ملف العدد

يكاد زيتها يضيء

  • 15Malaf-17
  • 15Malaf-18
  • 15Malaf-19
  • 15Malaf-20
  • 15Malaf-21
  • 15Malaf-22
  • 15Malaf-23
  • 15Malaf-24
  • 15Malaf-25
  • 15Malaf-26
  • 15Malaf-27
  • 15Malaf-28
  • 15Malaf-29
  • 15Malaf-30
  • 15Malaf-31
  • 15Malaf-32
  • 15Malaf-33
  • 15Malaf-34
  • 15Malaf-35
  • 15Malaf-36
  • 15Malaf-1
  • 15Malaf-2
  • 15Malaf-3
  • 15Malaf-4
  • 15Malaf-5
  • 15Malaf-6
  • 15Malaf-7
  • 15Malaf-8
  • 15Malaf-9
  • 15Malaf-10
  • 15Malaf-11
  • 15Malaf-12
  • 15Malaf-13
  • 15Malaf-14
  • 15Malaf-15
  • 15Malaf-16

ولو لم تمسسه نار .. الشجرة المباركة الطيبة، لا شرقية ولا غربية.
عميقة الجذور في التراث الشرقي والمتوسطي.. غصنها رمز سلام وثمرها طعام طيب، وزيتها غذاء وضوء.

إنها في حوض المتوسط، كالنخلة في الجزيرة العربية، صاحبت هي وسنبلة القمح الإنسان منذ بداية مشواره مع الحضارة.

هاني روحي الخطيب ابن مدينة القدس التي يشكّل جبل الزيتون فيها جزءاً من رمزية مدينة السلام، كتب عن الزيتونة وزيتها مع إسهامات متفرقة من فريق القافلة.

ما هو سر هذه الشجرة؟
إنها لا تلفت النظر كثيراً بشكلها. فهي ليست بارتفاع النخلة أو شجرة السيكويا العملاقة. ولا توفر ظلاً كبيراً كشجرة السنديان الضخمة، ولا يصلح خشبها للبناء أو لصناعة المفروشات كخشب الجوز أو العرعر، ولا حتى هي ذات جمال شكلي لتكون مصدر وحي أدبي وشعري كما هو حال الحَوْر والدلب والصفصاف. فشكلها يوحي، خاصة عن بعد، بالشيخوخة والذبول، وتبدو بجذعها الملتوي المليء بالعقد أشبه برسم طفل ساذج غير واثق من نفسه. ورغم ذلك كله يختصر الكاتب لورنس داريل أهمية هذه الشجرة بقوله: إن شجرة الزيتون وزيتها شكّلا الحضارات منذ الأزمان الغابرة إلى عصرنا هذا .

فشجرة الزيتون بالنسبة إلى كل الحضارات التي قامت ولا تزال حول حوض البحر الأبيض المتوسط هي تماماً كالنخلة بالنسبة إلى الجزيرة العربية. ومنذ بزوغ فجر الحضارات استوت هذه الشجرة مع سنبلة القمح وعسل النحل لا كغذاء أو كسلعة اقتصادية فقط، بل كمعلم حضاري وثقافي تجذّر عميقاً في وجدان الشعوب.

شجرة لا مثيل لها
هناك شجرة لا أعرف مثيلاً لها تنمو فوق أرض آسيا أو جزيرة بيبلوس العظيمة. شجرة لا يمكن اقتلاعها بينما تعود إلى الولادة من تلقاء نفسها. شجرة هي مصدر خوف لجيوش الأعداء، تنمو في هذه الأماكن أفضل من أي مكان آخر، إنها شجرة الزيتون ذات الأوراق البرّاقة ومغذية أطفالنا، الشجرة التي لا يستطيع أحد، لا شاب ولا شيخ أن يدمِّرها أو يخرِّبها .

عندما كتب الشاعر اليوناني سوفوكليس هذا القول على لسان بطله أوديب حوالي العام 400 ق.م.، كان السؤال عن سر شجرة الزيتون قد أصبح من الماضي، وخصائص هذه الشجرة وميزاتها باتت معروفة من الجميع. فثمارها التي تكون مرّة عند القطاف تصبح غذاءً لذيذ الطعم بعد معالجته بطرق مختلفة. ومن عصير هذه الثمار يستخرج الزيت، الغذاء القديم جداً الذي لا يزال فتياً جداً، إذ أن استهلاكه لم يعرف التراجع خلال حقب التاريخ البشري، إن لم نقل إن الدراسات الحديثة تدعم مكانته وتتجه إلى رفع معدلات استهلاكه على حساب الدهون الأخرى.

وإضافة إلى كونه غذاءً، عرف الزيت استعمالات عديدة لعل أهمها في الماضي كان إضاءة المصابيح استفادة من قابليته للاشتعال، ومن ثم في صناعة الصابون والأدوية ومواد التجميل.. ورغم كل ذلك يبقى السر في الشجرة قبل الثمرة.

أحصى العلم الحديث 22 جنساً من الزيتون. وتحتوي هذه الأجناس على نحو 500 نوع مختلف، يزرع منها نحو 40 في حوض البحر الأبيض المتوسط. فحياة هذه الشجرة تتناغم تماماً مع المناخ المتوسطي، الحار جداً خلال الصيف وقليل الأمطار خلال الشتاء (المعدل هو 220 ملم سنوياً، وهو الأقل الذي يمكن أن تتحمله أية شجرة مثمرة).

تتكاثر الزيتونة بسهولة بالعقل والعقد والتطعيم. وتنمو بمقدار يتراوح ما بين 30 و 60 سم سنوياً ليصل ارتفاعها في حالتها البرية إلى 12 أو 14 متراً. أما الزراعي منها فيتم إيقاف نموه بالتقليم عند ارتفاع 5 إلى 8 أمتار.

والزيتونة شجرة دائمة الخضرة، تعيش أوراقها ثلاث أو أربع سنوات. وتثمر للمرة الأولى في عمر خمس سنوات، ويصبح عطاؤها مستقراً بعد 15 سنة، ويبلغ ذروته عندما تصبح في الأربعين.. وتستمر في العطاء نفسه – وهنا الأمر المدهش – لمدة 400 سنة على الأقل!! والكثير من أشجار الزيتون يعيش أكثر من ذلك ليتراوح عمره ما بين 700 و1000 سنة، وفي حالات استثنائية قد تعيش الزيتونة لآلاف السنين. فأشجار الزيتون التي زرعها الإمبراطور الروماني هوريان في القرن الثاني بعد الميلاد لاتزال حية في إيطاليا. وفي مرتفعات جبيل في لبنان أكد علماء فرنسيون أن عمر بعض أشجار الزيتون هناك يناهز الثلاثة آلاف سنة، ويحتاج جذع الواحدة منها إلى نحو ثمانية رجال ليتمكنوا من تطويقها بأذرعهم!

أما جذور هذه الشجرة فتغوص عميقاً في باطن الأرض، وقد تصل حتى عمق سبعة أمتار، في حين أنها تمتد أفقياً لتشكل دائرة قطرها نحو خمسة أمتار.. الأمر الذي يعطي هذه الشجرة صلابة وقوة ومناعة في تحدي الجفاف والأعاصير التي تقضي على الأشجار الأخرى.

العدو الوحيد لهذه الشجرة هو البرد. إذ أن تدني الحرارة إلى ما دون 7 درجات تحت الصفر يشكل خطراً كبيراً على حياتها، خاصة إذا طالت مدتة لعدة أيام. (الأمر غير وارد تقريباً في حوض المتوسط). ومع ذلك فإن تدني درجة الحرارة إلى ما يقارب الصفر (وهو أمر شائع في حوض المتوسط) يعتبر ضرورياً لكي تصبح هذه الشجرة مثمرة.

ويلخص الروائي الفرنسي تيد مونيه في روايته نانس الراعي قوة هذه الشجرة وقدرتها على الحياة بقوله: الزيتونة هنا، وستبقى مكانها. من الذي سيقتلها يوماً ما؟ الصاعقة النارية أم الإنسان الغبي بفأسه الحديد؟ إذا ضربتها الصاعقة في قلبها، فستبقى منتصبة لقرن من الزمن، حية بفضل سور يلف باطن الجذع الذي أحرقته نيران السماء. وإذا قطعها الإنسان إلى فتات صغيرة، فعلى الفأس والرفش والمعول الغوص عميقاً جداً لعدم ترك نثرة صغيرة من الخشب قد تنبعث لاحقاً في هيئة عشرين غصناً أخضر، ولا أي شبر من الجذور التي حياتها وقوتها من باطن الأرض الملتهب، أما أوراقها فستبقى طويلاً قبل أن تتحلل، وستصرخ كالخيول البرية عند إحراقها، وستعطي لهباً جميلاً يبعث على الندم.. هذه هي الزيتونة .

القطاف طقس لا يتبدل
ليست الشجرة وحدها التي تعمّر طويلاً. ففي عالم الزيتون يصبح كل شيء تقليداً لا يتغير. ففي خريف كل سنة يحين موعد القطاف وهو واحد على كل سواحل المتوسط.

هناك أناس يقفون حول الشجرة يقطفون ثمارها بأيديهم، وهناك من يضرب أغصانها العليا بعصا طويلة لتتساقط حباتها على أغطية كبيرة تكسو الأرض حول جذع الشجرة، وعدد من النسوة ينتقين حبات الزيتون المتساقطة فوق هذه الأغطية ويفصلنها عن الأوراق.. . هذا ما جاء في نص عثر عليه في قصر كنوسوس في اليونان ويصف قطاف الزيتون كما كان قبل نحو أربعة آلاف عام. واليوم، لا يزال المشهد نفسه يتكرر من دون أي تغيير يستحق الذكر في كل بساتين الزيتون في اليونان كما في سوريا وتونس وفرنسا وإسبانيا.

تم اختراع آلة لقطاف الزيتون. ولكن لأسباب عديدة، منها ما هو مجهول، لم تتمكن هذه الآلة من الحلول محل اليد العاملة. فقطاف الزيتون طقس سنوي، متعب وشاق، ولكنه ممتع. إنه وقت ينتظره المزارع بفارغ الصبر، لا لجمع الغلال فقط، بل للاستمتاع بالمكافأة على التعب. ولذا يعز عليه أن يجيّر هذا العمل إلى آلة تسلبه وقت الفرح بالقطاف.

وبسبب صغر حجم الثمار وانتشارها أينما كانت على الأشجار، يحتاج القطاف إلى أيدٍ عاملة كثيرة. ومعظم أصحاب البساتين يستعدون للأمر مسبقاً. فيستنفرون كل الطاقات البشرية المتوافرة من حولهم سلفاً، ويتعاقدون مع عمال موسميين لهذه الغاية. وحتى اليوم، فإن اليونان هي الدولة الوحيدة في العالم، التي يحظى الموظفون الحكوميون فيها بإجازات إضافية في فصل الخريف، للتوجه إلى قراهم لقطاف الزيتون.

الزيت.. هذا الذهب السائل
بعد القطاف تشيح الأنظار عن الشجرة التي كانت قبلتها طوال الربيع والصيف؛ لتتركز على تلال الزيتون التي ترتفع في غرف خاصة بالبيوت. هناك، تُنتقى كمية محدودة من أفضل الحبّات وأحسنها شكلاً لتحفظ للأكل. أما القسم الأكبر فيجب أن يتوجه خلال أيام معدودة، وقبل أن يلحقه التلف إلى المعاصر.

مبدأ عصر الزيتون واحد، وإن تبدّل من الاعتماد على حجر الرحى الذي كان يديره حمار أو بغل، إلى المعاصر الآلية الحديثة. تسحق حبّات الزيتون بعد غسلها بالماء، حتى تتحول إلى عجين. ومن ثم توزع عجينتها على أسطوانات من صوف تكدس فوق بعضها، وتضغط إما بحجر أو بمكبس آلي وهي تغسل في الوقت نفسه بالماء الساخن لتسييل الزيت، وانتزاع بقاياه من البذور والقشور المسحوقة. وينتهي السائل المتدفق من الكبس في أحواض كبيرة حيث يبقى ليوم تقريباً، يطفو خلاله الزيت فوق الماء، ويترسب الزيبار المؤلف من الماء النباتي والجزيئات الصلبة في القاع. ومن هذه الأحواض يعبّأ الزيت في جرار من الخزف أو قناني من الزجاج، حيث يبقى صالحاً للاستعمال حوالي سنة ونصف أو سنتين على الأكثر إذا تم حفظه بعيداً عن الحرارة والرطوبة.

ليس هناك زيت زيتون، بل زيوت زيتون
يقسّم الزيت إلى ثلاث فئات رئيسة: الأولى ونسبة الحمض فيها تكون 1.5 في المئة، والثانية تتفاوت هذه النسبة فيها ما بين 1.5 و 3 في المئة، أما الثالثة فما بين 3 و 4.5 في المئة. والزيت الجيد هو ما يحوي نسبة أحماض قليلة، ويستدل على ذلك بالعين من كثافته عند صبه. فالزيت كثير الأحماض يكون عادة رقيقاً وسائلاً أكثر من غيره.

ويتدرج الزيت في ألوانه من الأخضر إلى الأصفر، وفي مظهره ما بين البرّاق أو المعتم، وما بين الشفافية أو العكر، وحتى في رائحته التي تكون عطرية أو معدومة. وتعود كل هذه الاختلافات إلى نوعية التربة، وأحوال الطقس التي سادت الموسم، وطريقة العصر والتخزين.

فإذا كان الزيت واحداً بالنسبة إلى الكثيرين، فإن الذوّاقة والعريقين في التعامل مع الزيتون وزيته يوزعونه على نكهات مختلفة لكل منها استعمالاته الخاصة في المطابخ الراقية.

الزيت والزيتون على المائدة
يعتبر الوجود الدائم لصحن من الزيتون على طاولة الطعام تحصيل حاصل في معظم الدول المتوسطية. فيشكل عماد وجبة الفطور الصباحية، ومقبلات وجبتي الغداء والعشاء، أو يكون محل الحلوى في تلطيف المذاق في الفم بعد الانتهاء من وجبة طعام دسمة. كما أنه يدخل في صلب أطعمة عديدة فنجده إلى جانب الخضار في السَلَطَة اليونانية، وعلى البيتزا الإيطالية، ومحشواً داخل لفافات من الخبز في فرنسا.

أما الزيت فحضوره أقوى، إذ تشترك مطابخ كل الدول المتوسطية في تحضير مئات الأطباق التي لا قاسم مشترك بينها غير زيت الزيتون. فالمازة المؤلفة من أطباق صغيرة ومتنوعة والتي اشتهر بها المطبخ الشامي والتركي تقوم أساساً على زيت الزيتون نيئاً أو مطبوخاً مع الخضار والحبوب والحشائش. وثمة أطباق لا يصلح تقديمها إلا بزيت الزيتون مثل ورق العنب والفول الأخضر والهندباء، الحمص بالطحينة، والخضار بالزيت والفاصولياء.. من دون أن ننسى المنقوشة بالزعتر والجبنة التي يدخل الزيت في أساس مكوناتها إلى جانب الزيتون.

ولا يقتصر حضور زيت الزيتون على الأطباق المالحة، فثمة أصناف من الحلوى تُصنع منه، ومنها مطبق بالزيت والسكر المؤلف من طحين وماء وزيت زيتون وسكر حيث تُصنع عجينة تُرق وتُدهن بالزيت ويُوزع السكر عليها، وتُعاد العملية أكثر من مرة، ثم تخبز العجينة وتقدم. وهناك الكعك بالزيت وغير ذلك من الأصناف العديدة.

ويدخل زيت الزيتون في صلب أطباق المعجنات الإيطالية، وحتى في مكونات البيتزا والأسماك. وفي إسبانيا نجده في المقبلات وأنواع الحساء وأطباق الأرز والبيض والخضار إضافة إلى السلطات والدجاج واللحوم. وللدلالة على المكانة التي يحتلها زيت الزيتون في الطعام المتوسطي يمكن العودة إلى أي من الكتب الخاصة بالزيتون الصادرة في أوروبا، حيث إن معظمها يتضمن ملحقات ضخمة من عشرات ومئات الأطباق الخاصة بكل بلد، وتعتمد في تحضيرها على زيت الزيتون.

فوائد الزيت
والزيتون

يتألف الزيتون مما تتراوح نسبته ما بين 40 و50 في المئة من الماء، وما بين 15 و40 في المئة من الزيت، ومن 25 إلى 40 في المئة من المواد الصلبة التي تتألف بدورها من 70 في المئة من السكر، و20 في المئة من السليلوز و5 في المئة من البروتينات، و5 في المئة من الأملاح المعدنية.

وقد كشفت دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة المرأة العصرية أن نسبة السعرات الحرارية تقل في الزيتون الأخضر عمّا هي عليه في الأسود. فكل مئة غرام من الزيتون الأخضر تحتوي على 123 سعراً حرارياً، مقابل 234 سعراً حرارياً في الكمية نفسها من الزيتون الأسود.

أما الزيت الذي وصفه الشاعر الإغريقي هوميروس بـ السائل الذهبي ، فقد وصفه الطبيب أبوقراط بـ الدواء العظيم . والدراسات الحديثة تدعم يوماً بعد يوم صحة هذا الرأي.

فمما أدهش الباحثين منذ سنوات قليلة هو أن سكان جزيرة كريت اليونانية هم أقل الناس إصابة بأمراض القلب والسرطان في العالم. ومما زاد من الدهشة هو أن سكان هذه الجزيرة يستهلكون زيت الزيتون أكثر من أي شعب آخر. إذ أن نحو 33 في المئة من السعرات الحرارية التي يتناولونها يومياً تأتي من زيت الزيتون.

يحتوي زيت الزيتون على حامض طبيعي يُدعى حامض الأوليك، وهو الأفضل بين الدهون الأحادية غير المشبعة (Mono Unsaturated)، فيعمل هذا الحمض الفريد على زيادة الكوليسترول الجيد في الدم على حساب الكوليسترول السيء الذي يمكن أن يؤدي ارتفاعه إلى تصلب الشرايين وانسدادها، الأمر الذي بدوره له علاقة كبيرة بأمراض القلب والجلطات الدموية.

كما كشفت الأبحاث المخبرية التي أجريت في فرنسا (حيث الاهتمام العلمي بالزيت أكبر مما هو عليه في أماكن أخرى) أن تركيب زيت الزيتون قريب من تركيب الدهون في حليب الرضاعة. لذا، فإن امتصاصه أسهل على الجسم من امتصاص وهضم أية مادة أخرى. فإذا كانت عملية هضم طعام دسم في المعدة تتطلب نحو ثماني ساعات، فإن هضم وجبة مؤلفة من الخبز والزيتون، أو الزعتر والزيت لا يتطلب سوى نصف تلك المدة.

ويعدد البروفسور الفرنسي آلان شاربونيه مجموعة كبيرة من فوائد زيت الزيتون تشمل الكبد والمعدة والمسالك البولية والمصارين الدقيقة والهيكل العظمي والدماغ والأوعية الدموية والشرايين والقلب. ويشدد على أنه لا بديل عن زيت الزيتون ولا غنى عنه لتركيب العظم ونموه الطبيعي. كما أنه الطعام الدهني الوحيد الذي يساعد النساء على تلافي ترقق العظام مع التقدم بالسن.

وفي بريطانيا أدرج أطباء زيت الزيتون، إلى جانب الفواكه والخضار الطازجة، على قائمة الأطعمة المساعدة على الحد من الإصابة بسرطان القولون. ويعتقد أن زيت الزيتون يخفض كمية الصفراء، ويرفع من مستوى أنزيمات مهمتها تنظيم تبدد الخلايا في الأمعاء، في حين أن اللحوم مثلاً لها مفعول عكسي، إذ تزيد من الصفراء.

ويشير علماء يابانيون إلى أن دهن الجلد بزيت الزيتون النقي يقي من سرطان الجلد الناجم عن التعرض لفترات طويلة لأشعة الشمس.

ويُستخدم زيت الزيتون لوقف تساقط الشعر من خلال تدليك فروة الرأس به كل مساء وتغطيتها ليلاً، ثم غسل الرأس صباحاً، وذلك لمدة عشرة أيام. أما لإزالة تجاعيد الوجه والرقبة، فيصنع مزيج من زيت الزيتون وصفار البيض وبضع نقاط من الليمون، ويوضع المزيج كقناع على الوجه.

ولأن زيت الزيتون يحتوي على نسبة جيدة من فيتامين (هـ) المضاد للأكسدة، فقد كشفت الإحصاءات أن استهلاك ملعقة منه يومياً تقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تتجاوز 40 في المئة.

وثمة من ينصح بتناول قطرات من زيت الزيتون يومياً للوقاية من فقدان الذاكرة. ويقول الدكتور أنطونيو كابورسو الذي يرأس فريقاً علمياً من جامعة باري، إن زيت الزيتون يُبقي على أداء الدماغ لوظيفته بشكل فاعل عند بلوغ الإنسان سن الشيخوخة. إذ يبدو أن هناك حاجة متزايدة إلى الأحماض الدهنية غير المشبعة أثناء الانتقال إلى مرحلة الشيخوخة.

الزيتون تاريخ وجغرافيا
يجمع المؤرخون على أن ظهور شجرة الزيتون كان في البلاد المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، وعلى الأرجح في سوريا. ومن المرجح أن حضارة جزيرة كريت التي سادت حوض المتوسط ما بين العامين 4500 و 1450 ق.م. (تاريخ اندثار هذه الحضارة بفعل انفجار بركان سانتوريني) قد عرفت الزيتون والزيت، إذ عُثر في آثار قصر كنوسوس على خوابي زيت من الفخار يصل ارتفاع الواحدة إلى مترين.

أما أول تدوين لشجرة الزيتون فقد جاء ضمن الأرشيف الملكي الذي عُثر عليه في مملكة إبلا (قرب حلب بسورية)، التي قامت في الفترة الواقعة ما بين العامين 2600 و 2240 ق.م. إذ عثر ضمن هذا الأرشيف على اثنتي عشرة وثيقة تتعلق بأملاك الملك والملكة، التي كانت تضم 1465 هكتاراً من الأراضي المزروعة بالزيتون. كما تشير هذه الوثائق إلى وجود 4000 جرة زيت مخزونة ومخصصة للعائلة المالكة و7000 جرة أخرى للشعب.

وبما أن كل جرّة كانت تحتوي على ستين كيلو من الزيت، فهذا يعني وجود 700 طن من زيت الزيتون لاستعمال شعب إبلا الذي لم يتجاوز عدده 15 ألف نسمة. الأمر الذي يدل على أن صناعة زيت الزيتون كانت رئيسة في ذلك الوقت، وتتجاوز استخداماتها الطعام، وصولاً على الأرجح إلى التصدير التجاري.

فمن سواحل بلاد الشام انطلقت زراعة الزيتون لتعم معظم البلدان الواقعة حول المتوسط. فقد وصل الفينيقيون إلى دكار في السنغال جنوباً على شاطئ الأطلسي وإلى كورنويل في بريطانيا، وسواحل فرنسا الجنوبية حيث أسسوا مدينة مرسيليا. وكانت الزيتونة هديتهم إلى العالم.

وأخذت شجرة الزيتون في أوروبا المتوسطية مكانة فاقت مكانتها في وطنها الأم. فاليوم، صارت إسبانيا وحدها تمتلك 250 مليون شجرة مزروعة على مليوني هكتار، أي ربع المساحة المخصصة عالمياً لزراعة الزيتون، وهي تنتج حوالي 800 ألف طن من الزيت، أي 30 في المئة من الإنتاج العالمي.

وتأتي إيطاليا في المرتبة الثانية، ثم اليونان وفيها حوالي 137 مليون شجرة يعتني بها حوالي 700 ألف شخص أي 6.5 في المئة من السكان.

وفي شمال إفريقيا التي وصلتها الزيتونة عندما أسس الفينيقيون مدينة قرطاج في القرن التاسع ق.م. ظلت زراعة الزيتون مزدهرة حتى الفتح العربي عام 698م. حين بدأت بالتدهور نتيجة تفضيل التربة الأندلسية عليها. ولكن منذ القرن الخامس عشر، أي بعد سقوط الأندلس، أعاد العرب تركيز جهودهم على الزراعة في بلاد المغرب. ومنذ ذلك الحين وهذه الزراعة تتقدم باستمرار. وبلغت ذروتها في القرن العشرين. فقد أصبحت هذه الزراعة رائجة وشعبية إلى درجة احتلت معها صور الزيتون البطاقات البريدية في الجزائر وتونس.

وفيما تفيد التقارير الصحافية أن زراعة الزيتون في الجزائر تأثرت بشكل بالغ من جرّاء الاضطرابات الأخيرة، فإن تونس تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج الزيت بعد دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة. إذ تبلغ مساحة الأراضي المزروعة زيتوناً نحو مليون ونصف المليون هكتار، أي سبعة أضعاف مثيلتها في الجزائر.

أما في الموطن الأصلي لشجرة الزيتون ونعني به المرتفعات الساحلية في بلاد الشام، فلا تزال هذه الشجرة عنصراً مهماً في الاقتصادات الوطنية وإنتاجها يزيد على الحاجات المحلية، ليدخل في عداد الصادرات رغم عدم انتعاش زراعتها كما هو الحال في إسبانيا واليونان وتونس.

في سوريا التي تحتل المرتبة السابعة عالمياً يزرع الزيتون في الجبال الساحلية المحيطة بطرطوس واللاذقية وإدلب إضافة إلى هضبة الجولان التي تضررت كل الزراعات فيها نتيجة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي فلسطين، لا تزال زراعة الزيتون مورد رزق أساس لآلاف العائلات، وهو ثاني الصادرات الفلسطينية. غير أن هذه الزراعة تضررت جداً بفعل الاحتلال والاضطرابات الأمنية المستمرة. إذ تؤكد المصادر الفلسطينية أن الإسرائيليين اقتلعوا منذ العام 1967م نحو 350 ألف شجرة زيتون من أصل مليون شجرة. ولا يفوتنا في هذا السياق أن نشير إلى أن أحد الجبال المهمة في جوار مدينة القدس يحمل اسم جبل الزيتون.

وفي لبنان يشكل الزيتون الزراعة الرئيسة في مناطق الكورة وعكار والجنوب، حتى أن اسمه أطلق منذ القدم على صيدا عاصمة الجنوب (بالفينيقية صيدون أي زيتون). وإذا كان الزيت والزيتون الشامي قد خسر زعامته التاريخية كماً، فهو لم يخسرها نوعاً. إذ أن الذواقة حتى الأوروبيين منهم يقرّون بتفوق مذاقه ونكهاته المختلفة على باقي الزيتون في العالم.

من المتوسط إلى أمريكا.. وغداً في الصين
منذ اكتشاف أمريكا نقل المستوطنون الأوروبيون شتلات الزيتون إلى القارة الجديدة. وحاولوا زرعها أينما كان. ولكن وبمرور الوقت ازدهرت هذه الزراعة وتركزت في منطقتين: كاليفورنيا وجنوب تكساس. واليوم يسجل استهلاك الأمريكيين من الزيت والزيتون ارتفاعاً صاروخياً، وزراعته أيضاً، بسبب الأبحاث الطبية التي تكتشف كل يوم مزيداً من فوائده. أما أستراليا، فلا تزال بساتين الزيتون فيها فتية جداً، ولكن نظراً لتوافر المساحات والمناخ الملائم يتوقع الكثيرون أن تصبح هذه القارة لاعباً دولياً مهماً في مجال صناعة الزيت خلال عقدين أو ثلاثة من الزمن.

غير أن الترقب الأكبر هو لما ستؤول إليه زراعة الزيتون في الصين، التي قامت باستيراد بعض أنواع الزيتون الإيطالي وزرعته في المناطق الوسطى من جنوب البلاد حيث المناخ مشابه لما هو عليه في حوض المتوسط. وقد يكون من المبكر الحكم على آفاق هذه التجربة (كما هو الحال بالنسبة إلى أستراليا)، ولكن النتائج الجيدة التي أخذت بالظهور بدأت تثير قلق الأوروبيين.

حتى ورق الزيتون وزهره
عرف الطب الخصائص العلاجية لورق شجر الزيتون منذ القدم. والمؤكد أن الفراعنة استخدموا ورق الزيتون في تحنيط موتاهم. أما أول إشارة في الطب الحديث إلى أوراق الزيتون كدواء فتعود إلى 150 سنة خلت، في مقال نشر عام 1854م في مجلة صيدلانية أمريكية، وكتبه دانيال هانبوري الذي تحدث عن خصائص هذه الأوراق في معالجة الحمى والملاريا. ويقول الكاتب في المقال أنه كان يغلي حفنة من أوراق شجر الزيتون في لترين من الماء حتى يتبخر نصفه، ثم يسقي المريض من المحلول كأساً صغيرة كل ثلاث أو أربع ساعات حتى تزول الحمى، وذكر أن المادة شديدة المرارة في الأوراق هي الشافية، بإذن الله. وقد ثبت ذلك علمياً في وقت لاحق. إذ أعلن عالم إيطالي عام 1962م أن تلك المادة تُدعى Olevropein.

وفي تونس، ذكر باحثون أن إحدى المواد المستخلصة من أوراق شجر الزيتون تخفض من التوتر ومن السكر في الدم ومن مستوى حامض اليوريك بعد تجربتها على الفئران المخبرية، مما يبشر بإمكانية استعمالها عند البشر بعد استكمال التجارب المطلوبة. وحتى زهرة شجرة الزيتون فقد استعملت في بعض الوصفات العلاجية. وأكثر من كتب عن هذه الزهرة هو الدكتور ادوارد باخ الذي نشر عام 1938م نحو 38 وصفة طبية تعتمد في تركيبها على زهرة شجرة الزيتون لشفاء بعض الأمراض والحالات، منها الإرهاق وتوليد الطاقة في الجسم، واستعادة التوازن المفقود في فترات النقاهة. أما مضار الزيتون فتختصر بوجوب الامتناع عن تناوله عند المصابين بمشكلات صحية تستوجب تخفيض استهلاك الأملاح مثل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع ملح اليوريك، وذلك بسبب غنى الزيتون بالأملاح المعدنية، وأيضاً بسبب اعتماده على كثير من الملح لحفظه.

في صميم
حضارة المتوسط
عندما استضافت اليونان الألعاب الأولمبية خلال العام الماضي، اختارت غضن الزيتون شعاراً لها، والأمر طبيعي طالما أن الزيتونة هي الشجرة الوطنية الأولى في البلاد. ولكن ولأول مرة في تاريخ الألعاب الأولمبية الحديثة، توِّج الأبطال الفائزون في مختلف الألعاب بأكاليل خضراء من أغصان الزيتون إحياءً لتقليد أولمبي قديم. فإكليل الزيتون لا يختلف كثيراً عن إكليل الغار في تمجيد حامله البطل.. الأول للبطل الرياضي، والثاني للعسكري،، أي واحد للسلم والآخر للحرب.

كان ذلك أحدث فصل من الفصول الطويلة التي يتألف منها تاريخ شجرة الزيتون في وجدان الحضارات المتوسطية. ولا أحد يعرف على وجه الدقة ما هو الفصل الأول.

فمما يُروى أن نوحاً، عليه السلام، عندما أراد أن يستكشف انتهاء الطوفان العظيم، أطلق من الفُلْكِ حمامة، حلّقت بعيداً، وعادت إلى الفُلْكِ حاملة غصن زيتون مبشرة بانحسار الطوفان. ومنذ ذلك الحين، وغصن الزيتون هو رمز السلام في الشعارات المصورة الصادرة عن المنظمات العالمية، ونقيض البندقية في خطابات السياسيين. إنه رمز كل ما هو خيّر وإيجابي في وجه كل ما هو سيء وسلبي. وبهذه الصفة احتلت صورة الحمامة وغصن الزيتون الطوابع البريدية والميداليات التذكارية لمناسبات الدعوة إلى السلام. ومن أشهر الأعمال في هذا المجال ما رسمه الإسباني بابلو بيكاسو والفرنسي هنري ماتيس.

ولمناسبة الحديث عن الرسم، لا يمكن التغاضي عن أشجار الزيتون التي رسمها فان غوخ. فإن كان الكثيرون يرون أن هذه الشجرة تفتقر إلى الجمال بسبب كثرة العقد في جذعها الملتوي وأغصانها غير المتوازنة، فإن هذه السمات بالضبط هي التي شدت انتباه هذا الفنان الهولندي عندما اكتشف هذه الشجرة في فرنسا المتوسطية، فأوفاها حقها من التقدير في واحدة من لوحاته الرائعة. وبسبب عمرها الطويل وخيرها العميم، تصبح شجرة الزيتون معلماً حيثما وجدت، فتشغل مساحة وجدانية أكبر من حجمها المادي، وتعطي حتى اسمها لما يحيط بها.

في تونس أعطت الزيتونة اسمها لأكبر مسجد ومدرسة في العاصمة جامع الزيتونة الذي بناه الحسان بن نعمان في العام 80هـ. وأعطت اسمها لجبل الزيتون الشهير قرب مدينة القدس. كما أعطته إلى كل مكان تزرع فيه. ففي الكثير من قرى بلاد الشام تصبح كلمة الزيتون اسم ناحية من النواحي أو مكان محدد غالباً ما يكون مزروعاً بالزيتون. ولكن حتى بعد زوال الأشجار يبقى الاسم، كما هو حال كرم الزيتون في قلب بيروت.

وأعطت هذه الشجرة اسمها للناس: زيتون وزيتونة لعائلات عدة لا صلة قربى ما بينها، ولا شيء مشترك غير علاقة الأسلاف بشجرة الزيتون. وأيضاً لأفراد: أوليفيه بالفرنسية، وأوليفر بالإنجليزية.. وصولاً إلى المعادن والحجارة الثمينة الأليڤين للحجر الكريم ذي اللون الأخضر الزيتوني المعروف أيضاً بـ الزبرجد .

ففي تاريخ حوض المتوسط تلوّن حضاري وثقافي شبيه لكثافته وتنوعه على أية رقعة مماثلة على وجه الأرض. ومنذ نشوء الحضارات على سواحل هذا البحر قبل سبعة آلاف سنة أو أكثر، كانت هناك صدامات شبه مستمرة ما بين هذه الحضارات، وكان هناك تاريخ طويل من الحروب والعداوات. وكما أن الجامع الوحيد ما بين هذه السواحل المختلفة كان البحر، فإن المعلم الحضاري المشترك والأول كان ولا يزال شجرة الزيتون.

اقرأ عن الزيتون
اقرأ عن الزيتون

إضافة إلى الكتب التي تتحدث عن شجرة الزيتون من وجهة نظر زراعية، وتتجه إلى المزارعين بالدرجة الأولى، وهي متوافرة بكل لغات حوض المتوسط، برع الفرنسيون أكثر من غيرهم في الكتابة عن الزيتون وزيته من زاوية ثقافية وحضارية، إضافة إلى زاوية فن الطبخ.

وقد بدأت سلسلة الكتب عن الزيتون بالظهور منذ القرن الثامن عشر، تاريخ بدء الاهتمام العلمي الحديث بهذه الشجرة. ومن أقدم ما وصلنا مخطوط محفوظ في مكتبة فلورنسا مزين بعشرات الرسوم عن هذه الشجرة وأوراقها وثمارها وتعود إلى ما بين العامين 1770 و 1784م، وتحمل توقيعي الكونت لويجي فانتوني والدكتور جيونا بيرتوساني.

وفي المكتبات الفرنسية العديد من هذه الكتب، كان آخرها زيت الزيتون، طعم الامتياز في المتوسط ، الذي صدر خلال العام الماضي.

يتناول هذا الكتاب في مئتي صفحة زراعة الزيتون في كل من اليونان وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، إضافة إلى فصل أخير حول الزيتون في باقي دول العالم.

وفي كل فصل تتوقف المؤلفة سليفي تارودو أمام أشهر البيوتات التي تتولى زراعة الزيتون في هذا البلد أو ذاك، وتاريخ عائلاتها، وتقاليدها في الزرع والقطاف والعصر، إضافة إلى عرض لأشهر الأطباق الخاصة بكل بلد، ونصيب زيت الزيتون في تركيبتها.

وما بين كل فصل مخصص لبلد وآخر، تفرد المؤلفة مساحة خاصة لشجرة الزيتون بشكل عام: التاريخ، أشكال القطاف، الأنواع، نكهات الزيت المختلفة، ودوره العلاجي.

وبإمكان القاريء أن يستكمل معلوماته حول هذا الموضوع من خلال مواقع عديدة على شبكة الإنترنت نذكر منها:
http://www.oilrout.gr/thene.html
http://www.olivierdeprovence%20anglais/history.html
http://www.oliveleafextract.com/history.html

طرق حفظ الزيتون
طرق حفظ الزيتون
تتلون حبات الزيتون بواحد من لونين: الأخضر أو الأسود. وتتنوع طرق حفظه بتنوع الأذواق والعادات التي تختلف من بلد لآخر. فثمة من يحب شيئاً من المرارة في طعمه، وهناك من يفضل تحليته، أو إضافة نكهة الفلفل الحار والليمون الحامض، وحتى الكمون أو الزعتر الأخضر.

أسرع وسائل تحضير الزيتون هي الترويجة الشائعة في بلاد الشام. فبعد أن يُقطف الزيتون ويُغسل يُضرب بمطرقة خشبية حتى تتشقق قشرته، ثم يُنقع في الماء يوماً كاملاً. بعد ذلك يُرش عليه ملح الطعام ويوضع في مصفاة. وعندما يتغير لونه إلى الداكن بشكل ملحوظ، يمكن تقديمه على المائدة، ويكون طعمه مراً بعض الشيء غير أنه يحوي كل نكهة الزيتون الطازج. غير أن هذه الطريقة لا تسمح بالاحتفاظ بالزيتون صالحاً لأكثر من أيام قليلة.

أما لحفظ الزيتون لمدة سنة كاملة أو أكثر فهناك أكثر من طريقة، وأكثرها شيوعاً الطرق اليونانية، وأشهرها الزيتون المرصوص الذي يحضّر من الزيتون الأخضر الناضج. فـ يرصّ ، أي تشقق قشرته بمطرقة، ثم يوضع في جرار فخارية أو أوعية زجاجية ويغمر بالماء المالح. ويجب أن تكون كثافة الملح في الماء كافية لكي تعوم البيضة النيئة فيه. ومن الممكن تعطيره بورق الليمون أو الفلفل الحار أو الزعتر. ويصبح صالحاً للأكل بعد ثلاثة أسابيع تقريباً.
أما إذا اتبعت الطريقة نفسها من دون تشقيق قشرة حبة الزيتون، وأضيفت طبقة رقيقة من الزيت على سطح الوعاء، فتبقى الحبّات طازجة محتفظة بكامل نكهتها لأكثر من ستة أشهر، ولا تصبح حلوة المذاق إلا بعد أيام على فتح الوعاء الذي يحويها.

وهناك كبيس الزيتون، الذي يقوم على شق كل حبة منه برأس السكين، وفركه بالملح الخشن، ومن ثم غمره بالزيت وشرائح الحامض من دون ماء.

أما الطريقة الإسبانية فتعتمد أساساً على الزيتون غير الناضج الأخضر المائل إلى الاصفرار، فيوضع في محلول القلي ليزيل منه طعم المرارة لمادة الأوليوروبين، ثم يُغسل ويُغمر في محلول ملحي. وقد تنتزع من الزيتون النواة لتستبدل بحشوة مثل اللوز والفلفل الحلو. ثم يعبأ الزيتون في محلول ملحي طازج، ويعقم بالبسترة.

ومن الطرق التي لا يمكن حصرها هناك أيضاً الطريقة الأمريكية التي تتعامل مع الزيتون صناعياً، فتغمره في محلول القلي ثم تعرضه للهواء بالتناوب حتى تزول مرارته فيتحول لونه من الأخضر إلى البني الداكن. بعد ذلك تغسل الثمار وتخلل. وبعد التعليب يعقّم الزيتون في درجة حرارة تصل إلى 116 درجة مئوية.

لا تظلموا
زيت الزيتون

لا أحد يجرؤ على نقد زيت الزيتون نيئاً، ولكن هناك خطأ شائعاً يقول إن هذا الزيت ليس جيداً للطبخ؛ لأن الحرارة تبدّل طعمه ويصبح ضاراً. ولكن الواقع هو عكس ذلك تماماً. فزيت الزيتون يتحمل الحرارة ويصلح للطبخ أكثر من أية مادة دهنية أخرى. فالحرارة التي يبدأ معها هذا الزيت بالتدخين (أي يخرج منه دخان لا رائحة له ولكنه ضار) هي ما بين 210 و 230 درجة مئوية، في حين أن زيت دوار الشمس يدخّن عند وصول حرارته إلى 170 درجة مئوية، والزبدة عند 110 درجات.

إذن هو أفضل من غيره للطبخ والقلي، مع الانتباه إلى وجوب عدم تسخينه حتى مستوى انبعاث الدخان منه. وهذه قاعدة عامة تنطبق على غيره من المواد الدهنية.

كان غير شكل الزيتون
كان غير شكل الزيتون

إن كانت المتاجر الحديثة تحوي اليوم عشرات الأنواع والأشكال من الصابون، فالأمر لا يعدو أكثر من تنويعات شكلية مشتقة من أصل واحد: صابون زيت الزيتون.

فالمكونات الأساسية للصابون هي الدهون أو الزيوت تضاف إليها مادة قلوية غالباً ما تكون هيدروكسيد الصوديوم (المعروف شعبياً باسم محلول القلي أو الصودا الكاوية).

ومنذ مئات السنين وحتى اليوم كان كل من ينتج زيتوناً وزيتاً في حوض المتوسط يصنع الصابون أيضاً، ويستعمل لهذه الغاية زيت الموسم السابق الذي اقترب من انتهاء مدة صلاحيته للأكل.

ولهذه الغاية، يتم تذويب الصودا الكاوية التي تكون على شكل حجارة بلورية في الماء، ثم تضاف إلى الزيت الموضوع في قدر معدني كبير، ويُغلى المزيج على نار متوسطة. فتتشكل بفعل الحرارة قشدة الصابون في الخليط. ثم يضاف ملح الطعام لفصل الخليط إلى طبقتين، فيرتفع الصابون إلى الأعلى، وتترسب باقي المواد في الأسفل. ويصب الصابون الذي يكون سائلاً سميكاً وهو ساخن في قوالب، فيتصلب عندما يبرد.

وللحصول على الصابون السائل (الشامبو) يكفي استبدال هيدروكسيد الصوديوم بهيدروكسيد البوتاسيوم.

أما المطهرات والألوان والعطور التي تتسم بها أنواع الصابون التجارية فهي إضافات. ومن الممكن جداً في أنواع الصابون الرخيصة أن يكون قد تم استبدال زيت الزيتون بمواد دهنية أخرى.

أما الأصل النقي فهو صابون أخضر اللون يميل إلى الرمادي، برائحة الزيت الزكية، الرائحة التي تغنّت بها فيروز: كان غير شكل الصابون… كان غير شكل الزيتون

شجرة الزيتون في المملكة
لا يزال الطريق طويلاً جداً أمام شجرة الزيتون لتخرج من ظل النخلة في الجزيرة العربية. ولكن ما تحقق حتى الآن في مجال زراعتها يعد لافتاً للنظر بحجمه ونجاحه.

تتركز زراعة الزيتون في المملكة العربية السعودية في منطقتي الجوف وتبوك نظراً لما تتمتع به هاتان المنطقتان من تربة ومناخ مشابهين لما هما عليه في المناطق المتوسطية. وقد وصل عدد أشجار الزيتون في هاتين المنطقتين إلى نحو ثلاثة ملايين شجرة، أي ثلاثة أضعاف ما هو موجود منها في فلسطين، وضعفي ما في لبنان.

وقد حققت زراعة الزيتون في المملكة نجاحات على صعيدي الإنتاج والنوعية تفوق الوصف على حد تعبير الباحث ناصر بن إبراهيم الغصن من كلية الزراعة في جامعة الملك سعود في الرياض، الذي يقول إن الشركات الزراعية الكبرى في المملكة بدأت تستثمر في هذا المجال، وتزرع الآلاف من هذه الأشجار التي لا تحتاج إلى مياه كثيرة ولا إلى عناية مستمرة.

ويطالب الغصن بإنشاء مركز متخصص لأبحاث الزيتون لأهميته الغذائية والاقتصادية، يكون من ضمن مهماته اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذه الشجرة وتطبيق الحجر الزراعي حفاظاً عليها.

أضف تعليق

التعليقات