هناك تساؤل حول ما سيغيره النفط في رسوم الجغرافيا السياسية والاقتصادية للعالم في القرن الحادي والعشرين. ويتبادر هذا السؤال إلى الذهن من خلال ظهور معابر نفطية جديدة منفتحة على احتمالات متعددة، ومن هذه المعابر منطقة البحر الأسود التي يتوقف
فريق التحرير أمامها، ليحدثنا عن هذه المنطقة الوسيطة التي تلعب دوراً في تجارة النفط والغاز، والمرشحة لأن تنمو كمجال حيوي لتجارة الطاقة على تقاطع طرق عالمي..
للبحر الأسود موقع جغرافي خاص. فهو البحر شبه المغلق بين شرق وجنوب أوروبا (روسيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا) وبين منطقة القوقاز (جورجيا) وتركيا، والمفتوح على البحر المتوسط من خلال مضيق صغير عبر تركيا ألا وهو مضيق الدردنيل.
إلا أنه في الوقت نفسه منطقة وسطى بين الشرق والغرب وبين الجنوب والشمال، ويذهب البعض إلى وصفه بمنطقة القلب اليوروآسيوي ؛ فهو على تقاطع طرق معروف بين آسيا وأوروبا، ومهد لحضارات قديمة متعددة اختلطت فيه الأعراق والأديان والتجارة. ولأنه كذلك لم يخلُ تاريخه من مراحل طويلة من التضاد كمّاً ومن التعاون. فعندما امتدت جسور التقارب في القدم، شكل البحر الأسود ممراً لـ طريق الحرير الشهير، الطريق التجاري بين آسيا وأوروبا. واليوم يحفز عصر السباق التجاري مد جسور جديدة تبدو التجارة البترولية إحدى أكبر معالمها. فالمنطقة أيضاً في موقع وسط بين منطقتين أساسيتين لإنتاج النفط والغاز، بحر قزوين وروسيا، وبين أسواق استهلاكية كتركيا وجنوب أوروبا ووسطها والبحر المتوسط.
تعريف غير محدد بدقة
ولهذه الأسباب أيضاً يصعب تعريف ما هية منطقة البحر الأسود. فعندما جرى إنشاء التعاون الاقتصادي للبحر الأسود في عام 1992م تلاقت إحدى عشرة دولة في إطار هذا التعاون، أي بالإضافة إلى الدول الست الواقعة مباشرة على البحر المذكور، وهي تركيا وروسيا وأوكرانيا وبلغاريا ورومانيا وجورجيا، شمل التعاون الدول المجاورة في محيط جنوب شرق أوروبا (البلقان) كاليونان وألبانيا ومولدافيا، وفي محيط القوقاز كأذربيجيان وأرمينيا. وهذا التعريف الأوسع من ضيق البحر يسمح للمنطقة أن تلعب دور الجسر بين أوروبا وآسيا وبين الغرب وروسيا. ومع تعزز الموصلات النفطية بين نفط بحر قزوين ومنفذه على البحر الأسود بدأ النظر إلى المنطقة في إطار جيو اقتصادي، وفي وحدة حال بين البحرين والمنطقة القوقازية الواقعة بينهما.
البحر غير المضيف كما وصفه قدماء اليونان وسمّوه البحر المفتوح، والأتراك فزعوا من رياحه المكفهرّة وأطلقوا عليه اسم البحر الأسود، يؤسس اليوم لتعاون اقتصادي حديث النشأة بدأ يتعزز منذ أواخر التسعينيات حين أصبحت منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود منظمة رسمية. وهو تعاون من النوع الواسع وليس الضيق بين بلدان متمايزة بحضاراتها وباقتصاداتها، ففيه الكثير من الليونة والانفتاح على الخارج، للدول المهتمة بالانضمام أو دول مراقبة من الجوار الأوروبي والشرق أوسطي(1)، تعاون لا يقيّد دوله بخياراتها والتزاماتها الأخرى. فالطموح ليس اندماجياً، بل لبناء جسور تواصل اقتصادي وتوحيد معاييره من أجل توسيع التجارة، وذلك بالتركيز على مشروعات مشتركة في حقول مختلفة كالمواصلات والاتصالات والطاقة والزراعة وغيرها، تعاون اقتصادي يؤسس لعلاقات أفضل بين بلدانه. ويندرج ذلك في وضع معقد بتعارضات لا تزال تتخلله بؤر صراع حيّة في منطقة القوقاز.
جار النفط وليس منطقته
والبحر الأسود ليس منطقة نفطية، إلا أنه يحتل موقعاً بارزاً في التجارة النفطية العالمية. فبالإضافة إلى كونه منفذاً للنفط الروسي(2) بات أيضاً منذ أواخر التسعينيات إحدى طرق تصريف النفط الذي تستخرجه الشركات العالمية من بحر قزوين. وأفردت وكالة الطاقة العالمية له تقريراً خاصاً عام 2000م، لكنها ربطته مباشرة بتقرير سابق حول نفط قزوين باعتبار أن مفتاح نقل نفط وغاز بحر قزوين إلى أوروبا هو سياسات واقتصادات منطقة البحر الأسود المعقدة .
قد يكون من بين الدوافع إلى الاهتمام العالمي بمنطقة بحر قزوين، التي تعتبر من حيث احتياطها النفطي الثالثة بعد الشرق الأوسط وروسيا لكنها ضعيفة بالمقارنة معهما وربما أقرب لبحر الشمال(3)، حاجات الأسواق الأوروبية والعالمية إلى تنويع مصادرها. خاصة بوجود تقديرات حول احتمال انحدار الإنتاج الأوروبي في بحر الشمال. وهي حاجة باتت تفرض اهتماماً أكبر بمنطقة البحر الأسود، بما يذكّر بطريق تجارة الحرير القديمة ومنافذها إلى أوروبا.
لكن النظرة إلى البحر الأسود قد تتغير مع تشغيل أنابيب نقل نفط وغاز قزوين إلى البحر المتوسط، وهو أمر متوقع قريباً. لن يكون البحر الأسود فقط معبراً، فالمنطقة الأوسع للبحر الأسود قد تشكل عندها مفترقاً لطرق عديدة واتجاهات تجارة نفطية محتملة ومتنافسة. والاحتمالات مفتوحة على ربط تجارة البحر الأسود بممرات أنابيب نفطية في جنوب شرق أوروبا، وبممرات أنابيب مماثلة من البحر المتوسط تعبر جنوب أوروبا نحو وسطها، مع احتمال رفدها على المدى الأبعد بنفط من الشرق الأوسط. ورغم أن معظم هذه المشروعات لا يزال في مرحلة ما قبل التنفيذ، تتنافس في طرقها دول المنطقة، لكنها وفي حال حصولها فإن منطقة تجارة نفطية حيوية ستنمو في أطراف أوروبا نحو الشرق والجنوب.
البحر الأسود ومنافسوه
على نفط وغاز قزوين
في ما يخص نفط بحر قزوين، تبدو الحقول الواعدة أكثر من غيرها موجودة في كازاخستان، وبشكل أقل في أذربيجان كما أن احتياط الغاز الأهم موجود في تركمانستان، وبحر قزوين مغلق، يحتاج تسويق نفطه عالمياً إلى مخارج بحرية أخرى. وكان من الطبيعي عندما بدأ استخراج النفط من قبل الشركات العالمية، أن ينشأ تنافس حول أي من البحار الأخرى (الأسود أو المتوسط أو الخليج) هو الأفضل لتصريف هذا الإنتاج.
انفرد البحر الأسود منذ عام 1999م حتى اليوم بهذه المهمة. وهو كذلك ربما لأنه تقليدياً كان المنفذ النفطي لبحر قزوين عبر الشبكات الروسية، التي لا تزال تنقل من كازاخستان عبر أنابيبها الداخلية إلى الأسواق الروسية حوالي 310 آلاف برميل يومياً، وتصرف كمية ضئيلة عبر الأنبوب التقليدي الذي يربط أذربيجان بالميناء الروسي الرئيس على البحر الأسود نوفوروسيسك ماراً بالشيشان.
اعتمدت الشركات العالمية في تصريف نفطها عبر البحر الأسود على خطين جديدين: الأول بُدئ العمل به عام 1999م لاتحاد شركات تقوده الشركة الأمريكية البريطانية بريتش بتروليوم أموكو وسعته قليلة (115 ألف برميل يومياً ولم يزد لاحقاً عن 220 ألف برميل)، يمتد من حقول أذربيجان إلى ميناء سوبسا في جورجييا (مسافة 812 كلم)، ولا يمر في الأراضي الروسية. والثاني، انطلق في 2001م وبسعة 600 ألف برميل في اليوم من حقول كازاخستان إلى الميناء الروسي في نوفوروسيسك على مسافة 1550 كلم وتم استثماره بشكل مشترك بين الحكومتين الروسية والكازاخية واتحاد شركات تقوده شفرون.
ومن المتوقع أن يبدأ في أواخر 2005م تشغيل خط الأنابيب الأطول (1730 كلم) وبسعة مليون برميل في اليوم من باكو/أذربيجان مروراً بتبليسي/جورجيا وانتهاءً بتركيا ومرفئها سيهان على البحر الأبيض المتوسط. وبذلك سيتوقف البحر الأسود عن لعب دور المنفذ الوحيد مع احتمال أن تُطرح منافسة أكبر على نفط كازاخستان باعتبار أن نفط أذربيجان لن يكفي وحده كمردود اقتصادي للخط الجديد. وبموازاته. ومن المتوقع أيضاً أن يبدأ تشغيل خط غاز في 2006م من تركمانستان وعبر بحر قزوين إلى باكو/أذربيجان، ومن هناك على طريق خط النفط مروراً بجورجيا وانتهاءً بشرق تركيا (مسافة 900 كلم تقريباً، وسينقل 16 بليون متر مكعب في السنة، قابلة للزيادة حتى 30 بليون متر مكعب في 2007م).
والمزاحمة على نفط وغاز قزوين لها فروع داخلية أيضاً. فهناك احتمال زيادة مهمة في تسويق غاز تركمانستان إلى روسيا بدأ بـ 5 إلى 6 بلايين متر مكعب سنة 2004م وسيرتفع إلى 10 بلايين في 2006م وإلى 69 إلى 70 في 2007م. وتصدر تركمانستان الغاز أيضاً إلى أوكرانيا، كما يربطها مع إيران أنبوب غاز منذ عام 1997م. وقد تم مؤخراً إكمال بناء أنبوب نفط بين كازاخستان والصين بطول ألف كيلومتر وهو جزء من مشروع أكبر لا يزال قسمه الوسطي بحاجة إلى استكمال (هناك استثمار صيني في نفط كازاخستان لكن الأمر سيحتاج إلى تصدير النفط الذي تستثمره الشركات العالمية، كما من المحتمل في المستقبل الأبعد أن يجري وصله أيضاً بنفط من روسيا).
وسيتحدد نطاق المنافسة تبعاً لاحتمالات الإنتاج في بحر قزوين، الذي وصل إلى حوالي 1.8 مليون برميل يومياً في 2003م. ورغم التفاؤل بتطوير إنتاج كازاخستان (كما أظهرته التقديرات الأخيرة(4))، إلا أن هناك احتمالاً لزيادة التنافس على المدى القريب رغم توقعات تزايد التجارة على المدى الأبعد، وبدأ منذ الآن التفكير بمشكلات اختناقات مضيق الدردنيل، وما قد يصاحبها من إنعاش لمشروعات خطوط أنابيب لتجنّبه تتنافس عليها أكثر من دولة.
مضيق الدردنيل عائق أم مشجّع
ترافقت إمكانية زيادة مواصلات النفط عبر البحر الأسود منذ البداية مع احتمالات مشكلات اختناق وإعاقة عبر مضيق الدردنيل، الذي يعتبر من أكثر المضائق انشغالاً كما وأصعبهم إبحاراً. وقد وضعت منذ منتصف التسعينيات مشروعات متضاربة لأنابيب نفط تعبر منطقة جنوب شرق أوروبا من أجل تجنب مرور أعداد كبيرة من الناقلات عبر المضيق (يعبر اليوم مضيق الدردنيل من النفط ما يتراوح ما بين 1.2 و 1.5 مليون برميل يومياً)، لكنها ظلت مشروعات عالقة. وتتنافس عدة دول على بناء خطوط لأنابيب تعبر ما بين البحر الأسود والبحر المتوسط (فهناك مشروعان واحد من ميناء بورغاس في بلغاريا إلى ميناء الكسندروبولس في اليونان على بحر إيجه بطول 240 كلم وسعة 40 مليون طن، وآخر من ميناء بورغاس في بلغاريا مروراً بيوغوسلافيا السابقة إلى ميناء فلورا في ألبانيا على البحر الأدرياتيكي بطول 920 كلم وسعة 40 مليون طن)، أو تمتد هذه الخطوط من البحر الأسود لتتصل بالبحر المتوسط وبالشبكة الأوروبية (والمشروع الأكثر طموحاً هو بطول 1360 كلم وسعة 750 ألف برميل في اليوم من مرفأ كوستنتسا في رومانيا مروراً بصربيا وكرواتيا وسلوفينيا وحتى الميناء الإيطالي في تريست، يذهب بعدها في طريقين للاندماج بالأنابيب الأوروبية التي تغذي النمسا وألمانيا والأسواق الإيطالية).
جدوى هذه المشروعات.. غداً وليس بالأمس
خلال عقد من الزمن تقريباً لم تظهر الجدوى الاقتصادية لهذه المشروعات، ذلك أنه من دون معوقات جدية، فإن عبور الدردنيل لا يكلّف شيئاً بينما هناك تكلفة غير قليلة لبناء الخطوط بالإضافة إلى زوائد الترانزيت. إلا أن الوضع بدأ يتبدل في العام الماضي وأعيد إحياء المشروعات العالقة، التي وضعت جميعها مجدداً على طاولة التفاوض وتجديد الاتفاقات، كما أضيف اليها مشروع رابع، وهو المشروع الأقل طموحاً لخط أنابيب على طريق قصير جداً يعبر الأراضي التركية بمحاذاة المضيق وتقترحه شركة تطوير ثراكيا التي تضم مستثمرين من تركيا والولايات المتحدة وكازاخستان. هذا الانتعاش قد تكون له عدة أسباب، منها تزايد مشكلات العبور والمعوقات، سواء أكانت بسبب الطقس أو القيود التي تفرضها تركيا على ناقلات النفط وأحجامها بسبب المخاوف على سلامة البيئة، وهي المسألة الوحيدة التي تسمح بفرض قيود ضمن حرية حركة عبور غير مقيدة تضمنها اتفاقية مونترو لعام 1936م. وقد يدخل أيضاً القرار الأوروبي، المتجه على ما يبدو إلى تشجيع بناء الأنابيب، عاملاً مهماً في هذا المجال. كما أن اهتمام روسيا بتجارتها النفطية عبر البحر الأسود تظل أساسية ولو أنها تبدو غير مرشحة إلى الازدياد(5).
أن يتحوّل العائق التجاري للدردنيل إلى عامل مشّجع لتنشيط مواصلات النفط عبر خطوط أنابيب في الشطر الجنوبي الشرقي من أوروبا، وهو الشطر الأقل تطوراً في هذا المجال من سائر القارة، مسألة لا تزال قيد الدرس. لكن احتمالاتها اليوم باتت مرجحة أكثر من أي وقت مضى. ويبقى اختيار الطرق، الأكثر طموحاً منها أو الأقل طموحاً، هو الدليل إلى وجهة هذا التطور.
مفترق طرق
أم مجال حيوي جديد في أطراف أوروبا؟
تكمن منطقة البحر الأسود بشقيها البلقاني والقوقازي وارتباطها بتركيا وروسيا على مفترق طرق مواصلات نفط وغاز، لكن البنى التحتية لمواصلات الطاقة فيها ضعيفة، ولا تزال هناك معوقات اقتصادية وغير اقتصادية من أجل تخطيها. لكنها تظهر اليوم حيويتها كمنطقة وسيطة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، يشق طرقاتها النفط، من وجهته من قزوين وروسيا عبر البحر الأسود إلى أسواق أوروبا والعالم، وقريباً من قزوين إلى البحر المتوسط مع احتمالات ربط على المدى القريب بأوروبا وعلى المدى الأبعد بالشرق الأوسط، بالإضافة إلى تجارة نفط وغاز بين دوله.
فبينما ترتبط أوروبا بشبكة مندمجة من أنابيب النفط تصلها بنفط روسيا والنفط الأوروبي لبحر الشمال،
لا يوجد في جنوب شرق أوروبا شبكة مماثلة، باستثناء خطين داخلين من البحر الأسود لتلبية حاجات بلغاريا ورومانيا من النفط الروسي. وسيظهر في وقت قريب ما إذا كانت المشروعات الموضوعة لتخطي اختناقات الدردنيل قابلة للتنفيذ. وسيعتمد ذلك كثيراً على جدواها الاقتصادية كما على حاجات روسيا، والسياسة الأوروبية التي بالإضافة إلى تنويع مصادر النفط، باتت تشجع أيضاً بناء الأنابيب لتخطي ضيق الدردنيل في حال كان لها جدوى اقتصادية. ويبدو أن بناء خطوط في هذا الاتجاه سيدعم لاحقاً التفكير بإمكانيات مد أنابيب في الاتجاه الآخر عبر تركيا (من بحر قزوين وربما لاحقاً من العراق والشرق الأوسط).
مواصلات الغاز في المنطقة تبدو في حال أفضل من النفط. ويعود ذلك ربما إلى التجارة القائمة بين روسيا وتركيا منذ عام 1986م. فهناك خط أنابيب للغاز الروسي يمر على طريق الساحل الغربي للبحر الأسود عبر أوكرانيا، مولدافيا، رومانيا، بلغاريا إلى اليونان وتركيا بسعة 10.5 بليون متر مكعب في السنة (يذهب 8.7 منها إلى تركيا و 1.8 إلى اليونان)، وهناك احتمال تطوير هذا الخط إلى 15 بليون متر مكعب عام 2010م. ومؤخراً بدأ تشغيل خط الجدول الأزرق (سعة 16 بليون متر مكعب) الذي يربط مباشرة بين روسيا وتركيا،(ربما لتخفيف الاعتماد الكبير على أوكرانيا). ويمتد الخط المذكور تحت البحر الأسود وهو من أعمق الخطوط تحت البحار (يقطع مسافة 373 كلم داخل الأراضي الروسية، و444 كلم داخل الأراضي التركية، وحوالي 400 كلم تحت البحر)، وقد بدأ بنقل 1.5 بليون متر مكعب من الغاز في 2003م، وستزيد الكمية تدريجياً 2 بليون متر مكعب كل سنة لتصل إلى 16 بليون متر مكعب في 2010م. وستصبح بذلك تركيا إلى جانب ألمانيا أكبر مستهلك للغاز الروسي. وتعتمد دول المنطقة بشكل عام على الغاز الروسي؛ بسبب الارتباط التقليدي لدول أوروبا الشرقية كبلغاريا ورومانيا (التي لديها إنتاج محلي معقول) ويوغسلافيا.
مقابل ذلك، يجري تشجيع تنويع مصادر الغاز في المنطقة، ومنها إلى أوروبا أيضاً، وذلك مع بدء تشغيل خط أنابيب الغاز المتوّقع في 2006م من منطقة بحر قزوين إلى تركيا. وتركيا التي تشكل محوراً في هذا التشبيك قد تكون مرشّحة أيضاً لاستقبال غاز من مصادر أخرى من بلدان مجاورة كالعراق وإيران (هناك خط أنابيب بين تركيا وإيران، التي يقدّر أن لديها ثاني احتياطي من الغاز بعد روسيا، بُدئ العمل به عام 2001م).
ولذلك فان مشروعات مد أنابيب غاز من تركيا عبر المنطقة إلى أوروبا قد تنطلق قريباً. فهناك اتفاق على خط طول 285 كلم بين تركيا واليونان (يتوقع أن تكون سعته 10-12 بليون متر مكعب وتزيد إلى 22 بليون متر مكعب) ومن المتوّقع تشغيله في العام المقبل. وسيشكل هذا الخط أول فرصة لنقل غاز منطقة بحر قزوين إلى أوروبا، حيث سيربط لاحقاً مع إيطاليا. وهناك مشروع آخر لا يزال قيد الدرس للربط بين تركيا والنمسا عبر بلغاريا ورومانيا وهنغاريا على امتداد 3400 كلم، وقد أنشئت شركة خماسية بين الدول المعنية في أوائل عام 2004م، ومن المحتمل أن تكون سعته 30 بليون متر مكعب، يذهب منها 20 بليون متر مكعب إلى محور توزيع الغاز الأوروبي على الحدود السلوفانية النمساوية، و10 بلايين متر مكعب من أجل تنويع مصادر الغاز في البلدان التي سيمرّ بها، ومن المتوقع أن يكتمل إنشاؤه عام 2010م. والأمر الذي يبدو مشجّعاً على تنفيذ مشروعات كهذه تزايد الاحتياجات الأوروبية من الغاز والحاجة إلى تنويعها.
إن ما يظهره هذا العرض هو أن المشروعات المطروحة لنقل النفط والغاز التي لم تصل مرحلة التنفيذ بعد في منطقة جنوب شرق أوروبا بعد أن تطورت أنابيب للنقل من بحر قزوين إلى الأسود والمتوسط، هي متعددة ومتنوّعة. أمّا ما إذا كانت جدواها الاقتصادية حقيقية فمسألة
لا يزال ينظر بأمرها. إلا أن نجاحها يرشّح منطقة البحر الأسود للعب دور أكبر من دورها الحالي، شرط أن تفرض نفسها كنقطة تواصل، وليس كحدود فاصلة على مفترق طرق متعدد الاتجاهات. إن احتمالات من هذا النوع تعزّز اليوم أهمية التعاون الاقتصادي القائم بين بلدان المنطقة، وأهمية كونه تعاوناً مرناً وتعاوناً منفتحاً على الخارج في سيرورة متطورة تتجه نحو التواصل مع مناطق أخرى مجاورة.