لسنوات طويلة انشغلت بقضية انفصام المشرق العربي ثقافياً عن الجزيرة العربية ومنطقة الخليج. خُيّل لي أحياناً أن هناك تغييباً متعمداً للمثقف العربي الخليجي إلى درجة أن لا أحد فيما يُعرف بمنطقة الهلال الخصيب، من بين المثقفين المرموقين، يعرف حمد الجاسر، أو طاهر زمخشري، أو إبراهيم العريض، أو أحمد مشاري العدواني. وحين التقيت الناقد المعروف الأستاذ الدكتور سعد البازعي في حفل تكريم الشاعر عبدالله الجشي في منزل نجيب الخنيري أكد لي هذه الشعور، من خلال طرحه، في تلك المناسبة، لموضوع المركز والأطراف. المركز المتمثل في الشام ومصر عموماً وربما العراق، والأطراف المتمثلة في الجزيرة العربية والخليج العربي وربما المغرب العربي والسودان.
لقد بقي إخواننا في دول (المركز الثقافي) يتصورون أننا خُلقنا لنستهلك منتجهم الثقافي من غير أن نملك القدرة على تحقيق منتج منافس أو مماثل. وبينما اهتموا بالتعرف إلى أشخاص نكرات في أصقاع الأرض من أطراف أمريكا اللاتينية إلى الصين وأدغال إفريقيا لم يكلفوا أنفسهم عناء الوصول إلى أرض عربية عند أطراف أصابعهم؛ ليتعرفوا إلى ملامحها الفكرية والأدبية والشعرية ويدرسوا حياة روادها وينقلوا لقرائهم عبر العالم العربي مشهداً ثقافياً كبيراً ورائعاً لا تنقصه المعاناة ولا التضحيات.
إلى الآن حين تذكر عبدالله الغذامي، أو محمد الرميحي، أو قاسم حداد، أو تركي الحمد، أو عبده خال، أو محمد العلي، أو تركي السديري فإن واحداً من مائة مثقف فيما يسمى دول المركز الثقافي سيعرفهم؛ لأن ما ليس ممهوراً بختم ذلك المركز لا يعتد به ولا بجهده الفكري أو الأدبي. بل ويكون من باب التفضل عليه أحياناً لو دُعي إلى مهرجان أو منبر من منابر العرب الثقافية. وإذا استجاب للدعوة وحضر فإنه سيُعطى المكانة الأقل حتى لو كان رائداً، بينما سيحظى الآخر المنتسب إلى فوقية المركز بالمكانة الأكبر والمنبر الأوسع ليعبر عن نفسه وإبداعه، حتى لو كان مجتهداً مغموراً.
في موازاة ذلك، وبينما تفاءلنا بما ستضيفه الفضائيات على مشهدنا الثقافي العربي من عمومية التناول والطرح وتوافر فرصة الظهور الإعلامي الثقافي لكل العرب، إذا بنا نفاجأ بهذه الفضائيات تعرف العرب كلهم إذا تعلق الأمر بمهازل الغناء والرقص، بينما تذهب في برامجها الثقافية المعدودة والمحدودة مذهب النظرة الفوقية لمثقفي المركز حين لا يكون هناك (كبار) في المشهد الثقافي والأدبي والشعري العربي إلا في حدود الجغرافيا العربية المتفق عليها سلفاً وتعسفاً.
ويبدو جلياً في بعض الأحيان أن معد برنامج ثقافي قادم من دول المركز مستعد أن يستضيف مفكراً أو أديباً أو شاعراً خليجياً واحداً كلّما استضاف عشرة من غير الخليج؛ ليذر الرماد في عيون أصحاب القناة الخليجية فقط، وليس، إلا فيما ندر؛ لأنه يعترف بهذا الأديب أو الشاعر أو الروائي. فمسألة الاعتراف بالإبداع الخليجي تبدو محسومة ومحسوبة، إلى الآن، على الرجعية والبترودولار وما إلى ذلك من انطباعات محنطة نلوم فيها نحن الخليجيون الغربيين أكثر مما نلوم فيها إخواننا العرب، الذين اعتبرونا دائماً أقل إذا ما تعلق الأمر بالشأن الثقافي والفكري والصحافي وأننا لا نرقى إلى مستوياتهم في كافة أشكال الإبداع.
ولذلك عاش روادنا في الخليج ورحلوا وهم لم يتشرفوا بمقابلة إعلامي صغير من إعلاميي دول المركز الثقافي. ولم يحظوا بما حظي به مجايلوهم من الكبار العرب الآخرين. ولا يبدو أن هناك إلى الآن رغبة حقيقية في تغيير هذه النظرة الفوقية من عرب المركز الثقافي إلى عرب أو (أعراب) الأطراف، فالمسألة متعلقة بإرث تاريخي تصعب زحزحته، وإن كان من وجهة نظري لا تصعب مناقشته.