حياتنا اليوم

مستقبل التلفزيون
إعادة حساباتنا مع التلفزيون

  • shutterstock_48196723_Man-with-laptop
  • shutterstock_55878772_Remote-control
  • shutterstock_60627709_TV
  • shutterstock_63772597_NEWS-TIME
  • _DSC2624
  • 42-15688121
  • 42-15830986
  • 42-26195181
  • BE062763
  • BE062764
  • GOOGLE-TV
  • HU016107
  • NETFLIX
  • Picture-31
  • samsung-8500-series-led-lcd-hdtvs-front1

لم يخسر التلفزيون حتى اليوم موقعه في كل بيت. ولكن لا بد من الاعتراف بأنه خسر نسبة معيَّنة من الاهتمام بمتابعة برامجه، لصالح جاذبية شبكة الإنترنت وما تقدِّمه لمستخدميها.
غير أن الخطر على التلفزيون يكمن في السرعة الكبيرة التي تنمو بها خدمات الإنترنت وتطورها، مقابل محدودية التطورات البطيئة التي طرأت على التلفزيون كجهاز وكبرامج. فإلى متى ستظل «الإنترنت» تقضم من جمهور مشاهدي التلفزيون؟ فاضل التركي يتناول هنا الآفاق المفتوحة أمام تطور التلفزيون، انطلاقاً من استعراض مسيرة تطوره خلال العقود الأخيرة، وما يمكن للتقنيات الحالية أن توفره في هذا المجال.

لو تأملنا الطريقة التي نشاهد بها التلفزيون، فسنلاحظ أنها رغم اعتيادنا عليها، غريبة جداً. فكيف لنا أن نرضى بترتيب يومنا وأجندتنا ومواعيدنا وقائمة أشغالنا لتتماشى مع مواعيد بث البرامج التي يختارها معدّوها في كل قناة تلفزيونية؟ ماذا نفعل مع برنامجين نحب أن نتابعهما، يبثان في الوقت نفسه؟
نعم، لقد اخترعنا أساليب حياة وتقنيات جيّدة لحل مثل هذه المشكلات، مثل أجهزة التسجيل التي نستطيع برمجتها لتسجل وقتما نريد. لكن، هل نحتاج فعلاً أن يكون التلفزيون هكذا بمشكلاته والعادات التي رسخت عندنا معه وما لنا إلا أن نجتهد بالتقنية وتبديل مواعيدنا من أجل حلها؟

ربما كان هذا هو الحال، لو لم تنتشر الإنترنت وأجهزة الحاسوب وتصل إلى أراضي التلفزيون المنيعة. فقد أصبح بالإمكان البحث عن المادة، ومشاهدتها وقتما نريد، ونتفاعل معها ونقرأ عنها ونتشارك مع الآخرين في تبادل الآراء عنها ونقيِّمها. ومن حيث لم نشعر، مع هذه الميزات الجديدة، وجدنا أنفسنا تنأى عن التلفزيون يوماً بعد يوم. وأصبحنا نوصل الحواسب بأجهزة التلفزيون، نحاول بها تطوير استخدامنا له، وتراءى لنا أن مصيره ليس بالبعيد عن مصير الراديو.

إن التلفزيون لم يبق في مكانه. هناك بوادر انتقام واستعادة لمكانته عند الناس. ربما كانت هذه مراوحة لبعض الوقت، وقد آن الأوان للتغيير. في الصفحات التالية، سنلقي نظرة قريبة من طبيعة التلفزيون، ما هو، كيف كانت البدايات، ثم نتجاوز اليوم إلى الغد، نجول في ملامح بدت تظهر وأفكار أصبحت محل جدل في أنسب الطرق إلى المستقبل. لنحاول أن نتقرب من تقنياته، وكيفية تطورها، والعادات والانطباعات التي كان يحملها الناس عنه منذ بزوغه، والعادات التي اكتسبناها، ونجول بعدها في الإمكانات المتاحة اليوم وبوادر الثورة التلفزيونية الجديدة والتصورات المستقبلية.

كيف ظهر التلفزيون وكيف استقبله الناس؟
ظهرت تجربة التلفزيون عام 1928م في أمريكا. وحين ظهر في بريطانيا حوالي العام 1935م، لم يكترث مؤسس إذاعة البي بي سي، جون ريث به كثيراً، إذ رحل غير مهتم بتقديم البي بي سي للتلفزيون، فكان يجدول إجازات عمله لتكون في فترات ذروة مواسم التغطية التلفزيونية لبعض المناسبات مما كان يقدَّم في تلك الأيام الأولى.

بدأ انتشار التلفزيون في بريطانيا بنحو 100 جهاز تلفزيون يتلقى إشارة البث من على تلة عالية فوق قصر الكريستال، ليتمكَّن هؤلاء المشاهدون الكثر من استقبال الإشارة. كانت تلفزيونات صغيرة الشاشة، ذات لون واحد، وبرامج قليلة، وأوقات محددة. ولم يكن لأحد أن يتخيل تحول التلفزيون، إلى فرد من العائلة يتحلق حوله الجميع ويأخذهم جميعاً عن بعضهم البعض، وعن كل وسائل الاتصال، ويصبح الأداة التي توصل الأفكار والأخبار والتسلية والمشاركة في الاهتمامات في كل صعيد. لقد تبدَّل كل شيء، وتبدَّلت العادات وأصبح الناس يجلسون في بيوتهم، يشاهدون فيها مرحلة بعد مرحلة، ما مرَّ به التلفزيون الذي كان بلا صوت وبلا ألوان، ثم صار بالصوت والألوان، والبرامج المتنوعة، وسهل التواصل معه، وانتقل من البث المحدود الوقت إلى أن أصبح يقدِّم المقابلات والمباريات والمسرحيات ويلتقي عبره الناس بالمشاهير الذين يحبون، ويتابعون الأحداث أينما كانت، وقرّب لهم كل شيء، حتى أوجد انطباعاً ألاَّ شيء بعد ذلك غير تطور هذا الجهاز تقنياً، وتطور البرامج التي تعدّ وحسب. ولم يستغرق وقتاً طويلاً بعد هذه البدايات الأولية، حتى تحوَّل إلى إدمان عام وسلطة تصل إلى كل مكان.

فكرة التلفزيون
ربما نتفاجأ إذا عرفنا أن أول خطوة على طريق اختراع التلفزيون كانت عام 1817م. لقد كان ذلك مبكراً جداً إذا قارنا ذلك بظهور التلفزيون بعد ذلك بكثير (عام 1928م) أو في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين فعلياً.

كانت تلك أول خطوة عندما اكتشف جونز جاكوب برزيليوس مادة السلنيوم، وقد عرفنا بعدها أن هذه المادة تنقل كمية مختلفة من التيار الكهربائي اعتماداً على كمية الضوء التي تتعرَّض له. كان ذلك في عام 1872م عندما لاحظ بالصدفة عامل التلغراف جوزف مي، أن خاصية السلك في توصيل الكهرباء تختلف عندما يتعرَّض لضوء الشمس، والسبب هو تحول الضوء إلى إشارة كهربائية. لقد مهَّد ذلك إلى فكرة جاء بها المهندس الفرنسي موريس لوبلان لاستخدام هذه الخاصية. كان ذلك عام 1880م، عندما كتب ورقته العلمية الشهيرة التي تقترح طريقة لقراءة صورة بطريقة ميكانيكية كنص في صفحة، سطراً سطراً وبث هذه الإشارات تباعاً لتكون مثل صورة تعرض جزءاً جزءاً حتى تكتمل. وهي عملية تشبه تصفحنا لورقة تحمل نصاً أمامنا، نجول عليه سطراً سطراً من اليمين إلى اليسار. وببساطة، فإننا نستفيد من الصورة التي تبقى في جدار العين -الشبكية- بشكل مؤقت ولكن متواصل ومتدرج، وبذلك نحصل على صورة كاملة، ثابتة أو متحركة! لم يتمكن هذا المهندس من صنع هذه الآلة حتى جاء بعده بول نبكو، الألماني الذي صنع قرصاً دوَّاراً يسهِّل تلك العملية. كانت هذه إذن البداية: تلفزيون ميكانيكي. ندير القرص الذي يعكس الضوء ويحوي خطوطاً رسمت لولبياً من مركز القرص إلى محيطه الخارجي، فتتحرك هذه الخطوط لتعكس الصورة التي نريدها بتمرير الخطوط عليها لتسقط على عين المشاهد.

إن ما نلمسه في بدايات التلفزيون، مازال يستحق أن نلقي عليه نظرة الآن، لأنه لم يتبدل كثيراً في الفكرة حتى في أكثر تلفزيونات اليوم تطوراً. إننا ننقل الصورة سطراً سطراً بعد أن استبدلنا بالأقراص الدوارة تقنيات جديدة، ونصنع كل الحركة بكل ما تقدَّمنا في مجال الرسم وآلات التصوير والإضاءة وما يصاحبها من تقنيات.

فبعد القرص الدوار، جاءت التقنيات المختلفة التي حسنت التلفزيون وجعلته أكثر انتشاراً، بدءاً بتقنية استخدام أنبوب الكاثود وتحول الجهاز إلى تلفزيون كهربائي بعد أن كان ميكانيكياً. لقد كان ذلك تجريبياً، وتبع التلفزيون الصامت، دخول الصوت. وحين جاءت الخمسينيات من القرن العشرين، بدأت توضع المقاييس بخصوص عدد شرائح الصور التي تتبدل كل ثانية لتصل إلى مقياس 30 صورة في الثانية وجاء بعد ذلك دور دخول الألوان الطبيعية التي تظهر بها الصور، وكان السبيل إلى ذلك في البداية ترميز الألوان ضمن نظام اللونين الأبيض والأسود. في البدايات هذه، كان البث حياً مباشراً على الهواء، على عكس التوقعات، إذ لم تكن هناك إمكانات للتسجيل وإعادة البث فيما بعد. لقد احتجنا بعض الوقت لنتمكَّن من بث برنامج مسجل، أو دبلجة برنامج وإضافة لمسات وترتيبات عليه قبل أن يراه المشاهدون.

ثم أصبح التلفزيون «عادياً» في كل بيت
في العام 1950م، بلغ عدد التلفزيونات في أمريكا، على سبيل المثال، قرابة العشرة ملايين، بعد أن كان قبلها بسنوات أربع لا يتجاوز السبعة آلاف جهاز تلفزيون. وقد تقدَّمت أمريكا في ذلك، لأن الحرب العالمية الثانية، كانت ذات أثر في تقليل انتشاره والاهتمام به. وكانت البي بي سي قد أوقفت الخدمة في بريطانيا، ولم تعاود البث إلا بعد مدة من التفكير بعد أن انتهت الحرب وألقت أوزارها. ومنذ ذلك الحين، أصبح التلفزيون قطعة أثاث ضرورية في كل بيت. ومع الهدوء والصعود الاقتصادي والتنافس الشديد بين شركات التلفزيون، تم توحيد نظام البث في أمريكا، وتكررت الحكاية في بقية أرجاء العالم. وحين توحَّدت المقاييس وتوسعت شبكات البث، كانت هناك حاجة ماسة لتحويل طاقات وخبرات ومهارات العاملين في مجال الراديو، إلى الموضة الجديدة. ولكم كان من الصعب الانتقال من خبرات تقديم برامج الراديو إلى تقديم برامج تلفزيونية لمن لا عهدة له بها سابقاً، وإيجاد ممثلين يعتمدون على الصوت والصورة ومقدمي برامج خيالهم أبعد من البث الصوتي. حينئذ، كان على الممثلين والمهرجين التقدم لوظائف التلفزيون. لقد انتقل كل شيء إلى مجال التلفزيون ليغطي كافة الأخبار والفعاليات والتمثيليات والمباريات الرياضية. وكان أكثر البرامج إدراراً لشركات التلفزيون، أن تحضر شهيراً من الهزليين ليظهر تكراراً على الشاشة بحكاية جديدة كل حين. كما كانت برامج المسابقات فكرة مدهشة ومحبوبة، جعلت المشاهدين يتخيلون أنفسهم يكسبون المال بحلهم للأسئلة المطروحة. لقد جلب ذلك الدعاية الناجحة للتلفزيون. وأصبح هناك راعٍ رسمي للبرامج الكبرى هذه. ومن اللافت أن المنتجات التي كان يسوقها الراعي الرسمي، كانت تباع بأسرها بعد انتهاء البرنامج. لقد كان ذلك مثاراً للعجب، إذ إن ردة فعل المشاهدين وتأثير التلفزيون على تسويق المنتجات فاق كل التوقعات.

لم يكن يتصور مديرو شركات التلفزيون أن الأخبار ستكون محل اهتمام الناس. لقد بدأت قصيرة وغير مهمة، لمدة دقائق في المساءات، وكانت غير مفضلة عندهم لكونها مكلِّفة ومتعبة التحضير. ولم تبدأ الأخبار تلقى الاهتمام الذي أقنع مديري الشركات بها إلا في منتصف الستينيات من القرن العشرين.

مع مرور الوقت، لم يكن ممكناً للشركات الراعية للبرامج أن ترعى برامج كاملة. ولقد فطن المشاهدون إلى أنهم يريدون مواد أرفع مستوى مما يشاهدون، وبسبب هذا وذاك، تحوَّلت الدعاية إلى دعاية قصيرة ومقتصرة كما نراها هذه الأيام.

هكذا تطورت البرامج وتوسَّعت الاهتمامات، الجادة منها والمسلية. وتطورت الأفكار إلى ما نحن عليه اليوم. كل ما حدث منذ نهايات الستينيات من القرن العشرين حتى اليوم، ليس مختلفاً إلا في ما يخص تطور التقنية والأجهزة وأدوات التسجيل والبرامج والمونتاج والإخراج وما إلى ذلك. لكن التلفزيون أصبح بلا منازع.

متى بدأ البريق يخفت؟
لم يكن التلفزيون محط اهتمام الجميع، بشكل كلي، منذ بداية ظهوره. فقد كانت دائماً هناك حركات وتوجهات تدعو لإزالته من البيوت وإبعاده عن الأطفال وباقي أفراد الأسرة الذين يفرقهم عن الحديث مع بعضهم بعضاً. وحذرت هذه الحركات والتوجهات، بكثير من المبررات والأسباب، من أفضل البرامج جودة وفائدة، ودعت في أكثر الحالات تسامحاً، إلى تقليل عدد ساعات المشاهدة، والاختيار الصارم لما يمكن مشاهدته. لكن، لم يكن لهذه الجماعات من تأثير مهم أمام النسبة العظمى من سكان العالم الذين ينعمون بالمتعة والتسلية والفائدة وقضاء الوقت أفراداً وجماعات أمام الشاشة. ربما أخذهم عن التلفزيون بعض الاهتمامات الأخرى، مثل القراءة والعمل والرياضة ووصول الحاسب الشخصي إلى كل بيت وتوافر البرامج التفاعلية والموسوعات وبرامج الإنتاج والمكتبات العامة والفعاليات والمهرجانات والألعاب والتسلية. وسبق ذلك بالطبع وصول أجهزة الألعاب الإلكترونية التي تربط بالتلفزيون ويستمتع بها الكبار والصغار.

ظهر أول تهديد للتلفزيون، بظهور الإنترنت. ولم يكن هذا التهديد واضحاً جلياً للمستخدم والمهتم الدارس للحالة، إلا بعد أن انتشرت الإنترنت، وتدنى سعر الخدمات لتتوافر لشريحة كبيرة من مستخدمي الحواسيب عالية السرعة المرتبطة بإنترنت ذي نطاق واسع وسريع. فقد ازداد عدد المواقع وتقدَّمت برمجياً، ولم يَعُد التصميم والنشر والبرمجة حكراً على المبرمجين والمختصين، مع ظهور إمكانية رفع الفيديوهات والأفلام التي كانت قصيرة ومقطعة إلى أجزاء في البداية. ثم ظهرت إمكانية رفعها وتصفحها أو تتزيلها، وتوفر ميزات وصفها بكلمات مفتاحية تصف المادة المعروضة بدقة، وبجوار ذلك مراجعات المتصفحين وتعليقاتهم. أصبح التلفزيون جهازاً متقدماً في التقنية البصرية والصوتية، ولكنه متأخرٌ، وليس بالعملي بتاتاً. لقد بات جلياً للمشاهد، أنه ملزم بوقت البرنامج، وباختيارات القنوات التي يتابعها، دفع لها اشتراكاً أم لم يدفع. وأصبح عليه أن يُعنى بتوفير تقنيات وأجهزة التسجيل التي يبرمجها ويربطها بجهاز التلفزيون حتى يتسنى له متابعة ما يفضل في وقت يناسبه آخر.

هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، فطن المشاهد، كما فطن آباؤه لنوعية البرامج ومستواها، إلى أنه ليس من الضروري أن يعتمد على الشركات الكبرى المنتجة لمواد المشاهدة. أصبح بإمكان كل فرد يستخدم الإنترنت؛ أن يصمم مادته من أي شكل كانت وضمن أي اهتمام، ويقدِّمها على الإنترنت بكل الكلمات المفتاحية وقدرات محركات البحث، ويسهِّل على هذا المشاهد أن يتحصل عليها فوراً دون أدنى حاجة لأجهزة وتقنيات غير برامج الحاسوب المتوافرة مجاناً بكثرة كماً ونوعاً.

في هذه الحال، بدأ الإنترنت يشكِّل تهديداً، إذ ازدادت فاعلية الإعلانات على الإنترنت وظهرت جدواها أكثر من تلك التي كانت محصورة بالشريحة التي تفضل التلفزيون. ومن ظواهر هذه الحالة، تبدَّلت الطريقة التي تُقدَّم بها البرامج ورسوميات القنوات وألوانها وترتيب برامجها لتشابه المواقع لوناً وشكلاً وترتيباً، إضافة إلى فتح هذه القنوات التلفزيونية مواقع مكمّلة لها تعرض ساعات البث والبرامج وتسجيلات مما تبث، وتعرض ملامح من الإنترنت في ساعات بثها على التلفزيون. هذا فضلاً عن المواقع المستقلة التي أصبحت تعيد بث القنوات التلفزيونية على الإنترنت، مصنفة تحت تصنيفات مختلفة، بثاً مباشراً لما يعرض على شاشات التلفزيون، ليصل بالقنوات إلى بلدان لا تخدمها وخارج حدود التغطية.

ومع ظهور «Youtube»، أصبح التلفزيون في وضع حرج للغاية. أصبح كل شخص يستخدم الإنترنت، ناشراً لمواد مرئية من أي نوع بنفسه. ليس كل فرد وحسب، بل أيضاً شركات إنتاج الأفلام والمشاهير والشركات والجامعات والمدارس التي فتحت لها قنواتها الخاصة. ومع «يوتيوب»، وفيديو شركة «جوجل»، التي دعمت يوتيوب واشترته وضمته إلى قائمة خدماتها، وطورته أكثر وسوقته، ومع مواقع أخرى كثيرة، كانت التسهيلات كلها متوافرة للرحيل عن هذا الجهاز وبرامج البث التلفزيوني.

ما الحاجة لمشاهد أن يتجه إلى تلك التقنية ما دام يتابع ما يحب وهو محيط بكل جديد وقديم، يطلع على الأخبار بكل الأشكال نصاً وصوتاً وصورة وبشكل تفاعلي حسبما يريد رهن ضغطة زر؟ وزيادة في سوء حظ التلفزيون، أصبحت التقنية تتقدَّم وارتفعت الجودة وسرعة الإنترنت، وازدادت الصورة نقاءً ودقة، وتوافرت موصلات الحاسوب بالتلفزيون، وأصبح أفضل ما في التلفزيون من جودة الشاشة والصوت في صالح الحاسوب وتحت أمره.

في هذا الوقت، ظهرت برامج البرودكاست، وهي برامج صوتية ترفع على الإنترنت، يرفعها من لديه مادة، سواء أكان تابعاً لمؤسسة، أو راديو، أو يقدِّمها بنفسه في أي مجال من مجالات التقنية والعلوم والترفيه والأخبار والفن وغير ذلك. ملف صوتي يرفع مع وصف نصي وكلمات مفتاحية على مواقع وبرامج خاصة بالبحث والتنزيل، ويشترك فيها المستخدمون ويتابعونها أولاً بأول، إذ تُعْلِمُهم البرامج بوصول أية حلقات جديدة، ليستمعوا إلى ما يشاءون أينما يشاءون وقتما يشاءون، على أجهزة الأيبود أو الأقراص المدمجة أو حواسيبهم، في البيت أو في السيارة أو المكتب. لم يكن هناك أي مانع من توافر مواد مصورة تلفزيونية أطلق عليها اسم فيديوكاست بالطريقة نفسها. وهذا جعل برامج التلفزيون في جيب المشاهد. قد اختارها واشترك في قائمة مفضلة لديه، تصله التحديثات فوراً، ويبحث عنها ويستمتع في اللحظة نفسها. إضافة إلى كل هذه الميزات، فإنه يستطيع اختيار خيارات المشاهدة؟ ويتجاوز فقرات الدعاية ويمكنه تسريع صوت المتحدث أو اللقطات كما يشاء. إن كل هذا أصبح ممكناً وأكثر.

حدث كل هذا، والتلفزيون مازال على الطريق التقليدي الذي سار عليه منذ الستينيات، تقريباً، ما عدا إضافة بعض الجماليات والتقنيات الإخراجية والجودة التقنية. لقد كانت ردة الفعل باردة عندما قدَّمت الشركات الكبرى فكرة تقديم البرامج حسب الطلب في قنوات التلفزيون الموصلة للمنازل والتلفزيونات التي تعمل بالاشتراك عبر الأقمار الصناعية. فمشكلة البرامج المدفوعة هي أولاً في أنها مدفوعة، بينما بديلها المجاني متوافر، إن لم تسعف المشاهدين القرصنة وطرق المشاهدة التي تصبح شرعية بطريقة أو أخرى، مثل أن توفرها القنوات على الإنترنت بعد حين من بثها الأول، أو أن يشتريها المشاهدون من السوق في أقراص مدمجة. أما المشكلة الأخرى في خدمة «حسب الطلب»، فهي قلة التنوع، وعدم إمكانية البحث التي توفرها لوحة المفاتيح والإنترنت ومتابعة مستخدمي الإنترنت وتقييمهم.

زيادة على كل هذه التحديات، قدَّمت شركات مثل «أبل»، تلفزيون أبل، وهو عبارة عن صندوق يرتبط بتلفزيونك ليمنحك القدرة على البحث والترتيب واختيار الوقت والمادة التي ترغب في مشاهدتها. وليست هذه الشركة وحدها التي توفر هذه الخدمة. فهناك خدمة «بوكسي» (Boxee) وتلفزيون شركة «جوجل» وخيارات أخرى شتى. وقد ظهر مؤخراً موقع «هولو» (Hulu.com) الذي أسسه مالك قناة فوكس وقناة إن بي سي، ليوفر خدمة على مستوى العالم باشتراكات أو مجاناً، وتقدم برامج تلفزيونية على الإنترنت.

هل يستعيد التلفزيون مكانته؟
ميزة التلفزيون الأولى، أنه أعرق تقنياً وأسرع في توفير مادته دونما انتظار. إذ يضغط المشاهد زر التشغيل فيكون جاهزاً فوراً. وزيادة على ذلك، فإن البث فيه عالي الجودة على مستوى الصورة والصوت أكثر بكثير من الذي توفره الإنترنت في أغلب الأحيان، ولا ينقطع. ورغم اقتراب التقنية الحاسوبية بشتى أنواعها من المكتبية إلى المحمول، إلى الدفتري إلى الكفي، فإنه مازالت هناك هوة بينهما على هذين الصعيدين: الحضور المباشر والجودة.

فكيف نصلح من حال التلفزيون؟ هل ننقل إليه ميزات الإنترنت، أم ننقل ميزات التلفزيون إلى الحاسوب؟

هناك تذبذب في الآراء بين هذا وذاك؛ لعل أوضح مثال على ذلك، توجه قنان «سي بي إس» إلى عرض برامجها لتكون حسب الطلب للمشاهدين على الإنترنت. هذا ما يراه بعض الملاحظين خطأ كبيراً، ويقترحون مقابل ذلك توفير الخدمة عن طريق التلفزيون نفسه، وليس عبر شاشات الحاسوب مهما كانت كبيرة. إن ذلك ممكن مع توافر خدمات الاشتراك وتوصيل المادة عالية الجودة مثل تلك التي على أقراص مضغوطة عن طريق خط التلفون أو خطوط أخرى مماثلة، مع خدمات جديدة بدأت في الظهور مثل خدمة «Netflix» التي تمكِّن المشاهدون من تنزيل ما يريدون على أجهزة تخزين خاصة بهم في منازلهم، ويشاهدون ما يريدون وقتما يريدون.

يقترح آخرون أن نوصل حواسيبنا وأجهزة التخزين الحديثة الرقمية بالتلفزيون، لنتمكن من تنزيل برامج عالية الجودة إليها لمشاهدتها بعد ذلك، مع توافر كافة الإمكانات الخاصة بالبحث والاختيار والطلب والدفع أو الحصول على البرامج مجاناً.

لن يكون هناك ما نعرفه اليوم باسم قنوات التلفزيون التي تسيطر علينا أكثر مما نيسطر عليها. سنشاهد ما نريد من دون أن نتمسك بقناة ما. سيختفي ما يعرف اليوم بالقنوات وشبكات التلفزيون، لتتكون لدينا مكتبات صوتية ومرئية مع مسارد وتصنيفات ومحركات بحث متقدمة تجعلها رهن الإشارة.

إن هناك ارتفاعاً سريعاً في كمية ما يشاهد الناس من تلفزيون على الإنترنت، بشكل ينبئ بزحف سريع نحو تلفزيون آخر غير الذي نعرف، والذي بقي على ما هو عليه لمن لا يملك التقنية ولا المعرفة بالإنترنت. سنحتاج إلى أنظمة جديدة في تسويق هذه المنتجات وتوفير رخصة لما هو مدفوع الثمن وما هو مجاني.

تلفزيون المستقبل؟
إن التصور المحتمل لتلفزيون المستقبل، هو تلفزيون يقدم كل شيء حسب الطلب، ومفصل حسبما يريد المشاهد تماماً. ويجب أن تتبدل الدعاية مما هي عليه اليوم إلى تلك التي ترتبط تماماً باهتمامات المشاهد وما يفضله وتظهر له بشكل لائق مناسب. سيكون كل شيء ذي طابع شخصي لكل فرد مشاهد، وسيكون من حق المشاهد ألاَّ يكون مستقبلاً سلبياً يُفرض عليه كلُّ شيء، بل سيتحكم ويتفاعل مع من يتحدث معه أو يعرض عليه المادة. نعم، «يتفاعل»، وهي الكلمة التي نطلق بها على ما يعرف بالتلفزيون التفاعلي الذي شرع في الظهور، وبدأ يثير اهتماماً جديداً غير معهود. سيكون بإمكان المشاهد أن يجيب عن الأسئلة ويطلب من المذيع شيئاً، أن يبدل منظور المشاهدة حسبما يشاء وهو يشاهد حدثاً أو مباراة رياضية. ولقد ظهرت بوادر من هذا التلفزيون التفاعلي عن طريق بعض المشاريع الجديدة وشركات التلفزيون التي تقدِّم مستوىً مختلفاً من التفاعلية على صعيد اختيار البرامج والشراء وتقديم بعض الطلبات، لكنه لم يصل بعد إلى ما وصفنا من توجهات مستقبلية. إن هناك الكثير من التجريب والمحاولات في توحيد التقنية التي تضمن أفضل الحلول وأسهل الوسائل.

إن شركة «جوجل» تعد بالكثير. وهي التي قدَّمت الكثير من الخدمات للإنترنت، وسهَّلت حياة الإنسانية. إن تلفزيون جوجل حسبما يصف قادة المشروع هذا، سيجلب كل ميزات التلفزيون مع كل ميزات ومحتوى الإنترنت معاً إلى مكان واحد هو «تلفزيون جوجل». سيتمكن المشاهد، بضغطات زر قليلة من جهاز التحكم عن بعد الذي في يده، أن يتجول بين البرامج ويشارك بها الآخرين ويبحث ويتابع بريده الإلكتروني ويتصفح الإنترنت ويستخدم «فيسبوك» و«تويتر» والبرامج الاجتماعية ويتسلى بالألعاب الإلكترونية، كل ذلك في غرفة المعيشة التي فيها هذا التلفزيون.

إن تلفزيون «جوجل» وتلفزيون «أبل» الذي يوفِّر مادة المشاهدة وخدمات الصور والملفات الموسيقية، وتلفزيون «أمازون» و«نتفلكس» كلها تعد بالكثير من أجل تلفزيون تفاعلي وذكي وسهل الاستخدام، حاضر، عالي الجودة. وسيذهب بنا ذلك التلفزيون في طريق جديد وثورة تلفزيونية جديدة، قد نسميها اليوم، انتقام التلفزيون.

أضف تعليق

التعليقات