طاقة واقتصاد

«تنقيح..»

غيِّر الطريقة التي تعمل بها للأبد

  • rework

لكثرة ما كُتِبَ من دراسات عن حُسن الإدارة، بات كل من يبدأ عملاً تجارياً خاصاً للمرة الأولى يجد نفسه مقيداً بمجموعة مفاهيم وقوانين أثبتت نجاحها على مرّ السنين. ولكن، أمَا مِن طريق آخر للنجاح غير الذي سلكه قبلنا الآخرون؟
جايسون فريد ودايفيد هانسون يريان في كتابهما «تنقيح، غيِّر الطريقة التي تعمل بها إلى الأبد»، أن هناك طرقاً قد تكون أفضل للوصول إلى إدارة ناجحة وعمل تجاري مربح.
اللافت في الكتاب ليس طرحه فحسب، بل الظروف المحيطة به التي تستحق الدراسة بوصفها نموذجاً لحالة تحول الشركات من منظمات إدارية لا تثير اهتمام الجمهور، إلى الشركة-النجم التي تحاط بالجماهير المتعطشين لتلقي أي منتج تطرحه في الأسواق وإن كان لا علاقة مباشرة له بمنتجاتها الأصلية.

ما قبل الكتاب
«سيجنالز 37» هي شركة صغيرة تكونت في العام 1999م في شيكاغو بأمريكا لتقديم استشارات تتعلق بالتصميم الإلكتروني (المواقع الإلكترونية وما شابه ذلك على شبكة الإنترنت). وفي العام 2003م قام فريق العمل بتصميم برنامج داخلي لتسهيل التعاون بين موظفي الشركة الذين كانوا موزعين على مدن مختلفة في الولايات المتحدة. وعندما اطلع عملاء الشركة على هذا البرنامج الذي سمته الشركة «بايس كامب»، وجدوه مفيداً لأعمالهم أيضاً. وطالبوا الشركة بتوفيره لهم. وسرعان ما تحوَّل اتجاه «سيجنالز 37» من التصميم الإلكتروني إلى تقديم حلول إلكترونية لمسائل تنظيم العمل وإدارة المشاريع وعلاقات العملاء وغيرها، وتجاوز نجاحها في هذا المجال كل التوقعات. ومع هذا، ظلت الشركة كما بدأت، بعدد محدود جداً من الموظفين مقارنةً بأرباحها وفاعليتها (لا يزيد على العشرين حتى اليوم)، وتمارس القواعد والمفاهيم نفسها التي بدأت بها في نهاية التسعينيات، رغم أن برامجها تخدم الملايين من العملاء.

من ضمن ما بدأت به الشركة كان مدونةً إلكترونية (وهي موقع إلكتروني يسمح للمشاركين فيه بكتابة آرائهم ومناقشة الموضوعات التي تهمهم) يكتب فيها الشركاء في الشركة بالإضافة إلى الموظفين آراءهم كما تخبرنا المدونة في التصميم والثقافة والإدارة والأعمال والبساطة أيضاً. ورويداً رويداً اكتسبت المدونة الإلكترونية حضوراً لا يستهان به ضمن المدونات، وتجاوز عدد زوارها المئة ألف زائر يومياً. وفي العام 2006م قامت الشركة بوضع كتاب مجاني (وإن كان متوافراً للبيع لمن يريد قراءته على جهاز خاص أو نسخة ورقية) على موقعها الإلكتروني، يتضمَّن فلسفتها الخاصة بشأن بناء الحلول الإلكترونية. الكتاب هو بعنوان (لنواجه الواقع: أذكى، وأسرع، وأسهل طريق لبناء تطبيق إلكتروني ناجح). ثم قبل شهور من مايو 2009م (وهو الموعد الذي ظهر فيه الكتاب) أعلنت الشركة عن عزمها طرح أول كتاب يحمل فلسفتها الإدارية في المكتبات.

في انتظار الكتاب
كان جمهور «سيجنالز 37» في انتظار كتاب «التنقيح»، أشبه بجمهور فنان معروف انتظروا طلته على خشبة المسرح لدهور، فلما أعلن عن موعد أدائه تخاطفت أيديهم التذاكر.. فسرعان ما حجز أغلبهم نسخته على مواقع بيع الكتب مثل أمازون وبارنز آند نوبل التي توفر مثل هذه الخدمة قبل ظهور الكتاب بأسابيع. أما الذين حصلوا على الكتاب قبل موعد إطلاقه الرسمي فقد كتب معظمهم مراجعات له تعج بالثناء. المفارقة في هذه الحالة أن القوة الدافعة التي صعدت بالكتاب ليصبح واحداً من الكتب الأكثر مبيعاً حتى قبل أن يصدر، تمثلت في المعجبين بالشركة، ليس فقط من قرَّاء مدونتها بل أيضاً ممن استخدموا منتجاتها وقدَّروا فاعليتها. إلا أن محتوى الكتاب يروق أيضاً لأولئك الذين لم يعرفوا الشركة بعد، أكثر من معجبيها الذين طال انتظارهم له! ولهذا أسباب نعرفها بمعرفتنا لمحتوى الكتاب ومقارنته بما اعتاد متابعو الشركة على معرفته من أخبارها وطريقة تفكيرها وتوقعاتهم بما سيأتي الكتاب به.

نظرة إلى محتواه
تقوم أفكار الكتاب على اختلافها وتنوع المسالك التي تطرحها على أساس واحد ألا وهو: هناك حاجة ماسة إلى إعادة صياغة الطريقة التي يظن الناس أنها الطريقة الوحيدة لممارسة العمل التجاري. الكتاب الذي نشرته في الولايات المتحدة الأمريكية دار «راندوم» الشهيرة، وتولت نشره في بريطانيا دار نشر «فيرميليون» يتناول المفاهيم الأساسية الضرورية لبدء العمل التجاري وازدهاره مثل التخطيط ودراسات الجدوى، الإنتاجية والأداء، الإعلان ودراسة الشركات المنافسة، والتوظيف وإدارة الأزمات، ويناقش الكيفية المختلفة التي يمكن للناس اتباعها أو تبنيها وتختلف تماماً عما هو متبع أو مفروض. ويعتمد الكتاب بشكل مطلق كما يذكر الكاتبان في مقدمته، على تجربتهما الشخصية في إدارة «سيجنالز 37»، ونجاح الشركة رغم مخالفتها للسائد في ممارسة هذه المفاهيم خلال السنوات العشر من عمرها. فمثلاً، وتحت قسم الإنتاجية، يصف الكاتبان الاجتماعات الإدارية بالسمّية، في تضييعها للوقت وغموض جداول أعمالها، والسهولة الشديدة التي تنحرف الأحاديث فيها عن الهدف الأساسي الذي من أجله عقدت الاجتماعات.

الكتاب الذي أتى في 273 صفحة من القطع المتوسط هو من أسهل الكتب قراءةً، وذلك لأن مصمم الكتاب استخدم المساحات البيضاء بكثرة بحيث لا تزيد في الغالب كلمات الصفحة الواحدة على 200 كلمة، كما أن الأفكار نفسها شديدة الاختصار ومكتوبة بلغة مباشرة لا تلاعب فيها. بالإضافة إلى ذلك، اعتمد الكاتبان بكثرة ربما في رأي كثير من القرَّاء أكثر من اللازم، على الرسوم الكاركاتيرية لتوضيح الفكرة. أخيراً، يمكن للقارئ المهتم بإعادة النظر، كما يوصي الكتاب، في موضوع معيَّن مثل الإنتاجية أو التوظيف، بالعودة إلى جدول المحتويات وقراءة القسم الخاص بهذا الموضوع، من دون أن يتسبب هذا في قطع سيل أفكار الكتاب أو ارتباك في فهم قارئها.

الكتاب بشكل عام مفيد وممتع للجانبين، للمعجبين بشركة «سيجنالز 37» ولمن لم يسمعوا عنها قبل قراءة هذه المراجعة، ولكن لأسباب مختلفة تماماً.

يهتم متابعو شركة «سيجنالز 37» بالحصول على الكتاب، كما يهتم جامع التحف باستكمال مجموعته لفنان معيَّن باقتنائه للوحة من أعماله ولو كانت ليست المفضلة لديه.. وذلك لأن الكتاب لم يأتِ كما توقعته جماهيره المنتظرة، فكثير من مقالاته طرحتها مدونة الشركة قبلاً. أما عن الأفكار نفسها، فهي تعزِّز من صورة الشركة المختلفة عن غيرها من شركات التكنولوجيا أو حتى الشركات الخدماتية التقليدية. لكنها في الوقت عينه لم تعتمد على أمثلة من واقع الشركة اليومي بشكل يرضي فضول وعطش الجماهير. فعلى سبيل المثال، وجدنا حديث الكتاب عن استخدام معيار (جودة الكتابة) للمفاضلة بين مرشحين تقدَّموا لشغل وظيفة ما حديثاً واقعياً ومثيراً للاهتمام، حيث يشير الكتاب إلى أن الكتابة الجيدة لا تتعلق فقط بتفوق الكاتب في استخدام الكلمات، بل هي دليل مباشر على وضوح تفكيره وقدرته على ترتيب الأفكار وبالتالي اختيار الأولويات.. وهنا يستطيع الكاتب الجيد أن يستخدم هذا الوضوح لمصلحة مهام منصبه، حتى وإن لم تكن ذات علاقة بالكتابة. لكن الكتاب لم يعط أمثلة من واقع ممارسات الشركة. بالصدفة، وأثناء عملنا على هذه المراجعة، وجدنا أن الكاتب المشارك دايفيد هانسون الذي انضم إلى الشركة عام 2003م كان قبل ذلك مبرمجاً يعمل ويدرس في الدنمارك ويتابع مدوَّنة الشركة، فلما نشرت المدوَّنة أفكار مؤسس الشركة جاسون فريد عن البرمجة أرسل هانسون له، ومن دون تخطيط أو نية مسبقة، رسالة إلكترونية مطولة معلقاً فيها على المقال. وبناءً على كتابة هانسون ووضوح أفكاره بالإضافة بالطبع لاختصاصه دعته الشركة مباشرة إلى الالتحاق بكادر موظفيها. ويوضح دعم كل واحد من مقالات الكتاب بنموذج كيف قامت «سيجنالز 37» بتطبيق ما تدعو إليه.

أما اهتمام القارئ العادي بالحصول على الكتاب فيعود ببساطة إلى أنه كتابٌ جيد، في الإعداد له وفي مادته وطرحه وأمثلته وأسلوبه. كما أنه ممتع وسهل القراءة. إضافة إلى كونه يخرج بقارئه من الإطارات المعتادة ويسمح له بالتفكير ملياً في خياراته.. بل يسمح له بمعرفة تعدد الخيارات أمامه، وليس الطريق الممهد في اتجاه واحد. كما أنه يقدِّم مجموعة من المواقف المختلفة المتنوعة، واختيار القارئ لتبني أحدها لا يلزمه بتبنيها ككل.. وبهذا يسمح له بإدارة منظمته وأعماله كما يؤمن أنه الأصح، دون أن يستسلم لضغط المفاهيم السائدة من دون تفكير أو تأمل.

أضف تعليق

التعليقات