بيئة وعلوم

المخلفات المعدنية

ثروة ثمينة أم مخاطر جسيمة

  • shutterstock_64190743
  • shutterstock_813196
  • shutterstock_9993664
  • shutterstock_41199043
  • shutterstock_44956951

كل المعادن التي استخرجها – ويستخرجها – الإنسان من باطن الأرض ويصنع منها آلات وأدوات منزلية وسيارات وطائرات وبواخر ودبابات، بأعداد لا حصر لها تنتهي إلى مصير واحد هو: «الخردة» أو «السكراب». فأحدث الآلات وأسرع الطائرات وأعتى الدبابات التي استخدمت في صناعاتها أطنان وأنواع كثيرة من المعادن يأتي عليها يوم وتصبح «خردة». لكن هذه «الخردة» سيف ذو حدين: فهي من جهة ثروة إذا ما أعيد تدويرها، وخطِرة إذا لم تعالج بالشكل الصحيح. المهندس خالد محمد العنانزة مهندس البيئة في الأمم المتحدة سابقاً، يجول بين منافع «الخردة» ومخاطرها، معرجاً على فوائدها الاقتصادية ومضارها البيئية، ومنتهياً عند ما سُنَّ من تشريعات في هذا الإطار.

من منا لم يشاهد باخرة قديمة على شاطئ بحر يعلوها الصدأ والتآكل، أو سيارات أو حافلة تالفة مركونة إلى جانب طريق أو مزرعة، أو لم ير منشأة صناعية ومحطة للطاقة توقفت من العمل، أو تجمعات للخردة في مناطق صناعية.

مَنْ لم يشاهدها حقيقة فلا بد أنه شاهدها على شاشة التلفاز في نشرات الأخبار أو في أحد الأفلام. فهذه المناظر تتسم بخصائص موحدة تجمعها، وهي مظهر الفوضى ويعلوها الصدأ والتآكل وانتشار روائح كريهة كما تشكِّل مكاناً للخارجين على القانون أو الفقراء الذين ليست لهم بيوت يعيشون فيها.

تشويه الصورة
إن انتشار المخلفات المعدنية بهذه الطريقة، يؤدي إلى مخاطر بيئية وصحية جسيمة، تبدأ بالتلوث الجمالي وتشويه الصورة الحضارية للمدن والقرى والسواحل البحرية، وتنتهي بالأضرار البيئية المترتبة على تحلل هذه المخلفات بمرور الزمن بفعل التآكل المعدني وما يسببه من انتشار الصدأ وتسرب الزيوت والمعادن الثقيلة إلى التربة والمياه. وفي أوقات كثيرة تستخدم هذه الهياكل المعدنية، كمجمع للنفايات والأوساخ وملجأ للحشرات والقوارض والزواحف. ومما يزيد من خطورة المشكلة، أن هذه الأماكن تشكِّل بيئة جاذبة للعب الأطفال الذين لا يدركون مدى خطورتها على صحتهم وسلامتهم. أما المخاطر الصحية المرتبطة بهذه المخلفات، فهي تتراوح بين إصابات وجروح بسيطة حتى تصل إلى مخاطر إشعاعية وكيميائية وما تسببه من أمراض وحوادث خطيرة على المدى القريب أو البعيد، إذ يعتمد مستوى الخطر على محتويات المخلفات المعدنية وطبيعتها وطريقة التعامل معها.

مصادر جديدة
فالمخلفات المعدنية أو ما يعرف بـ «الخردة» أو «السكراب» أصبحت من أهم التحديات البيئية التي تواجه العالم في القرن الواحد والعشرين، نظراً الى محدودية مواقع التخلص من النفايات وارتفاع تكاليف الإدارة البيئية المرتبطة بها، وصرامة القوانين البيئية والاتفاقات العالمية التي تضبط حركة النفايات بين الحدود الدولية. وفي الوقت نفسه تزداد أنواع المخلفات المعدنية وكمياتها نتيجة للتطور التقني والنمو السكاني وزيادة معدلات الاستهلاك في شتى مجالات الحياة. ولا ننسى الحروب والصراعات وما ينتج عنها من مخلفات معدنية خطرة تؤثر في الإنسان والبيئة. لكن في المقابل، أصبحت تجارة المخلفات المعدنية تسهم بفعالية في الاقتصاد العالمي من خلال توفير مصادر جديدة للمواد الخام وإحداث وظائف خضراء لفئة كبيرة عاطلة من العمل.

والمخلفات المعدنية هي منتجات أو معدات أو أجزاء معطلة أو منتهية الصلاحية أو تالفة أو غير مستخدمة، مثل السيارات والقطارات والطائرات والبواخر أو أجزائها التي انتهى عمرها الافتراضي أو خرجت من الخدمة نتيجة حوادث، وأصبح تصلحيها غير اقتصادي. كما تشمل مخلفات الآليات والمعدات العسكرية وبقايا الذخائر والمتفجرات وأجهزة الكمبيوتر القديمة أو المتعطلة والدراجات الهوائية والتجهيزات المنزلية والصناعية والآلات التي خرجت من الخدمة، والأسلاك الكهربائية والبطاريات المنتهية الصلاحية والعدد الكهربائية والميكانيكية والهوائية المعطلة، والمصانع والمنشآت الصناعية ومحطات الطاقة التي تعطلت أو توقف الإنتاج والتشغيل فيها بفعل حوادث أو كوارث طبيعية أو صناعية أو تركت مهجورة لأسباب اقتصادية.

حديدية وغير حديدية
ويمكن تصنيف المخلفات المعدنية إلى صنفين: الأول، معادن حديدية وتشمل الحديد والفولاذ والحديد المقاوم للصدأ (ستانلس ستيل). والثاني، معادن غير حديدية وتشمل النحاس والألمنيوم والقصدير والمغنيسيوم والزنك والنيكل والرصاص. وحسب اتفاقية بازل الدولية للتحكم في النفايات الخطرة وحركتها عبر الحدود، تصنف المخلفات المعدنية نفايات خطرة إذا انطبق عليها أحد شروط النفايات الخطرة وهي أن تكون سامة أو أكالة أو متفاعلة أو قابلة للاشتعال أو كانت موجودة في إحدى قوائم النفايات الخطرة التي تصدرها المنظمات الدولية مثل وكالة حماية البيئية الأمريكية أو وكالة حماية البيئة الأوروبية أو منظمة الصحة العالمية. ففي إفريقيا مثلاً التي يصدر إليها معظم مخلفات الدول المتقدمة من أجهزة إلكترونية ومنزلية، يعمد الناس إلى معالجة هذه النفايات بطرق بدائية مثل الحرق بالهواء الطلق من أجل الحصول على معادن يمكن بيعها. وحديثاً قام «الاتحاد السويسري لمختبرات علوم وتكنولوجيا المواد»، بمبادرة تسجيل مواقع إعادة تدوير مخلفات الأجهزة الإلكترونية في أنحاء العالم. وحذر «الاتحاد السويسري» من مخاطر استخدام طرق يدوية في التعامل مع هذه المخلفات.

ووفقاً لتقرير «الاتحاد السويسري»، تُعد غانا من أكبر الدول المستوردة للأجهزة الإلكترونية المستعملة. وأظهرت اختبارات أجريت في العاصمة الغانية، ارتفاع نسب التلوث بالرصاص ومواد أخرى في المدارس القريبة من مواقع معالجة النفايات الإلكترونية، بنسب تزيد بنحو خمسين مرة أعلى من المسموح به دولياً. كما أشار التقرير السويسري إلى أن الصين والهند تُعدان من أكبر مستوردي المخلفات الإلكترونية في قارة آسيا، حيث يوجد في مدينة تايزهاو الصينية أكبر موقع غير رسمي لمعالجة المخلفات الإلكترونية في العالم. وكذلك في اليابان تتكدس جبال من الأجهزة المنزلية المهملة، ويفيد بعض التقديرات أن السلع البيضاء، مثل الثلاجات وافران الطبخ، التي يلقى بها في الأنهار أو على جوانب الطرق في اليابان يصل عددها إلى حوالي 20 مليون جهاز سنوياً.

السلع البيضاء
ومسألة التخلص من السلع البيضاء والأجهزة الكهربائية في نهاية حياتها العملية، مثّلت مشكلة كبيرة في دولة تفتقر منازلها إلى مساحات لتخزين الأجهزة الزائدة على الحاجة، فكان الحل بوضع تشريع يقضي بوجوب صناعة أجهزة التلفزيون ومكيفات الهواء والغسالات والثلاجات بصورة تمكن من إعادة تصنيع ما يتراوح بين 50 و%60 منها. كما أن على المستهلكين أن يدفعوا أكثر من 25 جنيهاً إسترلينياً للتخلص من الأجهزة المنزلية.

وقامت شركة «باناسونيك» اليابانية ببناء مصنع لتفكيك هذه المخلفات وتدويرها بمعدل نصف مليون جهاز سنوياً. وحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي نفذ مشروع تقويم المواقع البيئية الساخنة في العراق (التقويم البيئي بعد الصراع)، فإن العراق يضم عدة آلاف من المواقع الملوثة بسبب مجموعة أوجه النشاط الصناعية والعسكرية وأضرار الحرب ومنها موقع ساحة النفايات (الخردة) العسكرية في منطقة تبعد 15 كيلومتراً جنوب بغداد. وهناك مواقع كثيرة ومهجورة ومفتوحة يمكن للعامة الوصول إليها، وتحتوي على كميات ضخمة من النفايات الخطرة والمدرعات المحطمة والمعدات التالفة وبقايا الذخائر. ومما يزيد من خطورة المشكلة أن بعض هذه المخلفات ملوث باليورانيوم المستنفذ الذي يمثل تهديداً حقيقياً لصحة البشر والبيئة. وفي الوقت الحالي تخضع المخلفات المعدنية خاصة مخلفات الحروب لدراسات معمقة من قبل مراكز الأبحاث والمنظمات الدولية المعنية بالشؤون البيئية والصحية لدراسة المخاطر المتوقعة على الإنسان والبيئة من هذه المخلفات التي غالباً ما تحتوي على مواد خطرة أو ضارة أو مشعة وما تسببه من حوادث وكوارث وأمراض خطيرة للإنسان وتؤذي البيئة بكافة عناصرها الماء والهواء والتربة.

كيف نتعامل مع المخلفات المعدنية؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب إدارة المخلفات المعدنية بطريقة سليمة بيئياً، وهذا يعني اتخاذ كل الخطوات العملية لضمان إداراتها بطريقة تحمي الصحة البشرية والبيئة من الآثار المعاكسة التي قد تنتج عنها. ومن منظور بيئي يمكن وصف ترتيب المناهج المتبعة في إدارة المخلفات بأبسط صورها على النحو التالي:
• منع أو خفض المخلفات:
إن الأولوية الأولى في إدارة المخلفات هي منع توليدها من المصدر أو خفضها كلما أمكن ذلك انطلاقاً من القول المأثور: «درهم وقاية خير من قنطار علاج».
• التدوير:
ينبغي للمخلفات الناتجة عقب تنفيذ تدابير المنع والخفض أن يعاد استخدامها أو تدويرها قدر المستطاع.
• إعادة التجهيز:
المخلفات التي لا يمكن إعادة تدويرها ينبغي معالجتها بطريقة تزيل عنها الخطورة.
• التخلص:
إذا لم يكن في المستطاع إزالة خطورة المخلفات فيمكن التخلص منها بطريقة آمنة تشمل مراقبتها لضمان عدم التسرب أو حدوث أي آثار ضارة أخرى.

التدوير في خدمة الاقتصاد والبيئة
إن نجاح خطط التنمية المستدامة، يعتمد بشكل رئيس على استخدام الإدارة البيئية السليمة والاستراتيجيات الوقائية لمنع التلوث ومنها التدوير الذي يعني الاستخدام الفاعل للمخلفات في عملية التصنيع أو بديل لمنتج تجاري. وفي الوقت الحالي أشار تقرير «معهد صناعة تدوير الخردة» الأمريكي ISRI لعام 2011م إلى أن صناعة المخلفات المعدنية (الخردة والسكراب) تسهم بشكل فاعل في الاقتصاد القومي الأمريكي حيث تشكل حوالي 90.6 بليون دولار أو %0.6 من الناتج القومي الإجمالي، وتوفر وظائف خضراء تقدر بـ 85 ألف فرصة عمل. وحسب نشرة scrap metal industry يتم سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية التعامل مع 150 مليون طن من الخردة منها 86 مليون طن من خردة الحديد والفولاذ والبقية خردة منوعة من النحاس والألمنيوم والرصاص. وفي أوروبا يتم التعامل مع 10 ملايين طن من خردة السيارات سنوياً، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 14 مليوناً بحلول عام 2015م. وفي بريطانيا يرسل مليونا سيارة سنوياً للخردة نتيجة تقادم عمرها أو بسبب حوادث الطرق.

وفي كل عام يتم تدوير ملايين السيارات والتجهيزات والمعدات التالفة لأسباب اقتصادية وبيئية. وتشير إحصاءات إلى أن %40 من حاجات العالم من المواد الخام، تتم تلبيتها من خلال تدوير المخلفات المعدنية. وهذا يسهم في توفير مساحات إضافية لمكبات النفايات الأخرى، ويساعد في حفظ الطاقة والمياه والمواد الخام ويقلل انبعاثات الغازات الدفيئة. وأشارت إحصاءات الاتحاد الأوروبي إلى أن استخدام المواد المعاد تدويرها بما فيها المعادن، يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 200 مليون طن سنوياً، ويخفض تلوث الماء عن طريق خفض الحاجة إلى مزيد من محطات المعالجة التقليدية. كما يفيد التدوير في تقليل عمليات التعدين وبالتالي المحافظة على التنوع الحيوي ويسهم في توفير فرص جديدة للعمل. وحسب تقرير صادر عن وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) تسهم عمليات تدوير المخلفات المعدنية بالفوائد الرئيسة التالية:
• خفض مخلفات التعدين بنسبة %97.
• توفير المواد الخام بنسبة %90.
• خفض تلوث الهواء بنسبة %86.
• خفض تلوث الماء بنسبة %76.
• توفير الطاقة بنسبة %74.
• خفض استهلاك الماء بنسبة %40.

كما أشار التقرير إلى أن إنتاج كل طن من الفولاذ الجديد باستخدام الخردة، يوفر 1.115 كغم من خام الحديد و625 كغم من الفحم و53 كغم من الحجر الجيري. وتوضح تقديرات الاتحاد السويسري لمختبرات علوم وتكنولوجيا المواد، أن الدوائر الكهربائية في 100 ألف هاتف محمول يمكن أن يستخرج منها كيلوغرامين من الذهب، وأكثر من 90 كيلوغراماً من النحاس و25 كيلوغراماً من الفضة، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو ربع مليون دولار.

الخردة تحف فنية
لقد ألهمت الخردة فنانين كثيرين للإبداع في تشكيل لوحات فنية جميلة، فمنهم من صمم مزرعة للأبقار باستخدام السيارات القديمة والمعادن التالفة. كما ابتكر الفنان الكويتي بدر المنصور لوحات فنية من المواد التالفة من خلال تحويله بقايا خردة الحديد وإطارات السيارات التي يلتقطها من الورش والشوارع وعوادم الشاحنات والزجاج المكسور والمتهالك والمسامير المستخدمة، إلى لوحات فنية ومشغولات حرفية ورسومات أثارت إعجاب الجميع. وحسب جريدة الأنباء الكويتية، فإن الفنان الكويتي الذي احترف المهنة منذ 12 عاماً يسعى لتسجيل اسمه في موسوعة «غينيس»، وسبق أن قام بتحويل النصف الأمامي لسيارة معدومة وعوادم، لشخص يعزف البيانو وآخر يعزف على القانون.

التفكيك قضايا شائكة
إن تفكيك السيارات والقطارات والبواخر والطائرات التي تعرضت لحوادث أو انتهى عمرها الافتراضي، وكذلك المعدات العسكرية المدمرة، أصبحت قضية شائكة تحتاج إلى إمكانات ومهارات خاصة ودمج البعدين البيئي والصحي فيها. وفيما يلي توضيح لآليات التفكيك المختلفة:

• تفكيك السيارات
إذا كانت سيارتك قديمة وتصليحها غير اقتصادي، أول ما يتبادر إلى ذهنك أن تطرحها في منطقة معزولة على الطريق أو أن تتركها بجانب بيتك. بفعلك هذا أنت تؤذي البيئة، وأفضل طريقة للتخلص منها هو بيعها إلى ورش الخردة والسكراب، حيث يتم الاستفادة وتدوير %98 منها إذ ينتج عن تفكيك السيارة عادةً %72 معادن حديدية و%11 معادن غير حديدية: %9 بلاستيك، %3 عجلات، %3 زجاج ، %2 سوائل. وتبدأ عملية التفكيك بالتخلص من السوائل الموجودة في السيارة مثل سوائل التبريد، الوقود، الزيوت، الفلاتر، لأنها تسبب تلوثاً للتربة ومصادر المياه، وتشكِّل تهديداً للبشر والحيوانات والنباتات. وهذه السوائل يمكن تجميعها للتدوير أو الطرح الآمن. بطارية السيارة تحتوي على الرصاص والأحماض، يتم تفريغها واعادة تدويرها. الزجاج والمرايا يمكن تدويرها أو صهرها. البلاستيك يمكن صهره وإعادة تشكيله لأغراض أخرى. أما بالنسبة للأجزاء المعدنية التي تشكل الجزء الأكبر من السيارة فيتم صهرها ويعاد استخدامها.

• تفكيك الطائرات
تشكل الطائرات المنتهية خدمتها، مشكلة للبيئة أثناء وجودها في ساحات المطار، بينما يتيح تفكيكها الاستفادة من المساحات الكبيرة التي تشغلها إضافة إلى الاستفادة من قطعها ومعادنها لا سيما معدن الألمنيوم الذي يصنع منه جسم الطائرة . فالألمنيوم الناتج من تفكيك طائرة بوينغ 747 مثلاً، يزن 70 طناً ويكفي لصناعة 1.5 مليون علبة مشروبات غازية. وتحتاج عملية تفكيك طائرة مثل بوينغ 747 إلى 60 يوم عمل تبدأ بالتخلص من المواد الكيميائية المستخدمة في الطائرة مثل غازات التبريد والزيوت والسوائل المختلفة، ومن ثم التجهيزات الداخلية من مقاعد وبدلات النجاة والخدمات الصحية وغيرها، وبعد ذلك تفكيك الأجهزة الميكانيكية والإلكترونية من محركات وأجهزة السيطرة في غرفة القيادة حتى تصل إلى جسم الطائرة وجناحيها. ووقع مطار الفجيرة الدولي أخيراً، مذكرة تفاهم لإنشاء أول مركز لإعادة تدوير هياكل الطائرات تتراوح قدرته الاستيعابية بين 16 و18 طائرة سنوياً، وذلك من خلال تطبيق أفضل الممارسات البيئية المستدامة في تفكيك الطائرات وإعادة تدوير قطعها. وتؤكد الدراسات أن هناك حوالي 6 آلاف طائرة ينتهي عمرها الافتراضي عام 2028م منها %22 في منطقة الشرق الأوسط.

• تفكيك البواخر
عندما تصبح الباخرة متقادمة في عمرها التشغيلي ويصبح تصليحها غير اقتصادي، يتم بيعها كخردة في الأسواق الدولية. وحتى أواخر القرن العشرين، كانت عمليات التفكيك تتم في موانئ الدول المتقدمة مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أما اليوم فتتم معظم عمليات تفكيك البواخر في الدول النامية نظراً لانخفاض تكاليف العمالة وضعف الرقابة البيئية. ومن بين كبريات الدول التي تفكك السفن باكستان، الصين، بنغلاديش. وفي معظم الأحيان لا يتم إيلاء الاعتبار لمعايير البيئة والصحة والسلامة عند تفكيك البواخر خاصة في الدول النامية. وأثار ذلك مخاوف كثير من الدول والمنظمات غير الحكومية. وفي ضوء ذلك، قررت الأطراف المشاركة في اتفاقية بازل الدولية للتحكم في النفايات الخطرة أن تتناول هذه المسألة كأولوية خصوصاً أن كثيراً من المواد الموجودة فوق البواخر أو داخلها تصنف كنفايات خطرة عند التخلص منها. وعادةً ينتج عن تفكيك البواخر نفايات تتكون من خردة حديدية وغير حديدية وماكينات ومعدات كهربائية -إلكترونية، ومعادن وأشغال التركيبات الخشبية والبلاستيكية والمواد المستهلكة من زيوت ومواد تشحيم ومواد كيميائية وغاز ونفايات خطرة مثل الإسبست وطبقات الطلاء الخارجية ومركبات ثنائي الفينل عديد الكلور. وقدر عدد السفن المرشحة للتفكيك من الأسطول العالمي للسفن التجارية سنوياً بين 500 و700 باخرة نقل بضائع عند مستوى عمري 25-26 سنة.

• تفكيك مخلفات الحروب:
تُعد عملية تفكيك المعدات العسكرية التي تخلفها الحروب والصراعات من أخطر عمليات التفكيك على الإطلاق، نظراً لخطورتها على الصحة والبيئة لأن الدبابات والعربات المدرعة تتكون من معادن سبائكية تنتج عنها أبخرة سامة عند تقطعيها وصهرها. كما أن الأسطح الخارجية والداخلية للمدرعات تكون عادةً مطلية بطلاء خاص تنتج عنه غازات نيتروجينية وأبخرة الكلوريد المائي عندما يسخن. وتحتوي المدرعة الواحدة على 150 كغم من مواد النفط و30 كغم من زيوت التشحيم و100كغم من مزيج الهيدروجين، وكميات مختلفة من مواد الإسبست والمواد المشعة والمواد المعززة بالألياف والمعادن الثقيلة. وقبل بدء عملية التفكيك يجب التخلص من هذه المواد بحسب خطورتها.

وفي الوقت نفسه، تحتوي مواد الخردة من الأسلحة والمعدات مثل الدبابات والطائرات الحربية والصواريخ والغواصات على كميات كبيرة من المعادن الثمينة مثل النحاس والألمنيوم والكروم والتيتانيوم والفولاذ العالي القوة. وعلى سبيل المثال تحتوي الدبابة الواحدة على حوالي 30 طناً من الفولاذ، كما تحتوي على طن واحد من الألمنيوم و145 كغم من النحاس الأصفر والبرونز و80 كغم من النحاس و52 كغم من الرصاص. وتفكيك مخلفات الحروب يحتاج إلى إمكانات وتجهيزات مادية وخبرات فنية متقدمة، لذلك فهي مكلفة جداً. وعلى سبيل المثال قدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تكاليف تنظيف المواقع الملوثة بمخلفات الحرب في العراق بمبلغ يزيد على 40 مليون دولار.

التوعية والتشريعات
تشهد البلاد العربية نمواً اجتماعياً وصناعياً متزايداً يتطلب معدات صناعية وتجهيزات منزلية ووسائل نقل بحرية وجوية وبرية. وعند التخلص من مخلفاتها نتيجة الحوادث أو التلف أو انتهاء عمرها الافتراضي، فإنها تشكل ضغوطاً على الموارد البيئية. ويمكن الحد من هذه المخلفات وتخفيض آثارها البيئية والصحية من خلال:
• إعداد خبرات فنية ومراكز أبحاث للتعامل مع قضايا المخلفات بمختلف أشكالها وأنواعها من خلال التدريب وتبادل المعرفة مع الدول التي تمتلك خبرات بهذا المجال.
• لما كان البعد الوقائي من أهم استراتيجيات حماية البيئة فإن تعزيز وتطوير ورش ومشاغل الصيانة للمحافظة على المعدات والتجهيزات ووسائل النقل المختلفة بأعلى جاهزية وزيادة عمرها الافتراضي، يُعد أمراً ضرورياً.
• سن قوانين وتشريعات لضبط عمليات استيراد الخردة والسكراب للتأكد من حاجتها الفعلية للمصانع وخلوها من المخاطر.
• سن قوانين وتشريعات لضبط عمليات استيراد السيارات وقطع الغيار وأجهزة الكمبيوتر والتجهيزات المنزلية والإطارات المستعملة.
• تبني إجراءات وقائية عند التخلص من معدات وتجهيزات مشعة أو إذا كانت تستعمل في أماكن فيها مصادر إشعاع مثل المستشفيات والمختبرات ومحطات الطاقة النووية والتعامل معها على أساس أنها نفايات نووية.
• تشجيع إقامة صناعات تدوير الخردة والسكراب لدورها في المحافظة على البيئة وحماية المصادر الطبيعية وتوفير فرص العمل.
• سن تشريعات بيئية تشترط على مالك السيارة المشطوبة أو الخارجة من الخدمة عدم التخلص منها في المدن والقرى والطرق إنما تدويرها لمعامل مختصة بذلك.
• تنظيف المدن والقرى والطرق من هياكل السيارات والمعدات التالفة وتدويرها لمعامل مختصة.
• تبني وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية القضايا البيئية وتنظيم برامج توعية لمختلف قطاعات المجتمع.
• إدخال موضوعات حماية البيئة وكيفية التعامل معها في المناهج الدراسية لتعزيز الثقافة البيئية.

أضف تعليق

التعليقات