عام 1901م، عام شروق جوائز نوبل، وفيما كان العالَم يترقب منح الجائزة للأديب الروسي الشهير ليو تولستوي، صاحب ملحمتي «الحرب والسلام» و«آنا كارنينا»، خالفت الأكاديمية السويدية كل التوقعات لتمنحها إلى شاعر فرنسي مغمور هو: رينيه سولي برودوم، الذي لا نعرف أين موقعه اليوم في طابور أدباء فرنسا الطويل والثري بكل المباهج الأدبية الأصيلة. كان ذلك خطأ وربما تمهيداً لما ستتخذه الجائزة لاحقاً من قرارات غير صائبة.
وعلى الرغم من الخلافات الموسمية التي تنشأ حول عدالة هذه الجائزة ومدى تمثيلها لثقافات العالم، فإنه يمكن النظر إليها كمناسبة سنوية تذكِّر البشرية بأن فصول العنف والدمار واستباحة الدماء والأوطان التي تتواصل في بقاع عديدة من العالم، لن يقف في وجهها سوى إشهار سلاح المعرفة والعلوم والآداب، وتقديم المنجزات اللامعة للعقل البشري والاحتفاء به صانعاً للحياة وضميراً للمستقبل.
وإذا كانت تنبؤاتنا العربية، خصوصاً، تذهب باتجاه مَنْ سيحصل عليها في حقل الأدب، فإنه الحقل الذي نراهن أن لنا فيه بعض الثمار الناضجة، وهي ثمار تنتمي إلى أشجار إبداعية وفكرية وفلسفية راسخة وعميقة الجذور والأثر في آداب العالم. وعلى الرغم من هذا، فإن أدباً بمثل تلك القامة لم يحصد في عمر هذه الجائزة التي تجاوزت القرن سوى تلك الجائزة اليتيمة التي ذهبت إلى الأديب الراحل نجيب محفوظ عام 1988م.
لقد أوصلتنا القطيعة المزمنة مع العلم ونظرياته إلى موقع لا نُحسد عليه، بل إن عقولنا اللامعة قد غادرتنا إلى عواصم العالم بلا ندم. وهكذا وجدنا أن أغلب الحاصلين على جوائز نوبل وغيرها من العرب لا يُنظر إليهم إلَّا باعتبارهم علماء يمثلون مختبرات الغرب ومراكزه العلمية، كما أن اكتشافاتهم الفريدة وما أعقبها من استثمارات تُدر ذهباً لم تصبّ في خزائن بلادهم بل تذهب إلى الدورة الاقتصادية لتلك الدول التي منحتهم فرص العمل والبحث والابتكار، ورغم هذه الحقيقة المرّة، فقد عصف بي الألم لأن التغطيات الصحفية لجوائز نوبل العلمية لا تحتل سوى مساحة يسيرة في إعلامنا الورقي والرقمي، فلا يجري استفتاء علمائنا ومختصّينا حول المرشحين للجوائز، ولا تُستعرض جهود الفائزين وابتكاراتهم، ولا يُقدَّمون كما ينبغي لكي يُحْدثوا الأثر المنشود في الوعي الجماهيري العام.
وبمقارنات بسيطة بين صحافتنا وصحافة العالَم، فإن مَن ترسو عليهم الجائزة يتصدَّرون الصفحات الأولى، وتنشر حواراتهم مصحوبة بسرد مفصَّل لأبحاثهم ومخترعاتهم وآراء الباحثين وروَّاد العلوم في نظرياتهم وكيف خدمت البشرية وأسهمت في حل معضلاتها. هذه الثقافة العلمية مفقودة في منشوراتنا العربية، لذا فإننا نسهم دون قصد في قطيعة أجيالنا عن المناخات العلمية والتقنية والاستكشافية التي يراهن عليها العالم اليوم.
أظن أننا، فيما نفخر بأن عدداً من أدبائنا على قائمة المرشحين كل عام، علينا أن نخرج من العباءة التي يراد سجننا فيها، عباءة أن العرب أهل أدب ولغة وشعر وفلسفة، وأن أقصى طموحهم هو الجوائز الأدبية أو اللغوية. فلكي يكون لنا موطئ قدم في هذا العالم، فإن صناعة أرض صالحة للاستثمارين العلمي والابتكاري، ودعم البحوث العلمية وتطبيقاتها، وبناء المراكز والمختبرات المتخصصة بمقاييس عالمية، هو ما سيهيء لنا الاحتفال يوماً بجوائز نوبل العلمية.