بيئة وعلوم

المحميات الطبيعية
الطبيعة في هجوم مضاد

  • 38a
  • 32a
  • 34a
  • 35a
  • 35b
  • 36a
  • 37a
  • 37b

تكثر إعلانات الحماية لبعض المواقع الطبيعية في كل مكان من العالم، وكأن الطبيعة انتقلت بمساعدة أنصارها إلى الهجوم المضاد لغزو الإنسان لها. ولأن الكثيرين يعتقدون أن المحمية الطبيعية هي مجرد موقع يحظر على الإنسان دخوله أو البناء فيه، يوضح لنا قتيبة بن حمود السعدون وجود أنماط مختلفة من المحميات، ويجول بنا على بعضها في ربوع المملكة العربية السعودية.

لم يكن مصطلح المحميات الطبيعية شائعاً في الستينيات من القرن الماضي ولكن مع دوران عجلة التنمية الصناعية العالمية ووسائل المواصلات والتوسع في استخدام الأراضي البكر، تولد الشعور بأن الأحياء التي تعيش في البراري من حيوان طليق أو طير أو نبات أصبحت مهددة في مواطنها الطبيعية أو مصادر غذائها أو امتدادات انتشارها وتكاثرها.

وحينما زادت الضغوط على تلك الأنواع الحية وبيئاتها ظهرت ما بين الحين والآخر لفتات نظر، ما لبثت أن أصبحت نداءات تدق ناقوس الخطر للتنبيه إلى أن الأحياء التي تشاركنا العيش في هذا الكوكب بدأت بالانحسار أو الانقراض بالفعل، وهو ما يعني تهديداً ليس لباقي الأنواع فقط، بل لإمدادات الغذاء والطاقة ودورات تكوين الأكسجين والماء وزعزعة التوازن للعناصر الطبيعية وجودة الهواء والماء وصحة بيئة الإنسان نفسه. الأمر الذي دفع بالعديد من الحكومات إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير للمحافظة على ثرواتها الفطرية، ومن أبرز هذه الخطوات كان إعلان بعض المناطق الطبيعية: محميات.

تصنيف المحميات الطبيعية
نبدأ بالسؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين حول ما إذا كانت كل المناطق المحمية متشابهة في طريقة إدارتها وتخضع لقوانين موحدة. والجواب هو بمنتهى البساطة: لا. ذلك لأن كل محمية تختلف عن غيرها في الأهداف التي أنشئت من أجلها، وفي درجات حساسية المواطن الطبيعية فيها ونوعية تلك المواطن. وهناك تصنيفات عالمية كثيرة لأنواع المناطق المحمية والتقسيمات داخل كل منطقة محمية. ومما يطبق في المحميات العالمية من تصنيفات يشتمل على الآتي:

1 – 
محمية ذات طبيعة خاصة: وهي المحمية التي تحظى بحماية مطلقة، وتحوي حسب حساسيتها منطقة واحدة أو منطقتين هما: منطقة الحماية البحتة، وتعتبر جميع الأنشطة فيها محظورة إلا الأنشطة العلمية البحثية. والمنطقة الثانية هي المنطقة العذراء وتُسمح فيها الزيارة للسياحة البيئية التي تحافظ على الحياة الفطرية والأنشطة التي لا تمس الموقع بأي ضرر.

2 – 
محمية الموارد المستغلة: هي النطاق الثاني المتاخم للمحمية ذات الطبيعة الخاصة، وفيها يسمح باستغلال الموارد الطبيعية كالرعي والأنشطة الإنسانية المعقولة بشكل مرشد ومنظم يتيح استمرارية عطاء الموارد.

3 – 
محمية تنظيم الصيد: هي النطاق الأبعد الذي يلي النطاقين المذكورين سابقاً، وفيها ينظم الصيد في مواسمه المعلنة، وتكون هناك حرية أكبر لممارسة الأنشطة السكانية مع المحافظة على السمات الطبيعية بقدر الإمكان.

4 – 
المتنزهات الوطنية: هي المواقع المهمة للسكان ترويحياً، ويحافظ فيها على النظم البيئية وتتاح جميع الأنشطة فيها، عدا ما يفقد أو يهدد صلاحية المكان وجودته.

5 – 
محمية الطرز الطبيعية: هي مواقع محمية بغرض المحافظة على مظاهر طبيعية فريدة كفوهات بركانية متميزة أو قمم جبلية عالية وغيرها، وعموماً، فهي أصغر من المتنزهات الوطنية.

6 – 
محمية النوع البيولوجي: هي محمية لنوع حي معين غالباً ما يكون من الأنواع النباتية كأشجار معدودة مهددة بالانقراض. تُحمى كي تبقى تعطي المصادر الوراثية لاستمرار أجيالها، كالبذور أو الأفرع النامية أو أجزاء التكاثر في مواطنها الطبيعية الأصلية.

7 – 
محمية الملاذ الطبيعي: هي محمية تهدف إلى المحافظة على النوع الحي عن طريق الإدارة البيئية لملاذ هذا النوع. وغالباً ما تكون لمواطن هجرة الطيور، أو تعشيش الأنواع المهمة، أو ملاذاتها.

8 – 
المحميات الجمالية: وهي عبارة عن مواقع تُحمى لتميزها بجمالها وحسن منظرها الاستجمامي والترويحي.

وهناك تصنيفات كثيرة أخرى سواء داخل كل محمية، أو ما له علاقة بالسكان المحليين وغير ذلك من تنظيمات إدارية.

الحماية حاجة ومهمة صعبة
تشكل حماية المواقع الطبيعية جانباً من جوانب المهمة العريضة المناطة بالهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، كوسيلة فعّالة للمحافظة على إنتاجية الموارد الطبيعية، ومعالجة ما سبق أن حدث للبيئة من خلل أو إهمال.

وإذا نظرنا إلى المساحة الشاسعة التي تشغلها المملكة العربية السعودية والتنوع الهائل في أنظمتها البيئية التي لا بد أن تشملها منظومة المناطق المحمية، تتضح صعوبة المهمة التي أخذتها الهيئة على عاتقها في إيجاد نظام جيد للمناطق المحمية، يستمد أسسه من نظام الحمى المتوارث في الجزيرة العربية، ويتناسب مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة في البلاد، ويضع الأسس السليمة للتنمية الاقتصادية الحافظة للموارد الطبيعية آخذاً في الاعتبار ظروف الإيقاع السريع للمتغيرات في العالم اليوم.

وتشكل النظم البيئية الأرضية والبحرية بما تحويه من نباتات وحيوانات فطرية الثروة الطبيعية المتوارثة في المملكة، وإنشاء منظومة المناطق المحمية التي تخضع لإدارة تشغيلية سليمة سوف يمكّن المملكة من المحافظة على نماذج ممثلة لثروات البلاد الطبيعية، كما يتيح لها استخدام هذه الموارد بطريقة مباشرة لما فيه خير المواطنين، أو لجبر الانهيار البيئي السابق دون أن يسبب ذلك تدهور المناطق المحمية.

تعتمد التنمية الحافظة لاستمرار إنتاج النظم البيئية على إيجاد التوافق بين النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في استغلال الموارد الطبيعية كي تبقى مستويات استغلال النظام عند الحد الذي لا يعرضه للتدهور ويسبب انخفاض إنتاجه.

وربما يُظهر عدد المناطق المحمية المقترحة الذي يقارب 103 مناطق عند النظرة الأولى مرتفعاً. ولكن إذا علمنا أن مساحة المملكة تعادل تقريباً نصف مساحة القارة الأوروبية التي يوجد فيها 704 مناطق ذات مستوى عالٍ من الحماية، إلى جانب المناطق التي تضاف إليها كل عام، فإن ذلك يوضح مدى اعتدال هذا الرقم خاصة في مناطق النظم البيئية الجافة وشبه الجافة.

المناطق المحمية القائمة في
المملكة العربية السعودية
قامت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بالمحافظة على 16 موقعاً في المملكة، وإدارتها رسمياً كمناطق محمية للحياة الفطرية، يطبق فيها نظام المناطق المحمية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم. ولا تزال هناك العشرات من المواقع البرية والبحرية التي يتعين حمايتها كي تتحقق الشمولية لكافة البيئات والمواطن الطبيعية الممثلة للتنوع القائم في البلاد بيئياً وإحيائياً وجيولوجياً.

والمناطق المحمية القائمة حالياً هي:
1 – 
محمية الحرة: وتقع في أقصى شمال غرب المملكة جنوب مدينة طريف. وأعلنت كمحمية رسمياً في عام 1407هـ 1987م. ومن أهم أهدافها حماية الغزلان، وتنظيم الرعي للمحافظة على الاتزان في إنتاجية المراعي وتكاثر الأحياء. نباتاتها حولية وعشبية كالشيح والربلة والخزامى والخبيز والأقحوان والرمث، وتوجد فيها أشجار كثيرة كالغضى والطرفا والعوسج وينبت الكمأ بها. أهم حيواناتها الغزلان والأرنب البري والذئب والضب والضبع والحبارى والجوارح والقطا. وتبلغ مساحتها 13775 كم2.

2 – 
محمية الخنفة: وتقع شمال غرب المملكة، شمالي مدينة تيماء. أعلنت محمية رسمياً في عام 1407هـ 1987م وطبيعتها سهول طينية ومرتفعات من الحجر الرملي وقيعان وكثبان رملية، والهدف من إقامتها حماية التنوع الأحيائي بالمنطقة والنظم البيئية. تحوي نباتات المنطقة الأشجار كالطلح والغضى والشجيرات كالعوسج والرمث والشبرم والحوليات كالربلة والنفل والصمعاء والعنصل وغيرها. أما حيواناتها فأهمها غزال الريم والأرانب البرية والجرابيع والسحالي والذئب والحباري والقنابر والجوارح. وتبلغ مساحتها 22045 كم2.

3 – 
محمية الطبيق: وتقع شمال غرب المملكة جنوب الحدود مع الأردن. أعلنت رسمياً عام 1409هـ 1989م، وتحتوي على العديد من البيئات المختلفة كالرملية والرسوبية والصخرية تشمل السهول والتلال والمرتفعات والقيعان. من نباتاتها الغضى والعاذر والصمعاء والنصي والعوسج والطلح والرمث أما حيواناتها فتشمل الوعول والغزلان والذئاب والأرانب والطيور المهاجرة والحجل صقر السهوب وتبلغ مساحتها 12200 كم2.

4 – 
محمية محازة الصيد: وتقع 180 كلم شمال شرق الطائف، وهي المحمية الوحيدة المسيجة. أعلنت رسمياً عام 1408هـ 1988م، وهي عبارة عن سهل تتألف تربته من مجموعة من التكوينات الحجرية الرملية والجرانيتية الحصوية. من نباتاتها السمر والسلم والرمث والعوسج والثمام والحوليات المحلية. تم إطلاق مجموعة من الأحياء داخلها مثل المها العربي والنعام والغزلان والحباري، ويوجد فيها أيضاً نسر الأذون والثعالب والقطط الرملية وغيرها، ومساحتها 2141 كم2.

5 – 
محمية الوعول: وتقع في محافظتي حوطة بني تميم والحريق وتبعد حوالي 150 كلم جنوب منطقة الرياض. أعلنت رسمياً عام 1408هـ 1988م وهي عبارة عن تكوينات من جبال طويق تحوي الوديان الكبيرة. أهم نباتاتها السمر والعوسج والسدر والشيح والرمث والحرمل والشفلح والحوليات المحلية وأهم حيواناتها الوعول والأرانب. وأطلقت الهيئة بها مجموعة من غزلان الأدمي كما يوجد فيها الوبر والثعابين والحمام الجبلي والطيور المهاجرة. وتبلغ مساحتها 2365 كم2.

6 – 
محمية جزر أم القماري: وتقع جنوب غرب مدينة القنفذة في البحر الأحمر، وتبعد عن الساحل 17 كلم، وهي عبارة عن جزيرتين، أعلنتا رسمياً محمية عام 1408هـ 1988م والهدف من ذلك المحافظة على تكاثر أسراب طائر القمري المهاجر الذي يمر بها. من نباتاتها الأراك والسواد والصبار والهرم ومن طيورها النورس والبجع والخرشنة والعقاب والفئران. وتحوي مياهاً على الشعب المرجانية والاسفنجيات والرخويات، أما مساحتها الصغيرة نسبياً فتبلغ حوالي 182,000 م2.

7 – 
محمية جزر فرسان: على بعد 42 كلم غرب سواحل جازان، وأعلنت محمية رسمياً عام 1409هـ 1989م، بهدف المحافظة على أنظمة البيئة الساحلية والبحرية وغزال فرسان ولأغراض التوعية والسياحة البيئية والتعليم والأبحاث العلمية. ومن نباتاتها أشجار المانجروف وأشجار القندل الساحلية والسلم والصبار والحوليات ومن حيواناتها الغزال الفرساني والسلاحف البحرية والشعاب المرجانية وعرائس البحر و23 نوعاً من الأسماك. مساحتها 696 كم2.

8 – 
محمية ريدة: وتقع على بعد 15 كلم من أبها باتجاه طريق السودة، وهي عبارة عن منحدرات سحيقة من ارتفاع 2850 متر عن سطح البحر حتى 1600 متر في أسفلها. أعلنت رسمياً عام 1409هـ 1989م والهدف منها هو حماية النظام البيئي لغابات العرعر، ورفع مستوى الوعي البيئي العام، ولأغراض البحث العلمي والسياحة البيئية والتراثية. أهم نباتاتها أشجار العرعر والتين الشوكي والطلح والصباريات والزيتون البري والشث والأشنات والحشائش السطحية. من حيواناتها القرود والطيور كحمام الزيتون والحجل والجوارح والعقعق وأعداد كبيرة من الطيور المستوطنة والمهاجرة. مساحتها 9 كم2 تقريباً.

9 – 
محمية مجامع الهضب: وتقع شرق محافظة رنيه وشمال محافظة وادي الدواسر، سلمت للهيئة عام 1412هـ لإدارتها كمحمية طبيعية بموجب أمر سامي كريم. وهي عبارة عن سهول حصوية رملية ذات هضاب جرانيتية وجبال بركانية بازلتية. أهم نباتاتها السمر والطلح والعوسج والسرح والأعشاب الحولية كالنصى والثمام، أما حيواناتها فهي الوعل والذئب وثعلب الرمال والوبر والأرنب البري. ومساحتها 3000 كم2 تقريباً.

10 – 
محمية عروق بني معارض: وتقع شرق الحافة الجنوبية لجبال طويق جنوب وادي الدواسر وتمتد في أطراف الربع الخالي وهي عبارة عن عروق رملية متوازية تنحدر باتجاه الجنوب الغربي، تتخللها أراضٍ من الحجر الجيري ورسوبيات أخرى. أعلنت كمنطقة محمية عام 1413هـ 1993م. من أهم نباتاتها الثمام والنصي والسمر والرمث والمرخ والغضى والحاذ والحرمل. أما من حيواناتها فقد أطلق فيها المها العربي وأعداد من غزلان الريم والأدمي، ويوجد فيها أيضاً الثعلب الرملي والقط الرملي ومساحتها حوالي 12000 كم2.

11 – 
محمية الجبيل للأحياء البحرية: وتقع شمال الجبيل شرق المملكة العربية السعودية وتضم أيضاً خمس جزر مرجانية تبلغ مساحتها نحو 1000 كم2 وتعيش فيها النباتات الملحية والأرطى وأشجار الشورى. وتحوي أيضاً الشعاب المرجانية والسلاحف والطيور البحرية.

12 – 
محمية التيسية: وتقع جنوب لينه وشمال تربة التابعة لإمارة منطقة حائل، وهي عبارة عن سهول حصوية تمتد من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي بين رمال الدهناء وعرق المظهور. أعلنت رسمياً عام 1415هـ 1995م، ومن أهم نباتاتها الطلح والسدر والعوسج والأرطى والخزامى والشيح والعرفج والجثجاث والشفلح والحوليات. أما حيواناتها فهي الأرانب البرية والذئب والثعالب الرملية والطيور كالحبارى والقطا والجوارح وكذلك الضب والزواحف والحمام البري. تبلغ مساحتها 4260 كم2.

13 – 
محمية الجندلية: تقع شمال الأرطاوية، وتعتبر جيولوجياً وجغرافياً امتداداً مشابهاً لامتداد محمية التيسية. أعلنت رسمياً عام 1415هـ 1995م. من أهم نباتاتها السدر والعوسج والأرطى، ومن حيواناتها الأرنب البري والثعلب البري والحمام البري والزواحف. مساحتها 1160 كلم2.

14 – 
محمية نفود العريق: تقع شرق مركز الظاهرية التابع لإمارة منطقة القصيم، وهي عبارة عن عرق كبير ووحيد من الرمال يمتد من الشمال إلى الجنوب. أعلنت المنطقة رسمياً كمحمية عام 1415هـ ومن أهم نباتاتها الغضى والأرطى والحوليات ومن حيواناتها طيور الكروان والزواحف والأرانب البرية. مساحتها 1960 كم2.

15 – 
محمية سجاء وأم الرمث: وتقع جنوب عفيف وشرق ظلم وقد أعلنت رسمياً عام 1415هـ، ومن أهدافها الحالية إعادة توطين طائر الحباري. وهي عبارة عن منطقة سهلية رملية حصوية تعتبر امتداداً لمحمية محازة الصيد جغرافياً وبيئياً. من نباتاتها السمر والسدر والعوسج والرمث والحوليات، ومن حيواناتها الضب والأرانب البرية والزواحف والجوارح. مساحتها 7190 كم2.

16 – 
محمية جبل شدا: وتقع غرب محافظة المخواة التابعة لإمارة منطقة الباحة. أعلنت رسمياً للحماية عام 1425هـ، وهي عبارة عن جبال جرانيتية مرتفعة. من أهم نباتاتها الطلح والعرعر والعدن والأعشاب، وهي غنية بالنباتات الفطرية من الأشجار والشجيرات والأعشاب والحوليات. ومن أهم الأنواع الحيوانية فيها النمر العربي والوشق والقردة وأعداد من الجوارح والطيور المهاجرة والمستوطنة. ومساحتها 65 كم2.

نتائج إقامة المحميات
في المملكة العربية السعودية
لا شك في أن هناك منافع عديدة من قيام المناطق المحمية ودورها في ازدهار البيئات المختلفة. فقد عادت المها إلى أنحاء الربع الخالي وانطلقت غزلان الريم فيها، كما حصل في محمية عروق بني معارض بعد ما آلت تلك الأنواع إلى الانقراض الحتمي من بيئاتها الطبيعية.

وازدادت أعداد الحبارى المهاجرة نظراً لحماية مواطن تعشيشها في محمية الحرة والخنقة، وأصبحت الأرانب البرية تتكاثر في تلك المحميات وتنطلق إلى مناطق طبيعية أخرى. وازدادت أعداد الوعول المنماة في محمية الوعول بحوطة بني تميم والحريق، حتى شوهدت في مواقع تبعد عشرات الكيلومترات عن المحمية نتيجة لانتشارها. وازدادت أعداد السلاحف البحرية التي تجوب السواحل والجزر لوضع بيضها في رمالها، وازدادت أعداد الطيور المهاجرة كالقمري، والمستوطنة كحمام الزيتون.

كما ازدهرت غابات المانجروف الساحلية، وتم إنقاذ أشجار اللبخ النادرة الضخمة التي كانت تعد على الأصابع. وتصدى القائمون على المحافظة لظواهر الموت القمعي لأشجار العرعر، وظواهر حرائق الغابات. كما شهد الوعي البيئي ارتفاعاً ملحوظاً لدى طلبة المدارس، وتم تنظيم الاستفادة من الحطب منعاً لاجتثاث الأشجار البرية، وعولجت قضايا المواقع الملوثة بالنفايات العضوية والبلاستيكية. وكل ذلك غيض من فيض انعكس أثره على ازدهار وصحة بيئة المواطن.

النواحي الاجتماعية
ولا شك في أن للمجتمع دوراً أساساً في دعم الجهود الرسمية للمحافظة على الحياة الفطرية. ولكن غالباً ما يواجه المتخصصون في نواحي حماية المواطن الطبيعية والأحياء الفطرية صعوبات في التعامل مع شريحة كبيرة من السكان، خصوصاً المحليين القاطنين في المناطق المحمية وحولها، وهو ما يحدث في جميع أنحاء العالم، وهذا أمر طبيعي في واقع الحال، ويعتبر من أهم الأمور التي ينبغي على الجهات المعنية بحماية البيئة والحياة الفطرية مراعاتها، ذلك لأن الغريزة الإنسانية وارتباط الإنسان بالأرض واستخدامات المواقع والعلاقات القبلية والاقتصادية المرتبطة بالموارد الطبيعية كلها من النواحي التي يجب توظيفها في خطة إدارة المنطقة المحمية. كما تعتبر سبل الاتصال بالمجتمع المحلي من أولويات العمل، قبل الشروع بإنشاء المنطقة المحمية. وذلك لتدارس سبل التوفيق بين جهود المحافظة وأدوار السكان حيال المحمية.

فهناك مصالح كثيرة للسكان المحليين كالرعي واستخدام الآبار وطرق عبور المناطق والاحتطاب والصيد والتنزه والاصطياف والاستفادة من الموارد الطبيعية ومنتجات الأحياء الفطرية البرية والبحرية، وكذا تملك الأراضي لمختلف الاستخدامات الزراعية أو حصد المنتوجات البيئية. وبطبيعة الحال إذا ما تركت الأمور للتنافس في استغلالها فسيأتي اليوم الذي لا نجد فيه ما يمكن أن يستغل أو يستثمر، علاوة على فقدان خصوبة الأرض وإنتاجيتها وانعدام دورة الحياة فيها مما يعود بالسوء على المناشط والمصالح الاقتصادية والصحية والترويحية للسكان، وهذا ما تتداركه خطط إدارة المناطق المحمية من أجل ديمومة واستمرار العطاء للمواطن الطبيعية وملاذات الأحياء الفطرية التي تشاركنا العيش على هذا الكوكب الوحيد.

الحماية..
ليست بهذه البساطة
الحفاظ على الطبيعة والأجناس المهددة بالانقراض
لا يقتصر على حمايتها ضمن نطاقات معينة، بل صار إدارة حكيمة ودائمة .

فقبل نحو اثني عشر قرناً ظهرت الأراضي الملكية المحمية في أوروبا، كما أن جنكيز خان سنّ قانوناً يمنع بموجبه صيد الطرائد قليلة العدد.. أما اليوم فقد تطور الاهتمام بحماية الحياة الفطرية ليصبح علماً بالغ التعقيد يقوم على شبكة من علوم عديدة تبدأ بالأرصاد الجوية وتنتهي بالهندسة الوراثية في المختبرات. ولهذا العلم حكاية والحكاية تبدأ في العام 1870م.

في ذلك العام قرر عدد من الرجال الذين كانوا يقيمون في منطقة يالوستونا الأمريكية، إعلان تلك المنطقة محمية طبيعية متنزه وطني ، لإنقاذ الوعل الأقرن الذي كان مهدداً بالانقراض. وتم لهم الأمر رسمياً بعد عامين. وأدى النجاح السريع للمشروع إلى تفشي إعلان المحميات في ولايات أمريكية عديدة خلال السنوات القليلة التالية.

ولكن الوعل الأقرن تكاثر بسرعة إلى درجة أن 20,000 رأس منه قد نفقت خلال شتاء العام 1920م، والسبب عدم توافر الغذاء الكافي في هذه المنطقة المهددة. وفي شتاء العام 1961م قام حراس المحمية بقتل 4000 وعل لإبقاء حجم القطيع ملائماً لمساحة المحمية..!

وعلى صعيد آخر، اعتقد الكثيرون منذ أواخر القرن التاسع عشر بأن زيادة الأنواع الحية من حيوان ونبات في مكان معيّن هو أفضل للبيئة ويزيدها غنى وجمالاً. فبدأ نقل الضواري والطيور والأسماك من بلد إلى آخر ومن قارة إلى قارة. صحيح إن بعض عمليات النقل والزرع سجل نجاحات في أماكن محددة، ولكن قصص الفشل والكوارث أكبر بكثير، نذكر منها على سبيل المثال تجربة من إفريقيا الجنوبية.

فقد استورد المزارعون هناك في الخمسينيات من القرن الماضي نوعاً من شجر الحور ليزرعوه على ضفة أحد الأنهار، فتكاثر الشجر بسرعة وبدت التجربة لبعض الوقت ناجحة. ولكن هذا النوع من الشجر يشرب كميات هائلة من المياه يومياً، الأمر الذي أدى إلى تجفيف تدريجي للنهر الذي كان يجري بطول مئتي كيلو متر تقريباً ليروي غابة تقع عند جزئه السفلي. فاقتصر النهر على ثمانين كيلومتراً. وماتت الغابة وهلك كل ما كان فيها من حيوانات.

إن أهم ما توصل إليه علم الحياة الفطرية هو الكشف عن الحساسية الفائقة التي تميز توازن الحياة في بيئة معينة. حساسية لم يعد من المبالغ فيها القول إنها تطابق حساسية الساعات السويسرية. إذا اختلّ أبسط جزء منها اختل عملها ككل. وفي الطبيعة فإن أي ضرر يلحق بأي نوع نباتي أو حيواني يؤدي إلى اضطراب كل الحياة فيها بشكل لا يمكن احتساب نتائجه بدقة سلفاً.

لحسن الحظ، تتميز الموارد الحية في الطبيعة بأنها قابلة للتجدد بخلاف غيرها كالنفط والمعادن. فحماية نوع مهدد بالانقراض لبعض الوقت قد تؤدي إلى تكاثره ورفع شبح الخطر عنه. ولكن هذا لا يعني بالضرورة إعادة التوازن المفقود إلى الطبيعة.

فالفارق ما بين الساعة السويسرية والطبيعة، أن الأولى يمكنها أن تعود كما كانت بعد إصلاح العطل فيها. أما في الطبيعة.. فالأمر ليس محسوماً إن لم نقل مستحيلاً.

أضف تعليق

التعليقات

za hira

شكرا سيدي

عبد الباري

حسن الحظ، تتميز الموارد الحية في الطبيعة بأنها قابلة للتجدد بخلاف غيرها كالنفط والمعادن. فحماية نوع مهدد بالانقراض لبعض الوقت قد تؤدي إلى تكاثره ورفع شبح الخطر عنه. ولكن هذا لا يعني بالضرورة إعادة الت