يبدو أن روَّاد الأعمال أصحاب الأفكار التجارية النيرة التي لا تعتمد على رأس المال بقدر ما تعتمد على الحيلة والشغف هم أبطال المرحلة. وأينما تطلع المرء يجد أن لهؤلاء الروَّاد مكاناً أثيراً لدى الأمم لإدراكها بمدى إسهاماتهم في تماسك اقتصادها وتقدُّمه. وكتابنا اليوم: (الحيلة/ كيف يتعلَّم رواد الأعمال التعامل مع كل العقبات) لكاتبيه نورم برودسكي وبو برلينجام هو دليل يساعد هؤلاء الروَّاد في سعيهم المحموم للنجاح.
في مقدمة كتاب (الحيلة)، وعنوانه بالإنجليزية:
The Knack, (How Street- Smart Entrepreneurs Learn to Handel Whatever Comes Up)
يبدأ نورم برودسكي حديثه باعترافه أن إدراكه لمكانة والده كمرشده الأول والأفضل في إدارة الأعمال التجارية أتى متأخراً جداً. فالكاتب الذي كان ينتقل مع والده من منزل إلى آخر ليساعده في بيع الملابس والأحذية والأدوات المنزلية تلقَّى كماً هائلاً من النصائح العملية في الميدان من والده الذي كان أول من لفت انتباهه إلى أهمية هامش الربح وأهمية الثقة بين البائع والمشتري أو لدور التعامل العادل في نجاح العمل التجاري.
وللمفارقة، كلما تلقَّى الفتى نورم نصيحة من هذه النصائح ألقاها جانباً ظناً منه أنها لن تعلق بذاكرته ولن يضطر لاستخدامها مطلقاً. إذ كان الفتى الطموح يخطط للالتحاق بسلك المحاماة.. وبالفعل درس المحاماة ومارسها.. قبل أن يستدرك بأن المهنة الحقيقية التي تكتمل بها حياته هي إدارة الأعمال دون غيرها، ولتكون هذه النصائح معيناً لا ينضب ولا ينتهي يعتمد عليه في ممارسته للتجارة.
نورم برودسكي هو شيخ من شيوخ رواد الأعمال. فهو تاجر أمريكي ناجح بدأ من الصفر وأطلق في حياته العديد من المشاريع التي لاقت الفشل، لكنها أدت حتماً إلى تمتعه بنجاحه في سبعة مشاريع أخرى نجاحاً منقطع النظير. أما بو برلينجام فهو كاتب اقتصادي من الصف الأول يسود أعماله التوجه إلى أصحاب المشاريع الصغيرة، وعمل في تحرير مجلة «إنك» الأمريكية التي تتخصص في الحديث عن الإدارة والأعمال التجارية. وعلى صفحات مجلة «إنك» التقى الرجلان: الصحافي المتمرس في عمله اليومي والتاجر المعروف بمقاله الشهري الذي يقدِّم فيه النصح للمبتدئين من روَّاد الأعمال. وكان من السهل انتقال تعاون الكاتبين من على صفحات المجلة إلى صفحات كتابهما الأول محل العرض.
كبد الحقيقة في تشبيه
فكرة الكتاب تعتمد على تشبيهه البليغ بصندوق الأدوات أو بالمفتاح السويسري كما تظهر صورته على الغلاف. فالكتاب من هذه الناحية هو مصدر لحل كل المشكلات والعقبات، ولفتح الأبواب ولصنع الفرص لروَّاد الأعمال المبتدئين. وهو بهذا يؤدي وظيفة صندوق أدوات النجار أو الحرفي في وجود أداة لحل كل مشكلة أو إصلاح أي عطل يقابله في طريقه.
المصدر الأساسي الذي اعتمد عليه الكاتبان هو الكم الكبير من المشكلات والاستشارات التي كان بريد مجلة «إنك» يأتي بها من أصحاب المشاريع الصغيرة طلباً للإرشاد. وعندما تراكمت الحلول التي أعلن جمهورها استفادتهم منها، استقى كتاب «الحيلة» أمثلته ودروسه من الكم المتراكم في تقديمه لنصائح عملية وإرشادات أولية لكل من يريد أن يطلق مشروعه الجديد من دون سابق خبرة في عالم المال والأعمال. أو لمن يريد أن يوسع نطاق تجارته لتشمل نواحي جديدة لم يتطرق إليها من قبل.
يتكون الكتاب من سبعة عشر فصلاً، يناقش كل واحد منها قضية مختلفة بصورة عامة، ثم يوجه عناية فائقة وقيِّمة إلى التفاصيل التي تشغل هذه الصورة العامة والتي تساعد رائد الأعمال أو صاحب المشروع الوليد على ممارسة ما ينصح به الكتاب يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد أسبوع. وتنوعت هذه الفصول بين كيفية الحصول على رأس المال، وكيفية الحفاظ على العلاقات الطيبة مع البنوك والمقرضين، وكيفية تحسين خدمة العملاء، وكيفية توظيف الكفاءات وإسناد الأعمال المناسبة لها. وربما تبدو بعض الأدوات التي يحتويها صندوق الكاتبين بدائية جداً لمن خبر المهنة أو درس إدارة الأعمال. إلا أن الكتاب يذكرنا بأن سلاح رواد الأعمال ليس في شهاداتهم التجارية وليس في معرفتهم المتفحصة لكل قضايا المشاريع التجارية، ولكن في فكر وقَّاد وشغف لا ينضب بتجسيد فكرة مجردة على أرض الواقع. ولهذا هم يحتاجون إلى كتاب يشرح المراحل الحرجة التي يتطلبها قيام أي مشروع تجاري كأصول المحاسبة الأولية والتي يفتتح بها الكاتبان أول فصول الكتاب أو طريقة وضع الأهداف الاستراتيجية للمنشأة، أو حتى دراسة جدوى المشروع ومدى قدرته على الصمود أمام الأسواق والمنافسة.
صندوق أدوات: منظَّم لسهولة الاستخدام
من مميزات الكتاب وجود ملخص في نهاية كل فصل يختصر كل النقاط التي عرضها هذا الفصل. وخلال هذه الفصول، يجد القارئ مربعات تحتوي على أسئلة وردت لنورم برودسكي من قرَّاء مجلة «إنك» ويجد إجاباتها أيضاً. كما أن من مميزات الكتاب الأخرى تركيزه على كيفية تفادي الأخطاء بحيث يتضمن أقساماً خاصة، يشرح فيها الكاتبان كيفية تلافي كذا أو كذا من الأخطاء الحتمية التي يمر بها كل من يمضي قدماً في بناء مشروعه الخاص.. وكما يؤكد الكاتبان في مقدمة الكتاب فإن المرء الذكي هو من يتعلم من أخطائه، ولكن المرء الحكيم هو من يتعلم من أخطاء الغير.
محتويات الكتاب تبتعد عن النظريات، وتعتمد على التوجه النفعي الذي يهتم بتحقيق النتائج والحصول على الأرباح لضمان نجاح المشروع. لكن الكتاب في الوقت نفسه يصر مراراً وتكراراً على الفكرة القائلة إن ريادة الأعمال ليست شغفاً فقط في حد ذاته، ولكن هي وسيلة لتحقيق حياة مشبعة ومثلى في كل جوانبها النفسية والعقلية والعاطفية والأسرية. وبامتلاك الروح والمهارات الصحيحة، يمكن لكل شخص أن يحقق النجاح المنشود.
جمهور يتعلم وجمهور يتذكر
وبالرغم مما يبدو ظاهرياً من أن جمهور الكتاب هم فقط المستجدون في عالم الأعمال، إلا أن هناك جمهوراً آخر يقبع في الخفاء وينتظر بلهفة جو النصائح التي يقدمها الكاتبان نورم برودسكي وبو برلينجام في كتابهما.. هذا الجمهور المفاجئ هو جمهور الإداريين التنفيذيين في الشركات الكبرى، إذ تشير بعض أجزاء الكتاب ومراجعات النقاد أيضاً، إلى أن التنفيذيين في الشركات الكبرى محتاجون لنصائح تذكرهم بالأيام الأولى التي قامت على أساس نجاحاتها صروح شركاتهم.. وبالتالي، فإنهم يستطيعون تطبيقها مرة أخرى وإعادة الروح الحماسية للموظفين الذين أفقدتهم بيروقراطية الشركات الكبرى الحاجة الماسة إلى إثبات النجاح والتميز.
من المهم أن يدرك قارئ الكتاب نوايا الكاتبين من تقديمه كصندوق أدوات لرائد الأعمال.. فصندوق الأدوات بليغ كتشبيه، ومفيد كطريقة استخدام، فالنجار على سبيل المثال لا يستخدم كل أدوات صندوقه مرة واحدة وكذلك قارئ الكتاب لا ينبغي له أن يتوقع قراءة الكتاب مرة واحدة وتطبيق ما ينصح به في وقت واحد. بل عليه الصبر والانتقال من مرحلة إلى أخرى، ومن فصل إلى آخر. كما أننا كنا نرى بوضوح عند قراءتنا للكتاب أن اختياره الكتابة بصيغة المتكلم أو المؤلف الواحد كان اختياراً موفقاً أتت ثماره في إحساس القارئ بحميمية النصيحة ودفئها.. والمتحدث في الكتاب هو بصوت نورم برودسكي، ولهذا يمكن أن يتساءل القارئ عن دور بو برلينجام في تأليفه؟ لكن التساؤل لا يدوم طويلاً، ولا يبدو مهماً من الأساس أمام الفائدة الفورية لكثير من القواعد التي يضعها العمل الجماعي للكاتبين.