حياتنا اليوم

ثريا عبيد
من الكُتَّاب في مكة المكرمة إلى الأمم المتحدة

اختيرت في كتاب «مسلمون مرموقون» ضمن قائمة المئة مسلم الأكثر تأثيراً في عالمنا اليوم. إنها الدكتورة ثريا عبيد التي تشغل اليوم منصب المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان. رانيا منير ترسم لنا صورة الدكتورة عبيد، وتروي حكاية كفاحها الطويل الذي جعل منها السيدة السعودية الأولى التي ترأس وكالة تابعة للأمم المتحدة.

في الثامنة عشرة من عمرها، وجدت ثريا عبيد نفسها أمام تحدٍ لن يقرر مصيرها وحدها وإنما مصير كل بنات جيلها. فقد عاشت في فترة لم تكن فيها الأوضاع الاجتماعية في السعودية تسمح بتعليم الفتاة. ولكن ثريا ذهبت وهي في الثالثة من عمرها إلى الكُتَّاب في مكة المكرمة. وفي السابعة، أُرسلت إلى مدرسة داخلية في القاهرة. وعندما أصبحت في الثامنة عشرة، كانت تكاليف التعليم باهظة، ولم تكن لأسرتها البسيطة والمحبة للعلم القدرة على تحملها، فتقدَّمت بطلب منحة دراسية من الملك فيصل بن عبد العزيز، رحمه الله، وجاءتها الموافقة المشروطة بأن تتفوق وتنهي الفصل الأول من السنة الدراسية الأولى. «ستكونين الفتاة السعودية الوحيدة الحاصلة على منحة دراسية في أمريكا حتى تنتهين من التعليم الجامعي. فإذا نجحت فتحت الأبواب وإذا فشلت أغلقتها».

صعوبات الريادة
لم تكن مصاعب الدراسة والخوف من الفشل والمسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقها المصدر الوحيد للضغوط التي واجهتها في أمريكا. بل كان هناك أيضاً نظرة المجتمع الأمريكي لها، والصورة النمطية التي كان يحملها الأمريكيون عن الإنسان المسلم والسعودي بشكل خاص. ولكن ذلك لم يهزمها معنوياً ولم يثبط من عزيمتها؛ بل دفعها إلى محاولة تغيير تلك الصورة النمطية من خلال اجتهادها وتفوقها الذي لم ينسها ارتباطها ببلدها وشعبها ورغبتها بإظهار صورته الحقيقية. فتناولت في رسالة الدكتوراة «الصورة النمطية السلبية للمسلم في الأدب الإنجليزي في القرن السادس عشر ومصادرها التاريخية». لم تحاول الدكتورة ثريا تقديم صورة مثالية عن مدينة فاضلة أو شعب مختار، بل أصرَّت على أن تكون صورة موضوعية تعترف بإيجابيات وسلبيات هذا المجتمع. فهي تعتقد أن «تصرفاتنا الشخصية وكيفية حياتنا واستخدامنا لأموالنا تصب كلها سلباً أو إيجاباً في رؤية الغير لنا. ومن المهم ألاَّ نحاول دائماً نقض ما يكتب عنا سلباً، بل علينا أن نعترف بالخطأ عند اللزوم لتقديم العلاج المناسب، ونتباهى بالإيجابي ليحثنا إلى الأمام. إن الله لم يخلق شعباً معصوماً من الخطأ. بل أعطانا العقل لتحكيمه في أمور الدنيا، والإيمان ليرشدنا إلى طريق الصواب».

علمها في خدمة قضايا المرأة
استطاعت ثريا عبيد أن تثبت وجودها في مجتمع لا يعترف إلا بالأقوى والأكثر تفوقاً، فحصلت على درجة الدكتوراة من جامعة ولاية واين في ديترويت بولاية ميتشيغان، بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1974م في الأدب الإنجليزي. بعدما كانت قد حصلت على شهادة في الأنثروبولوجيا الثقافية بالإضافة إلى الماجيستر في الأدب الإنجليزي عام 1968م من الجامعة نفسها.

بدءاً من العام 1975م، بدأت مسيرة كفاحها في معالجة قضايا المرأة العربية والشؤون الاجتماعية. فتدرجت من معاونة للشؤون الاجتماعية إلى مديرة برنامج المرأة والتنمية. حيث أنشأت أول برنامج إنمائي للمرأة في منطقة غرب آسيا، ومن ثم مديرة شعبة الدول العربية وأوروبا بصندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى أن اختيرت في 1 يناير 2001م مديرة تنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان برتبة وكيل أمين عام الأمم المتحدة. وقال عنها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: «لقد كانت ثريا بطلة في مجال حقوق المرأة الإنسانية وحقها في الإنجاب، وخلال عملها كانت جريئة في كسر الحواجز وتحدي القوالب النمطية».

في إحدى زيارات الدكتورة ثريا عبيد لأحد المراكز الصحية التي أسهم الصندوق في تأسيسها في نيجيريا، قامت بزيارة امرأة كانت قد وضعت طفلة قبل ساعات، فاطمأنت على صحتها، وتحدثت معها حول التوليد في هذا المركز الجديد. وبعد فترة، علمت أن الأم قد سمَّت مولودتها ثريا. ولكن الطفلة والأم توفيتا بسبب انتقال مرض الإيدز لهما من الوالد المصاب به.

لأجل هؤلاء النساء تعمل ثريا عبيد. فلو تم التعرف إلى حالة الأم في وقت مبكر لكان من الممكن منع نقل المرض للطفلة. وهي عندما تطالب بحقوق أية امرأة في العالم تشعر وكأنها تطالب بحقوق ابنتيها، وتعمل على إيجاد مستقبل أفضل وحياة أكرم لهما ولكل أمهات العالم.

برامج لتحسين نوعية الحياة
وفي الواقع، قد انبرت الدكتورة عبيد لأهم ما يشغل المرأة، فكانت برامجها الإنمائية المقدَّمة للدول النامية نموذجاً خلاَّقاً. إذ تعمل على نشر ثقافة صحة الأمومة وتنظيم النسل والصحة الإنجابية، والدعوة إلى إنهاء التمييز والعنف ضد النساء والفتيات، وتعليمهن وتخفيض وفيات الأمهات والأطفال. كما توجهت إلى الدول الإسلامية التي تعاني من الفقر وزيادة عدد السكان ببرنامج تنظيم الأسرة (أو المباعدة بين الولادات) ليمنح كل طفل العناية اللازمة وتمنح الأم الراحة المطلوبة لجسمها طوعاً وليس فرضاً.

كذلك تركِّز هذه البرامج على توافر الخدمات الصحية ومحاربة الأمراض التي بدأت تتفشى مثل الإيدز والمخدرات، إضافة إلى محاربة الفقر، وتحفيز النمو الاقتصادي لتحسين نوعية حياة الفئات المحرومة، فضلاً عن ترشيد الاستهلاك بحيث نلبس ما نصنع، ونأكل ما نحتاج، ونحقق الأمن الغذائي حتى لا يأكل %5 من البشر ويجوع %95 منهم. كما يقوم الصندوق بتقديم المساعدة لوزراء التخطيط حتى تستطيع الدول النامية أن تتخذ قرارات صحيحة.

كما يدخل في إطار هذه البرامج دراسة أسباب الهجرة من الريف إلى المدينة أو حتى إلى خارج حدود الدول، والاهتمام بالمشرَّدين داخل كل دولة، وبأوضاع النساء ولا سيما في حالات الحروب والكوارث الطبيعية. إذ يبدو أن العالم ينسى مثلاً أن المرأة تلد في هذه الظروف، وهناك إهمال كامل لكل الخدمات التي قد تحتاجها المرأة في مراكز اللجوء. إلى جانب أنها قد تتعرَّض للاعتداءات في الحروب، وجزء من عمل هذه البرامج هو في إعادة التوازن النفسي لمثل هؤلاء النساء، ثم العمل على إعادة اندماجهن في مجتمعاتهن.

تقدير عالمي لجهودها
نالت الدكتورة ثريا عبيد وسام «ديونيسيو دي هيرارا لخدمة البشرية» لمساندتها برنامج دمج مواد دراسية حول حماية النساء ضحايا العنف العائلي في مناهج التدريس في أكاديمية الشرطة في هندوراس عام 2005م. ولأنها كانت امرأة مكافحة استطاعت تخطي جميع العوائق الاجتماعية، أُدرج اسمها ضمن اختيارات مجلة «فوربس» لأقوى 50 امرأة عربية. كما نالت شهادة الدكتوراة الفخرية في القانون من جامعة كوانساي غاكوين، كوبي، اليابان، تقديراً لإسهاماتها في النهوض بالثقافة، عام 2004م. وشهادة الدكتوراة الفخرية في القانون من كلية ميلز، أوكلاند، كاليفورنيا، تقديراً لالتزامها بخدمة الناس في البلدان النامية لتحقيق التعليم الأساسي والصحة والفرص الاقتصادية عام 2002م. وقد اختارها ناتانا دي لونغ-باس، نائب محرر موسوعة العالم الإسلامي ومحرر قاموس أكسفورد للإسلام عام 2006م لتكون من ضمن 100 مسلم من بناة الحضارة والثقافة في العالم في كتاب «مسلمون مرموقون».

أضف تعليق

التعليقات