ذاكرة القافلة

الجوف

تاريخ عريق ومستقبل زاهر

تصفح المقال كاملاً

N_15994_06ضمن استطلاعاتها المصوَّرة حول مناطق المملكة، نشرت «القافلة» في عددها لشهر شوال 1389هـ (ديسمبر 1969 / يناير 1970م) استطلاعاً مصوراً حول منطقة الجوف، أجراه عصام العماد، وفيما يأتي مقتطفات مما جاء فيه:

الجوف عبارة عن واحة خصبة جيدة الزراعة غزيرة المياه، تحيط بها صحراء شاسعة، يحدها من الشرق والشمال الشرقي إمارة الحدود الشمالية، ومن الشمال الغربي منطقة القريات، ومن الغرب إمارة المقاطعة الشمالية (تبوك)، ومن الجنوب منطقة حائل. وكانت الجوف في السابق تتمتع بموقع جغرافي كبير الأهمية، وذلك لوقوعها في وسط الطريق الذي يربط بين الجزيرة العربية وبلاد الشام، فكانت ممرَّ قوافل التجار، والواحة الوحيدة بين العقبة والعراق، وكان للعرب فيها سوقٌ للبيع والشراء، يقيمونها في غرة ربيع الأول من كل عام.

تاريخ المنطقة
عُرفت الجوف عبر التاريخ باسم «دومة الجندل»، وهو الاسم الذي تحمله إحدى قرى الجوف العريقة التاريخية. ويقال إن باني هذه القرية هو «دوماء بن إسماعيل». وقد ورد في معجم البلدان: «لما كثر ولد إسماعيل – عليه السلام – بتهامة، خرج «دوماء بن إسماعيل» حتى نزل في موضع دومة، وبنى به حصناً، فقيل دوماء، ونُسب الحصن إليه». وورد في بعض المراجع التاريخية أن دومة الجندل كانت فيما مضى مملكة مستقلة تحكمها ملكة تُدعى «تلعخومة» قامت بينها وبين الآشوريين معارك دامية وذلك عام 750 ق.م. ويعتقد بعض المؤرخين أن الجوف خضعت فترة من الزمن للحكم الروماني، وهناك من الآثار الرومانية الباقية ما يثبت صحة ذلك.

D_14891وفي عهد الفتوح الإسلامية، كانت الجوف تخضع لـ «أكيدر بن عبدالملك بن أعيا بن الحارث بن معاوية السكوني الكندي» الذي اتخذها حصناً منيعاً داخل أسوار دومة الجندل لا تزال آثاره قائمة حتى اليوم، ويعرف باسم «حصن أكيدر»، فوجه إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – خالد بن الوليد إثر احتلال تبوك، فحاصر الحصن (…). وافتتح دومة الجندل، وذلك في السنة التاسعة للهجرة. واقتاد خالد بن الوليد «أكيدر» إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأكرم النبي وفادته، وصالحه، وأقره على ما في يده. وجاء في كتاب «الفتوح» لأحمد بن جابر، أن «أكيدر» أسلم بعد صلحه مع النبي – عليه السلام -. وفي عهد الخلفاء الراشدين نقض «أكيدر» الصلح، فغزاه عمر بن الخطاب وأجلاه عن دومة الجندل إلى الحيرة. وقد قال الشاعر في وصف إجلاء عمر بن الخطاب لأكيدر عن دومة الجندل:

يا من رأى ظعناً تحمّل غدوةً
من آل أكدر شجوُه يعنيني

قد بدَّلت ظعناً بدار إقامة
والسير من حصنٍ أشمّ حصين

وقد شهدت دومة الجندل التحكيم بين علي بن أبي طالب – كرَّم الله وجهه – ومعاوية بن أبي سفيان، على قول بعض الرواة، وذهب أكثرهم إلى أنه كان في أذرح.

سكان المنطقة وعاداتهم
D_14883يبلغ عدد سكان منطقة الجوف حوالي مئة ألف نسمة، نصفهم تقريباً من البدو الرحل، أما الحضر منهم فينتمون إلى «بني خالد» و«عيبة» و«السرحان» و«شمر». ويقيمون في بلدتي الجوف وسكاكا الرئيستين وفي اثنتي عشرة قرية، هي: الطوير، وقارا، واللقائط، والشويحطية، والطويل، ومغيرا، والمرير، والعيساوية، والنبك أبو قصر، واللحاوية، والتنبة، وخوعاء. وينتمي البدو إلى قبائل: الروالة، والحازم، والهميزات، والشرارات، وعنزة، وشمر. وتغلب على سكان المنطقة روح البداوة بما تتصف به من شجاعة ونخوة وإكرام الضيف.

النشاط الزراعي
يعتمد غالبية سكان منطقة الجوف في حياتهم على الزراعة وتربية الماشية وتجارتها، وتتوفر لديهم الأسباب الحافزة للنجاح وهي التربة الجيدة والمياه الغزيرة، والمناخ المعتدل. وإلى جانب ذلك، فإن الوحدة الزراعية هناك تسعى جاهدة إلى تنشيط الحركة الزراعية. وقد قامت في المنطقة حديثاً مزارع ناجحة أعطت محاصيل جيدة عادت على أصحابها بدخل جيد. ومن منتجات المنطقة الرئيسة التمور، والعنب، والخوخ، والمشمش، والرمان، والبطيخ، والشمام، والخضراوات بأنواعها، وكذلك القمح والشعير والبرسيم.

النشاط الفكري
مع أن الحركة الفكرية هناك تسير سيراً وئيداً، إلا أن إقبال الجيل الصاعد على تلقي العلم يبشِّر بمستقبل أدبي زاهر. ويوجد في المنطقة حالياً 28 مدرسة ابتدائية للبنين، وست مدارس متوسطة وثانوية، وخمس مدارس ابتدائية للبنات، ومعهد لإعداد المعلمات، عدا عدد من المدارس التي ما زالت قيد الإنشاء، وتشجيعاً للناشئة على العلم والتحصيل، وتعميماً للفائدة أنشأ معالي الأمير عبدالرحمن الأحمد السديري في سكاكا مكتبة ثقافية عامة على نفقته الخاصة، بعد أن زودها بحوالي 2500 كتاب تبحث في مختلف العلوم.

N_15994_05الحركة العمرانية
تبدو في الجوف تباشير حركة عمرانية ناشطة يسهم في إنعاشها كل من الحكومة والأهلين. فالحكومة تشق الشوارع الرئيسة التي تربط قرى الجوف بعضها ببعض، وتنشئ المدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق العامة، وتعبِّد الشوارع داخل القرى الرئيسة وتنيرها بالكهرباء، والأهلون يتطلعون إلى إقامة العمائر والمنازل الصحية الحديثة.

الصناعات المحلية
أما الصناعة في منطقة الجوف فتقتصر على إنتاج مواد البناء الضرورية وعلى الحِرف اليدوية المحلية، كصناعة الخناجر والسيوف وصياغة المجوهرات. وكانت الجوف لمدة طويلة خلت، مشهورة بصناعة العبي، إلا أن هذه الصناعة أخذت تضمحل تدريجياً حيث لم يعد لها أثر يُذكر.

وتوجد في الجوف ثلاثة مستوصفات وثلاثة مراكز صحية، بالإضافة إلى مستشفى سكاكا الذي يتسع لعشرين سريراً. ونظراً لطيب مناخ المنطقة يجري حالياً إنشاء مستشفى للأمراض الصدرية هناك يتسع لمئتين وخمسين سريراً.

تصوير: عبداللطيف يوسف

 

أضف تعليق

التعليقات