رأي ثقافي

غفلة المسؤولية الثقافية

ivory-off-white-paper-textureلزمنٍ طويل ساد في عالم الإنتاج الأدبي العربي مصطلح «المراكز والأطراف».

المراكز هي الأصل والمتن والمؤثّر، والأطراف هي الفرع والهامش والمتأثر.

وتكاد هذه المراكز تنحصر في ثلاث أو أربع عواصم عربية، تُعدّ هي حاضرة الثقافة العربية وموطن أنوارها الساطعة الشاملة؛ فيما تغطي المساحة المتبقية من الوطن الكبير؛ من الماء إلى الماء؛ الأطراف.

وربما كان لهذا المصطلح ما يسوّغه في فترةٍ من الفترات، وواقع الحال يصدّقه ويصادق عليه. فالمراكز هي الموئل وبؤرة الإشعاع في جميع ألوان الإنتاج الثقافي وطيفه الواسع الممتد الذي استمر وقتاً ليس بالقصير يغذي الأطراف في حركةٍ تكاد تكون ذات اتجاه واحد ببعده الاستهلاكي المحض. وقبل أكثر من عقدين وربما ثلاثة، أخذ هذا المصطلح يتزحزح ويتخلخل من داخل المراكز نفسها، فأقطاب الحركة الأدبية الرئيسة نالها الإعياء وجرت كثير من المياه تحت جسرها لتتراجع إلى الوراء بخطواتٍ ليست معدودة. إنما هي مسافة أنجزها جيل يُعد من الهامش «الحرافيشي» ليتقدّم وينسف مركز المركز إذا ساغ لنا التعبير.

وإذا كان هذا التحوّل قد جرى في المراكز نفسها؛ فأحرى أن يصبح في الأطراف على وتيرةٍ أسرع وفي فعلٍ تراكمي حتى غدا انفجارياً في السنوات العشر الأخيرة، بما يذيب إلى الأبد تلك التقسيمة التي توزّع حركة الثقافة العربية إلى متنٍ هو كل شيء وإلى هامشٍ حظُّهُ الفتات، وكان من الطبيعي أن نشهد أسماءً صلبة وأعمالاً إبداعية وفكريّة تصدر من الجانبين – بتقسيمتهما التاريخية – على مستوى واحدٍ من النضج والتمكن من الأدوات دون استدعاء المنظور السابق أو الاحتكام إليه.

الجميع يبدع.
الجميع يصنع الثقافة.
الجميع في حركة تنافذ وتعالق؛ تأثيراً وتأثّراً.
وعلى الرغم من انهدام هذا المصطلح وتبدّده. كما قلنا قبل قليل، إلا أن هناك من يريد تأبيده.

ولا يهمّ من يخلص لذاكرته، ويعصى عليه النسيان رغم شواهد التغيير، من جهة ما سُمِّي يوماً بالمراكز، ولكن مع الأسف الشديد والمرارة البالغة يعصفان بنا عندما نبصر من كان في «الأطراف» يوماً؛ لا يزال يصدر في تفكيره وتقييمه من هذا الأسر التشطيري.

فالمركز هو المركز والطرف هو الطرف.

وكأنما هي عقدة نقص تظل تعمل في اللاشعور وتظهر دلالاتها وما يعبّر عنها ليس في فلتات اللسان وزلات القول. إنما في العمل وعجلة الإنتاج وفي النظرة إلى الذات وإلى تقييم الساحة. ثمة مركز يُفزع إليه. ثمة مركز يقاس عليه. ومن يراقب تصرّف المسؤول الثقافي، خليجياً، وأرباب المؤسسات الثقافية والإعلامية؛ يلحظ ذلك الابتسار الذي يقزّم الذات الثقافية وكأنها لا تزال في المهد لا يعتمد عليها.

وربما بالغ هذا المسؤول مبالغة فاقعة في تلك النظرة التبخيسية فاعتبر – تلك الذات – غير موجودة مستنجداً بمن يسيّر له الشأن الثقافي ويشرف على مناسباته وفعالياته وإصداراته ويكوّن له لجانه، وفي هذا كله، إن حضر المثقف الخليجي صاحب الدار، فإنه يحضر على استحياء وربما مجرد رقم ينتمي إلى الوظيفة أو الحظوة أكثر من أي شيء آخر. والذنب هنا لا يقع على أحدٍ من أولئك المسيّرين والمشرفين وأعضاء اللجان وغيرهم، إنْ في النشر الإبداعي والفكري أو حتى في النشر الصحافي والإلكتروني الرسمي. ليس ثمة من ذنب يمكن أن يتحمّلوا وزره. إنما اللوم يقع على المسؤول الثقافي ومن تولَّوا زمام العمل الثقافي ونشاطاته وهم يعانون أزمة ثقة مع منتجهم الثقافي ومع الكادر الثقافي الوطني.

أضف تعليق

التعليقات