اطلب العلم

الاختراع المناسب
في البيئة المناسبة

يجمع معظم خبراء الكومبيوتر على أن برامج شركة مايكروسوفت ليست بالضرورة أفضل من سائر مثيلاتها المتنافسة معها. ومع ذلك فقد احتكرت شركة مايكروسوفت سوق البرامج في معظم أنحاء العالم. ولتفسير هذا النجاح العملاق، ننتقل إلى مثلٍ آخر لا علاقة له ظاهرياً بهذا الشأن.

عالم الفلك ابن الشاطر، وهو إمام جامع دمشق في القرن الرابع عشر الميلادي، توصل إلى استنتاج مهم، وهو أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس، وذلك قبل أن يتوصل كوبرينكس إلى النتيجة نفسها بنحو مائة عام. وعلى الرغم من ذلك، فإن الشائع في الأوساط العلمية والشعبية أن كوبرينكس هو من توصل إلى هذا الاكتشاف.

مثل ثالث يقربنا أكثر من إثبات الملاحظة التي سنبديها هنا. فقد أنتجت شركة كانون سنة 1984م أول آلة تصوير رقمية في العالم. ورغم اعتماد هذه الآلة في الألعاب الأولمبية في لوس أنجلس خلال السنة نفسها، وتوظيف الكثير من الأموال فيها، فقد تعرضت لنكسة كبرى استمرت حتى منتصف التسعينيات، تاريخ نشوء وتوسع شبكة الإنترنت، حيث بات من السهل حفظ الصور الرقمية على الكومبيوتر ونشرها عبر الإنترنت. وما إن كادت هذه الصناعة تتنفس الصعداء، حتى عادت وانتكست من جديد، في أسواق اليابان على الأقل، أمام كاميرا الهاتف الجوال.

فما هو المشترك بين نجاح مايكروسوفت، والإجحاف الذي لحق بابن الشاطر، والعواضف التي لحقت بشركة كانون ؟ الجواب: البيئة الاقتصادية .

وتعبير البيئة الاقتصادية صار يستعمل بكثرة في الآونة الأخيرة كموجه للنشاط العلمي الذي تُرجى منه فائدة. فبيئة ابن الشاطر لم تكن مؤهلة للاستفادة من اكتشافه، على عكس أوروبا التي انطلقت من اكتشاف كوبرينكس إلى استكشاف العالم والوصول إلى أمريكا. أما الكاميرا الرقمية، فإنها انتكست أولاً لأنها سبقت بيئتها الأساسية المتمثلة في الإنترنت. ومن ثم انتعشت بانتعاش هذه البيئة.

ولو أخذنا قواعد البحث الأكثر انتشاراً في العالم، لوجدنا أن Google الذي انطلق بقوة سنة 1998م، لم يعد أكبرها على الإطلاق بعد أن أطلقت مايكروسوفت الـ m.s.n . ومع ذلك اكتسب الغوغل ما يسميه كريس شيرمان، وهو من كبار خبراء الإنترنت، مساهمة ذهنية، فتعبير to google أصبح يعني ليبحث حتي في ثقافة العامة، ومن المرجح أن يدخل القاموس. لقد أصبح اسم غوغل بسبب ظهوره في الوقت المناسب تماماً جزءاً من البيئة.

وعلى ضوء سلامة التلازم ما بين الاكتشاف والاختراع من جهة والبيئة المحيطة بهما ومدى حاجتها أو استعدادها للتعاطي معهما، يمكن قراءة تاريخ العلوم والاختراعات، ما نجح منها، وما دخل طي النسيان والإهمال، وربما كل ما تنتجه العقول اليوم من اختراعات وابتكارات، لمعرفة ما سيبقى منها، حتى المستقبل وما سيزول.

أضف تعليق

التعليقات