السيارة فرد من أفراد العائلة، يتبقى في الشارع ليلاً ، بهذه الكلمات وصف أحد الكتّاب الساخرين الدور المتعاظم الذي صارت تلعبه السيارة في الحياة اليومية الحديثة.
سنوياً، تطالعنا شركات السيارات بتقنيات وتصاميم جديدة لا تهدف فقط إلى تحسين ما كان موجوداً وتقديم الأفضل، بل تأخذ بعين الاعتبار أيضاً معايير سياسية اقتصادية، بعدما أصبحت صناعة السيارات في صلب سياسات الدول الكبرى ومحور منافسة في ما بينها. وبشكل عام، يمكن القول إن سيرة السيارة هي قصة تطور، حتى ولو كان البعض يرى أنها تراجعت في بعض الجوانب.
فرانسوا حبشي يستعرض هنا أبرز المحطات في مسيرة صناعة السيارات وما آلت إليه اليوم.
يعود إنتاج أول سيارة في العالم، بمحرك بخاري بسرعة ميلين في الساعة، إلى الفرنسي نقولا كونيو عام 1769م، واعترف بها آنذاك كل من النادي الملكي البريطاني للسيارات ونادي فرنسا للسيارات، عكس ما تم تداوله من أن الأمر يعود إلى الألمانيين غوتليب دايملر وكارل بنز اللذين صمما وصنعا سيارة تعمل بوقود الغازولين. وشهد تاريخ صناعة السيارات حدثاً بارزاً تمثل في المعرض العالمي الذي تم تنظيمه في باريس عام 1889م، حيث اكتشف المهندسان الفرنسيان رينيه بانهارد واميل لوفاسور محركاً جديداً، وتم منحهما الترخيص بإنتاجه في السنة التالية، واستعملته شركة بيجو الفرنسية في سياراتها الخمس التي أنتجتها عام 1891م، فأصبحت أول شركة في تاريخ صناعة السيارات تستخدم هذا المحرك، تلتها شركة بنز عام 1893م.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية تمكن جون لامبرت في أواخر القرن التاسع عشر من إنتاج أول سيارة تعمل بالبنزين، تلاه هنري فورد الشهير من خلال طراز فورد تي (T).
وقبل بداية الحرب العالمية الأولى، كانت الشركات الأوروبية متفوقة بشكل ملحوظ على الأمريكية، لكن الصناعة الأمريكية سرعان ما تمكنت من اللحاق بها، وبدأت شركات مثل فورد بتصنيع السيارات بوتيرة متسارعة تقدر بسيارة كل عشر ثوانٍ في مختلف مصانعها أي بإيقاع سنوي يقارب المليوني سيارة، علماً بأن السيارات المتنقلة على الطرقات الأمريكية كانت معظمها تعمل على البخار عكس أوروبا.
التصميم الذي كان فناً
على صعيد التصميم، وتحديداً في أوائل القرن العشرين، كانت هياكل السيارات تصنع من صفائح الحديد السميكة جداً. لذا، كان يتعذر على المهندسين زيادة سرعة هذه السيارات بسبب وزنها. لكن تصاميم تلك الحقبة كانت جذابة جداً، والدليل على ذلك أنها ما زالت تلاقي الإعجاب حتى أيامنا هذه، وربما أكثر من التصاميم الحالية التي لا يزيد عمرها على سنوات خمس أو ست على أبعد تقدير.
وفي منتصف الخمسينيات بدأت المصانع باستعمال معادن خفيفة وصولاً إلى مواد بلاستيكية مقواة أو الألمنيوم الأخف وزناً، الأمر الذي سمح بالعمل على زيادة سرعة السيارات إضافة إلى زيادة كمية إنتاجها، وصولاً إلى رفع قدرة المصانع حتى مئات آلاف الوحدات سنوياً.
أما على صعيد المقصورة الداخلية فمن السهولة على أي كان ملاحظة الفارق بين الصناعة اليدوية التي كانت تستغرق ساعات طويلة يستخدم خلالها العمال مهاراتهم اليدوية لإنتاج تحف فنية بكل معنى الكلمة، مقارنة مع الآلات الأوتوماتيكية حالياً والتي يشوب إنتاجها أحياناً الكثير من الشوائب لدرجة أن بعض الشركات يقوم باسترداد بعض طرازاتها لإجراء الإصلاحات عليها، مما يتسبب بتكاليف إضافية باهظة.
المحركات والمكابح
على صعيد المحركات، تمكن النمساوي سيغفريد ماركوس من صنع محرك باسطوانة واحدة عام 1864م، كذلك استطاع الألماني غوتليب دايملر عام 1885م تصميم محرك باسطوانة أفقية ونظام بخ البنزين عبر المفحم (carburetor)، لكن مواطنه ويلهيلم مايباخ تمكن من تصميم أول محرك بأربع أسطوانات عام 1890م، وهو الذي صنع أول سيارة في العالم تسير على أربعة دواليب ومحرك ذي إحراق داخلي (Internal Combustion Engine). وفي عام 1901م، تاريخ إنتاج ويلهيلم مايباخ سيارة مرسيدس، وضعت لوائح التسجيل المرقمة على كل سيارة في الولايات المتحدة التي شهدت إنتاج أول محرك من ثماني أسطوانات V8 استخدمته كاديلاك في طرازاتها عام 1914م.
أما بالنسبة إلى المكابح فقد تمكن البريطاني فريدريك لانتشيستر عام 1901م من اختراع أول مكابح للسيارات وكانت بدائية جداً. لكن بعد مئة سنة تحولت إلى مكابح فائقة التطور تستخدم نظام منع الانغلاق (ABS) وتساندها مجموعة من الأنظمة التي تحول القيادة إلى متعة وأمان، ومنها نظام توزيع قوة الكبح إلكترونياً بين الجهتين الأمامية والخلفية (EBD)، ونظام مساند للكبح في الحالات الطارئة (لتعويض تردد السائقين في استعمال أقصى قدرات الكبح في ظروف التوقف المفاجئ).
تطور الأساسيات
التشغيل الكهربائي والإلكتروني
وتلازم تطور السيارة مع كل المستجدات في العلوم واكتشافاتها الحديثة. وهكذا كان ولا بد من أن تصبح الكهرباء، ومن ثم الإلكترونيات من أساسيات بنيتها. فكان تشغيل المحركات يتم يدوياً باستعمال مفتاح خاص من الجهة الأمامية للسيارة، لكن المهندس الأمريكي شارلز كتيرينغ وزميله كلايد كولمان تمكنا من اختراع أول مشغل كهربائي للمحرك، تم من خلاله الاستغناء عن الحركة اليدوية المتعبة أحياناً وذلك بعدما أسس كتيرينغ شركة دلكو للهندسة ليواصل الاكتشافات والاختراعات المفيدة آنذاك وتحديداً على صعيدي الإضاءة واحتراق الوقود وغيرها، منطلقاً من مبدأ: العالم يكره التغيير لكنه يتطور به .
وتطورت صناعة المحركات التي زوّدت بتقنيات البخ الإلكتروني المباشر للوقود، وشاحنات الهواء توربو ، ونظام التحكم الإلكتروني بفتح الصمامات وزاويته، ومضخة المياه القابلة للفصل، ومضخة الزيت المحددة المنسوب وغيرها، وكلها تقنيات أسهمت في رفع مستوى أداء وقوة المحركات التي وصلت إلى ما يقارب 1000 حصان في بعض السيارات.
الزوائد تصبح أساسية
ومنذ مطلع القرن العشرين، راحت صناعة السيارات تشهد إضافات، سرعان ما أصبحت من المستلزمات التي لا غنى عنها، نظراً لدورها على صعيد السلامة. فمن الأمور التي شهدت تطوراً لافتاً ماسحات الزجاج على يد ماري اندرسون، التي صممت ماسحات للزجاج الأمامي لإزالة الماء أو الثلج. بدأت القصة عام 1903م، وبعد ذلك بعشر سنوات أصبحت هذه الماسحات من أساسيات كل السيارات الأمريكية. وتمكنت تشارلوت بريدجوود من تقديم الماسحات الكهربائية الأوتوماتيكية. وبمرور الوقت، أصبحت هذه المسّاحات تعمل ضمن توقيت معين ووضعت على الزجاج الخلفي أيضاً، وفي آخر أشكال تطورها أصبحت متصلة بأجهزة استشعار متطورة ما إن تشعر بالمطر حتى تبدأ بالعمل أوتوماتيكياً دون تدخل السائق.
ولأحزمة الأمان أهمية كبيرة أيضاً في حماية ركاب السيارات، وكانت شركة volvo أول من جهّز مركباتها سنة 1949م بأحزمة الأمان، وتطور الأمر مع السويدي نيلز بولين الذي اخترع لاحقاً أحزمة الأمان ثلاثية نقاط التثبيت. وفيما يختص بكراسي حماية الأطفال، فيعود تاريخ إدخالها السيارات إلى العام 1921م. لكنها كانت مختلفة تماماً عن الكراسي الحالية، علماً بأن السيارات الحديثة زوّدت بأجهزة استشعار تعمل على وقف عمل أكياس الهواء الخطرة إذا ما أحست بوجود طفل في المقعد.
وفيما يختص بالنوافذ فقد بقيت عملية فتحها وإغلاقها يدوية حتى العام 1948م حين أدرجت شركة دايملر الزجاج الكهربائي في سياراتها ومن ثم طبقت الأمر على المرايا وتحريك المقاعد.
ومن الأمور الطريفة في صناعة السيارات أنه كان يتحتم على المستهلكين شراء الراديو منفصلاً عن السيارة، علماً بأن الأمريكي بول غالفين كان أول من أدخل الراديو إلى السيارة عام 1929م. كذلك استمر التطور على هذا الصعيد فأصبحنا نشتري السيارة مع جهاز راديو ونظام قراءة أقراص مدمجة وغيرها من التقنيات العالية في عالم المرئي والمسموع، إضافة إلى أنظمة الملاحة التي تساعد السائق على تحديد موقعه واتجاهه، والتلفزيون الذي زاد من عامل المتعة والرفاهية داخل المقصورة.
وتوالت الاختراعات الهادفة إلى تسهيل قيادة السيارة وإراحة السائق قدر الإمكان. رالف تيتور مخترع أمريكي كفيف منذ الخامسة من عمره، حاز على شهادة العلوم في الهندسة الميكانيكية من جامعة بنسلفانيا، وتمكن عام 1945م من اختراع جهاز تحكم (Cruise Control)، الأمر الذي يريح السائق من الضغط على دواسة الوقود خلال الرحلات الطويلة.
وشهدت الإطارات بدورها تطوراً مذهلاً ابتداءً من العام 1844م مع الأمريكي تشارلز غوديير الذي قدم إطارات المطاط التي تم استعمالها في السيارات، تلاه البريطاني جون دنلوب والفرنسي أندريه ميشلان سنة 1895م الذي تمكن من استعمال الدولاب الهوائي للسيارة، ومن ثم الإطار المعروف بـ (Tubeless) مع المهندس الأمريكي ليتشفيلد عام 1954م. أما اليوم فقد أصبحت الإطارات مزودة بأنظمة متطورة تمكنها من السير لمسافة تصل إلى 150 كلم بسرعة 80 كلم بالساعة حتى بعد انثقابها.
ومن المستحدثات التقنية هناك أيضاً أنظمة المراقبة العاملة على مساعدة السائق أثناء القيادة، مثل نظام مراقبة ضغط الهواء في الإطارات، الكاميرات الأمامية والخلفية بزاوية 180 درجة لمساعدة السائق على الرؤية الواضحة أثناء ركن السيارة، ونظام كشف الزاوية الميتة حيث توضع كاميرات صغيرة في المرآتين العاكستين الجانبيتين ليتمكن السائق من كشف السيارات الآتية من الخلف.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد وشركات السيارات تطالعنا يوماً بعد يوم بجديدها وهي تحاول حالياً تطوير بعض الأفكار، مثل جهاز ذكي يحدد تلقائياً سرعة السيارة وفق قوانين الدولة المستخدمة فيها، بفضل خريطة إلكترونية مبرمجة مسبقاً لطرقاتها، وجهاز يحلل لهاث السائق للكشف عمّا إذا كان مخموراً ليمنع اشتعال المحرك تلقائياً، وذلك بعد تطوير جهاز رادار مبرمج للعمل على مسافة معينة، يكشف وجود آليات مجاورة، فيقوم بإبطاء وإيقاف السيارة عند مسافة معينة منها، حتى إذا ما ابتعدت هذه الآلية تعود السرعة إلى الارتفاع مجدداً.
باختصار، لقد شهدت صناعة السيارات تطوراً مذهلاً خلال المائة سنة الماضية، ولا يزال هذا التطور مستمراً، ويبرر التساؤل ما إذا كانت السيارة ستطير في المستقبل.. وعلى الرغم من الإجماع على أن كل هذه التطورات التي أشرنا إليها صبّت في النهاية في صناعة سيارة أفضل من سابقاتها من حيث مقاييس السلامة والرفاهية وسهولة القيادة، تبقى سيارة اليوم مقارنة بسيارات الأمس موضع جدل غير محسوم.
من يستعرض السيارات الجديدة التي تسير في الشوارع اليوم يلاحظ أمرين: الأول، تشابه شديد في عناصر شكلها / المصابيح، الدعامات، النوافذ الخ..، وفي حال وجود اختلاف ما، فهو لا ينتمي إلى شخصية تمتلكها السيارة دون غيرها بقدر ما هو مجرد تغيير عن موديل السنة التي مضت. فلا السيارة الأوروبية باتت تختلف كثيراً عن اليابانية، ولا الأمريكية تختلف عن الاثنتين، ناهيك عن الكورية التي بدأت تنتشر في السنوات الأخيرة. ورغم وجود استثناءات بسيطة، يمكن أن يختلط الأمر على الناظر فيصعب عليه، من دون متابعة دقيقة معرفة نوع السيارة وفئتها. بخلاف ما كان عليه الحال مع الموديلات القديمة، خاصة في مرحلة الخمسينيات والستينيات الميلادية، حيث كان لكل سيارة شخصية تصميمية خاصة، تعتز بها وتتباهى.
كان هناك نوع من التصنيف العام، فالسيارات الأمريكية مثلاً كانت تختلف الواحدة عن الأخرى في تصميمها الخارجي، ولكنها كانت تشترك في طابع عام يتسم بالفراهة الشديدة. ولم تكن أية سيارة أوروبية تشبه السيارة الأمريكية. فبالإضافة إلى اختلاف الحجم، كان هناك لكل من هذه السيارات طعم مختلف. كما أنه من المرجح أن بداية هذا التحول نحو التشابه الذي نلحظه اليوم كانت مع انتشار الاهتمام بانسيابية شكل السيارة. والدافع إلى الاهتمام المتزايد بالانسيابية كان نتيجة تطور الدراسات والأبحاث الأيروديناميكية التي انصبّت على أثر احتكاك السيارة بالهواء على أدائها.
فرضت الخطوط الانسيابية نفسها حلاًيقلل من ضغط الهواء على السيارة. وظهرت إعلانات تصور السيارة من أحد جانبيها وقد بنيت عليها خطوط انسيابية تمثل حركة الهواء في مواجهتها وفوقها ومن حولها. وحقق هذا التطور الشكلي نتيجتين إيجابيتين طالما تمنى الوصول إليهما مصممو السيارات، وهما: السماح للسيارة بالسير بسرعة أكبر من خلال قوة الدفع نفسها، واستهلاك أقل للوقود بسبب تدني ضغوط الهواء على السيارة الذي كان يتطلب طاقة أكبر لمواجهته.
وإضافة إلى هذا السبب التقني، لعبت السياسة الاقتصادية دوراً بارزاً في التأثير على شكل السيارة. فقد أدى رواج السيارات اليابانية الصغيرة منذ السبعينيات إلى إثارة الاستنفار في صناعة السيارات الأمريكية الفارهة التي وجدت في السيارة اليابانية الصغيرة وقليلة التكلفة منافساً خطراً. فبدأت السيارات الأمريكية تقصر بضع سنتمترات سنوياً. وفي المقابل كانت السيارات اليابانية تتطلع إلى سوق السيارات الأمريكية وكأنها مثل أعلى يجب الارتقاء إلى مستواه، فراحت تكبر حجماً بضعة سنتمترات كل سنة. والتقى الطرفان، من حيث حجم السيارة في نقطة قريبة عموماً من حجم السيارة الأوروبية التي كانت تحتل منزلة وسطى ما بين الاثنتين. وهكذا أصبح الفرق في الحجم والشكل ما بين سيارات فورد و تويوتا و بيجو و مرسيدس أقل كثيراً مما كانت عليه الفروقات ما بين الكاديلاك و داتسون قبل ربع قرن.
فمن شبه المؤكد أن شركات صناعة السيارات دخلت في سباق جديد للوصول إلى الشكل الرائج ، بدل التمسك بالسمات الفنية الخاصة لموديل السيارة الأصلي، والذي كان يمثل شخصيتها الخاصة التي عرفت بها. وأصبحت صناعة السيارات تتجه إلى الموضة العامة بدل الأسلوب المتميز، بعدما كان الموديل الأجمل أو الأمثل للسيارة مستقلاً تماماً عمّا هو عليه في كل السيارات الأخرى، كما كان يقوم على سمات فنية متينة يتم تصميمها على مراحل وصولاً إلى الشكل الفريد والمتميز والأوحد.
الانسيابية، المنافسة التجارية، تبدل الذوق العام… أسباب قائمة ومقنعة. ولكن من الممكن إضافة سبب آخر لهذا التشابه القائم حالياً بين أنواع السيارات، ويرتبط بعمق مفهوم التطور.
فتاريخ اختراع السيارة وتطورها يؤكد أنها لم تكن من صنع شخص واحد. بل كانت عبارة عن حصيلة عدد
لا يحصى من الإسهامات المختلفة. من فرنسا وبريطانيا إلى السويد وأمريكا واليابان… وإذا كانت المنافسة التجارية عملت، ولا تزال، على احتكار الاستفادة من كل مساهمة جديدة وحصرها قدر الإمكان في شركة دون الأخرى، فإن تلاقي هذه الإسهامات في النهاية أمر محتم، ولا بد من أن تتجه إلى الانصهار لتصبح واحدة، بفعل تطور كافة أشكال التواصل ما بين أنحاء العالم، بدءاً بالاتصالات التي تروج عالمياً لمقاييس ومواصفات جمالية معينة، وانتهاء بنسج أشكال كثيرة من التعاون الاقتصادي (شراء، اندماج، محاصصة) ما بين شركات السيارات المختلفة في العالم. فهل تسير صناعات السيارات في العالم نحو إنتاج السيارة الواحدة للعالم بأسره؟
قد يكون هذا السؤال يرسم المستقبل، أما السؤال الذي بات يمكن طرحه اليوم هو هل نحزن على غياب النكهات الخاصة الفريدة ونندم على افتقادها في تصاميم السيارات؟ أم نفرح لمزاج عصري يسدد ويقارب؟
سيارة أيام زمان
سيارة أيام زمان
فيما مضى كان الحصول على سيارة خاصة أشبه بالحلم… ونادراً ما كان الشباب يملكون سيارة. كانت الطبقات الموسرة فقط هي التي تقتنيها. السيارة في الأربعينيات والخمسينيات كانت تعتبر من المقتنيات الفاخرة.
لم تكن الأحياء مكتظة بالسيارات كما هي الحال الآن. عندما كانت تقف سيارة تحت العمارة السكنية وتطلق نفيرها كان نصف أهل الحي يطلّون ليتفرّجوا عليها وعلى من بداخلها ومن المقصود بالنفير.
كانت السيارة آلة مهمة. لم تكن فقط وسيلة للتنقل، كانت شيئاً ممتعاً للنظر. هيكلها كان «مشغولاً» بدقة وباحترافية وبفن. لمعان معدنها وبريق ألوانها وطرازها كان يبهج الناظر إليها. كنت تحس أن كل سيارة مصنوعة بيد فنان محترف.
وركوبها.. لم يكن بالإمكان أن تجلس بسيارة دون أن تجول عيناك في زواياها. السقف المغطّى بالجلد أو المخمل، الأرضية المفروشة بالسجاد السميك، مقابض الأبواب والزجاج (غير الآلي) اللمّاعة، لوحة العدادات الواضحة الأرقام الجذابة، الخشب الطبيعي الذي يحيط باللوحة.
كانت المناظر التي تمر بها وأنت في السيارة تبدو أكثر جمالاً … فأنت في عربة أنيقة تمشي بهدوء في شوارع غير مزدحمة، وبسرعة بطيئة تعفيك من الإحساس بالخطر، مما يزيد من استمتاعك بالنزهة.
كانت الشركات المصنعة تتبارى في إبراز الشخصية الخاصة بها. لم تكن السيارات تتشابه مثلما هي اليوم. كنت تعرف نوع السيارة بمجرد ما تلمحها، اليوم أنت تحتاج لأن تقرأ اسم الشركة المصنعة حتى تعرفها، من كثرة تشابه الموديلات حتى أصبحت تبدو وكأنها خارجة كلها من مصنع واحد.