ملف العدد

القلب
له منطق لا يعرفه المنطق

  • conradphoto
  • Heart3D
  • U11685ACME
  • U1613033B
  • weighing_of_the_heart
  • 42-16455933
  • 42-16721031
  • 42-17396006
  • 42-17473411
  • 42-18357393
  • 42-18591411
  • 42-20494456
  • 42-22666738
  • 220px-Robin_Williams
  • 3847492540_be575c02b9
  • 4766683885_36034b45f3_b
  • abiocor-heart
  • aya
  • BE024031
  • BE026145

في الشعر والأدب هو أكثر الأعضاء شاعرية ورمزية، حتى إنه لا يكاد يمت بصلة إلى طبيعته الحقيقية.
وفي طبيعته الحقيقية هو نبض الحياة، وخفقانه هو الحد الفاصل ما بين الحياة والموت.
وفي كل ثقافات العالم، هو مصدر العاطفة ومستقرها، سواءً أكانت هذه العاطفة حباً أم حقداً، أملاً أم ألماً، فرحاً أم حزناً.
محمد الجلواح وهدى صالح يفتحان هنا ملف القلب، بدءاً بالهموم التي حملها في الأدب والشعر وصولاً إلى تحوله هو نفسه إلى همّ في حياتنا المعاصرة.

منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، تطلَّعت معظم ثقافات العالم إلى القلب على أنه مركز الحياة والفرق بينها وبين الموت. وبشكل أو بآخر، يوافق الطب الحديث على هذه النظرة. إذ لا يزال توقف القلب عن الخفقان شرطاً لا بد منه لإعلان موت صاحبه.

ونظراً لهذه الصلة الوثيقة بالحياة وبالموت، لا غرابة في أن يصبح القلب ملخصاً للنفس البشرية. فثمة وثائق مكتوبة باللغة السومرية وتعود إلى بلاد ما بين النهرين خلال الألف الثالث قبل الميلاد، تتحدث عن القلب باعتباره «المركز في كل شيء». وقد اشتركت قديماً حضارات عديدة في هذه النظرة إلى القلب على الرغم من أنها لم تكن على اتصال فيما بينها، وزجت به في صميم طقوسها الوثنية. ففي مصر الفرعونية، كان القلب العضو الوحيد الذي يُرد إلى الجسد خلال تحنيط الموتى للاعتقاد بأنه سيتم وضعه على ميزان في الحياة الثانية مقابل «ريشة الحقيقة». وإذا كان القلب أثقل من الريشة، فإن ذلك يدل على أن صاحبه قد صرف حياته في المنكرات ووجب عقابه.

ومن الطقوس الوثنية المرعبة التي دخل القلب في صميمها، تلك التي كان يمارسها شعب الأزتيك في أمريكا الجنوبية ما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلاديين. إذ كانوا يشقون صدور أبنائهم ليحملوا قلوبهم التي لا تزال تنبض بالحياة قرباناً إلى الأصنام، وكانوا يَعدُّون تضحيتهم هذه «أسمى» درجات الموت!!

من موطن للعقل
إلى موطن للعاطفة
كان الفيلسوف اليوناني أرسطو يعتبر أن القلب هو بيت العقل والمنطق والأحاسيس. وكان يقول إن القلب يمر بحالتين: إما الجفاف وإما الحرارة. وفي حالة الحرارة التي يصفها الفيلسوف اليوناني بأنها كثيراً ما تكون متقدة وكأنما شبت في القلب ناراً، تتولد المشاعر والأحاسيس والشغف. وهو في هذا، يشبه بقية الفلاسفة والعلماء حتى وقت قريب نسبياً من تاريخ البشرية. إذ ظل هذا الاعتقاد سائداً في أوروبا حتى القرون الوسطى، وظل العلماء يرفضون الاعتراف بدور كبير للدماغ مقارنة بدور القلب.

ومن المفاهيم التي شاعت قديماً حول وظيفة القلب، نذكر الطبيب الروماني جالينوس الذي كان يعتبر القلب مصدر الانفعالات جمعاء، لكنه خص الكبد، ويا للعجب، بموطن العاطفة. وربما لهذا السبب لا يزال الإسكندينافيون يقولون حتى اليوم: «أقول الحقيقة من كبدي».

العلم البارد ونظرته إلى القلب الدافئ
ظل العلم لقرون طويلة يأخذ بنظريات الطبيب اليوناني أبقراط القائلة إن الأوردة تحمل الدم، بينما تحمل الشرايين الهواء. ثم أتى بعده جالينوس ليقول إن عملية امتزاج الدم بالهواء تتم في القلب، وأن وظيفة القلب هي تدفئة الدم والحفاظ على دفء انفعالات الإنسان. وبعد ألف سنة أو أكثر، أتى ابن النفيس، العالِم العربي المسلم، ليقول إن عملية تنقية الدم تتم في الرئتين وليس في القلب، وإن القلب عندما يتقلَّص، يدفع الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين بواسطة الشريان الرئوي، وهناك يتماس الهواء بالدم وينقيه، لتعود به الأوردة الرئوية إلى البطين الأيسر الذي يوزعه على الجسم ليؤمن له التغذية اللازمة. وقد صحح ابن النفيس بذلك نظرية خاطئة، كان من بين واضعيها ابن سينا، وتقول إن للقلب بطينين، أحدهما يملؤه الدم وهو البطين الأيمن، في حين أن البطين الأيسر تملؤه الروح، وأنه لا منفذ بين هذين البطينين. وبذلك يكون ابن النفيس هو أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى. وبعده بثلاثة قرون، وتحديداً في بدايات القرن السابع عشر، اكتشف الطبيب الإنجليزي وليم هارفي الدورة الدموية الكبرى، ونشر عام 1628م كتاباً في 72 صفحة بعنوان «حول حركة القلب والدم»، وكشف فيه أن الدم يسري في دورة مغلقة داخل الجسم، مبدؤها القلب فالشرايين فالأوردة التي تعود إلى القلب من جديد، وهذه الدورة لا تكل ولا تمل ولا تتوقف إلا بتوقف حياة الجسم.

واليوم، أو بالأحرى منذ عدة عقود، صارت صورة القلب ووظيفته محددة بدقة على المستوى العلمي. وتقول إن القلب عضو عضلي يقع في منتصف الصدر بين الرئتين، وهو أقرب إلى الصدر منه إلى الظهر، ويميل قليلاً إلى الجهة اليسرى.

ويتألف هذا العضو العضلي في الواقع من عضلتين، الأولى التي تشكِّل جدار القلب، وتسمى «عضلة القلب»، والثانية تسمى «الحاجز» لأنها تفصل بين الجهتين اليسرى واليمنى داخل القلب. وفيما يقسم الحاجز القلب طولياً، تقسم الصمامات القلب عرضياً، ليصبح بذلك مؤلفاً من أربع «غرف» داخلية، تعرف الغرفتان العلويتان منهما باسم الأذين الأيمن والأذين الأيسر، في حين أن الغرفتين السفليتين تعرفان باسم البطين الأيمن والبطين الأيسر.

وتنقل الأوردة الدموية الدم من أنحاء الجسم إلى الجهة اليمنى من القلب التي ترسله إلى الرئتين ليتزود بالأكسجين، ومن ثم يعود إلى الجهة اليسرى من القلب ليدفعه البطين الأيسر إلى أجزاء الجسم المختلفة عبر الشرايين.

ويبدأ القلب بالخفقان عندما يكون الجنين في أواخر شهره الثاني، وعندما يولد الطفل، يكون وزن قلبه نحو 20 غراماً فقط، وينمو بنمو صاحبه ليصل وزنه إلى ما يتراوح بين 250 و350 غراماً عند الإنسان المكتمل النمو. وبشكل عام، يقاس حجم قلب الإنسان بحجم قبضة يده المغلقة.

ينبض القلب ما بين 60 و100 مرة في الدقيقة الواحدة، وفي كل نبضة، يدفع نحو سبعين سنتيمتراً مكعباً من الدم، أي أكثر من سبعين ألف لتر من الدم خلال اليوم الواحد إلى كل أنحاء الجسم.

ولمعرفة قوة عضلة القلب، يمكننا أن نقارنها بسعينا إلى ضغط كرة بلاستيكية بأصابع اليد مرة كل ثانية لمدة دقيقة. وقبل مرور دقيقتين نشعر أن أصابعنا تعبت وقد شقَّ عليها هذا المجهود. أما عضلة القلب فتنقبض كل ثانية، وفي السنة الواحدة تنبض أكثر من ثلاثين مليون مرة، وفي متوسط حياة الإنسان تنبض أكثر من ألفي مليون مرة. فالقلب يعمل بإخلاص بينما ننام ونسترخي، ويعمل بجهد أكبر بينما نعمل أو عندما نتعب. بعبارة أخرى «القلب قوي» فعلاً وعلى المستوى العلمي، وليس فقط من باب الاستعارة للدلالة على الشجاعة.

أبرز المحطات في تاريخ القلب
من استكشافه إلى زراعته
منذ أن استطاع العالم الإنجليزي هارفي أن يصف الدورة الدموية بشكل مفصل ودور القلب الأساسي فيها، قدم العديد من العلماء والدارسون كثيراً من الإنجازات الباهرة التي ساعدت البشرية على فهم أفضل وأعمق للقلب. ومن أبرز المحطات التي مرت بها هذه الدراسات كانت عام 1706م حين وصف رايموند دي فيوسنز، عالم التشريح الفرنسي، حجرات القلب الأربع وأوعيته الدموية. وفي العام 1733م قاس ستيفن هالز، العالم البريطاني، ضغط الدم لأول مرة. وفي العام 1816م ابتكر ريني تي. اتش. ليانس سماعة الطبيب التي تقيس ضربات القلب. تلاه في الموجة الابتكارية، وإن كان فصل بينهما قرن أو أقل بقليل، ويليام إنثوفن العالم الهولندي الذي اخترع جهاز تخطيط القلب عام 1903م. وفي العام 1912م وضع جايمس بي. هريك، الطبيب الأمريكي، أول وصف لمرض قلب، بينما قام مواطنه روبرت إي. جروس في عام 1938م بأول جراحة قلب.

وفي العام 1951م طور تشارلز هفنجل الأمريكي أول صمام بلاستيكي لاستبداله بصمام مسدود. تليه الجراح ف. جون لويس في العام 1952م الذي قام بأداء أول جراحة قلب مفتوح ناجحة. وفي السنة التالية لها مباشرة قام جون إتش. جيبون باستخدام أول مصفي قلب ودم ميكانيكي بنجاح.

وفي العام 1961م، تمكن فريق طبي أمريكي من النجاح في تدليك قلب مريض توقف عن العمل. وبعد ذلك بأربع سنوات استخدم الطبيبان ميشيل ديبيكري وأدريان كانتروويتز أجهزة ميكانيكية لمساعدة قلب مريض على النبض.

غير أن العام 1967م، شهد حدثاً على صعيد جراحة القلب أصبح رمزاً لتطور الطب والعلوم بشكل عام، وذلك عندما قام الطبيب الجراح كريستيان برنارد، ولأول مرة في التاريخ، بإجراء أول عملية زرع قلب حي، نُقل بنجاح من شخص متوفى إلى شخص حي. وقد لقي هذا النجاح أصداء واسعة في كافة أرجاء العالم. وما هي إلا سنوات حتى راجت عمليات زرع القلب التي صارت تُجرى اليوم في كافة أنجاء العالم. أما التطور الأخير والكبير في هذا الحقل، فكان عام 1982م، عندما تمكن الطبيب وليم ديفرايس بالتعاون مع المهندس روبرت جارفيك من زراعة أول قلب اصطناعي في جسم إنسان، وهو عبارة عن مضخة تقلد عمل القلب الطبيعي بشكل آلي ومنتظم.

على مستوى الثقافات
القلب «شخص» آخر
على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققها الطب في العصر الحديث والتأكيدات العلمية حول القلب ووظيفته التي تنتزع اعتراف الجميع بصحتها، لا يزال القلب في الوجدان الثقافي عند كل شعوب العالم غير «القلب العلمي». إنه مركز العاطفة والمشاعر ورمز للأغلى، للأوسط، للمركز المحاط بما يحميه.. ولذا تحول في وجدان الأدباء والشعراء وحتى على ألسنة العامة إلى «شخص» آخر، يتحدثون عنه بالضمير الغائب. فهو يقول ويدل ويحار ويحب ويكره وينتظر ويأمل وييأس. إنه ملخص للنفس بكل ما فيها من مشاعر وآلام وآمال.

هل الأدرينالين هو الجسر؟
قبل الغوص في مكانة القلب وطبيعته المختلفة في عالم الثقافة،
لا بد وأن نتساءل لماذا ربط الإنسان هذا العضو العضلي بكل انفعالاته وأحاسيسه النفسية واعتبره مسؤولاً عنها، وحمَّله تبعة المهام التي يقوم بها الدماغ؟

القلب التعب من الحداثة
واعتلاله الذي أصبح قضية عالمية
لم تكن أمراض القلب عدواً حقيقياً للبشرية قبل القرن العشرين، أو قبل الثورة الصناعية على أبعد تقدير. فالحياة اليومية كانت حافلة بالأعمال اليدوية، ومعظم الأعمال كانت تتطلب جهوداً جسمانية ملحوظة، أو الانتقال مشياً على الأقدام من مكان إلى آخر. ولكن القرن العشرين شهد آلاف الاختراعات والابتكارات التي سهَّلت على الإنسان حياته اليومية، أو بالأحرى، تحمَّلت عنه عناء القيام بها، بدءاً بوسائل النقل وصولاً إلى أجهزة التنظيف الكهربائية. وبموازاة ما غيَّرته هذه المبتكرات، ارتفعت قدرات الناس في معظم دول العالم خاصة بعد الحرب العالمية الثانية على استهلاك المواد الغذائية بوفرة لم تكن مألوفة سابقاً. فشاع تناول اللحوم أكثر من ذي قبل، وظهرت أطعمة جديدة راجت كالنار في الهشيم مثل «الشوكولاتة» و»الآيس كريم» ووجبات المطاعم السريعة المقلية بالزيوت والغنية بالشحوم الحيوانية، وراح الكل يغرف من هذه الطيبات الجديدة من دون تقدير لعواقب الإفراط. ومما زاد الطين بلة تصنيع التبغ على شكل سجائر صغيرة موضبة وجاهزة للاستهلاك في أي وقت ومكان، فراج التدخين أينما كان في العالم ليصبح آفة خاصة بالقرن العشرين.. كل ذلك أدى إلى ارتفاع نسبة أمراض القلب والوفيات الناجمة عنها ارتفاعاً مرعباً في الفترة الواقعة بين العامين 1940 و1960م، مما حمل منظمة الصحة العالمية منذ آنذاك على وصف أمراض القلب بأكثر الأوبئة التي يمر بها العالم المعاصر خطورة.

مرض القلب
ثمة أمراض ومشكلات كثيرة قد تعتري القلب وتهدد سلامته وبالتالي حياة صاحبه. ومنها على سبيل المثال التشوهات الخلقية (الولادية)، التي يولد الطفل بها، وأكثرها شيوعاً هي الفتحات الشاذة في القلب مثل التشوهات الحاجزية والعيب الحاجزي الأذيني والعيب الحاجزي البطيني، ويقدِّر الأطباء أن 8 أطفال من كل ألف، يولدون بتشوهات خلقية في القلب، بعضها يُشفى بمرور الوقت وبعضها يودي بحياة صاحبه في مرحلة ما من عمره.

وهناك أيضاً عدم انتظام دقات القلب، والمرض الصمامي وروماتيزم القلب، واعتلال عضلة القلب (وهو أنواع)، إضافة إلى النوبة القلبية التي يعرفها الجميع، والتي تحصل عندما تسد جلطة دموية الشريان التاجي بشكل كامل، فتؤدي إلى تعطل العضلة التي تغذي الشريان المسدود لتلقيها كمية غير كافية من الأكسجين. وإذا لم يعد الدم إلى جريانه خلال دقائق، تتفاقم المشكلة، وتبدأ خلايا القلب بالموت بعد مرور ست ساعات إذا لم يصلها الدم، وعندما يموت عدد كبير من الخلايا تضعف قدرة القلب على ضخ الدم ويؤدي الأمر إلى وفاة المصاب.

وعلى الرغم من تعدد الأمراض والمشكلات التي يمكنها أن تهدِّد سلامة القلب، يتحدث الناس عن «مرض القلب» للإشارة إلى نوع محدد من أكثر المشكلات شيوعاً وأخطرها.

فالمقصود بـ «مرض القلب» هو «مرض الشرايين التاجية» التي تغذي القلب نفسه بالدم المحمل بالأكسجين. فالقلب لا يستطيع تخزين الأكسجين، ويستهلك هو نفسه 5 في المئة من نسبة الدم الذي يضخه، وبالتالي فهو بحاجة إلى تغذية مستمرة ولإمداد دائم ومستمر. وملخص مرض الشرايين التاجية هو في ازدياد ضيقها لسبب أو لأسباب مختلفة، مما يجعلها تغذي القلب بكميات من الدم أقل من اللازم. وكلما ازدادت هذه الشرايين ضيقاً، ازدادت الخطورة على المصاب.

يعود ازدياد ضيق الشرايين التاجية إلى عوامل عديدة، بعضها لا يمكن التحكم به، مثل العامل الوراثي والتقدم في السن، وبعضها يمكن التحكم به مثل ارتفاع ضغط الدم، ونسبة مادة «الكولسترول» في الدم الناجمة عن استهلاك الدهون الحيوانية بشكل خاص، وأيضاً التدخين. إذ يمكن للكوليسترول وقطران السجائر أن يترسبا حول الجدران الداخلية للشرايين التاجية بحيث تضيق أكثر فأكثر الأمر الذي يؤدي إلى إرهاق القلب، وبدء التلف في عضلته. كما يمكن في حالة الشرايين الضيقة أن تتسبب جلطة دموية صغيرة بانسداده بشكل كامل.

وكما أصبحت معالجة انسداد الشرايين التاجية ممكنة، خاصة إذا ما كشف عن المرض في وقت مبكر، فإن وسائل الوقاية منه أصبحت جزءاً من الثقافة العامة الشائعة في كل المجتمعات، ويعرف الكثيرون عناوينها العريضة مثل الإقلال من المأكولات الدهنية، والامتناع عن التدخين، وممارسة الرياضة، أو شيء من الحركة مثل المشي لمسافات متوسطة وما شابه ذلك.

ثمة غدتان في جسم الإنسان تسميان «الغدتان الكظريتان» تفرزان هرموناً يعرف باسم «الأدرينالين» وظيفته مساعدة الجسم على التكيف مع الإجهاد المفاجئ. فعندما يشعر الإنسان بغضب أو بخوف (حتى مهابة حدث مفرح مقبل)، فإن هاتين الغدتين تفرزان الأدرينالين في الدم، ويسبب هذا الهرمون تغيرات في الجسم تجعله أقدر على المواجهة أو الانسحاب، ومن ضمن هذه التغيرات تسارع نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم.

فهل خفقان القلب بشدة نتيجة الأدرينالين المفروز أمام الأوضاع التي تتطلب استنفاراً عصبياً ونفسياً قوياً، هو ما جعل الإنسان ينظر إلى قلبه على أنه مركز العاطفة؟

الكثيرون يكتفون بهذا التفسير، ولكن العلماء اليوم، وفي اتجاه جديد لم يتجاوز عمره ثلاثة عقود من الزمن، يلاحظون أن هناك علاقة قوية لا شك فيها بين ما يفهمه ويشعر به المرء وبين معدل ضربات القلب وضغط الدم. ويشيرون إلى أن للقلب نظاماً عصبياً خاصاً به يتلقى عبره المعلومات من كافة أنحاء الجسم، وكأن هناك «دماغاً» شديد التعقيد موجود داخل كل خلية من خلايا القلب التي يبلغ عدد العصبية منها أكثر من أربعين ألف خلية.

تعمل هذه الخلايا بدقة فائقة على تنظيم معدل ضربات القلب وتخزين المعلومات ثم إرسالها إلى الدماغ، كي توجه خلاياه على أساسها وتلعب بالتالي دوراً مهماً في الفهم والإدراك. ونتيجةً لهذه الدراسات تقوم بعض المؤسسات بتأسيس مراكز لدراسة العلاقة بين القلب والدماغ، وعلاقة القلب بالعمليات النفسية والإدراكية. فطبيعة العلماء تمنعهم من الاعتراف بأهمية القلب المطلقة في ما يتعلق بالذاكرة والعاطفة والمشاعر من دون دليل مفصل، إلا أن البشر منذ بداية التاريخ كلما واجهتهم مواقف تستثير مشاعرهم وضعوا أيديهم بشكل غير إرادي على صدورهم ليهدئوا من روع قلوبهم. وفي هذا دليل..

ولكن، ومهما كانت نتائج هذه الدراسات، فإنها لن تغير الكثير في نظرة الإنسان أدبياً ووجدانياً إلى القلب.

القلب والفؤاد
القلب في اللغة هو التحويل، وتغيير وُجْهَة الشيء إلى وجهة مغايرة، أو معاكسة لأصلها، وقَــَلــَـب الشيء: أي جعله مقلوباً وأبان ظهره وأخفى بطنه، وجعل عاليه أسفله.. وسمي بالقلب لتقلبه، وعدم ثبات حاله في الجسم من انقباض وانبساط وغير ذلك.. ومن هذا التعريف اللغوي البسيط للكلمة.. يمكن فهم معنى الدعاء الذي يبتهل به الإنسان لله تعالى فيقول: «اللهم يا مـُـقــَلـّـب القلوب.. ثبـّت قلبي على دينك».
وثمة مرادف لغوي للقلب، هو الفؤاد. لكن الفؤاد يطلق أحياناً على العقل أيضاً أو على الروح. ولكلمة «فؤاد» دلالة خاصة في تأكيد الأمر المتعلق بالقلب في النصوص الأدبية شعراً ونثراً. فكلمة القلب في الإبداع الأدبي قد تكون عامة وشاملة. لكن تخصيصها وتأكيدها يكون في كلمة فؤاد. ومن المفردات والتعابير المشتقة من القلب وتقلبات أحواله نذكر بعضها:
– 
القولبة: تشكيل الشيء أو تأطيره في شكل أو نمط أو أسلوب معين. فالقلب هنا تشكيل وتصنيع.
– قلب الحقائق: الكذب عمداً.
– 
قلب الحدث: تعبير إعلامي يشير إلى المكان الذي يجري فيه حدث ما.
– 
قلب الصفحة: طي صفحة والانصراف إلى أخرى، ويستخدم التعبير مجازاً للإشارة إلى تناسي الماضي وبدء مرحلة جديدة.
ويمكن تعداد عشرات المشتقات التي تبتعد كثيراً في معانيها الحقيقية عن معنى المصدر. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن كلمة «قلب» تطلق على كل ما هو في صميم شيء ما، أو في وسطه، خاصة عندما يكون هذا الوسط هو أفضل ما فيه.

حكاية قلب طببه ابن سينا

أصيب أحد أمراء فارس بمرض عضال، وعجز الأطباء آنذاك عن مداواته، فمرت الأيام ولم يشف الفتى، ولم يجد الأطباء جواباً لأسئلة أهله، الذين قصدوا الطبيب المسلم ابن سينا يرجونه زيارة ابنهم الشاب ومعرفة سبب علته. وبالفعل، زاره ابن سينا، وسأل أهله عن أعراض المرض، ثم دخل على الفتى وفحصه بعناية، وجلس بجانب سريره ووضع أصبعه على نبضه، ثم طلب من أحد الخدم أن يعدد جميع أحياء تلك المدنية. فلما وصل الخادم إلى ذكر حيٍ ما، لاحظ الطبيب أن نبض الفتى قد تسارع. وقتها طلب الطبيب من الخادم التوقف، ثم سأله عن العائلات التي تسكن ذلك الحي، وبالفعل، سرد الخادم أسماء العائلات فلما أتى على ذكر اسم معين من تلك الأسماء شعر بنبض الفتى وقد تسارع أكثر. هنا سأل ابن سينا إن كان لتلك العائلة من بنات، فأجابه أهل الفتى بالإيجاب، فقال لهم أن ابنهم عاشقٌ لإحدى بنات تلك العائلة، وشفاء مرضه هو الزواج بها!

وبالفعل فقد كان قدماء الأطباء يعتبرون الحب مرضاً يحل بالقلب، لا بالدماغ. ففي دراسة للدكتور عبدالناصر كعدان المدرس في معهد التراث العلمي العربي يورد مقولة للطبيب اليوناني أبقراط حيث يقول واصفاً الحب بالمرض: «العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحس…»، أما جالينوس فذكر عنه أنه قال «العشق استحسان يضاف إليه طمع، والعشق من قِبَل النفس، وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد…»، أما ابن سينا نفسه فقد قال عنه في رسالته التي أرسلها إلى عبدالله الفقيه: «…ويكون نبضه نبضاً مختلفاً بلا نظام البتة، كنبض أصحاب الهموم. ويتغير نبضه وحاله عند ذكر المعشوق خاصة وعند لقائه بغتة. ويمكن من ذلك أن يستدل على المعشوق أنه هو إذا لم يعترف به، فإن معرفة معشوقه أحد سبل علاجه. والحيلة في ذلك أن تذكر أسماء كثيرة تعاد مراراً وتكون اليد على نبضه. فإذا اختلف بذلك اختلافاً عظيماً وصار شبه المنقطع ثم عاود وجرب ذلك مراراً علمت منه اسم المعشوق. ثم يذكر كذلك السكن والمساكن والحرف والصناعات والبلدان، وتضيف كلاً منها إلى اسم المعشوق ويحفظ النبض، حتى إذا كان يتغير عند ذكر شيء واحد مراراً جمعت من ذلك خواص معشوقه من الاسم والحرفة ما عرفته. فإنا قد جربنا هذا واستخرجنا به ما كان الوقوف عليه منفعة».

القلب في القرآن الكريم

تناول القرآن الكريم القلب ووظائفه وأسراره وخصائصه، وورد ذكره -من الناحية اللغوية- في صـِـيـَـغـِـهِ النحوية الثلاث: فجاء بلفظ المفرد في قوله تعالى: ‭}‬إلاّ مـَن أُكـْـرِهَ، وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان‭{‬ (النحل/106)، وبلفظ المثنَّى، في قوله تعالى: ‭}‬ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه..‭{‬ (الأحزاب/4)، أما صيغة الجمع فهي الصيغة التي وردت في أغلب الآيات، كقوله تعالى: ‭}‬ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب‭{‬ (الحج/32) وغيرها كثير.

وقوله تعالى في الآية 179، من سورة الأعراف: ‭}‬لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا).

وقوله تعالى: ‭}‬الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‭{‬ (الرعد/28)، وقوله تعالى: ‭}‬فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ‭{‬ (الزمر: 22).

أما في السنة النبوية فقد ذكر الرسول (صلى الله عليه وسلم) القلب في مواضع عديدة، وأشار بيده الشريفة إلى صدره مراراً أمام صحابته (رضي الله عنهم) قاصداً قلبه. ولعل أشهر حديث ورد فيه القلب هو ذلك الحديث الذي يجسِّد وظيفته في صلاح الجسم أو فساده سواء كان ذلك من الناحية العقائدية أو النفسية أو السلوكية أو غيرها وهو قوله (صلى الله عليه وسلم): «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».

والقلب، في التراث الإسلامي عموماً هو مرادف للنفس ومحور العبادة والصلاح، بينما يأتي العقل في معرض الحديث عن التأمل والإدراك.

بعض توظيفاته المختلفة
في الشعر العربي

يأتي القلب في نصوص التراث العربي جميعاً بدلالات عديدة ووظائف كثيرة، كأن يكون له دور في توجيه المحبين، أو خوفهما، أو يأتي في مقام الظن أو التهمة أو البشارة.. إلخ، كما أنه يأتي في أسماء متنوعة، كالفؤاد، والخفَّاق، والدلاّل، والحـَبّـة، والسويداء، والقاع، وغير ذلك.

فهذا الشاعر الجاهلي امرئ القيس يذكر في معلقته بيتاً شهيراً يوظف فيه القلب توظيفاً متعدداً، فيقول:
أغـَرّكِ منّي أنّ حبك قاتلي
وأنـّك مهما تأمري القلب .. يفعلِِ؟

ويقول طرفة ابن العبد في وظيفة مختلفة للقلب:
خليلـَيّ لا والله، ما القلب سالم
وإن ظـَهَرَت مني شمائل صاحِ

وتقول الخنساء (تماضر بنت عمرو بن الحارث السلمية)، وفي وظيفة ثالثة:
يا لهف نفسي على صخر، وقد لَهِـفـَتْ
وهل يـَرُدّنّ خبـْلَ القلب تلهيفي

وينسب للإمام علي بن أبي طالب (كرَّم الله وجهه) ولأبي العتاهية أيضاً، بيت رائع موجز وبسيط، في دلالة أخرى للقلب:
وللقلب على القلب
دليل حين يلقاه ..

أما الشاعر الأموي ( الأخطل /غياث بن غوث التغلبي ) فالعقل عنده هو القلب ، والعكس بالعكس فيقول :
وكنتُ صحيح القلب حتى أصابني
من اللامعات المبرقات خـُبولُ

وخذ هذا الدور الرائع للقلب من الشاعر الكبير بشار بن برد:
وما تبصر العينان في موضع الهوى
ولا تسمع الأذنان إلا من القلب..!

ولاشك أن الكثير من القراء يعرف هذا البيت الشهير للشاعر أبي تمام الطائي:
نــَقــّـِـل (فؤادكَ) حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأولِ

ولا يمكن تجاوز المتنبي في هذا الاستعراض (القلبي) عندما يطلق إحدى حِكـَمِهِ الشعرية المدوية:
وما استـَغـْرَبـَـتْ عيني فراقا رأيتـُـهُ
ولا عَلـّمَتـْني غيرَ ما القلبُ عالِـمـُـه ْ

وللشاعر أبي البقاء صالح بن يزيد الرندي بيت شهير في رثائيته الأندلسية يقول فيه:
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
إن كان في القلب إسلامٌ، وأيمانُ

ويتصل الزمن بالعصر الحاضر فيكتب الشاعر الكبير أحمد شوقي قائلاً:
وكنتُ إذا سألتُ القلب يوماً
تولى الدمع عن قلبي الجوابا

ونتوقف عند هذا البيت الرقيق من قصيدة عنوانها (القلب) للشاعر السعودي د. غازي القصيبي، يرحمه الله:
حنانك يا قلب بعض الهدوء
فصدريَ كاد يجنّ اشتعالا

وفي الرواية عنواناً ومحوراً

وكما هو موجود في الشعر، يحضر القلب في النثر وإن كان في المجمل يقل عنه كـَـمـّـا ً. لكنه يحضر بكثافة في الأعمال النثرية والروائية، من خلال الكيمياء التي يتكون منها، أو التي يفرزها، وهي (الحب)، حيث يتم تناوله في معظم النصوص بشكل مباشر وغير مباشر.

فعلى سبيل المثال .. تحضر رواية «قلب الظلام» للروائي البريطاني جوزيف كونراد، التي كتبها عام 1902م، لتكون من أولى الروايات العالمية التي حملت «القلب» عنواناً لها. وفي الأدب العربي تبرز رواية شهيرة عنوانها «رد قلبي» للكاتب المصري يوسف السباعي، التي تحوَّلت إلى أكثر من عمل سينمائي وتلفزيوني. وهناك رواية تحمل عنوان «قلب الليل» للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، كتبها عام 1975م. وتكتب القاصة السعودية أمل شطا رواية بعنوان «لا عاش قلبي» عام 1987م. ولسمير مرتضى مجموعة بعنوان «حكايات من القلب» أصدرها في عام 2005م.

وهناك قصص وروايات مماثلة عديدة في القلب، وعن القلب.. لكبار الكـُـتـّـاب العرب كغادة السمان، وتوفيق الحكيم، ومحمد المنصور الشقحاء، وفاطمة الكواري، وعبدالعزيز الصقعبي، ولطيفة السالم، وخليل الفزيع، وغيرهم.

وتُعد رواية الكاتب اللبناني عبده وازن «قلب مفتوح» من أقرب الروايات التي كتبت عن القلب مباشرة، تحدث فيها عن جانب من سيرته الذاتية، بالإضافة إلى كشف تعامل الأطباء مع قلبه. إذ يقول في أحد مقاطعها: «أسلم فيها قلبه المريض إلى مهارة الأطباء وإرادة الصدفة، فدخل إلى غرفة بيضاء ونام طويلاً، كما اعتقد، وخرج من الغرفة البيضاء إلى غرفة بيضاء أخرى، وقد حظي بروح جديدة، تتأمل الفرق بين النوم واليقظة، وبين ندوب الجسد وندوب الروح. ذلك أن تجربة الموت تستدعي تجارب الحياة، وتجربة الخوف المنفتح على الموت تستدعي أطياف الولادة الأولى».

وفي الأغنية..
لا فعل يعصى على القلب

لعل الكثير يتذكر أغنية ليلى مراد «أنا قلبي دليلي»، وحقيقة.. فكل المحبين وحتى المتوجسين من أمر ما يرددون مع ليلى مراد.. أنا قلبي دليلي. وحين تأتي الأغنيات، وتجدك في رغبة لمحاكاة قلبك.. فاغرف منها ما شئت. فهي كالشعر، لا تكاد واحدة منها تخلو من حضور القلب ومسؤوليته عن الحب والهيام والولع والفراق والعتاب، والرجاء واللقاء و.. إلخ.

فبدءاً من ليلى مراد وأغنيتها المشار إليها أعلاه، مروراً بسيد درويش «يلزم بقى تهنـّي الفؤاد»، و«يا فؤادي ليه بتعشق»، والسيدة أم كلثوم في عدد كثير من أغانيها كأغنية «القلب يعشق كل جميل» وعبد الحليم حافظ في «يا مالكا قلبي» التي كتبها الشاعر سمو الأمير عبدالله الفيصل، رحمه الله، وفائزة أحمد «أنا قلبي إليك ميال»، و فريد الأطرش «يا قلبي كفاية»، وفيروز في تراثياتها «وكنتَ وعدتني يا قلب أني /إذا ما تبت عن ليلى تتوب»، وعبدالوهاب «قول لي عمل لك إيه / قلبي اللي انت ناسيه» ونجاة الصغيرة «قلبك راح فين»، وطلال مداح «مقادير يا قلب العنا»، ووديع الصافي، وصباح فخري، وعبدالهادي بلخياط، وعبدالكريم عبدالقادر، وغيرهم، تجد أن كل أغنية تكشف عن وظيفة خاصة للقلب فقلب ليلى مراد ـ مثلاً ـ استشعاري / استشرافي، وقلب عبدالحليم انقيادي، وقلب أم كلثوم حكيم وواقعي وتقريري.. إلخ .

وفي الأمثال

استحوذ القلب على نصيب لا بأس به من الأمثلة العربية القديمة والحديثة، لما له من قيمة عند الإنسان، ولقابليته في تلبس حالات لا حصر لها. ومن الأمثلة التي لا تزال شائعة حتى اليوم:

– 
«البعيد عن العين .. بعيد عن القلب»: يقال للتعبير عن أثر الفراق الطويل في إطفاء جذوة العاطفة.

– 
«أكثر من الهــَم ّ على القلب»: أي زاد من متاعب شخص أتعبته هموم أخرى.

– 
«القلوب عند بعضها»: يقال للتعبير عن تبادل المشاعر الودية نفسها.

– 
«قلبه ميت»: يقال لوصف شخص لا يشعر بأية شفقة على شخص أو أمر يستحقها.

– 
«سيف مسلول ولا قلب عذول»: أي إن النفس الحاسدة مؤذية أكثر من السيف الجاهز للضرب به.

– 
«قلوب عليها دروب، وقلوب من الهم تذوب»: يقال للتعبير عن وجود أناس يطلب الكثير ودهم، وآخرين مهملين ومنسيين.

– 
«قلبي على ولدي انفطر، وقلب ولدي على حجر»: يقال عن لسان حال الأهل القلقين على أولادهم، وتصرف هؤلاء الأولاد بلا مبالاة وقسوة.

من حب مدينة
إلى حب العالم

«أنا أحبُّ نيويورك». أحد أشهر الشِّعارات المعاصرة وربما أكثرها تقليداً وانتشاراً.

صُمِّم الشِّعار في أواسط السبعينيات على يد الفنان ملتون جلايزر. وقد تحوَّل إلى العلامة التجارية لحملات الدعاية السياحيَّة للمدينة منذ ذلك الوقت. واستخدم، وما زال يستخدم حتى اليوم، على كل ما يمكن تصوره من سِلع دعائيَّة وسياحيَّة: قمصان الـ«تي شيرت»، والحلي، والأقلام، وأكواب القهوة، وعلاقات المفاتيح، والأزرار، وحبات الحلوى، والقائمة لا تنتهي. وحاولت مدينة نيويورك حمايته من التقليد، ويقال إنَّها رفعت ما يزيد على ثلاثين ألف قضية في سعيها إلى هذا، لكنَّ الوضع خرج عن السيطرة ولم تبق مدينة أمريكية أو غير أمريكية إلا ونجد لها لاصقاً على سيارة أو أي شيء آخر يكرر ثلاثية «أنا ♥ ..».

وقد صُمِّم الشِّعار حسب مقابلة أجريت مع المصمم في وقت كانت معنويات مدينة نيويورك في الحضيض. ويقول مصمم الشعار إنَّ المقصود كان استخدامه لحملة تدوم بضعة أشهر فقط. ويؤكد أنَّ الشعار الذي يعتبر أنَّه أسهم بالفعل في إنقاذ المدينة من كبوتها في تلك المرحلة والذي ما زال تباع ملايين السِّلع بسبب وجوده عليها قدمه المصمم مجاناً من دون مقابل..

على أي حال فإنَّ هذا الشِّعار بقدر ما يبيِّن قوةّ شعار القلب، يمثِّل من دون شك مثالاً صارخاً على ما يستطيع أن يقدمه فنُّ التصميم وما يستطيع أن يلعبه من دور فعَّال في تحقيق أهداف مختلفة.

كيف نرسم القلب؟
رمز القلب (♥) من أكثر الرموز شهرةً، وقد تحول في العقود الأخيرة إلى رمز عالمي يتجاوز اللغات. إلا أن ارتباط هذا الرمز بالقلب البشري هو ارتباط حديث لم تعرفه الحضارات السابقة.

فالشكل (♥) هو شكل هندسي نراه في الطبيعة كثيراً، بل إن اسمه في الهندسة هو «المنحنى الجبري» أو ما يسمى بالإنجليزية: «Cardioid». ويظهر هذا الشكل في كثير من النباتات منها الفراولة على سبيل المثال، وفي شكل الحمامة أو اليمامة عندما تفرد أجنحتها. وهذا الشكل يجده علماء الآثار مكرراً في الرسوم البدائية التي رسمها الإنسان القديم على جدران الكهوف. ومن المؤكد أنه في ذلك العصر لم يكن يحمل المعنى ذاته الذي يحمله اليوم، إلا أن الدراسات عجزت عن معرفة ما يعنيه بالنسبة للإنسان القديم.

فهذا الرمز في حقيقة الأمر استعارته الحضارة الغربية، كما استعارت العديد من الأشياء، من الحضارة اليونانية. وبالرغم من أن الإغريق لم يكونوا يَعُدُّون هذا الشكل رمزاً للقلب إلا أنهم استخدموه للتعبير عن ورقة فاكهة العنب، وكانت تعني لهم الاستمرارية وإعادة النبض في الحياة. وكان أول استخدام رسمي لهذا الرمز ليمثل القلب هو ما قامت به مصانع طباعة ورق الكوتشينة في فرنسا عام 1480م بعد مدة قصيرة من اختراع الطباعة. وفي بداية الأمر، كان الجمهور يرى هذا الرمز فيتذكر مباشرة الميسر ولعب الورق، إلا أنه ومع مرور السنوات أصبح شكل المنحنى الجبري رمزاً وحيداً للقلب يتجاوز به الناس حواجز اللغات والثقافات.

أضف تعليق

التعليقات