قصة مبتكر
قصة ابتكار
جيف راسكن
زراعة اللؤلؤ
منذ بداية استخدام الكمبيوتر وحتى نهاية الثمانينيات كانت أنظمة التشغيل والتطبيقات المثبتة عليها تعتمد على أوامر معقدة يجب على المستخدم أن يفهمها ويحفظها ويكتبها عبر سطر أو محث الأوامر لإتمام مهام معينة على الكمبيوتر، وكان استخدام الكمبيوتر حينذاك قاصراً على من لهم القدرة على استخدام تلك الأوامر وتشغيلها. ومجرد تذكر تلك الفترة ومقارنتها بالحاضر، يجعلنا نستوعب معنى وقيمة تطوير واجهات الاستخدام الرسومية التي يعد جيف راسكن أبرز روادها. ولد جيف راسكن في التاسع من شهر مارس من عام 1943م، وتخرج من جامعة نيويورك، بكالوريوس رياضيات سنة 1964م، واستمر في الجامعة نفسها لدراسة فلسفة العلوم، وفي عام 1967م درس علوم الكمبيوتر في جامعة بنسلفانيا، ثم التحق بجامعة كاليفورنيا لدراسة الالكترونيات والموسيقى الرقمية. اعتمد جيف راسكن بعد دراساته الأكاديمية على الدراسات الحرة في مجالات مختلفة ساعدته على تحقيق أهدافه في عالم التكنولوجيا ومنها: البيئة والأحداث، أدوات الفنون، بداية البرمجة، التطبيقات البشرية وتكوينها، الرسم بالكمبيوتر والرسوم المتحركة، التطبيقات الموسيقية على الكمبيوتر، الإلكترونيات الموسيقية، الوسائط المتعددة، برمجة الكمبيوتر بلغة باسكال، برمجة الكمبيوتر بلغة بيسيك، إضافة إلى الطيران في جامعة سان دييغو وصولاً إلى الموسيقى والتلحين. التحق راسكن بشركة أبل في عام 1978م وكان الموظف رقم 31، وترأس فريق عمل متخصص في تطوير نظام الماكنتوش الذي سمي بالاسم نفسه بعد انتهاء المشروع والذي أثمر عن أفضل منتجات أبل وأكثرها استخداماً حتى وقتنا هذا. ورغم أن راسكن ترك أبل سنة 1982م قبل طرح جهازها أبل ماكنتوش في الأسواق، إلا أنه بابتكاره للواجهات الرسومية لاستخدام الكمبيوتر قاد الشركة من مرحلة التأسيس وانطلق بها بدءاً من ذلك العام. اشتهر راسكن بدوره الكبير في تطوير واجهات الاستخدام الرسومية حيث تمكن من إقناع زملائه في شركة أبل بأن السبيل الوحيد إلى توسيع دائرة جمهور مستخدمي الكمبيوتر هو عمل واجهة أنيقة وسهلة الاستخدام. واستمر هذا المبتكر في رحلته الهادفة إلى تحسين أنظمة أجهزة الكومبيوتر، محاضراً في الجامعات العالمية، وناشراً مقالاته الفنية في الصحف، كما عمل مستشاراً لأكثر الشركات العاملة في مجال تطوير الكمبيوترات مثل آي بي إم، وهيوليت باكارد، وإنتل كوربريشن، وغيرها من الشركات الكبرى. وكان راسكن قد تزوج من ليندا بلام في العام 1982م، وأنجب أربعة أولاد. وفي عام 2000م نشر كتاباً بعنوان: هيومان انترفيس (The Humane Interface)، دعا من خلاله إلى التقدم بقوة في تطوير جميع المنتجات التي تخدم البشرية وعدم الاستسلام للعيوب التقنية والتغلب عليها. وكان راسكن يعمل مؤخراً على مشروع يدعى: آركي، حيث كان يأمل في أن يحوّل خبراته وأفكاره التي دوّنها في كتابه إلى واقع عملي عبر برنامج يحقق ما يصبو إليه، إلا أن الأجل عاجله في 26 فبراير 2005م. دون إكماله، غير أن ابنه آزا راسكن سيتابع مشروع والده ويتوقع له أن ينجز إصداره التمهيدي قبل نهاية 2005م.
لآلاف السنين بقي اللؤلؤ واحداً من أكثر أسرار الطبيعة غموضاً وانغلاقاً على فهم الإنسان. وكل ما عُرف من هذا اللغز هو أن تلك الكرات الصغيرة الثمينة يُمكن العثور عليها في الأصداف التي تنمو في مواقع محددة من بحار العالم. ومن المؤكد أن الإنسان طوّر معرفته بمصائد اللؤلؤ ومواسم الصيد وطرق استخراج اللؤلؤ، والاتجار به في أسواق العالم لصناعة الحلي والمجوهرات, إلا أن المعرفة لم تصل إلى فهم ذلك السرّ. ولم يتوصل الإنسان إلى ما يفسر وجود لؤلؤة في هذه الصدفة دون تلك.. ولماذا لؤلؤة هذه الصدفة أكبر حجماً من اللؤلؤة التي وُجدت في الصدفة الأخرى؟ ولماذا تختلف أشكال اللآليء؟ وألوانها؟ هذه الأسئلة لم تجد إجابات علمية حتى ظهر الياباني كوكيشي مكيموتو في منتصف القرن التاسع عشر وكشف السرّ الذي مكّنه، لاحقاً، من تقليد الطبيعة وإنتاج اللؤلؤ عبر الزراعة. ويكمن السرُّ في أن اللؤلؤ، أصلاً، ليس إلا وسيلة دفاع تلجأ إليها المحارة حين تتعرض لالتهابٍ وهي في حجرتها الصدفة ..! المحارة كائن حيٌّ رخوي يسكن الصدفة، وأحياناً تتسلل كائنات دقيقة إلى داخل هذه الصدفة التي تؤمن لها الحماية، وتستقرّ فيها، فيُحدث ذلك التهاباً في جسم المحارة الحساس، فتلجأ هذه الأخيرة إلى إفراز مادة لؤلؤية على الكائن الذي تسبب في الأذى، وتواصل إفراز المادة إلى أن تطوقه، فتتكون الكرة اللؤلؤية. أمضى مكيموتو أكثر من خمسة عشر عاماً في تجاربه المضنية، بمساعدة زوجته التي كانت شريكته في هذا الكشف. وقد لاحظا أن انخفاض درجة الحرارة عن سبع درجات مئوية تقتل المحار، كما أن النتيجة تتكرر في حال وضع عدد كبير من المحار في قفص واحد. وبدلاً من أن يُنتج زرع الطفيليات في المحار لؤلؤاً؛ فإنه كان يقتلها، إذ كان يضع الجسم الغريب في غير مكانه المناسب. أعاد مكيموتو حساباته، ورصد أخطاءه محاولاً تلافيها، وقام بزرع الأجسام الغريبة في خمسة آلاف محارة، وراح ينتظر النتائج، وفي أحد أيام سبتمبر من عام 1859م، تسللت زوجته سراً إلى أقفاص المحار المزروعة واكتُشفت أول لؤلؤة مزروعة في التاريخ. ولم تكن النتيجة اختراقاً علمياً مدهشاً فحسب؛ بل إن اللؤلؤ الياباني الذي سرعان ما انتشر في الأسواق العالمية في عقود قليلة، أحدث زلزالاً مدوياً في اقتصاديات اللؤلؤ الطبيعي، وكاد يقضي عليها نهائياً، خاصة في العقود الأولى من القرن العشرين التي سجلت انهياراً موجعاً لتجارة اللؤلؤ الطبيعي وصناعته، وتوقفت أعمال الغوص والصيد، وراح تجار اللؤلؤ التقليديون يواجهون الخيبة تلو الخيبة في البحث عن أسواق جديدة تستقبل مخزونات اللؤلؤ الطبيعي الذي تكدس لديهم. غير أن هذا الابتكار أسس لصناعة عملاقة جديدة تعرف اليوم نشاطاً عالمياً انطلاقاً من الشرق الأقصى وخاصة اليابان، الصين، كوريا، والفلبين.. كما سمح لكل نساء الطبقة المتوسطة في العالم بالحصول على هذه الحجارة الكريمة التي كانت سابقاً حكراً على الملوك وكبار الأثرياء في العالم. ويُروى عن مكيموتو أنه سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقابل توماس أديسون الذي أدهشه الابتكار، ووصفه بأنه معجزة علمية .