حياتنا اليوم

مواجهة السمنة عند الأطفال
بالحسنى والصبر…وبعض الرياضة

  • 63a

باتت السمنة عند الأطفال من القضايا التي تثير قلقاً متزايداً في العالم بأسره لتفشيها المتزايد بشكل لافت.
وقد أطلقت الصرخة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنين، لكن الظاهرة أخذت تتزايد في المملكة العربية السعودية والبلدان العربية الأخرى، حيث تشير دراسة نشرت في يونيو 2002م إلى أن زيادة الوزن موجودة عند 11 في المئة و13 في المئة من الأولاد والبنات على التوالي، أما نسبة السمنة فتبلغ 6 في المئة عند الأولاد و7 في المئة عند البنات. وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن أعلى نسبة زيادة في الوزن هي عند أطفال المنطقة الشرقية، وأدناها عند أطفال المنطقة الجنوبية.
اختصاصية التغذية إيمان سعدالدين تحدثنا عن هذه الظاهرة وتعرض آخر ما توصل إليه العلم في أسلوب التصدي لها من قبل الأهل.

أسباب السمنة
يتكون جسم الإنسان من مواد عديدة، وعندما نتكلم عن الوزن الزائد أو السمنة علينا أن نفهم بذلك الدهن الزائد لأن المشكلة عند الشخص البدين تكمن في ارتفاع كمية الدهون في جسمه. ويمكن للسمنة أن تكون ناتجة عن عوامل عديدة منها الجينية، البيلوجية، النفسية، الاجتماعية والبيئية. وقد تفشت في السنوات الأخيرة بشكل وبائي بسبب نمط الحياة الحديثة، إذ قلل الجلوس أمام التلفزيون وألعاب الكومبيوتر حركة الأطفال والمراهقين مقارنة مع ما كانت عليه في الماضي، وتضاءلت بالتالي مجالات حرق الدهون وتخلص الجسم منها. ومن أبرز الأسباب المباشرة للسمنة في عصرنا الحالي هو الاستهلاك المتزايد للأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والفقيرة بالعناصر الغذاية في الوقت نفسه، وذلك لسهولة الحصول عليها في مطاعم الوجبات السريعة.

مخاطرها
تؤدي السمنة المفرطة عند الأطفال إلى جملة متاعب صحية وأمراض على الصعد الآتية:
صحة القلب والجهاز الوعائي: ارتفاع الكولسترول، اضطراب الدهون في الدم وارتفاع الضغط.
الغدد الصمّاء: ارتفاع إفراز الأنسولين، مقاومة الأنسولين، عجز في تحمل الجلوكوز السكري النوع الثاني، عدم انتظام الدورة الشهرية عند الفتيات.
الصحة النفسية: الاكتئاب وقلة الثقة في النفس.
الجهاز التنفسي: الربو، اضطراب النوم لضيق في التنفس.
العظام: التواء عظام الأرجل.
الجهاز الهضمي: التهاب الكبد الدهني.
وفوق كل ذلك، من الممكن أن تؤدي السمنة المفرطة عند الأطفال والمراهقين إلى الإصابة في عمر الشباب بأمراض مزمنة تصيب عادة الكبار والمسنين مثل أمراض القلب والسكري وضغط الدم، وحصيَّات المرارة.

أسس المواجهة وعناصر برنامجها
في مواجهة سمنة الأطفال يجب أن ينصبّ الاهتمام على إيقاف زيادة الوزن بدلاً من العودة به إلى الوراء. فمع الوقت ينمو الطفل ويزداد طوله فيصبح وزنه الثابت مناسباً لطوله المتزايد. فالمبالغة في تحديد السعرات الحرارية قد تؤثر في التمثيل الغذائي وأيضاً على زيادة طول الطفل ونموه. أما بالنسبة إلى المراهقين الذين تعدوا مرحلة الزيادة في الطول، فيكون الهدف أولاً المحافظة على الوزن نفسه ومن ثم تخفيضه بشكل معقول من خلال ممارسة الرياضة التي تزيد من كتلة العضلات على حساب كتلة الدهون. يقوم أساس المواجهة هذه على برنامج يطال جانبين هما:
أولاً: تحسين السلوكيات العائلية
من المهم أن تكون التغيرات السلوكية للعائلة عامة ولا تقتصر على التعامل مع الطفل المصاب بالسمنة. ومن النصائح التي يمكن توجيهها للأهل في هذا المجال ما يأتي:
كونوا قدوة إيجابية: حددوا مقادير الطعام، وتناولوه فقط عند الإحساس بالجوع وليس للتسلية. وشجعوا الطفل على تناول الخضار والفاكهة كوجبات خفيفة بين الوجبات الرئيسة من خلال مشاهدته لكم تفعلون ذلك.
لا تتعاملوا مع الطعام على أنه مكافأة: علموا أولادكم أن الطعام يزود بالطاقة، ولا يمكن للسكاكر والحلوى والمثلجات أن تكون جوائز على عمل جيد قام به.
اجعلوا الطعام نشاطاً مستقلاً حيث تجلس العائلة كلها لتناول الطعام من دون القيام بأي عمل آخر في الوقت نفسه. واشركوا الأطفال باختيار ما سيُطهى وتحضيره وتحضير الطاولة والتنظيف بعد ذلك.
لاحظوا ما يشربه أطفالكم أيضاً. فاستعمال الماء لري العطش أفضل من العصير. وعلى الرغم من أن العصير الطبيعي صحي، فالمبالغة في استهلاكه تجعله مصدراً للسعرات الحرارية الزائدة.
لا تتشددوا كثيراً: فتقليل الحلويات أفضل من إلغائها.
ركزوا على الأهداف الإيجابية: فبدلاً من الإلحاح على وجوب تخفيض الوزن، حدثوا طفلكم عن إمكانية ركوب الدراجة لعشرين دقيقة من دون أن يتعب إذا خفّض وزنه.
تحدثوا مع أطفالكم بصراحة وتفهم ومن دون محاكمة، ولا تتحدثوا بسلبية قاسية عن زيادة وزنهم؛ لأن ذلك يزيد من اكتئابهم النفسي.
نظموا النشاط البدني لأطفالكم: حددوا ساعات مشاهدة التلفزيون واستخدام الكومبيوتر بساعة أو اثنتين في اليوم، ليس أكثر. ومن الأفضل ألاَّ يكون هناك تلفزيون في غرفة نوم الأطفال، إذ أثبتت الدراسات أن نسبة السمنة ترتفع 2 في المئة لكل يوم من مشاهدة التلفزيون. وحاولوا تشجيعه على اختيار رياضة يمكنه أن يمارسها بانتظام، واجعلوا من النزهة سيراً على الأقدام مكافأة للطفل على عمل جيد قام به (بدلاً من الحلويات). فمن الضروري أن يمارس الأطفال ساعة يومياً من النشاط البدني للحصول على الوزن السليم والراحة النفسية، والصحة الجيدة لعظامه ومفاصله.

ثانياً: التغذية الصحية
التغذية الصحية مهمة لكل أفراد العائلة، وليس فقط للطفل المصاب بالسمنة. وقد صارت عناصر التغذية السليمة معروفة، ولذا نكتفي هنا بالتذكير ببعض عناوينها:
زيادة استهلاك الألياف الموجودة في النشويات المركبة مثل الحبوب الكاملة، الشعير، الأرز الأسمر، الخبز الأسمر، الخضار والفاكهة، والبقوليات التي تعتبر مصدراً مهماً للبروتينات النباتية مثل العدس، الفول، الحمص..
استعمال الدهون الجيدة الموجودة في الزيوت النباتية (زيتون، ذرة، صويا، دوار الشمس…) وفي المكسرات مثل الجوز واللوز والبندق والفستق، التي تعتبر أيضاً مصدراً رائعاً للبروتين، وفي بعض الأسماك مثل السلمون.
تقليل الاختيارات الآتية: النشويات البسيطة والسكر، والملح والدهون السيئة (أو المشبعة) مثل الزبدة والسمنة والدهن الحيواني.
تنويع الطعام وانتظام وجباته: يستحسن أن تضم كل وجبة أكبر قدر ممكن من تنوع المواد التي يستحسن استهلاكها، وأن تكون الوجبة التالية مختلفة عنها قدر الإمكان. وأن يتم تقديم الطعام في ثلاث وجبات رئيسة ووجبتين صغيرتين، مع إيلاء الفطور الصباحي الأهمية التي يستحقها. فالفطور يساعد الطفل على عدم المبالغة في تناول الطعام خلال باقي اليوم، ويحسن أداءه المدرسي إضافة الى أنه يوفر العناصر الغذائية الضرورية للنمو.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأطفال ما بين السنتين وست سنوات يحتاجون إلى الحليب ومشتقاته مرتين إلى ثلاث مرات في النهار. ولا يجب تقليل كمية الدهون قبل عمر السنتين وصولاً حتى عمر السنوات الخمس. وإذا لم يتناول الأطفال الكمية الكافية من الحليب، فيمكنهم الحصول على الكالسيوم الضروري من بعض الأغذية الأخرى مثل السردين (الذي يؤكل مع عظامه الطرية)، والخضار الورقية الخضراء مثل السبانخ والملفوف.

وأخيراً نشير إلى أن العاملين في المراكز الصحية لا يستطيعون لوحدهم مواجهة قضية السمنة عند الأطفال. إذ يتطلب الأمر تعاوناً عائلياً وبرامج توعية تتغلب على سلوكيات المجتمع الذي يميل أكثر فأكثر صوب قلة النشاط البدني. وعادة، تتسبب مشكلة صحية بتنبيه الأهل إلى سمنة أطفالهم ومسؤوليتهم عنها، ولكن أليس من الأفضل تدارك المشكلة قبل وقوعها؟

أضف تعليق

التعليقات