على مدى التاريخ القريب جداً، بدت مهنة السكرتارية الأكثر تأثراً بالتكنولوجيا في إطار ما يُعرف بالثورة المعلوماتية، التي اجتاحت رياحها «أخضر» مهن عديدة و«يابسها»؛ ذلك أنه إذ بدا أن هذه الثورة تعزِّز كفاءات مهن كالطب والهندسة، تملأ النواقص، وتدحض اجتهادات في غير محلها -خاصة في المجال البحثي- فإنها بالمقابل صُوِّرت على أنها تهديد كبير لوظيفة «السكرتير» أو «السكرتيرة»، ينذر بإقصائها وإلغائها من سوق العمل، ذلك أن الأجهزة الإلكترونية أو الذكية قادرة على القيام بمهمات السكرتارية.. وربما أفضل من العنصر البشري! فهل يكون عهد السكرتارية في طريقه إلى الأفول؟
فريق التحرير يسعى إلى الإجابة عن هذا السؤال، من خلال تفحص كافة احتياجات العمل الإداري، ومن مختلف الأوجه، وحقيقة ما طرأ عليها من تغيرات بفعل التكنولوجيا.
لعلّ توصيف «السكرتير» أو «السكرتيرة» قد أُسيء استخدامه في المنطلق. إذ كان -ولا يزال إلى حدّ كبير- يُنظر إلى أعمال السكرتارية باعتبارها مهنة متاحة للأقل حظاً، للأقل خبرة، وللأقل تأهيلاً علمياً. بل إننا نرى في بعض المؤسسات الحكومية المترهلة أن قسم السكرتارية هو ذاك الذي يُقذف إليه بـ «العمالة» الفائضة في شكل من أشكال البطالة المقنعة.
أما في القطاع الخاص، الذي يُفترض فيه أن يكون قائماً على مبدأ الإنتاج والاستغلال -حد الاستنزاف- للأيدي العاملة، فإن السكرتارية ببساطة هي القسم الذي «يرد على الهاتف»، و«يحوِّل المكالمات» من وإلى المدير، إلى جانب أعمال ورقية ومكتبية روتينية لا تشكل تحدياً كبيراً، كما أنها لا تندرج في إطار العمل المبدع الخلاق. قد يشرف عليه شخص، في الغالب امرأة ذلك أن المهنة اقترنت -دون وجه حق بالنساء أكثر من الرجال- أو قد يكون عبارة عن طاقم من الموظفين الإداريين، وفي جميع الأحوال هم بمثابة «المنطقة العازلة» بين المدير وموظفيه من جهة، وبين المدير ومراجعيه «الخارجيين» من جهة أخرى.
بداية، قد يصحّ القول هنا إن السكرتارية من المهن التاريخية التي بدأت كبيرة، مهمة، حيوية، وحساسة عُهد بها إلى رجالات «منذورين» لها ثقافياً واجتماعياً، وانتهت صغيرة ومتقزِّمة؛ حيث أُسيء استخدامها وأُسيء تمثيلها والتعبير عنها.
حافظ الأسرار
تنعكس حساسية المهنة وطبيعتها الأساسية في اسمها. فكلمة «secretary» إنجليزية، تم تطويعها أو ليّها عربياً إلى «سكرتير» أو «سكرتيرة» (رغم اكتساب المسمَّى صيغة أنثوية في النهاية)، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية «secernere» التي تعني «التمييز» أو «الفصل بين الأشياء» بغية الحفاظ عليها وعدم إفشائها، وهو ما يعني أنها سرية. وهكذا فإن الـ «secretarius» باللاتينية هو الـ «secretary» بالإنجليزية، أي السكرتير، وهي كلمة مشتقة من «secret»، أي السر. ما يكشف عن جوهر مهنة السكرتير بوصفه شخصاً موثوقاً، كتوماً، حافظاً للأسرار. وفي الزمن القديم، كان السكرتير هو شخص حيوي، مالك للمعلومات التي تتعلق بالمتنفذين ورجالات الدولة، من ملوك وأشراف وقادة جيش، وبالتالي، كانت وظيفته أقرب ما تكون في حقيقة الأمر إلى الوظائف النخبوية.
منذ عصر النهضة وحتى أواخر القرن التاسع عشر، اقتصرت أعمال السكرتارية على الرجال، حيث كانوا أقرب إلى مساعدين أو مستشارين لرجال الدولة والتجار، يتولون عنهم كتابة الرسائل بما عرف عنهم من ملكة لغوية وتعبيرية استثنائية، علاوة على القيام ببعض الأعمال المحاسبية والقانونية -التي تستلزم معرفة رياضية لا تخلو من تبحّر- ومتابعة تفاصيل «إدارية»، مقدمين المشورة والنصح، متمتِّعين بثقافة عامة، مطلعين على ما يُستجد من تطورات في الساحة الاقتصادية والسياسية لمساعدة أهل الحكم والمال في اتخاذ القرار. كما كانوا يجيدون عدة لغات من بينها اللاتينية، وهو ما أضفى على مهنة السكرتير -الذي يُشار له أيضاً بالكاتب- رقياً ورفعة مستوى، وجعله بمنأى عن المتطفلين على مهن ليست لهم. (يا لها من مفارقة أن تتقزم هذه المهنة في الوقت الراهن بحيث تخضع لتوصيف تنميطي «تحقيري» في بعض الأحيان، يجعل من السكرتير -خاصة إذ تضاف إلى الكلمة التاء المربوطة- مجرد وجه حسن وقامة هيفاء و«طبَّاعة» سريعة في أفضل الأحوال، بمواصفات كان يُعلن عنها -حتى عهد قريب- في الصحف تحت عنوان: «مطلوب سكرتيرة، حسنة المظهر، لا يزيد عمرها على 25 عاماً» -كما لو كان صاحب العمل يبحث عن عروس- مع إغفال الإشارة إلى أي مؤهلات أكاديمية أو مهنية فارقة).
مع اختراع الآلة الكاتبة في ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأت مهنة السكرتارية تستقطب عدداً متزايداً من النساء، مع تراجع دور «السكرتير» من حيث جوهره النخبوي تاريخياً، والتحول فعلياً من الكتابة والاجتراح وإسداء المشورة إلى دور ناسخ، يتلقى الأوامر وينفذها من دون إبداء كبير رأي. وهو دور -للأسف- بدت المرأة أكثر استعداداً من الرجل للقيام به امتداداً لدورها في البيت والمجتمع بوصفها بعيدة تاريخياً عن دائرة صنع القرار.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي اتخذت من ملايين الرجال في أوروبا وقوداً لها، باتت أعمال السكرتارية مقتصرة على النساء فقط. ومنذ ذلك التاريخ، انسحب الرجال من الوظيفة التي اكتسبت طابعاً «نسوياً»، كما انسحبت الوظيفة نفسها من توصيفها التاريخي المهم، لتتقزَّم وتتحجَّم.
مهنة مظلومة
مع الثورة المعلوماتية الجامحة التي شهدها العالم خلال العقود القليلة الماضية، بدءاً من الكمبيوتر والإنترنت وانتهاءً بكل ما يعرف بأنماط التكنولوجيا الذكية، أصبح العالم أقرب إلينا مما نتصور؛ على بعد نقرة: نقرة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر؛ نقرة على أزرار الموبايل والبلاك بيري ونقرة على لوحة الأجندة الإلكترونية. والآلة الكاتبة التي كان ضجيجها يملأ فضاء المؤسسات لم يعد لها وجود. إذ تنهمر الأنامل الآن فوق لوحة الكمبيوتر كالهمس، صانعة على الشاشة كل الحروف والأشكال والجداول في آلية تتخطى الكتابة إلى التخزين وتدوين البيانات وحفظ الملفات ومن ثم استعادتها ضمن تصنيف منهجي أفقي ورأسي بأدراج وخزائن افتراضية، ما يحيل جهاز الكمبيوتر إلى غرفة ملفات وربما مبنى كامل -بطوابق- من الملفات.
في خضم هذه الثورة، ارتفعت في السنوات الأخيرة أصوات مشككة في مكانة السكرتارية ضمن العمل المكتبي، تنعى الوظيفة المحجّمة أصلاً، على اعتبار أن التكنولوجيا الحديثة سحبت البساط من موظفي السكرتارية محدودي القدرات. وبالتالي، قد لا يمضي وقت قبل أن تحل الأجهزة الكفؤة محل البشر، بخصائصهم الإنسانية «الناقصة» بطبيعتها، وبمؤهلاتهم المحدودة التي تدفعهم إلى هذا العمل في الأساس كونه الوحيد المتاح لهم، أو الأقل تطلباً أكاديمياً.
على أن المعنيين يرفضون هذه الفرضية، لا من باب الحفاظ على وظائفهم فحسب، وإنما من باب إعادة الاعتبار لمهنة مظلومة تعرضت للتهميش والإجحاف وأُحيطت بالشبهات في ظل توصيف «كليشيهي» الطابع للسكرتير(ة) أسهمت به وعززته الثقافة الإعلامية الهزيلة والمبتذلة، عبر تصوير السكرتيرة كامرأة لعوب -بالضرورة- تستغل إمكاناتها «غير المهنية» للوصول إلى مآربها، عبر التورط في علاقة مشبوهة مع المدير!
والشيء بالشيء يُذكر، فقد كانت هذه الفكرة التسطيحية هي الأساس الذي قامت عليه فكرة مسلسل «بيتي القبيحة» Ugly Betty الأمريكي ذائع الصيت. إذ يتعمد مالك دار نشر ضخمة تعيين سكرتيرة «قبيحة الشكل» في مكتب ابنه، رئيس تحرير مجلة مرموقة، مختاراً «بيتي» لا لمؤهلاتها وإنما لشكلها غير المغري! لكن الأيام تثبت أن بيتي أكثر من مجرد سكرتيرة ترد على الهاتف وتنظِّم جدول أعمال مديرها، الذي تطوِّر معه علاقة مهنية راقية تعتمد على الإخلاص والاستقامة، بل تصبح ذراعه اليمنى التي تساعده في اتخاذ أهم قرارات العمل. ويكون لها الفضل في إنقاذه من مؤامرات عدة يحيكها له خصومه ومنافسوه. وفي هذا الإطار، ترفض بيتي أن يُشار لها بـ«سكرتيرة» فهي «موظفة مهنية إدارية»؛ فعلياً هي مساعدة تنفيذية لرئيس التحرير، وهي «الرجل» الثاني في المجلة بعده.
مهام متعددة
يقودنا هذا إلى الدور المتوقع للسكرتير(ة) في ظل تنامي الاعتماد المهني، كما كل مجالات الحياة الأخرى، على التكنولوجيا. خلافاً لما يُروج، فإن هذا الدور مُرشح له أن يكتسب قيمة أعظم، وهو أمر يبدأ من خلع وصف «السكرتير(ة)» الذي يبدو ضيقاً في الوقت الراهن، تبعاً للتوصيف التقليدي. لم تعد أعمال السكرتارية تقتصر على طباعة الرسائل واستقبال المكالمات وتنظيم المواعيد وتنظيم الملفات وتولي حجوزات السفر والمواعيد أو ترتيب عشاءات العمل للمدير. أكاديمياً، لم يعد الحد الأدنى من الشهادة العلمية -كشهادة الثانوية العامة أو الدبلوم المتواضع- كافياً، بل شهدت السنوات الأخيرة إصرار المؤسسات الكبرى على تجنيد موظفي سكرتارية يحملون شهادات جامعية في إدارة الأعمال، وثمة مؤسسات ترجح كفة خريجي الحقوق، خاصة إذا كانت شهادة الاختصاص في قانون الشركات. وهناك اللغة، التي لا يكفي الإلمام بها بل إجادتها. فلم يعد السكرتير(ة) مجرد «طابع» أو «ناسخ»، بل هو الذي يصوغ الرسائل ضمن الحد الأدنى لتدخل المدير، كما بات أبعد ما يكون عن «مكتب استقبال» أو «بدالة هاتف».
فإلى جانب المهام الإدارية والتنسيقية التقليدية، توفِّر التكنولوجيا الحديثة فرصة لتوسيع النطاق المعرفي والمعلوماتي للموظف. فالسر ليس في النقر على الزر، وإنما فيمن ينقر على الزر، لجهة مقدرة الشخص على انتخاب الأفضل ضمن خيارات متزايدة باطراد، واتخاذ قرارات دقيقة في خضم وفرة مرهقة من القرارات والاحتمالات. وهو أمر لا يُكتسب إلا من خلال ثقافة مهنية وإدارية خاصة، تؤسس لعلاقة صحيحة وصحية بين السكرتير(ة) -الذي لم يعد سكرتيراً- والمدير. فالسكرتير(ة) الآن هو مساعد تنفيذي أو مساعد إداري. له نفوذه المكتسب من قابلية مذهلة لما يعرف بالـ «multitasking»، أي القيام بعدة مهام متنوعة ومتشعبة تستلزم يقظة ومتابعة وملاحقة واستدراك في الوقت نفسه، وبقدر متساوٍ من الكفاءة.. وعليه بالدرجة الأولى، أن يتمثل فلسفة العمل ويعكسها، لأن هذا التمثل هو الفرق الحاسم بين النجاح والفشل. فالتكنولوجيا مساعد، لكنها ليست الأساس، وهي الوسيلة، لكنها ليست الغاية.
حسناً، لقد بات المدير يحمل معه مكتبه في جهاز صغير أينما حل ورحل، أو في كمبيوتر محمول، متابعاً اتصالاته عبر «البلاك بيري».. هذا صحيح. لكن الأصح أن مهمته باتت أسهل وأسرع بفضل مساعد تنفيذي دؤوب يحرص على «تغذية» جهازه بالمعلومة التي تساعده كي يكون سباقاً في استغلالها. إن السكرتير -المساعد هو العقل إذ تشحذه المعرفة التقنية، وفي كثير من الأحيان يكون هذا العقل الإداري شريكاً فاعلاً في القرار، وموجهاً كون التوجيه والمتابعة من مقتضيات الوصف الوظيفي للمساعد التنفيذي (أو «مدير مكتب المدير» كما قد يُلقَّب) متعدد المهام.
في سوق العمل العصرية، فإن العلاقة بين المدير، صاحب العمل، وبين المساعد الإداري هي أقرب إلى فريق عمل متكامل، نجاح كل منهما لا يستقيم إلا بالآخر. كل ما في الأمر أن التكنولوجيا تجعل هذه العلاقة التبادلية أمتن وأكثر فاعلية وإثماراً، والبقاء للأصلح في استثمار التكنولوجيا وتطويعها، لا للتكنولوجيا وحدها.. فالنجاح ينطلق من العامل البشري أولاً.. ثم أولاً.
التكنولوجيا تزيد الأعباء..
والاستقامة تبقى حجر الأساس
مما لاشك فيه أن السهولة والسرعة التي يمكن بهما إنجاز الكثير من الأعمال المكتبية على جهاز الكمبيوتر، أدتا إلى زيادة المهمات الملقاة على عاتق السكرتارية، اعتقاداً من المديرين أن العاملين في هذا القسم باتوا يستطيعون تنفيذ عدد أكبر من المهمات في مدة زمنية معيَّنة.
فالبريد الإلكتروني مثلاً بات ينقل عدداً من الرسائل لم يكن هناك ما يقاربها في البريد التقليدي. كما أن سهولة الاتصال الهاتفي أدت إلى ارتفاع معدلات المكالمات إلى مستويات غير مسبوقة، ناهيك عن الرسائل الإعلانية الهاتفية والإلكترونية التي تتلف، ولكن بعد الاطلاع على محتواها.
وبسبب سهولة الاتصالات وتحويل الرسائل والرد عليها أيمنا كان السكرتير(ة) وأينما كان المدير، بات هذا الأخير يقضم بعضاً من وقت الاستراحة أو ما بعد الدوام للمسؤولين عن السكرتارية في مكتبه. فيرى أنه لا يشكِّل عبئاً ثقيلاً إذا طلب من السكرتير تنفيذ مهمة معيَّنة يستطيع تنفيذها خلال دقائق على هاتفه الجوال وهو في استراحة الغداء، أو من خلال كمبيوتره الشخصي في بيته.
وإن كانت السكرتارية هي أساساً وتاريخياَ مهنة المساعدة التنفيذية و«حفظ السر»، فإن التكنولوجيا التي زادت من المهمات التنفيذية المساعدة، زادت في الوقت نفسه من الأسرار التي يتوجب حفظها. وهذا إذا أسقطنا من حساباتنا قدرة المهرة في استخدام التكنولوجيا في أقسام السكرتارية على الوصول إلى الأسرار التي أبقاها المديرون بعيداً عن متناولهم.
لهذا فإن الاستقامة، هذه القيمة التي قلَّما يشار إليها كإحدى الصفات اللازمة بالمطلق في أعمال السكرتارية، والتي طالما كانت كذلك، تزداد أهمية في عصر التكنولوجيا، خاصة في الشركات الكبرى.
فمن خلال محاضر الاجتماعات والرسائل والاتصالات الهاتفية المراقبة بإذن (أو من دون إذن) يمكن القول إن ما من سر يخفى على السكرتارية. ومعلوم أن لكل المؤسسات والشركات (وخاصة الكبرى) أسرارها الخاصة البالغة الأهمية بالنسبة لسير أعمالها. وفي كل دول العالم أجهزة وقوانين تعمل على منع «التجسس الاقتصادي» و«التجسس الصناعي»، أي نقل الأخبار والمعلومات السرية من مؤسسة إلى أخرى بحيث تستفيد منها الثانية على حساب الأولى.
والمذهل، أن السكرتارية، مستودع أسرار الشركات، هي وفق الإحصاءات المنشورة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا، الأقل عرضة للاتهام أو للإدانة في حوادث التسرب أو التجسس الاقتصادي التي كُشفت. الأمر الذي يؤكد مكانة الاستقامة والحرص عليها في هذا القلب الحيوي في كل مؤسسة اقتصادية ذات شأن.
اليوم العالمي للسكرتارية
في أمريكا في خمسينيات القرن الماضي، قام رجل الأعمال الأمريكي هاري إف. كليمفوس، من نيويورك، بالتعاون مع ماري باريت، رئيسة «الرابطة الوطنية للسكرتيرات»، وسي. كينغ وودبريدج، رئيس شركة ديكتافون، إلى تكريس «يوم السكرتيرة» كيوم مخصص للاحتفال بالسكرتيرة، وذلك اعترافاً بالمجهود الذي تبذله العاملات في قطاع السكرتارية في الشركات وسعياً إلى تشجيع عمل «السكرتارية» -الإداري الطابع وتحفيز المزيد من الكفاءات للانضمام إلى هذه المهنة «المغبونة» وتطلعاً إلى الارتقاء بالوظيفة ذات المهام الفضفاضة. كان ذلك في العام 1952م، إبّان الهبّة الوظيفية التي أعقبتْ الخروج من آثام الحرب العالمية الثانية ودفعت بالمزيد من النساء إلى سوق العمل الذكورية الهيمنة.
من أسبوع «السكرتيرات» إلى أسبوع
«الموظفين الإداريين»
وقد أقر وزير التجارة الأمريكي آنذاك تشارلز سوير العطلة لمناسبة «الأسبوع الوطني للسكرتيرات» كاحتفالية أقيمت أول مرة في الفترة من 1 إلى 7 يونيو، مع تخصيص الرابع من يونيو ليكون «اليوم الوطني للسكرتيرات». في العام 1955م، تم تحريك موعد الاحتفال بالأسبوع الوطني للسكرتيرات إلى الأسبوع الأخير من شهر إبريل. وفي العام 1981م تم تغيير اسم الفعالية إلى «أسبوع السكرتيرات المهنيات»، ثم أصبح «أسبوع الموظفين المهنيين الإداريين» في العام 2000م ليشمل تحت سقفه قطاعاً عريضاً من الإداريين على نحو يعكس المسؤوليات المتشعبة والمتطورة وما استتبعها من «اشتقاق» مسميات وظيفية جديدة للطاقم الإداري، الذي انبثق من الأساس من وظيفة السكرتارية. وهي مسميات توحي بثقل وتنوع وتعقيد وظيفي أكثر. أضف إلى ذلك أن التسمية الأكثر تهذيباً للفعالية؛ التي استبدلت مسمى السكرتير(ة) بـ«الإداري» إنما هدفت إلى تجنب الحرج الذي قد يشعر به أولئك العاملون في المهنة ممن يعتقدون بأن «سكرتير(ة)» كمسمَّى يقترن بالنساء فقط أو يشير إلى الموظفين غير المؤهلين كفاية.
وعلى مدى السنوات الفائتة، تحول «أسبوع الموظفين المهنيين الإداريين» إلى واحدة من أكبر الفعاليات التي يُحتفى بها في بيئات العمل في الولايات المتحدة، كما زحفت هذه الفعالية خارج الأراضي الأمريكية لتصيب عدواها كندا ودول أخرى في أوروبا. ويشهد الأسبوع في العادة تنظيم ندوات، وعقد ورش عمل لتسليط الضوء على طبيعة عمل السكرتارية (عفواً! «المساعد الإداري» أو «المساعد التنفيذي» أو «الموظف المهني الإداري») وبحث سبل الارتقاء بالمهنة وتنقيتها من التلميحات «الازدرائية» العالقة بها وتخليصها من الصفة «الدونيّة» التي التصقت بها. وعادة ما يقوم المديرون بتقديم هدايا رمزية إلى مساعديهم الإداريين، ولعل أغلاها هو يوم عمل عطلة!
تجدر الإشارة إلى أن السكرتارية دخلت العمل النقابي في الولايات المتحدة مبكراً من خلال تأسيس «الرابطة الوطنية للسكرتيرات» في العام 1942م، حيث ظلت محتفظة باسمها أربعة عقود قبل أن يتم تغييرها إلى «الرابطة الدولية للسكرتيرات المهنيات» وذلك في العام 1982م، ومن ثم إلى «الرابطة الدولية للموظفين المهنيين الإداريين» في العام 1998م -التي يشار إليها اختصاراً بـ«IAAP»- بغية إزالة أي تمييز يوحي به المسمى الوظيفي الأنثوي الدلالة!. وبحسب أدبيات الرابطة، فإن هذه المؤسسة النقابية تهدف إلى وضع المعايير الخاصة بأعمال السكرتارية وتوفير الفرص المهنية والتعليمية لأولئك الساعين إلى الالتحاق بوظائف إدارية وتعزيز شبكة تواصل مهنية تدريبية تبادلية فيما بينهم. وكانت الـ «IAAP» قد ابتكرت امتحاناً تقييمياً معيارياً للموظفين الإداريين يعرف باسم «امتحان السكرتارية المهني المصدَّق» (CPS)، الذي تم إقراره أول مرة في العام 1952م. وهناك أيضاً اختبار أكثر تخصصاً يعرف بـ«امتحان الموظف المهني الإداري المصدّق» (CAP). وبناءً على المستوى العلمي أو الأكاديمي للفرد، فإن مقدِّم الطلب يحتاج بين عامين إلى أربعة أعوام خبرة معتمدة كموظّف إداري كي يخضع لهذا الامتحان.
قد يجوز بنا أن نختم هنا بسؤال غير برئ تماماً: ماذا عن مؤسساتنا العربية؟ أتضم أدبياتها المهنية اختبارات مشابهة لطاقم السكرتارية؟!