الشمس الحارقة والنبات

الشمس الحارقة لا تؤذي الإنسان فقط، بل النباتات، أيضاً. وإذ تمكَّن الإنسان من حماية نفسه باللجوء إلى الظل أو الاحتماء بأغصان الشجر، أو حديثاً باختراع المراهم الحامية من الشمس، فكيف تحمي النباتات والأشجار نفسها؟ وهي ثابتة لا تتحرك؟
للنبات مراهمه الخاصة، التي وجدها قبل أن يجدها الإنسان. فقد طورت النباتات آلية دفاعية داخلية معقدة جداً لحمايتها من أشعة الشمس الحارقة، سمّاها فريق علمي من جامعة ولاية أريزونا «الحماية الضوئية».
وتقول أيريس فيشر إحدى العاملات في الفريق إن مادة الكاروتينويد، وهي المادة التي تضفي اللون البرتقالي والفيتامين أ ،هي من يقوم بذلك، لكننا لم نكن نعلم كيف.
الكاروتينويد تعمل كأسلاك لأخذ الطاقة الفائضة من الشمس بعيداً، بوصفها إلكترونات لا حاجة لها. بذلك تحمي أنسجة النبات وعملية التركيب الضوئي من أشعة الشمس.
كان الوسط العلمي يعتقد، إلى حينه، أنه خلال عملية الحماية، يتأكسد الكاروتينويد أو يصبح مشحوناً. فيخسر إلكتروناً في هذه العملية. لكن فيشر وفريقها استنتجوا، بعكس ذلك، أن الكاروتينويد خلال عملية الحماية لا يحتاج إلى التأكسد. إنه يستطيع في حالته غير المشحونة أن يقوم بالمهمة.
وهذه النتيجة لها أهمية كبيرة علمياً، بعكس ما توحي به النتيجة لغير المختصين.

ألعاب الكمبيوتر والعنف

القلق من العنف المنتشر بين الأطفال يتعمق بين الأهل والمربين والمدارس في كافة أنحاء العالم. فهذا الجيل من الأطفال ربما لا يعرف لعبة واحدة من الألعاب التي تربى عليها الجيل السابق. والتي كانت بمعظمها تحتوي على الكثير من عناصر السلوك السلمي والمتعاون. فأطفال اليوم، خصوصاً في البلدان المتقدمة، لا يعرفون إلا ألعاب الكمبيوتر. ومعظم هذه الألعاب يكتنفها العنف. مما يرسخ عند الأطفال ثقافة العنف؛ وهذا يؤدي إلى أخطار كبيرة على المجتمع في المستقبل.
إزاء ذلك، تداعى علماء في التنمية البشرية، ومصممو ألعاب الكمبيوتر، ومدرسون، ومراقبون حكوميون، وفنانو رسوم متحركة، وأنتجوا لعبة كمبيوتر جديدة. تتناول معالجة المشكلات في صف الدراسة وفي الملعب دون استعمال القبضات أو الصراخ. وتقول الدكتورة ميلاني كيلين من جامعة ماريلاند، الاختصاصية بالتنمية البشرية والمشاركة في البرنامج، إن هذه اللعبة تساعد على الحل من خلال إعطاء التلاميذ فرصة للتفكير في لحظة وقوع المشكلة.
أطلق على البرنامج اسم: «المدرسة الهادئة: حيث يسود السلام». وتعتمد اللعبة على تحريك الأشياء مثل الأقلام والمحايات وغيرها وجعلها تتكلم لإيجاد البيئة المناسبة لإعطاء التلميذ النصيحة المطلوبة بطريقة غير مباشرة وموضوعية بإضافة جو من الفكاهة. حيث يعطى التلميذ فرصة الاختيار بين حل عنفي وآخر سلمي مع توفير حوافز ومكافآت لاختيار الحل السلمي.
تقول الدكتورة كيلين إن البرنامج يهدف إلى تمكين الأطفال من صنع خيارات وأخذ قرارات وما يتكشف بعدها من نتائج ومسؤوليات. وقد امتدح كثير من الأهل والمدرسين هذه اللعبة، كما أحبها الكثير من التلاميذ. لمن يريد هذه اللعبة فهي متوافرة دون مقابل على: rtassoc.com/gm_coolschool.html

البيوأركيولوجيا والصحة

يعتقد علماء الأنثروبولوجيا أن الإنسان تحوَّل إلى الزراعة منذ حوالي 10000 سنة. وذلك عند انتهاء العصر الجليدي الكبير، وبدء العصر الدافئ الذي ما زلنا نتمتع بالعيش فيه حتى اليوم. ومع نشوء فرع جديد لعلم الأركيولوجيا، البيوأركيولوجيا، أو علم الآثار البيولوجي، بدأت دراسة تأثير الزراعة على صحة الإنسان.
بعكس الاعتقاد السائد، فالزراعة كانت عاملاً سلبياً لصحة الإنسان. تقول أماندا مومرت، من جامعة أيموري، التي قادت فريقاً من الباحثين هو الأول من يقوم بهذه الدراسة التي نشرت في «مجلة الاقتصاد وبيولوجيا الإنسان» (آب،2011). تناولت الدراسة تأثير الزراعة على الصحة وعلى القامة.
تعرض المزارعون الأوائل إلى نقص في الغذاء، وإلى حالة من الكآبة، إذ اعتمدوا على محصول زراعي معيَّن ووحيد، مقارنة مع تعدد أنواع الأغذية التي كانوا يحصلون عليها عندما كانوا في مرحلة الصيد أو البحث عن الغذاء.
بالإضافة إلى أن الزراعة وما تفرضه من كثافة سكانية، أدت إلى تفشي الأمراض المعدية. ومن المحتمل أن يكون هذا الوضع قد تفاقم بغياب معالجة الصرف الصحي، وتربية الحيوانات الأليفة بالقرب أو داخل أكواخهم.
مع الوقت، أصبحت أيضاً قاماتهم تميل نحو الطول. وهذه الظاهرة، كما تقول مومرت، هي نفسها التي نشاهدها اليوم منذ 75 سنة مع ظهور أنظمة الأكل المصنع.
يعلق جورج أميلاغوس، المشارك في الفريق، قائلاً إن الإنسان دفع ثمناً بيولوجياً غالياً نتيجة تحوله نحو الزراعة، خصوصاً ما يتعلق بتنويع أنواع الأغذية. وحتى اليوم، فإن %60 من وحداتنا الحرارية تأتي من الذرة والرز أو القمح.
عندما نشر أميلاغوس كتابه عن هذا الموضوع سنة 1984 لم يقبل الوسط العلمي هذه النتائج. أما اليوم فهناك شبه إجماع علمي بقبوله. فالدراسة الواسعة التي قام بها هذا الفريق اليوم، تناولت الكثير من المحاصيل والزراعات، وشملت مناطق واسعة من الكرة الأرضية امتدت من الصين في جنوب شرق آسيا، إلى أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا. وكل الأوراق المقدَّمة، اعتمدت على منهجيات علمية موحدة لتقييم الصحة على مستوى الأفراد، من خلال دراسة الضغوطات النفسية وتأثيرها على مجمل الجمجمة وليس على منطقة واحدة منها فقط.
ذلك أن أهمية الدراسة الكلية للجمجمة تأتي، كما تقول مومرت، من أنه أحياناً تكون للفرد أسنان سليمة، لكنه مصاب بأمراض أخرى في غير مكان. يمكن أن نرى فجوات في الجمجمة تدل على الأنيميا أو سوء التغذية، لكن العظام الطويلة سليمة.
طول القامة، وفجوات الأسنان، وكثافة العظام، والكسور المتعافية، هي بعض العلامات المستخدمة لتقييم الصورة الكاملة لصحة الفرد.
فالعظام، تقوم باستمرار، بعملية إعادة تكيف. والجماجم لا تخبرك بالضرورة عن سبب موت الشخص لكنها تعطيك لمحة عن ماهية التكيف والصراع من أجل البقاء.
تخلص الدراسة إلى أن معرفة الطريقة التي تكيف بها الجسم البشري عشرة آلاف سنة إلى الوراء، تمكننا من فهم تكيفها اليوم.
إن الرأي السائد اليوم بين علماء التغذية، تواصل مومرت، هو أن السرعة بتزايد القامة، دليل على الصحة الجيدة، وهكذا يجب إعادة النظر في «ما هي الصحة الجيدة؟» فالتحديث والتسويق للمواد الغذائية يمكن أن تمدنا بوحدات حرارية أكثر. لكن هذه الوحدات ليست جيدة لنا. إنها جيدة لجعل القامة أطول. لكننا بحاجة لجعل العظام أقوى.

التفاؤل والعمر الطويل

الدماغ يركز، غالباً، على الجوانب المضيئة من المسائل. حتى عندما يبدو الواقع قاتماً، فنعتقد أن الأشياء تسير نحو الأفضل.
فقد أجرى حديثاً، فريق من علماء الأعصاب في معهد لندن الجامعي، دراسة واسعة تناولت تحديد المناطق في الدماغ التي تعمل عندما يستقبل المرء أخباراً سارة، والأخرى التي تتحرك عند استقباله أخباراً سيئة. ستتوصل هذه الدراسة إلى كيفية تأثير عمليات التفكير على سلوكنا اليومي.
ليس بإمكاننا أن نعرف ماذا سيحصل لنا في المستقبل؛ لكن بإمكاننا، في العادة، توقع بعض الاحتمالات أو المخاطر. مثلاً: إذا كنت سأذهب غداً إلى العمل فإن احتمال أن ألتقي زميلي هناك هي عالية جداً؛ لكن احتمال أن يمنحني زميلي هذا معاشه الشهري منخفضة جداً.
أجرى فريق العمل اختباراً على 19 متطوعاً أعطوا حوالي 80 سؤالاً لأشياء سيئة ستحصل لهم مثلاً سيصاب بالسرطان أو أن سيارته ستسرق. وجميعهم أعطوا احتمالات منخفضة. وكان الاستفتاء يجري خلال فحص الدماغ بتصوير الرنين المغناطيسي الوظائفي لتبيان كيف تتفاعل الأمكنة المختلفة في الدماغ عند توقع الجيد وكذلك السيئ. بعدها أعطي المتطوعون الاحتمالات الحقيقية لتلك الأسئلة؛ مثل الاحتمال الفعلي للإصابة بالسرطان. فكانت توقعاتهم أعلى قليلاً من الاحتمال الأول فقط.
وهذا السلوك عندنا له حسناته وله أيضاً سيئاته. إذا تفاءلنا كثيراً بأننا لن نصاب بالمرض، فربما لا نجري الفحوصات اللازمة فنقع في المحظور. بالرغم من ذلك، تستنتج الدراسة، أن التفاؤل يؤدي إلى صحة أفضل وإلى عمر أطول، بإذن الله.