أقول شعراً

محمد أبو عبدالله

ما حاجتي للشعر، وهو دوائي!

استمع للقصيدة

MohdAbuabdalla + colorلا يفترض في الشعر بمفهومه الإنساني أن ينفصل أبداً عن ذات الشاعر الإنسان، حتى وإن ارتبط بغيره ارتباطاً وثيقاً. لذلك، فهو حاجة مُلحَّة تمنع الشاعر من اقتراف ما يريده محيطه، وتمنحه أن يتنفس ما يريد كما يريد هو، فبين الشعر والشاعر تندب اللامسافة ضيقها، ويرتبك الزمن بين وجوده ولا وجوده!، فالشعر مرآة الروح التي لا تتقن إلا أن تترجم عاطفة الشاعر، ولا يهمها إن كانت متناقضةً مع الواقع. فالكائن الذي يبتكره الشاعر من حيث لا ينفك عن مجاورة الواقع ليس إلا نظماً لا يصلح – ربما – إلا للتعليم أو التلحين والغناء!

فهمت من الشعر في أول لقاء بيننا أن مزاجه لا يستجيب – بالضرورة – للمعطيات، فرفقته مساحةٌ واسعة من الألم الشهي، وهو عنيدٌ يحب أن يلح عليه حبيبه (الشاعر) مراراً ويصبر عليه ويتحمل شحّه، بعد هذا قد يفيض عليه دون توقف.

ومن الظلم أن يختصر الشاعر – سواء المقلّ أو المكثر – علاقته بالشعر في مجموعاته الشعرية. ففي بعض النصوص – التي لا تصلح للنشر لسبب ما – مفاتيحٌ رسمت فتوحات الشاعر على خرائط أخرى لم يكن حتى ليلتفت لها لولا هذه النصوص، فالشعر والشاعر منظومة أكبر بكثير من مجرد مجموعة شعرية! صحيح أن هوية الشاعر لا تظهر للمتلقي إلا عبر المنصّة أو من خلال طبع مجموعة شعرية، ولا تخلد – ربما – إلا إذا حكم عليها الوقت أن تُكتب، لكن المجموعات الشعرية قد لا تكون إلا نتاج نصوص أخرى لم يحكم عليها الوقت أو الشاعر بأن تُكتب!

poemيُقال إن الشعر هو وسيلة الشاعر لمراودة ذاته، أما أنا فما زلت أتنفس الشعر منذ اثني عشر عاماً، أتنفسه وهو يكتبني، لم أكتب قصيدة واحدة، لكن مجموعة كاملة كتبتني، فأنا أؤمن بأن الشاعر لا يكتب النص وإنما الشاعر هو النص والشعر يكتبه.

عانيت كثيراً في تخليص نصوصي من العتمة. الحلكة كانت تعطيني شعوراً بالأمان لأنني لا أرى من خلالها شيئاً! لكنني كلما قررت أن أخطو خطوة إلى الأمام، أتردد في إطلاق سراح نصوصي التي ما زالت في المعتقل، حيث ينتابني شعور بالقلق حيال نشرها في أول شهقة للضوء لأنني أراها أقل مما أريد!

المرأة – بالنسبة لي كرجل – هي بوصلة الحياة وحياة الشعر، الحياة تشير باتجاهها في كل الظروف.. ولذلك، فإن الانطلاق من خلالها يشكِّل هاجساً مثالياً يوجه العاطفة بشكل صحيح، فالمعاناة والخوف والقلق الذي تحمله المرأة في حياتها تجاه عائلتها شبيه بمعاناة وخوف وقلق الشاعر تجاه مجتمعه ووطنه. ولهذا، فإن المرأة بالنسبة لي هي شاعرة الحياة التي لا تكتبها قصائدها.

هجرة في موسم السقوط

ماذا اقترفتَ لتسرقَ اطمئناني؟
لتكون أنت رؤاي حين أعاني؟!

ما زلتُ أملأ بالذنوبِ هواجسَ الأشياءِ منكَ
فأربكتْ ميزاني

أنا ما ادخرتُكَ للغيابِ،
فكيفَ تسلبني الظما
وشهيّةَ الغفرانِ؟!

لي فيكَ أحلامٌ
تسافرُ بيننا
قد هاجرتكَ
وضيّعتْ عنواني!

فبحثتُ في عمر المسافة،
لم أجد
غيرَ الخطى
والشك
والنسيانِ

أولستَ من علمتني يوماً
بأنَّ الشك
يقدح نشوةَ الفنّانِ؟!

ما بالها الأيامُ فيكَ تساقطت
فتركتها في التيهِ
دونَ مكانِ؟

هل أدمنتكَ غِوايةُ الماضي
فلم تُشْبِعكَ بعدُ براءةُ الإدمانِ؟!

أم كنتَ تؤمنُ بالقصيدة
ريثما خذلتك منها رعشةُ الإيمانِ؟!

افتح جنونك،
لا تدع للعقل أن يفتضَّ صوت الروح
والتحنان

فالعقل دربٌ حالكٌ
أنّى لهُ أن يشتهي حريّةَ الألوانِ؟!
العقل يسبح في مدارٍ مفردٍ
وأنا أريدكَ في مدارٍ
ثانِ

لا تنتخب وجعًا بديلًا عنكَ
فالأحلام لا تمتد
دونَ رهانِ

عُد بي لذاتكَ
حيثُ كنّا
حينَ أسقط
لا تفرط لحظةً بحصاني

فلربّما كان السقوط
ضريبةً تكفي
لفهمِ مخاوفِ الفرسانِ

هذا الترددُ
ليسَ إلا جرأةً
نحتاجها
لفضيحةِ الوجدانِ

فالشعرُ ينضجُ بالفضيحة
طالما لم يلتفت
لسذاجة الآذانِ

خذ ما تبقى منكَ
وابدأ رحلةً أخرى
ترمّمُ طبعكَ الإنساني

كل المراكبِ تشتهيكَ
وإن بدتْ
مأخوذةً بطفولة الشطآنِ

والبحرُ إن جافاكَ
فهي سجيَّة الأشواقِ
بينَ البحرِ
والربّانِ

أضف تعليق

التعليقات