اطلب العلم

نظيف .. أكثر من اللازم

هل نحن حقاً بحاجة لأن نقضي على %99.999 من البكتيريا والجراثيم المحيطة بنا؟

تنهال علينا هذه الأيام الدعايات الترويجية للمنظفات المضادة للجراثيم. من الصابون العادي، والصابون السائل، إلى معقم الأيدي، وحتى المناديل. ولا ينافس انتشار هذه المنتجات في السوق، إلا إقبال المزيد والمزيد من الناس على شرائها. إذ يرون أنهم بذلك يضمنون الحماية لهم ولأسرهم ضد الأمراض والعدوى.

تعتمد كل هذه المنتجات على كونها تحتوي على مواد قاتلة للبكتيريا. وقد كانت الحاجة الأساسية، والاستخدام الأصلي، لهذه المواد هي الوقاية من انتقال البكتيريا المسببة للأمراض بين المرضى في المستشفيات. وكذلك حماية الطاقم الطبي للمستشفى من العدوى التي يحملها المرضى. أما الآن فقد تمت إضافتها إلى العديد من المنتجات التي يقصد بها الاستعمال في بيئة المنزل الصحية. ومع الاستخدام المكثف لها بصورة غير مسبوقة والذي نشهده الآن، يتصاعد قلق العلماء من الأخطار الهائلة التي يمكن أن تحملها لنا.

فنحن نذهب بعيداً، وبغير ضرورة، حين نحاول أن نقضي على كل البكتيريا في محيطنا. أولاً، لأن النسبة الأكبر من البكتيريا التي نتعامل معها في حياتنا اليومية، هي بكتيريا غير ضارة، تتعايش سلمياً من النظام الحيوي لجسم الإنسان. وثانياً لأن تعاملنا معها ضروري لحمايتنا من الأمراض.

يقول جراهام روك الأستاذ بجامعة لندن، إن جهاز المناعة يحتاج إلى التدريب لكي ينمو بطريقة صحيحة. أي إنه يحتاج للتعرض للبكتيريا غير الضارة والتفاعل مع مادتها الحيوية، حتى يتعلم كيف يضبط آليات دفاعه، ويكون مستعداً لمواجهة الأمراض. ولذلك فإن الأطفال الذين يتواجدون في بيئة محمية أكثر من اللازم، يكونون معرضين أكثر من غيرهم للإصابة بالأمراض، على عكس الاعتقاد السائد. لأن هذه البيئة قد حرمت أجهزة المناعة لديهم من فرصتها في التطور والنمو الطبيعي.

وحين تتعرَّض البكتيريا بصورة مكثفة ومستمرة لهذه المواد، تبدأ سلالات جديدة منها في الظهور. هذه السلالات تكون مسلحة بآليات دفاعية ضد المواد نفسها التي استطاعت أن تبيد «أقاربها» سابقاً. فالبكتيريا كائنات عالية المرونة في تطورها، والبيئة القاسية بصورة أكثر من اللازم، لن تجعلها تنقرض، وإنما ستقوم بحثها على تطوير سلالات مقاومة. وحينئذ نكون قد فقدنا فاعلية هذا السلاح ضدها إلى الأبد.

ولا تتوقف خطورة الأمر عند هذا الحد. إذ اكتشف العلماء مؤخراً أن سلالات البكتيريا المقاومة للمواد المضادة للبكتيريا، قد تكون مقاومة أيضاً للمضادات الحيوية. ففي دراسة أجرتها آليسون آيلو عالمة الأوبئة بجامعة ميتشجن الأمريكية، توصلت إلى أن تعرض البكتيريا على مدى زمني طويل لمادة الترايكلوسان الموجودة في هذه المنظفات، يؤدي إلى حدوث طفرات تجعلها مقاومة لعقار «آيزونيازايد»، وهو المضاد الحيوي المستخدم في علاج مرض السل. كما ظهرت طفرات أخرى أدت إلى حدوث تغيرات في غشاء الخلايا البكتيرية، بحيث لا تسمح بنفاذ جزيئات المضادات الحيوية لداخلها، وبالتالي تصبح محصنة ضدها.

إذن ماذا نفعل لنضمن حماية صحية من الأمراض؟ «الحل الأكيد هو الماء والصابون» .. هكذا ينصح جون جوستافسون الباحث بجامعة نيومكسيكو الأمريكية. فالصابون يقوم بخلخلة طبقة الأوساخ والزيوت والجراثيم الموجودة على الأسطح، وبالتالي تنجرف بسهولة مع الماء. هكذا نحصل على نظافة أكيدة وحماية من الأمراض، لكن من دون عبث بالنظام الحيوي المحيط بأجسامنا، ومن غير أن نغامر عن غير قصد، بإنتاج «وحوش» بكتيرية مقاومة.

أضف تعليق

التعليقات