في هذا المنصب كريستيان فولف، من أن الإسلام جزء من ألمانيا، حيث ردّ فيبر بأن هذه الآراء تبين أن المشكلة عميقة، وأنها تنطلق من محاولة البعض تحديد الهوية من خلال الانتماء إلى جماعة، لها صفات مختلفة عن غيرها، ثم يعتبر أن انتماء الإسلام لألمانيا ليس سؤالاً نجيب عنه بنعم أو لا، بل هو واقع لا مجال للتشكيك فيه، فالارتباط بين الإسلام وأوروبا كلها له جذور تاريخية، لا يمكن إنكاره، تشهد به العلوم التي لم تعرف الحواجز، والتي يدين بها الغرب للمسلمين، كما أن ملايين المسلمين في ألمانيا وغيرها، هم جزء من أوروبا.

ورداً على سؤال عما إذا ما كانت المتاحف تتحمل بعض المسؤولية عن الشعور بأن الإسلام غريب عن غيره من الثقافات، مادامت الثقافة الإسلامية في قسم منفصل عن غيره، ولا يرى الزائر داخل المتحف، هذه القواسم المشتركة بين الثقافات المختلفة، يقول فيبر، إنه يرى هذا النقد محقاً، وأرجعه إلى تركيز القائمين على المتاحف على البعد التاريخي، مما ينسيهم الربط بين الثقافات المختلفة، مؤكداً أنه سيسعى لتصحيح ذلك الوضع في التجديدات التي سيشهدها المتحف، والتي تنتهي في عام 2019م، والتي سيحصل متحف الفن الإسلامي بمقتضاها على ثلاثة أضعاف مساحته الحالية، ويحتل مكاناً مركزياً في متحف البرجامون، ويغادر مكانه الحالي، البعيد نسبياً عن المدخل الرئيس للمتحف.

وحول بعض الآراء التي تسعى لتشويه كل شيء له علاقة بالإسلام، حتى ولو كانت الحضارة الإسلامية في الأندلس، التي شهد لها الجميع بأنها جسدت التسامح الإسلامي في التعامل مع أتباع الأديان الأخرى، يشير العالم الألماني إلى أن الإسبان أنفسهم أصبحوا يتحدثون الآن عن هذه الفترة من تاريخهم بالكثير من الموضوعية والإنصاف، ومن يزر الأندلس يسمع المرشدين السياحيين الإسبان، وهم يشرحون هذه المعالم الإسلامية بإعجاب وتقدير.

معرض روائع آثار المملكة في برلين
بعد مرور حوالي سنوات أربع في منصب مدير متحف الفن الإسلامي، يرى الدكتور فيبر أن معرض روائع آثار المملكة، الذي أقيم في متحفه مطلع العام الحالي 2012م، واستمر لمدة ثلاثة أشهر، هو أحب الإنجازات إلى قلبه، وأوضح أن زوار المعرض كانوا سعداء للغاية به، كانوا يصافحونه في كل مرة يزور المعرض، ويعربون عن تقديرهم لإتاحة الفرصة النادرة لهم للاطلاع على هذه الكنوز الثقافية، وكانت شكواهم بعدم وضوح النصوص المكتوبة تحت بعض الآثار، دليلاً على حرصهم الشديد على قراءة كل سطر وكل كلمة، وأضاف قائلاً إن زملاءه من المدراء والعاملين في المتاحف الأخرى البالغ عددها ستة عشر، اتصلوا به بعد الافتتاح وأرسلوا له التهنئة، بهذا الإنجاز الرائع.

لم يخف بعض الصعوبات التي اعترضت إقامة هذا المعرض، منتقداً إحجام الشركات الصناعية الألمانية عن المساهمة في تمويله، وهو تقليد متبع، ويقول إن سفير المملكة العربية السعودية في ألمانيا الأستاذ الدكتور أسامة بن عبد المجيد شبكشي، هو الذي استطاع تذليل كل العقبات، وأنه لولا جهوده، ما كان المعرض ليجد طريقه إلى النور.

ونبه فيبر إلى أن معرض روائع آثار المملكة، استطاع بطريقة فريدة، أن يبين القواسم المشتركة بين الثقافات المختلفة، لأن الزائر وجد في الآثار المعروضة، الكثير من الأشكال والرسومات التي يعرفها من ثقافات أخرى.

التعاون بين المتاحف الإسلامية
يشدد فيبر على أهمية التعاون بين المتاحف الإسلامية في الغرب وفي الدول الإسلامية، ويضرب أمثلة كثيرة على ما يقوم به متحف الفن الإسلامي في برلين، من دعم لمتحف قونيا التركية، ولمتحف هيرات الأفغانية، والمتحف الفلسطيني، الذي تسهم المملكة العربية السعودية في تمويله، علاوة على التعاون مع إمارة الشارقة، في تبادل الخبرات في أعمال ترميم الآثار، ويأمل أن يؤدي النجاح الباهر الذي شهده معرض روائع آثار المملكة في برلين، للتوصل إلى تعاون بين متحفه وبين متاحف المملكة.

ورداً على سؤال عما إذا كانت هناك لقاءات دورية سنوية بين مديري المتاحف الإسلامية في الغرب، أوضح أن ذلك استمر لسنوات، ثم تراجع في الفترة الأخيرة، لكن الاتصال بينهم لم ينقطع، فهم يلتقون في المؤتمرات الدولية، ويعرفون بعضهم بعضاً جيداً.

أما عن تبادل القطع الأثرية بين المتاحف المختلفة، فأشار إلى وجود صعوبات بيروقراطية، وارتفاع التكاليف، إضافة إلى أن هذه المتاحف تمر حالياً بمرحلة إعادة هيكلة، وقبل كل ذلك فإن متحفه مثلاً يمتلك حوالي 50000 قطعة أثرية، منها 5000 – 6000 قطعة جديرة بالعرض في المتحف، مع أن المعروض حالياً يتراوح بين 300 و400 قطعة فقط، ولذلك ليست المسألة قلة المحتويات، بل توفر المكان والإطار المناسب، وهو ما سيتحسن كثيراً بعد التوسعة والتجديدات، المشار إليها.

وقد ظهر اهتمام متحف برلين بالمتاحف في العالم الإسلامي، في الصيحة التي أصدرها الدكتور شتيفان فيبر، وحظيت باهتمام إعلامي عالمي كبير، مطالباً بإنقاذ الآثار الموجودة في سوريا من متاحف ومعالم إسلامية مهمة، وشاركته اليونيسكو في التعبير عن القلق على هذا التراث البشري، وفي إجابة عن سؤال عما يمكن لمتحفه أن يقوم به في الوقت الحالي، أعرب عن أسفه من عدم إمكانية التدخل حالياً، لحماية هذه الآثار، وقال إنه يتحدث مع المسؤولين عن ضرورة تكوين لجنة أزمات، تكون مستعدة للدخول في الساعة صفر، لتتولى تأمين المتاحف والآثار التاريخية، وإعادة موظفي الدولة العاملين في هذا القطاع بسرعة، لأنهم الأقدر على إدارة الأمور هناك، محذراً من تكرار ما حدث في العراق، عندما انهارت الدولة، وجرى طرد الموظفين، فكثرت أعمال السرقة والنهب.

الثقافة والمال
عودة إلى فرع متحف اللوفر في أبو ظبي، الذي قالت وزيرة الثقافة الفرنسية آنذاك إنه سيجلب مليار يورو لبلادها، سيُخصص جزء من هذه الأموال لتمويل عمليات الصيانة في متحف اللوفر في باريس، وفتح قاعات جديدة فيه، واقتناء تحف فنية جديدة، وتوسيع المتحف، لإنشاء اللوفر الكبير.

ومقارنة ذلك بما ذكره فيبر إنه ذهب إلى سكرتيرته بعد تسلّم منصبه، ليسألها عن حجم الأموال المخصصة لميزانية الأنشطة التي يقوم بها المتحف، فقالت له: «صفر»، وعلم أن المطلوب منه أن يجد الممولين لكافة الأنشطة التي يقوم بها، ولذلك فإن إصدار نشرة عن المتحف باللغة العربية أو التركية، يتم تمويله من رسوم العضوية في جمعية أصدقاء متحف الفن الإسلامي، لكنه في حاجة ماسة إلى تمويل لمشاركة المتحف في إعداد الكتب المدرسية، بحيث يتضمن معلومات عن الفن الإسلامي، ولتعيين متخصص في علم تربية المتاحف، تتكلف وظيفته حوالي 80000 يورو سنوياً، ولتمويل الأنشطة المشتركة مع الجالية المسلمة، كما فعل في هذا العام، حين أقام ليلة رمضانية، شارك فيها حوالي 400 شخص، غالبيتهم من أصول تركية.

ورغم ارتفاع قيمة تذكرة الدخول التي تعادل حوالي 75 ريالاً للكبار، و25 ريالاً للأطفال والشباب، فإن الإقبال لا يتوقف، والصفوف ممتدة لعشرات الأمتار طوال أيام السنة، وتضخ الدولة ملايين اليوروات في هذه المتاحف للتعريف بالثقافات المختلفة، ومنها الثقافة الإسلامية، وفي ظل وجود مدير مثل الدكتور فيبر، الذي درس علوم الإسلام والآثار، ويتقن اللغة العربية، ويتفنن في كتابة الخط العربي، فليس أقل من أن يجد العربي المسافر إلى برلين وغيرها من العواصم الغربية، بعض الوقت لزيارة المتحف الإسلامي فيها، ليدرك كم هي عميقة هذه الثقافة، وكم هو بديع وكوني هذا الفن الإسلامي.

متاحف الفن الإسلامي في أوروبا: حوار حضاري
متاحف الفن الإسلامي جزر متناثرة في كل مكان، في أثينا يوجد (متحف بيانكي)، الذي أنشأه تاجر القطن اليوناني الثري أدونيس بيانكيس في عام 1929م، بعد عودته من الإسكندرية، التي كان مقيماً فيها، حيث استطاع اقتناء مجموعة نادرة من التحف الإسلامية، تمتد من العصر الأموي، إلى الدولة العثمانية، أي من القرن السابع وحتى القرن الثامن عشر، وتضم ما يزيد على 37000 قطعة فنية، ويقف المتحف على مقربة من الآثار اليونانية القديمة، ليبرهن على وحدة التراث البشري.
وفي باريس افتتح متحف اللوفر، جناح الفن الإسلامي في سبتمبر الماضي، الذي بلغت تكلفته 100 مليون يورو، ويضم كثيراً من الأقسام المنتشرة على طابقين، وقد اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند هذا الجناح خير دليل على الروابط التاريخية والثقافية التي تشد الحضارات فيما بينها، وشدد على أن مقتنيات الجناح تمثل للزائر الغربي جزءاً من التعرف على الذات.
وفي لندن وبالتحديد في متحف فيكتوريا وألبرت، الذي يُعد واحداً من أعظم المتاحف العالمية المختصة بالفنون والتصميم، نجد حوالي عشرة آلاف قطعة من الفن الإسلامي، من المعروضات المعمارية والرسومات والمنحوتات، وغيرها من التحف ذات العلاقة بتاريخ فن الزينة وإدماج الفن في الأعمال الحرفية، وفي لندن أيضاً يضم المتحف البريطاني، حوالي 40000 قطعة من الفن الإسلامي، تحتل مكانة عالمية كبيرة.
وفي العاصمة الدانماركية كوبنهاجن توجد (دار مقتنيات ديفيد) للقطع الأثرية النادرة من التراث الإسلامي، التي جرى افتتاحها بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من أنها لا تحتوي على أكثر من 2500 قطعة فنية، جمع نواتها الأولى المحامي ورجل الأعمال الدانماركي كرستيان لودفيج ديفيد، إلا أنها تُعد أفضل مجموعة تحف إسلامية في الدول الإسكندنافية، وقد شهدت الكثير من التطوير في طريقة العرض، لأنها مرتبة من الناحيتين الزمنية والجغرافية، ومقسمة تبعاً للمادة المصنوعة منها، وأخيراً تبعاً للإطار الثقافي الذي أنتجها.
وفي العاصمة الألمانية برلين يقع متحف البرجامون العريق، والذي يضم أيضاً (متحف الفن الإسلامي).

أضف تعليق

التعليقات